«ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ»

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:30)

  ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺗﻔﺴّﺮ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺬﻛﺮ ﻟﻄﻤﺎﺕِ ﺗﺄﺩﻳﺐٍ ﺭﺣﻴﻤﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕِ ﻋﺘﺎﺏٍ ﺭﺅﻭﻓﺔ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍﻷﺣﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻭﻧﺴﻴﺎﻥ ﻭﻏﻔﻠﺔ ﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺟﺒﻠّﺘﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ.

ﻭﺳﺘُﺒﻴَّﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.. ﻣﻊ ﺑﻴﺎﻥ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﻴﻼﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺪّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺪﻋﺎﺋﻪ ﻭﻫﻤﺘﻪ ﻭﻳﺮﺍﻗﺒﻬﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ.

ﻧﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺎﺕ ﻟﻌﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺰﺩﺍﺩﻭﻥ ﺛﺒﺎﺗﺎً ﻭﺇﻗﺪﺍﻣﺎً ﻭﺟﺪّﻳﺔ ﻭﺇﺧﻼﺻﺎً.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ:

  ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻷﻭﻝ: ﺗﻬﻴﺌﺔ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺳَﻮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ.

ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺭَﺩّ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻭﺩﻓﻊُ ﺍﻷﺿﺮﺍﺭ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺄﺩﻳﺐُ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﻖ ﺳﻴﺮَﻫﺎ، ﺑﺈﻧﺰﺍﻝ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺑﻬﻢ.. ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ، ﻭﻳﻄﻮﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ (حاشية) ﻓﻤﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻣﻮﺍ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻹﻫﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﺎﻟﻮﺍ ﺟﺰﺍﺀﻫﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺑﻞ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ. ﻟﺬﺍ ﻧﺆﺟﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﺴﺄﻡ. ﻭﻧﺸﺮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧﻔّﻬﺎ ﺗﻨﺎﻭﻻ ﻭﺃﺑﺴﻄُﻬﺎ ﻓﻬﻤﺎً.

ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﻳﻬﻢ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ ﻭﺍﻹﻫﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮُ ﻭﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻓﻴﺘﻠﻘﻮﻥ ﻟﻄﻤﺔً ﺫﺍﺕَ ﺭﺃﻓﺔ ﻭﻋﻄﻒ، ﻭﻳﻨﺘﺒﻬﻮﻥ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻳﺴﺮﻋﻮﻥ ﺑﺠﺪ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻣﺮﺓً ﺃﺧﺮﻯ. ﺇﻥَّ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺴﻮﻕ ﻫﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ، ﻋﺸﺮﺓ ﻭﻧﻴﻒٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﻠﻘﻮﺍ ﻟﻄﻤﺔَ ﺣﻨﺎﻥ ﺭﺅﻭﻓﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻠﻘّﻰ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻄﻤﺔَ ﺯﺟﺮٍ ﻋﻨﻴﻔﺔ.

  ﻓﺎﻷﻭﻝ ﻣﻨﻬﻢ:

ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ.. «ﺳﻌﻴﺪ»، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺍﻧﺸﻐﻠﺖُ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺮ ﻋﻤﻠﻲ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺃﻭ ﺍﻧﻬﻤﻜﺖُ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻱ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻶﺧﺮﻳﻦ! ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮُ ﻭﺟﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﺑﺖُّ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔَ ﻟﻢ ﺗﻨﺰﻝ ﺇﻟّﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺇﻫﻤﺎﻟﻲ ﻭﻓﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻗﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ.. ﺛﻢ ﺑﺪﺃﻧﺎ ﻣﻊ ﺍﻻﺧﻮﺓ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻧﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﻧﻼﺣﻆ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺈﺧﻮﺗﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ.. ﻓﺄﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻘﺼّﻴﻨﺎ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﻗﺪ ﺃﺗﺘﻬﻢ ﻣﺜﻠﻲ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﻠﻘّﻮﻫﺎ ﺑﻀﺪِّ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﺼﺪﻭﻧﻪ، ﻟﺬﺍ ﺣﺼﻠﺖْ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔُ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻓﻤﺜﻼ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺸﻐﻼ ﺑﺈﻟﻘﺎﺀ ﺩﺭﻭﺱٍ ﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ «ﻭﺍﻥ» ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍﺩﺙ «ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻌﻴﺪ» ﺗﻘﻠﻖ ﺑﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻴﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ، ﻟﻢ ﻳﻤﺴّﻮﻧﻲ ﺑﺴﻮﺀ، ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪﻭﺍ ﻋﻠﻲَّ ﺣﺠﺔً ﻣﺎﺩﻣﺖُ ﻣﺴﺘﻤﺮﺍً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻗﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: «ﻣﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻶﺧﺮﻳﻦ»! ﻭﻓﻜﺮﺕُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﻞ «ﺃﺭﻙ» ﻷﻧﺰﻭﻱ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺮﺑﺔ، ﻭﺃﻧﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﺇﺫﺍ ﺑﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬﻭﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﻳﻨﻔﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﻭﻻﻳﺔ ﺷﺮﻗﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﺮﺑﻴﺔ، ﺇﻟﻰ «ﺑﻮﺭﺩﻭﺭ».

ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺮﺍﻗﺒﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕُ ﻭﺟﻮﺩِﻫﻢ ﺑﺤﻀﻮﺭﻫﻢ ﻣﺴﺎﺀَ ﻛﻞِّ ﻳﻮﻡ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﻭﻃﻼﺑﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﺳﺘُﺜﻨﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﺩﻣﺖُ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻢ ﺃﺫﻫﺐ ﻹﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﻭﻟﻢ ﺃﻋﺮﻑ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻫﻨﺎﻙ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﺷﻜﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻟﺪﻯ «ﻓﻮﺯﻱ ﺑﺎﺷﺎ» ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻭﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﺄﻭﺻﺎﻩ: «ﺍﺣﺘﺮﻣﻮﻩ! ﻻ ﺗﺘﻌﺮﺿﻮﺍ ﻟﻪ!». ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻄﻘﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻫﻮ ﻛﺮﺍﻣﺔُ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ، ﺇﺫ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺍﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔُ ﻓﻲ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻭﻓﺘﺮﺕُ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ -ﻣﺆﻗﺘﺎً- ﺟﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔُ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻗﺼﺪﻩ ﻭﺃﺗﻮﻗﻌﻪ، ﺃﻱ ﻧُﻔﻴﺖُ ﻣﻦ «ﺑﻮﺭﺩﻭﺭ» ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻔﻰ ﺁﺧﺮ.. ﺇﻟﻰ «ﺇﺳﺒﺎﺭﻃﺔ».

ﺗﻮﻟﻴﺖُ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻛﺬﻟﻚ.. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻛﺜُﺮﺕ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺘﺨﻮﻓﻴﻦ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻳُﺤﺒﺬُ ﻣﺴﺆﻭﻟﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﻋﻤﻠﻚَ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻠَّﺎ ﺃﺧﺬﺕَ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧّﻲ ﻭﺍﻟﺘﺮﻳﺚ؟!.. ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡُ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺑﻤﺼﻴﺮﻱ ﻓﺤﺴﺐ، ﻓﺄﻭﺻﻴﺖُ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺑﺘﺮﻙ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻲ ﻭﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ.. ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﻲُ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.. ﻓﻨﻔﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻔﻰً ﺛﺎﻟﺚ.. ﺇﻟﻰ «ﺑﺎﺭﻻ».

ﻭﻛﻨﺖُ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪُ ﺛﻌﺎﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻲَّ، ﻭﺃﺣﺪُ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻲ. ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﺃﺳﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻜﻢ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺧﻼﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻗﻀﻴﺘُﻬﺎ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭﻻ» ﻭﻟﻜﻦْ ﺧﺸﻴﺔَ ﺍﻟﻤﻠﻞ ﺃﻗﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﺕ.

ﻓﻴﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ! ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﺕُ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﻥ، ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻤﺤﺘﻢ ﺑﺄﻥ ﺃﺳﺮﺩَ ﻣﺎ ﺗﻠﻘﻴﺘﻤﻮﻩ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺭﺅﻭﻓﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﺴﺄﺫﻛﺮﻫﺎ، ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺃﻟّﺎ ﺗﺴﺘﺎﺀﻭﺍ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻓﻠﻦ ﺃُﺻﺮّﺡَ ﺑﺎﺳﻤﻪ.

  ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻮ ﺃﺧﻲ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﻃﻼﺑﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻴﻦ.. ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻠﻚ ﺩﺍﺭﺍً ﺃﻧﻴﻘﺔً ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ «ﻭﺍﻥ» ﻭﺣﺎﻟﺘُﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻡ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﺍﻭﻝ ﻣﻬﻨﺔ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ.. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺍﺳﺘﻮﺟﺒﺖْ ﺧﺪﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺫﻫﺎﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ، ﺃﺭﺩﺕُ ﺍﺳﺘﺼﺤﺎﺑﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻋﺪﻡَ ﺫﻫﺎﺑﻲ ﺃﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ، ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﻳﺸﻮﺏُ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﻗﺪ ﻳﻌﺮّﺿﻪ ﻟﻠﻨﻔﻲ، ﻭﻓﻀّﻞ ﺍﻟﻤﻜﻮﺙ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮﻙ ﻣﻌﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺪ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺗﻮﻗﻊ ﻣﻨﻪ، ﺇﺫ ﺃُﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺃُﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺃُﺭﻏﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ «ﺃﺭﻏﺎﻧﻲ».

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻭﻫﻮ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﻳﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺳﺎﻓﺮ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﺀ «ﺃﻛﺮﻳﺪﺭ» ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﺗﻪ، ﺗﻴﺴﺮﺕْ ﻟﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺒﺎﻫﺞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺳﻌﺎﺩﺗﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ. ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻘﻰ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻓﺎﺭﻗﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺪﺓ ﻣﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺣَﻞَّ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﺑﺰّﺗﻪ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺭﺗﺒﺘﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺒﺪﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻪ ﺣﻠﻮﺓً ﺧﻀﺮﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮِﺿﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗُﻌﺮِﺽُ ﻋﻨﻬﻢ، ﻛﻲ ﻳﻨﻬﻀﻮﺍ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﺠﺪٍ ﻭﻧﺸﺎﻁٍ ﻭﺇﺧﻼﺹ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻗﻠﺐ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ، ﻭﻫﻮ ﺭﺍﺑﻂ ﺍﻟﺠﺄﺵ، ﻓﻘﺪ ﺳﺎﻗﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﺴﻢ ﻟﻪ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ.. ﻓﺠﺎﺀﺗﻪ ﻟﻄﻤﺔٌ ﺫﺍﺕ ﺭﺃﻓﺔ، ﺇﺫ ﺗﻌﺮّﺽ ﻟﻪ ﻋﺪﺩٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﻟﻴﺘﻴﻦ، ﻓﺴﻠﺒﻮﻩ ﻟﺬﺓَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻓﻘﺪﻭﻩ ﻃﻌﻤَﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﻳﻤﺘﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﻌﺰﻑ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻤﺘﻌﺾ ﻣﻨﻪ ﻭﺗﻌﺰﻑ ﻋﻨﻪ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻒ ﺣﻮﻝَ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺍﺳﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺑﺠﺪٍ ﻭﻧﺸﺎﻁ.

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮ» ﻭﺳﻴﻘﺺُّ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﻪ ﺑﻨﻔﺴِﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﻟﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄﺕُ ﻓﻲ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺣﻴﺚ ﻓﻜﺮﺕُ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻓﻤﺎ ﺃﻥ ﺑَﺪﺍ ﻓﻲّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﺘﺮﺕُ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ. ﻓﺄﺗﺘﻨﻲ ﻟﻄﻤﺔٌ ﺭﺅﻭﻓﺔ، ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻭﺷﺪﺓ، ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺻﻔﻌﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺯﺟﺮﺍً ﻋﻨﻴﻔﺎً، ﺃﺭﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻔﺎﺭﺓً ﻋﻤﺎ ﺑﺪﺭ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻘﺮﺁﻧﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻵﺗﻲ:

ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻻ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺪَﺛﺎﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺅﺩﻱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺟﻤﺎﻋﺔً ﻳﻘﻊ ﺑﺠﻮﺍﺭ ﻣﺴﻜﻦ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ، ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ -ﺭﺟﺐ ﺷﻌﺒﺎﻥ ﺭﻣﻀﺎﻥ- ﻣﻘﺒﻠﺔٌ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻵﺗﻲ:

ﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﺅﺩِ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺪﻋﻲ، ﺃُﻣﻨَﻊ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻲ، ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﺖُ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻭﻟﻢ ﺃُﺻﻞِّ ﻓﻴﻪ ﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻳﻀﻴﻊ ﻣﻨﻲ ﺛﻮﺍﺏٌ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻤﺤﻠﺔ ﺳﻴﻌﺘﺎﺩﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.. ﻓﺮﻏﺒﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻳﻐﺎﺩﺭ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ -ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺐُّ ﺇﻟﻲَّ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻲ- ﺍﻟﻘﺮﻳﺔَ «ﺑﺎﺭﻻ»، ﻳﻐﺎﺩﺭﻫﺎ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻲ ﺃﺅﺩﻱ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻓﻖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤُﺤﺪَﺛﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻓﺎﺗﻨﻲ ﺷﻲﺀٌ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻏﺎﺩﺭ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﺴﻮﻑ ﻳَﻔﺘُﺮُ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻮ ﻣﺆﻗﺘﺎً. ﻓﺠﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔُ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔً ﻗﻮﻳﺔ ﺟﺪﺍً ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻨﺎﻥٍ ﻭﺭﺃﻓﺔ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﻓﻖ ﻣﻦ ﺷﺪﺗﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮﺭ.

ﻓﺄﻣﻠﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞَّ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺒﺎﺩﺓِ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻣﻞ -ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺑﻤﺎ ﺃﻟﻬﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ- ﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﺑَﺪﺭَ ﻣﻨﻲ ﻟﺪﻭﺍﻓﻊَ ﺷﺨﺼﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻄﺄٌ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺠﻢ ﺇﻟّﺎ ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ ﺑﺂﺧﺮﺗﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ.

  ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ». ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺣﺎﺿﺮﺍً ﻣﻌﻨﺎ، ﻓﺴﺄﻧﻮﺏ ﻋﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻧُﺒْﺖُ ﻋﻦ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻓﺄﻗﻮﻝ:

ﻛﺎﻥ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ» ﻳُﻮﻓﻲ ﺣﻖَّ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺃﻳّﻤﺎ ﺇﻳﻔﺎﺀ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋُﻴّﻦ ﻗﺎﺋﻤﻘﺎﻡ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ، ﻓﻜَّﺮ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺃﻥ ﻳُﺨﺒﺊ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ «ﺭﺳﺎﺋﻞ» ﺧﺸﻴﺔَ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒَﻪ ﻭﺃﺳﺘﺎﺫﻩ ﺃﺫﻯً ﻣﻨﻪ، ﻓﺘﺮﻙ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻣﺆﻗﺘﺎً، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻠﻄﻤﺔٍ ﺫﺍﺕ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﺣﻨﺎﻥ ﺗﻮﺍﺟﻬﻪ، ﺇﺫ ﻓُﺘﺤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻋﻮﻯ ﻛﺎﺩﺕ ﺗُﻠﺠﺌﻪ ﺇﻟﻰ ﺩﻓﻊ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻛﻲ ﻳَﺒﺮﺃ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺒﺎﺕ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﺣﺘﻰ ﺃﺗﺎﻧﺎ ﻋﺎﺋﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺄﻧﻘﺬﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ ﻭﺭُﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﺑُﺮﺋﺖ ﺳﺎﺣﺘُﻪ.

ﺛﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓُﺘﺢ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺧﻪ ﺑﺨﻂ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺑﻨﻤﻂ ﺟﺪﻳﺪ، ﺃُﻋﻄﻲ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺣﺼﺘَﻪ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﺴﺎﺥ، ﻓﺄﺟﺎﺩ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﺎ ﻛُﻠّﻒ، ﻭﻛﺘﺐ ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺎﻣﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﺣﺴﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻀﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺶ، ﻓﻘﺪ ﻟﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻛﺎﻟﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻤﻨﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻪ، ﺇﺫ ﺍﻧﺜﻨَﺖ ﺇﺻﺒﻌُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺗﻮﺭﻃَﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ ﻣﻦ ﺑﺄﺱٍ، ﻭﻋﺠﺰِﻩ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺻﺎﺑﻊ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﻣﻠﻮﺛﺔ، ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻹﺻﺒﻊ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﻧﺜﻨﺎﺀ: ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻐﻤﺴﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺛﻢ ﺗﻐﺮﻗﻨﻲ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ. ﻓﻨﺒﻬﺘْﻪ..

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﻌﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻮﺿﻊ «ﺧﻠﻮﺻﻲ»، ﻭﺗﻜﻠﻤﺖ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻪ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺜﻠُﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎً. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﺽَ ﺑﻮﻛﺎﻟﺘﻲ ﻋﻨﻪ ﻓﻠﻴﻜﺘﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ.

ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺑﻜﺮ» ﻭﺳﺄﺗﻮﻟﻰ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻨﻪ ﻟﻌﺪﻡ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻜﻠﻤﺖُ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺃﺧﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ، ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻠُﻪ ﺃﻳﻀﺎً، ﺃﺗﻮﻛﻞ ﻋﻨﻪ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻼﺻﻪ ﻭﻭﻓﺎﺋﻪ ﻭﺻﺪﺍﻗﺘﻪ ﺍﻟﺼﻤﻴﻤﺔ ﻭﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻳﻪ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ» ﻭ«ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ» ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺍﻷﺣﺒﺔ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺑﻜﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﻟّﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻄﺒﻊ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻓﻲ ﺇﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ، ﻓﺄﺭﺩﻧﺎ ﻃﺒﻊ «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ» ﺃﻳﻀﺎً ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺒﻞ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﺃﺭﺳﻠﺖُ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻛﺘﺒﺖُ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ: ﺳﻨﺮﺳﻞ ﻟﻚ ﺛﻤﻦَ ﻃﺒﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻊ ﺛﻤﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻳﻜﻠّﻒ ﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ، ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﻘﺮ، ﺃﺭﺍﺩ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﺎﻟِﻪ ﻭﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟِﻪ ﺃﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺭﺿﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻓﺨﺪﻋﺘﻪ ﻧﻔﺴُﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺎﺷﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻓﺄﺻﺎﺏ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻫﺬﺍ ﺿﺮﺭٌ ﺑﺎﻟﻎ.. ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﺳُﺮِﻗَﺖ ﻣﻨﻪ ﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﺅﻭﻓﺔ ﻭﺷﺪﻳﺪﺓ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻓﺘﻮﺭ. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝَ ﺍﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺻﺪﻗﺔٍ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ.

  ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ» ﺍﻟﻤﻠﻘّﺐ ﺑﺎﻟﺸﺎﻣﻲ، ﻭﺳﻴﻮﺭﺩ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ:

ﻧﻌﻢ، ﻟﻘﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﺳﺎﻗﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻓﺄﺗﺘﻨﻲ ﻟﻄﻤﺔٌ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﺎ، ﻭﺗﻴﻘّﻨﺖُ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺸﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔَ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻬﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔَ ﺧﻄﺄ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻭﺟﻬﻞٍ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ.

  ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺯّﻉ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻛﺎﻥ ﺣﻈﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺟﺰﺍﺀ، ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲَّ ﻗﺪﺭﺓً ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺗﺠﻮﻳﺪِﻫﺎ ﻛﺨﻂ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻓﺎﻟﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻭﻟَّﺪ ﻓﻲّ ﻓﺘﻮﺭﺍً ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺴﻮّﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻭﺗﺒﻴﻴﻀﻬﺎ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺪّ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﺋﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺑﻤﺎ ﺃﺟﺪﻩ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺇﺭﺷﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻗﻠﺖ ﺑﺸﻲﺀٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ: «ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻲ، ﺃﻋﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﻓﻼ ﺃﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﺻﻴﺔ!». ﻓﺘﻠﻘﻴﺖ ﻟﻄﻤﺔَ ﻋﻄﻒٍ ﻭﺭﺃﻓﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺧﻄﺄﻱ ﻫﺬﺍ، ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﻋﺠﺰﺕ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﺃﻗﺮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻓﺴﺒﻘﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ.. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺣﺎﺭُ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻱ ﻫﺬﺍ، ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺨﻠّﻔﺖُ ﻋﻨﻬﻢ ﺭﻏﻢ ﺗﻤﻴّﺰﻱ ﻋﻠﻴﻬﻢ؟! ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻵﻥ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﺣﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺿﺮﺑﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻛﺮﺍﻣﺔُ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ!

ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻱَّ ﺣﺎﻟﺘﺎﻥ ﺗﺨﻼﻥ ﺑﺼﻔﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺗﻠﻘﻴﺖُ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻫﻤﺎ ﻟﻄﻤﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻟﺘﺎﻥ ﻫﻤﺎ:

ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪ، ﺑﻞ ﻛﻨﺖ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﺣﻘﺎً، ﻓﻸﺟﻞ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﻭﺣﺸﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺟﺎﻟﺴﺖُ ﺃﻧﺎﺳﺎً ﻣﻐﺮﻭﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺘﻌﻠﻤﺖُ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻖ، ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﺿﻲ ﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ -ﻭﻻ ﺃﺷﻜﻮ- ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺃﺭﺍﻉِ ﺩﺳﺘﻮﺭَ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ، ﺭﻏﻢ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺗﺤﺬﻳﺮﻱ، ﺑﻞ ﺗﻮﺑﻴﺨﻲ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً. ﻓﻠﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ -ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ- ﺇﻧﻘﺎﺫ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ.. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ.. ﻓﻬﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﺎﻥ ﺍﺳﺘﻐﻠّﺘﻬﻤﺎ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦُ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﻓﺄﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ، ﻭﺗﻠﻘﻴﺖ ﻟﻄﻤﺔ ﻗﻮﻳﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔ ﺣﻨﺎﻥ ﻭﺭﺃﻓﺔ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﻉ ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﺸﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺿﻊ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻵﺗﻲ:

ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻮﺿﻊَ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻭﻛﺎﺗﺐ ﻣﺴﻮﺩﺍﺕ ﺭﺳﺎﺋﻠﻪ ﻭﺗﺒﻴﻴﻀﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻠﻢ ﺃﻧﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻱ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺷﻬﻮﺭ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﻭﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﻧﺘﺴﺎﺀﻝ: ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﺃﻱ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻧﻮﺭُ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺷﻐﺎﻑ ﻗﻠﺒﻲ.. ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺍﻵﻥ ﻋﻠﻤﺎً ﺟﺎﺯﻣﺎً، ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻮﺭٌ ﻭﺿﻴﺎﺀ، ﻭﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﻣﻊ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺼﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﺰﻟﻒ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.. ﻟﺬﺍ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕْ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ ﻋﻨﻲ ﻭﻏﺪﺕ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻏﺮﻳﺒﺔٌ ﻋﻨﻲ. ﺃﺳﺄﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺯﻗﻨﻲ ﺍﻹﺧﻼﺹَ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﻟﻠﻌﻤﻞ، ﻭﻳﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺬﻟﻞ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻭﺃﺭﺟﻮﻛﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺃﺭﺟﻮ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﻥ ﺗﺠﻬﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻲ.

 ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻤﻘﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ

  ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ: ﻫﻮ «ﺳﻴﺮﺍﻧﻲ»: ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﺻﻨﻮ «ﺧﺴﺮﻭ» ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻗﻴﻦ ﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﻣﻦ ﻃﻼﺑﻲ ﺍﻷﺫﻛﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺪّﻳﻦ.

ﺍﺳﺘﻄﻠﻌﺖُ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺭﺃﻱ ﻃﻼﺏ «ﺇﺳﺒﺎﺭﻃﺔ» ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺪّ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ. ﺍﺷﺘﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﺠﺪّ، ﻋﺪﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﻞ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺼﺮﻓﻨﻲ ﻋﻤّﺎ ﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﺎً ﻳﻘﻴﻨﺎً، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺃﺧﺮﻯ، ﺛﻢ ﺑﻌﺚ ﺇﻟﻲّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺟﺎﺭﺣﺔ ﺟﺪﺍً، ﺃﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻤﻴﻢ. ﻓﻘﻠﺖ: ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ ﻟﻘﺪ ﺿﻴﻌﺖُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻨﺎﺑﻪ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ؛ ﻓﺄﺗﺘﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺅﻭﻓﺔ.. ﻭﺩﺧﻞ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺯﻫﺎﺀ ﺳﻨﺔ.

  ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺯﻫﺪﻱ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ».

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﻗﺼﺒﺔ «ﺃﻏﺮﻭﺱ» ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺎﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻑ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻻﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﺴُّﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺑﻬﻢ ﺍﻟﺒﺪﻉ، ﻓﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺘﺴﻠّﻢ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﺪﻋﺔٍ ﺳﻴﺌﺔ، ﻣﺮﺗﻜﺒﺎً ﺧﻄﺄً ﺟﺴﻴﻤﺎً ﻣُﻨﺎﻓﻴﺎً ﻟﻤﺴﻠﻜﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ. ﻓﺘﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﻫﻴﺒﺔً ﺟﺪﺍً. ﺇﺫ ﺗﻌﺮّﺽ ﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﺩﺕ ﺗﻤﺤﻮ ﺷﺮﻓَﻪ ﻭﺷﺮﻑ ﺃﻫﻠﻪ، ﻭﻗﺪ ﻣﺴﺖ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔُ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺯﻫﺪﻱ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ» ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔٍ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ ﻟﺘﺼﺮﻑ ﻗﻠﺒَﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺪﻓﻌﻪ ﻟﻺﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﺘﻨﻔﻌﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

  ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺣﻤﺪ».

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺴﺘﻨﺴﺦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞَ ﻭﻳﻨﻬﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻼﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻫﻮ ﺩﺅﻭﺏٌ ﺷﻐﻮﻑ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ، ﺛﻢ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻼﺧﺘﻼﻁ ﺑﺄﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻌﻠّﻪ ﻳﺪﻓﻊ ﺃﺫﺍﻫﻢ ﻋﻨﻪ، ﻭﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻟﻬﻢ ﻭﻟﻴﻜﺴﺐ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻮﺳّﻊَ ﻣﺎ ﺿﺎﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻫﻤﻮﻡِ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻔﺘﺮ ﺷﻮﻗُﻪ. ﻭﺍﺳﺘﻐﻞ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺿﻌﻔَﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ ﻓﺘﻮﺭٌ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺟﺮّﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ، ﻓﺄﺗﺘﻪ ﻟﻄﻤﺘﺎﻥ ﻣﻌﺎً:

ﺃﻭﻻﻫﺎ: ﺿُﻢّ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺧﻤﺴﺔُ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ، ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﺭﻫﻖ ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ.

  ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﻫﻒ ﺍﻟﺤﺲ ﻭﻻ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺪﺳّﺎﺳﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ، ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪ ﻣﻮﻗﻌَﻪ ﻭﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻛﻠﻴﺎً، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻬﺠﺮﻭﻧﻪ، ﻓﻔَﻘﺪ ﺻﺪﺍﻗﺘﻬﻢ ﺑﻞ ﻋﺎﺩﻭﻩ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ؛ ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﻓﻘﻪ ﻟﻺﻓﺎﻗﺔ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻪ ﻭﻳﻌﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

  ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ: ﻟﻢ ﻳﺴﺠّﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ!.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﻏﺎﻟﺐ» ﻟﻘﺪ ﺧﺪﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥُ ﺑﺈﺧﻼﺹ ﻭﺻﺪﻕ ﻓﻲ ﺗﺒﻴﻴﺾ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﺨﺪﻣﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺪُ ﻣﻨﻪ ﺿﻌﻒٌ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻳﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ.

ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻀﺮ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻭﻳﻨﺼﺖ ﺑﻜﻞ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺷﻮﻕ، ﻭﻳﺴﺘﻨﺴﺦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞَ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺃﻳﻀﺎً، ﺣﺘﻰ ﺍﺳﺘﻜﺘﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺟﻤﻴﻊَ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ» ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓ ﻗﺪﺭُﻫﺎ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻟﻴﺮﺓ. ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﻨﺴﺎﺥ ﻧﺸﺮَ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ، ﻭﺇﺭﺷﺎﺩ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻓﺘﺮَ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﺑﻨﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﺃﺑُﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺳﺎﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ، ﻓﺤﺠﺐ ﻧﻮﺭَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻋﻦ ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓ ﺣﺎﺩﺛﺔٌ ﺃﻟﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍً، ﺗﺠﺮّﻉ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﺎ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻏﺼﺼﺎً ﻣﺪﺓ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﻮﺟﺪ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﻋﺪﺩﺍً ﻏﻔﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻇﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ﻟﻘﻴﺎﻣﻪ ﺑﻨﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﻔﻘﺪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀَ ﺃﻋﺰﺍﺀ ﻋﻠﻴﻪ.

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺧﺎﻟﺪ» ﻭﺳﻴﺬﻛﺮ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ:

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﺣﻤﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺴﻮﺩﺍﺕ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ»، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺷﺎﻏﺮﺓ، ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎﻣﺔُ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﻠﺘﻨﺎ. ﻭﺭﻏﺒﺔ ﻣﻨﻲ -ﺭﻏﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ- ﻷﻟﺒﺲ ﺟُﺒﺘﻲ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﻋﻤﺎﻣﺘﻬﺎ ﻓﺘﺮﺕُ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺿﻌﻔﺖْ ﻫﻤﺘﻲ ﻭﺷﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺟﻬﻼ ﻣﻨﻲ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺗﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺫﺍﺕ ﺭﺃﻓﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﺼﺪﻩ. ﺇﺫ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﻮﻋﻮﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺘﻌﻴﻴﻨﻲ، ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻮﻟﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﺮُﺏ ﻣﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺣُﺮﻣﺖُ ﻣﻦ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺠُﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﺎﻣﺔ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖُ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ. ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻳﺨﺎﻃﺒﻨﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻗﻴﺎﻣﻲ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﻮﺩﺓ، ﻓﺎﻧﺴﺤﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﻮﺩﺓ، ﺃﻭﻗﻌَﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺮﺝٍ ﻭﺿﻴﻖ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﻓﺪﺍﺣﺔَ ﺗﻘﺼﻴﺮﻧﺎ ﻭﻧﻌﻠﻢ ﻣﺪﻯ ﺳﻤﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﻧﺜﻖ ﺑﺄﺳﺘﺎﺫٍ ﻣﺮﺷﺪ ﻛﺎﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﻴﻼﻧﻲ ﻇﻬﻴﺮﺍً ﻟﻨﺎ ﻛﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺤﻔﻈﺔ.

 ﺃﺿﻌﻒ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺧﺎﻟﺪ

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ: ﻟﻄﻤﺎﺕُ ﺣﻨﺎﻥ ﺛﻼﺙٍ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ «ﻣﺼﻄﻔﻰ».

ﺃﻭﻟﻬﻢ: «ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ» ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻭﺗﺰﻭﻳﺪَ ﻣﺪﻓﺄﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﻔﻂ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﺒﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻓﺮﻫﺎ ﻟﻠﺠﺎﻣﻊ، ﻓﺨﺪﻡ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻳﺪﻓﻊ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﺎﻟِﻪ -ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ- ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺨﻠﻒُ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﺑﺪﺍً، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﺠُﻤﻊ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺇﻟّﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﻤﻞ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً. ﺃﺧﺒﺮﻩ ﺃﺣﺪَ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺑﻌﺾُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﺘﻐﻠﻴﻦ ﺻﻔﺎﺀَ ﻗﻠﺒﻪ: ﺑﻠّﻎ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻓﻼﻧﺎً -ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﻛﺘّﺎﺏ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ- ﻟﻴﻨﺰﻉْ ﻋﻤﺎﻣَﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﺫﻯ ﻭﻳُﺠﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺰﻋﻬﺎ، ﻭﺑﻠّﻎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ ﺍﻷﺫﺍﻥ ﺳﺮﺍً. ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻴﻎَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺛﻘﻴﻞٌ ﺟﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﻣﺜﻞ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﺼﻔﺎﺀ ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ ﺑﻠَّﻎ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺍﻟﺨﺒﺮَ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻥ ﻳﺪﻱ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻣﻠﻄﺨﺘﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻴﺮ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻘﺎﻡ ﻭﻳﺪﺧﻼﻥ ﻣﻌﺎً ﻏﺮﻓﺘﻲ..! ﻗﻠﺖُ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ: ﺃﺧﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ !ﻣَﻦ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ؟ ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺘُﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻭﺃﻧﺖ ﻣُﻠﻄﺦُ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﺳﺎﺋﺮﺍً ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻘﺎﻡ. ﻗﺎﻝ: ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ، ﻟﻘﺪ ﺃﺑﻠﻐﻨﻲ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﻛﻼﻣﺎً ﻭﺃﻧﺎ ﺑﻠّﻐﺘُﻪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆَ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ، ﻭﻟﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻣﻦ ﻛﻴﺪ.

ﺛﻢ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﺟﺎﺀ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ. ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﻓﻘﺪ ﻇَﻞَّ ﺑﺎﺏَ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻨﺎﻕ (ﺻﻐﻴﺮ ﺍﻟﻌﻨﺰ) ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻠﻮﺙ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﺳﺠﺎﺩﺗﻲ، ﻭﺟﺎﺀ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻓﺄﺭﺍﺩ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻏﻴﺮ ﺇﻧﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﻂ، ﻭﺣﺴﺒﻪ ﻣﺎﺀً ﻓﺮﺵّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﻢ ﺭﺍﺋﺤﺘﻪ. ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻪ ﻟ «ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ»: «ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻄﻚ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ، ﻟﻘﺪ ﺍﺭﺗﻜﺒﺖَ ﺧﻄﺄً ﺟﺴﻴﻤﺎً». ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺑﺮﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻦ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻻﺗﻪ. ﺛﻢ ﻧﺪﻡ ﻧﺪﻣﺎً ﺧﺎﻟﺼﺎً ﻟﻠﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺮَ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻓﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺻﻔﺎﺀُ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﺧﻠﻮﺹُ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ.

ﺍﻟﺸﺨﺼﺎﻥ ﺍﻵﺧﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑ «ﻣﺼﻄﻔﻰ». ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ «ﻗﻮﻟﻪ ﺃﻭﻧﻠﻲ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﺍﻟﻤﺠﺪّﻳﻦ، ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﻮﻓﻲ ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻣﺼﻄﻔﻰ»؛ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﻠّﻐﺖُ ﻃﻼﺑﻲ ﺑﺄﻥ ﻻ ﻳﺄﺗﻮﺍ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﻋﻘﺐ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻟﺌﻼ ﻳﻔﺘﺮَ ﺍﻟﻌﻤﻞُ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺗﻬﻢ. ﻭﺍﺳﺘﺜﻨﻴﺖ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﺮﺩﺍً ﻓﻼ ﺑﺄﺱ ﺑﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃُﻓﺎﺟﺄ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻣﻌﺎً ﻳﺄﺗﻮﻥ ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﻟﻴﻼ، ﻭﻳﺰﻣﻌﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ -ﺇﺫﺍ ﺳﻤﺤﺖ ﺃﺣﻮﺍﻝُ ﺍﻟﺠﻮ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ- ﻓﻠﻢ ﻧﺘّﺨﺬ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮَ ﺍﻟﺤﺬﺭ، ﻻ ﺃﻧﺎ ﻭﻻ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ، ﺑﻞ ﻧﺴﻴﻨﺎﻫﺎ ﺣﻴﺚ ﺃﻟﻘﻰ ﻛﻞٌ ﻣﻨﺎ ﺍﺗﺨﺎﺫَﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻏﺎﺩﺭﻭﻧﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻓﺠﺎﺀﺗﻬﻢ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺑﻌﺎﺻﻔﺔٍ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻣﺜﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ. ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﻟﻴﺘﻴﻦ ﻓﻘﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻗﻠﻨﺎ ﻟﻦ ﻳﻨﺠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺄﻟّﻤﺖُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻟﻤﺎً ﻣﺎ ﺗﺄﻟﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﺜﻠﻬﻢ. ﺛﻢ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﺑﻌﺚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ -ﻟﻌﺪﻡ ﺃﺧﺬﻩ ﺑﺎﻟﺤﺬﺭ- ﻟﻴﺘﻠﻘﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭَﻫﻢ ﻭﻳﺒﻠّﻐﻨﺎ ﻋﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﻭﺻﻮﻟﻬﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻗﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻓﺴﻴﺒﻘﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﻻ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ، ﻭﺳﺄﺗﺒﻌﻪ ﺃﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﺳﻴﺘﺒﻌﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻭﻛّﻠﻨﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً: ﺗﻮﻛﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻓﻮﺿﻨﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻴﻪ.

 *   *   *

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻧﻚ ﺗﻌﺪّ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ ﺇﺧﻮﺍﻧَﻚ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻙ ﺗﺄﺩﻳﺒﺎً ﺭﺑﺎﻧﻴﺎً ﻭﻟﻄﻤﺔَ ﻋﺘﺎﺏ ﻟﻔﺘﻮﺭﻫﻢ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﺩﻭﻥ ﺧﺪﻣﺔَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳﻌﺎﺩﻭﻧﻜﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﺤﺒﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻭﻓﻲ ﺳﻼﻡ ﻭﺃﻣﺎﻥ. ﻓﻠِﻢَ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﺻﺪﻳﻖُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻠّﻄﻤﺔ ﻭﻻ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻋﺪﻭﻩ ﻟﺸﻲﺀ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ: «ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻻ ﻳﺪﻭﻡ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﻳﺪﻭﻡ» ﻓﺄﺧﻄﺎﺀُ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﻭﻳُﺠﺎﺯﻭﻥ ﺑﺎﻟﺘﺄﺩﻳﺐ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻭﺍﻋﻴﻦ ﻳﺮﺟﻌﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺍﺑﻬﻢ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﺈﻥ ﺻﺪﻭﺩَﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻋﺪﺍﺀﻩ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻷﺟﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﺇﻥ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ -ﺳﻮﺍﺀ ﺷﻌَﺮ ﺑﻪ ﺃﻡ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻳﺪﻭﻡ، ﻓﻼ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﻌﻈﻤُﻬﻢ ﺍﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺑﺬﺍﺕ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺎﻗَﺐ ﻣﻦ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺃﺧﻄﺎﺀً ﻃﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳُﺴﺎﻕ ﻣﺮﺗﻜﺒﻮ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀُ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻬﻔﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﻜﺒﻬﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮﻫﺎ ﺟﺰﺍﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﻜﻔّﺮ ﻋﻦ ﺳﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻭﻳﺘﻄﻬّﺮﻭﺍ ﻣﻨﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﺟﺮﺍﺋﻢُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻓﻬﻲ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺟﺴﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻻ ﺗﺴﻊُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻋﻘﺎﺑَﻬﻢ، ﻓﻴﻤﻬّﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﺘﻘﺘﺺَّ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ، ﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﻠﻘﻮﻥ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻋﻘﺎﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: (ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺟﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﻨﺎﻝ ﻧﺘﻴﺠﺔَ ﺗﻘﺼﻴﺮﺍﺗﻪ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺟﺰﺍﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺑﺤﻘﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻜﺎﻥُ ﺟﺰﺍﺀ ﻭﻋﻘﺎﺏ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﺃﻋﺪّﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻌﻴﻢ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺳﺠﻦ ﻭﻋﺬﺍﺏ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﻸﻧﻬﻢ ﻣﺨﻠَّﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺗُﻤﻬَﻞ ﺳﻴﺌﺎﺗُﻬﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ ﺩﺍﺭَ ﻧﻌﻴﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﻼﻗﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻵﺧﺮﺓ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻦُ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﺃﺳﻌﺪُ ﺇﻧﺴﺎﻥ. ﻓﻬﻮ ﺃﺳﻌﺪُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﻛﻔﺮَ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻳﺴﺘﻌﺮ ﺟﺤﻴﻤﺎً ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ.