ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ

  ﺗﺨﺺ ﺣﻜﻤﺔ «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ»

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ (ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ:97-98)

  ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻳﺨﺺّ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﺳﺘُﻜﺘﺐ ﺛﻼﺙ ﻋﺸﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺠﻤﻞ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻨﻪ ﻗﺪ ﺃُﺛﺒﺖ ﻭﻭُﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺗﺪﺧﻞٌ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ -ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻭﻋﻨﺎﻳﺘﻪ- ﻇﻬﻴﺮٌ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥَّ ﺟﻤﺎﻝَ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺣُﺴﻨَﻪ ﻳﺸﻮّﻕ ﺃﻫﻠَﻪ ﻭﻳﺆﻳﺪُﻫﻢ، ﺑﻌﻜﺲ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺠَﻨﺔ ﺑﻘﺒﺤﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻔِّﺮ، ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺣﺰﺏَ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺣﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺷﺮّ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ؟.   

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﻟﺴﺮّ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻫﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺷﻲﺀٌ ﻋﺪَﻣﻲ ﻭﺳﻠﺒﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺃﺻﻴﻞ، ﻭﻫﻲ ﺇﺧﻼﻝٌ ﻭﺗﺨﺮﻳﺐ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔُ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻓﻬﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺫﺍﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺷﻲﺀ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﺃﺻﻴﻞ ﻭﻫﻲ ﺇﻋﻤﺎﺭٌ ﻭﺑﻨﺎﺀ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺭﺟﻞٌ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻡ ﻣﺎ ﺑﻨﺎﻩ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺭﺟﻼ ﻓﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً،. ﻭﺃﻥ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺿﻤﻦ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺺّ ﻗﺪﺭﺓَ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞّ ﻭﻋﻼ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﻤﻮﺕ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺪﻡٌ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺎ- ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻗَﻄﻊ ﻇﺎﻟﻢٌ ﻋﻀﻮﺍً ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺳﺎﺭ ﺍﻟﻤَﺜﻞ: «ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐُ ﺃﺳﻬﻞٌ» ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻤﻴﺮ.

ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺮّ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺑﻘﺪﺭﺗﻬﻢ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺣﻘﺎً ﻳﻐﻠﺒﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻷﻗﻮﻳﺎﺀ ﺟﺪﺍً.

ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻗﻠﻌﺔٌ ﻣﻨﻴﻌﺔ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﺘﺤﺼﻨﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻠﻮﺫﻭﻥ ﺑﻬﺎ، ﻓﻼ ﻳﺠﺮﺅ ﺃﻥْ ﻳﺘﻘﺮﺏَ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀُ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﻮﻥ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻮﻫﻢ ﺑﺴﻮﺀ. ﻭﻟﺌﻦ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻨﻬﻢ -ﻣﺆﻗﺘﺎً- ﻓﺎﻟﻔﻮﺯ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻷﺑﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﴿ﻭﺍﻟﻌﺎﻗِﺒَﺔُ ﻟﻠﻤُﺘّﻘﻴﻦَ﴾ (ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ:128) ﻳُﺬﻫِﺐ ﺃﺛﺮَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﺮّ ﻭﺍﻟﻘﺮﺡ.

ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺼﻦ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺳﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻄﺮ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ:

ﺇﻥَّ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺸﺮ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﻭﺗﺴﻠﻴﻄَﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺳﻮﻗَﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺩﺧﻮﻟَﻬﻢ ﺍﻟﻨﺎﺭَ ﺑﻤﻜﺎﻳﺪﻫﻢ، ﻫﻮ ﻗﺒﺢٌ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻣﺮٌ ﻣُﺮﻋﺐ. ﻓﻴﺎ ﺗُﺮﻯ ﻛﻴﻒ ﺗﺮﺿﻰ ﺭﺣﻤﺔُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻳﺴﻤﺢ ﺟﻤﺎﻝُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ ﻭﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ؟!.

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺨﻴّﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻛﻤﺎﻻﺕ، ﺗﺮﻗﻰ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﺳﻘﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻼﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﻣﺎ ﺗﻔﻮﻕ ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻭﻟﻜﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕُ ﻭﺗﻨﺒﺴﻂ ﻻﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ، ﻭﻻﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻭﺗﻌﺎﻣﻞ. ﻓﺤﺮﻛﺔُ ﻟﻮﻟﺐ ﺍﻟﺮﻗﻲّ ﻭﻧﺎﺑﺾِ ﺍﻟﺴﻤﻮّ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻫﻲ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ». ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻞ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ» ﺇﻟّﺎ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻀﺮّﺓ، ﺇﺫ ﻟﻮﻻ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ» ﻟﻈﻠّﺖ ﻣﺮﺗﺒﺔُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻛﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻈﻬﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺸﻲﺀ ﺃﻥ ﻳُﺘﺮﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮُ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍً ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺷﺮٍّ ﺟﺰﺋﻲ، ﻓﺈﻥ ﺍﻧﺰﻻﻕ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﻫﻤﻴﺔً ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢُ ﻭﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﺑﻨﻈﺮ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻭﻻ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺇﻟّﺎ ﻗﻠﻴﻼ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻻ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

  ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺷﺨﺺ ﻟﺪﻳﻪ ﺃﻟﻒٌ ﻭﻋﺸﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ، ﺯﺭﻋَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻓﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﺒﺘﺖ ﻋﺸﺮٌ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺃﻳﻨﻌﺖ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻔﻮﻕ -ﺑﻼ ﺷﻚ- ﺧﺴﺎﺭﺓَ ﺍﻷﻟﻒِ ﺑﺬﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻠﺘﻠﻒ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎﺯﺗﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ﻳﺘﻸﻷﻭﻥ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﺑﻴﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻔﻼﺡ، ﻭﺃﺿﺎﺀﻭﺍ ﺍﻟﺴُﺒُﻞ ﺃﻣﺎﻣَﻬﻢ ﻭﺃﺧﺮﺟﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﻤﺠﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.. ﻻﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺰﻳﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﻤﺄﺓ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻌﺪّﻭﻥ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﻟﺘﻔﺎﻫﺘﻬﻢ ﻭﺩﻧﺎﺀﺗﻬﻢ. ﻟﻬﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺭﺿﻴﺖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ ﻭﺳﻤﺤﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺑّﺎﻧﻴﺔ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺗﺴﻠّﻄﻬﺎ.

ﻓﻴﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ! ﺇﻥَّ ﺩﺭﻋﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ ﻟﺼﺪ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ، ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺇﻥ ﺧﻨﺎﺩﻗﻜﻢ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﻫﻲ ﺳُﻨّﺔ ﻧﺒﻴّﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ. ﻭﺃﻣﺎ ﺳﻼﺣﻜﻢ ﻓﻬﻮ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓُ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﺯِ ﺍﻹﻟﻬﻲ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺃﻳﻦ ﻳﻜﻤﻦ ﺍﻟﺴﺮُّ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﻋﻴﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺮﻋﺐ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪِﻩ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻋﻤﻞٍ ﺟﺰﺋﻲ ﺻَﺪَﺭ ﻣﻨﻬﻢ، ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻊ ﺑﻼﻏﺘِﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘّﺴﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺃﺳﻠﻮﺑِﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠِﺰ ﺍﻟﺮﺯﻳﻦ. ﺇﺫ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺸّﺪ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵَ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﺟﺰ ﻻ ﺣﻆّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ، ﻓﻴُﻜﺴِﺒُﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔَ ﺷﺮﻳﻚٍ ﻣﺘﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪَّﻩ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺳﺮَّ ﺫﻟﻚ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﻭﺳﻊ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻣَﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﺘﺨﺮﻳﺐ ﻣﺪﻣّﺮ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺴﻠﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻓﻴﻠﺤِﻘﻮﻥ ﺑﻔﻌﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﻳﺼﺪﺭُ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺴﺎﺋﺮَ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ، ﻣَﺜﻠﻬُﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻛﻤﺜﻞ ﺭﺟﻞٍ ﺭﻛﺐ ﺳﻔﻴﻨﺔً ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﻟﻠﻤﻠِﻚ ﺛﻢ ﺧﺮَﻗﻬﺎ ﺧﺮﻗﺎً ﺑﺴﻴﻄﺎً، ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﻭﺍﺟﺒﺎً ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻳﻪ، ﻓﺄﻫﺪﺭ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺟﻬﺪَ ﻣَﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭﺃﻓﺴﺪَ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟَﻨﻲَ ﺛﻤﺎﺭ ﻋﻤﻠِﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺃﺑﻄﻞَ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﺳﻴﻬﺪّﺩﻩ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﻬﺪﻳﺪﺍﺕٍ ﻋﻨﻴﻔﺔ، ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺘﻀﺮﺭﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺳﻴﻌﺎﻗﺒﻪ ﺃﺷﺪّ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺣﺘﻤﺎً، ﻻ ﻟﺤﺮﻛﺘﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﻛﻪ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻠﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﻙ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺘﺠﺎﻭﺯﻩ ﺣِﻤﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﺘﻌﺪّﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﻔﻴﻨﺔُ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺨﻔّﻮﻥ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺑﻞ ﻳﻌﺪّﻭﻧﻬﺎ ﻋﺒﺜﺎً ﻭﺑﺎﻃﻼ، ﻓﻴﺤﻘّﺮﻭﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﺗﺸﻜّﻞ ﺧﻄﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻭﻣﻌﺎﺻﻴﻬﻢ -ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ- ﺗﺠﺎﻭﺯﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻭﺗﻌﺪّﻳﺎً ﺻﺎﺭﺧﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔً، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﻠﻚ ﺍﻷﺯﻝ ﻭﺍﻷﺑﺪ ﻳﺤﺸّﺪ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭّﻋﺔ ﺿﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺘﺮﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﻫﻲ ﺑﻌﻴﺪﺓٌ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻭﻣﻨﺰّﻫﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻹﺳﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻼﻡ.

ﻓﻴﺎ ﻫﻼﻙَ ﻭﻳﺎ ﺿﻴﺎﻉَ ﻣَﻦ ﻻ ﻳُﺤَﺼِّﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺤﺼﻦ ﻣﻨﻴﻊ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﺍﻷﻟﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﺨﺮﻳﺐ ﻣﺮﻭّﻉ ﻭﺗﺪﻣﻴﺮ ﻫﺎﺋﻞ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ! ﺃﻣﺎﻣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺼﻦُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ.. ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.. ﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻧﻘﺬﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ..

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻟﻘﺪ ﺍﺗﻔﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺷﺮٌ ﻣﺤﺾ.. ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺧﻴﺮٌ ﻣﺤﺾ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ -ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ- ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺄﺳﺎﺳُﻬﺎ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﻭﺟﻮﺩﻱ، ﺃﻱ ﺫﻭ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﻭﻓﺎﻋﻠﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﺑَﺪَﺕ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ.

ﻭﺇﻥ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻭﺍﻟﺒﻼﻳﺎ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﺭﻩ ﻫﻮ ﻋﺪﻡٌ ﻭﺳﻠﺒﻲ. ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻭﺍﻟﺴﻮﺀ ﻓﻨﺎﺟﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺕ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﻭﺟﻮﺩﺍً، ﻷﻥ ﺃﺳﺎﺳَﻬﺎ ﻋﺪﻡ ﻭﻧﻔﻲ ﺃﻱ ﺑﻼ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺑﻼ ﻓﻌﻞ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻳﺘﻘﺮﺭ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﺪﻣُﻪ ﻭﺩﻣﺎﺭُﻩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺘﻬﺪّﻡ ﺃﺣﺪِ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﻭﻋﺪﻣِﻪ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠّﺔٍ ﻣﻮﺟﺪﺓ، ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﺪﻡُ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﻋﺪﻣﻴﺔ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻌﺪﻣﻲ ﻋﻠّﺔً ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺗﻴﻦ: ﻓﺈﻥ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻧﺼﻴﺐٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻭﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﺃﻳﺔُ ﺣﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻟﻬﻢ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﻣﺨﻴﻔﺔ ﻭﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺃﻋﻤﺎﻻ ﺷﺮﻳﺮﺓ ﻭﺩﻣﺎﺭﺍً ﻫﺎﺋﻼ، ﺇﺫ ﻻ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﻘﺪﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻗﻮﺗﻬﻢ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺃﻏﻠﺐَ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻌﻞٌ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺗﻌﻄﻴﻞِ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﺻﺪٍّ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻓﻴﻌﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺎﻟﺼَّﺮﻑِ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻓﺘﺤﺼﻞ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭُ.

ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐِ ﻓﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠّﺘُﻬﺎ ﺇﻳﺠﺎﺩﺍً ﻓﺎﻋﻼ، ﻭﻻ ﻗﺪﺭﺓً ﻣُﻮﺟِﺪﺓً، ﺇﺫ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﺍﻟﻬﺎﺋﻞ ﺑﺄﻣﺮ ﻋﺪﻣﻲ، ﻭﺑﺈﻓﺴﺎﺩ ﺷﺮﻁٍ. ﻭﻟﻌﺪﻡ ﻭﺿﻮﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺠﻮﺱ ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺧﺎﻟﻖٍ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻭﺃﺳﻤَﻮﻩ «ﻳﺰﺩﺍﻥ» ﻭﺧﺎﻟﻖٍ ﻟﻠﺸﺮ ﻭﺃﺳﻤﻮﻩ «ﺃﻫﺮﻳﻤﺎﻥ» ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻡ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥِ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻠﺸﺮﻭﺭ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻬﺎ، ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺑﺎﻟﻜﺴﺐ، ﺩﻭﻥ ﺍﻹﻳﺠﺎﺩ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻥ ﺃﻣﻀﻰ ﺳﻼﺣِﻜﻢ ﺿﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﺰﻋﺔ ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺃﻫﻢَّ ﻭﺳﻴﻠﺘﻜﻢ ﻟﻠﺒﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻌﻤﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭُ ﻭﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻘﻮﻟﻜﻢ: «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ». ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﻗﻠﻌﺘﻜﻢ ﻫﻲ ﺳُﻨﺔ ﺭﺳﻮﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﺮ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﻣﺜﻮﺑﺔٍ ﻭﻫﻲ ﻧﻌﻴﻢُ ﺍﻟﺠﻨّﺔ ﻭﻣﻦ ﻋﻘﺎﺏ ﺃﻟﻴﻢ ﻭﻫﻮ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﻣﻊ ﻣﺎ ﻛﺮّﺭﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻭﺗﻨﺒﻴﻪ ﻭﺗﺮﻏﻴﺐ ﻭﺗﺤﺬﻳﺮ.. ﻳُﻐﻠَﺐُ ﺃﻫﻞُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺄﺧﺬ ﻗﺴﻄﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ، ﺇﺫ ﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺻﺎﺣﺐُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﻋﻴﺪ ﺍﻟﻤﺨﻴﻒ ﻣﻦ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ؟. ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﺰﻭﻝ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﺼﻲ ﺭﺑَّﻪ ﻣُﺘَّﺒﻌﺎً ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻳﺪﻩ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺇﻥَّ ﻛَﻴﺪَ ﺍﻟﺸّﻴﻄﺎﻥ ﻛﺎﻥَ ﺿَﻌﻴﻔﺎً﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:76)؟ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺍﻟﻤﻘﺮّﺑﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﻤﻊ ﻣﻨّﻲ ﻣﺎﺋﺔً ﻣﻦ ﺩﺭﻭﺱ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺻﺪَّﻕ ﺑﻬﺎ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻗﻠﺒﻴﺎً، ﻭﻣﻊ ﺷﺪﺓ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻭﺣﺴﻦ ﻇﻨّﻪ ﺑﻲ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺠﺮﻑ ﻟﺜﻨﺎﺀٍ ﺗﺎﻓﻪٍ ﻭﺭﺧﻴﺺ ﻣﻦ ﺭﺟﻞٍ ﻓﺎﺳﺪ ﻣﻴّﺖ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺎﻧﺠﺬﺏ ﺇﻟﻴﻪ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌَﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ ﻟﻲ. ﻓﻘﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﻳﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻬﻮﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪَﺭﻙ؟. ﻛﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺫﺍ ﻣﻌﺪﻥ ﺭﺧﻴﺺ؟ ﻓﺄﺛِﻤﺖُ ﻣﻦ ﺍﻏﺘﻴﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺣﻘﺎﺋﻖُ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﺄﻧﺎﺭﺕ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ.. ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺃﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭَ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً، ﻭﻣﻨﺎﺳﺐ ﻭﻣﻼﺋﻢ ﻟﻠﺤﺎﻝ.. ﻭﺃﻥ ﺍﻧﺨﺪﺍﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﻜﺎﻳﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﻪ.. ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻔَّﺮ ﻣَﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ. ﻓﺎﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔُ ﻭﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻗﺪ ﺃﺧﻄﺄﻭﺍ ﺣﻴﻦ ﻛﻔّﺮﻭﺍ ﻣُﺮﺗﻜﺐَ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺃﻭ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔٍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺘﻴﻦ.. ﻭﺃﻥ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺤّﻰ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺜﻨﺎﺀ ﺷﺨﺺٍ ﺗﺎﻓﻪ، ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺤَﻂ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﻴﺾ ﻛﻠﻴﺎً -ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮّﺭﺕُ- ﻓﺸﻜﺮﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ.

ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ -ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً- ﺑﺄﻣﺮٍ ﺳﻠﺒﻲ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻨﻪ ﻳﻮﺭﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚَ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ.. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﺟَﻨﺒﻲِ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺍﻹﻧﺼﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.. ﻭﺇﻥ ﻗﻮﺗﻪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﻫﻤﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻬﺎﺯ ﻻﻗﻂ ﻭﺟﻬﺎﺯ ﺗﻮﺻﻴﻞ ﻟﻤﻜﺎﻳﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺧﺼﺺ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﺳﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ «ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻟﻴﺘﺠﻠَّﻴﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲّ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻭﻳﺘﻮﺟَّﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺃﻭﺿﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﺣﺴﺎﻥٍ ﻟﻪ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻫﻮ: ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ.. ﻓﺪﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ: ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ. ﻭﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺘﻜﺮﺍﺭﻩ «ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺪﺀﺍً ﻟﻜﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﻭﻟﻜﻞ ﺃﻣﺮٍ ﺫﻱ ﺑﺎﻝ، ﺟﻌﻞ ﺭﺣﻤﺘَﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺳﻌﺖ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻼﺫ ﻭﺍﻟﻤﻠﺠﺄ ﻷﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﻣﺎﻥُ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺤﺎﺟﺰ ﺍﻟﻤﺎﻧﻊ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺩﺳﺎﺋﺴﻪ ﻫﻮ ﻓﻲ «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ» ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮﻩ: ﴿ﻓﺎﺳﺘَﻌِﺬْ ﺑﺎﻟﻠﻪ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:98)

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﺇﻥَّ ﺃﺧﻄﺮ ﺩﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﻮ ﺃﻧﻪ ﻳُﻠﺒِﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻤﺮﻫﻒ: ﺗﺨﻴُّﻞَ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺘﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺗﺼﻮّﺭَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔِ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻟﻠﻀﻼﻟﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭﻳﺠﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺎﻟﻬﻢ ﺧﻮﺍﻃﺮ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻫﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻳﻮﻫﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻳﻘﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺠﻌﻞ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ» ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ». ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳﻈﻦّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦُ ﺍﻟﻤﺮﻫﻒ ﺍﻟﺤﺲّ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻫﻮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺯﺍﻝ ﻳﻘﻴﻨُﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ، ﻓﻴﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﺄﺳﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﺿﺤﻮﻛﺔً ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻔﺚ ﻓﻲ ﻳﺄﺳﻪ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ، ﻭﻳﻀﺮﺏ ﺩﻭﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﺗﺮﻩ ﺍﻟﺤﺴّﺎﺱ، ﻭﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺒﺎﺳﺎﺗﻪ ﻭﻳﺜﻴﺮﻫﺎ، ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺨﻞّ ﺑﺄﻋﺼﺎﺑﻪ ﻭﻋﻘﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ.

ﻭﻗﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺪﻯ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﻤﺰﺍﺕ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ، ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺳﻨﺪَ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﺃﺳﺎﺱ، ﺃﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﺴﻨﺠﻤﻠﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺤﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻻ ﺗﻠﺪﻍ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺱَ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳَﺤﺮﻕ، ﻭﻇِﻞَّ ﺍﻟﻨَﺠَﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺠﺲ، ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺓِ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺻﻮﺭِ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮﻙ، ﻭﻇِﻼﻝ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﺧﻴﺎﻻﺕ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺘﻢ، ﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﻻ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﺗﺜﻠﻢ ﺃﺩﺏَ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺮ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ. ﺫﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ: «ﺗﺨﻴّﻞُ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎً، ﻭﺗﺨﻴﻞُ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍً، ﻭﺗﺼﻮّﺭُ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻟﻴﺲ ﺿﻼﻟﺔً».

ﺃﻣﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔُ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ» ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦَ ﻭﻻ ﻳﺨﻞّ ﺑﻪ. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ: «ﺃﻥ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ».

  ﻓﻤﺜﻼ: ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺑﺤﻴﺮﺓ «ﺑﺎﺭﻻ» ﻣﻤﻠﻮﺀﺓٌ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻭﻣﺴﺘﻘﺮﺓٌ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺨﺴﻒ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ. ﻓﻬﺬﺍ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﺫﺍﺗﻲ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝٌ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ. ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ، ﺃﻭ ﺩﻟﻴﻞ، ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ «ﺇِﻣﻜﺎﻧﺎً ﺫﻫﻨﻴﺎً» ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﺸﻚ. ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻧﻪ: «ﻻ ﻋﺒﺮﺓ ﻟﻼﺣﺘﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﺩﻟﻴﻞ» ﺑﻤﻌﻨﻰ: ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝُ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎً ﺫﻫﻨﻴﺎً، ﻓﻼ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﻮﺟِﺐ ﺍﻟﺸﻚ. ﻓﺒﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﻳﻘﻴﻨَﻪ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻴﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻪ ﻣﺜﻼ ﺧﻮﺍﻃﺮُ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﻞّ ﺑﻴﻘﻴﻨﻪ ﻭﺟﺰﻣﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻇﻨَّﻪ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻀﺮّ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻀﺮﺭ.

ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺧﺮﻯ ﺗُﻠﻘﻲ ﻟﻤَّﺔُ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ- ﻛﻼﻣﺎً ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺠﻼﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻴﻈﻦ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﺃﻥ ﻗﻠﺒﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓَﺴَﺪ ﻓﺼﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻓﻴﻀﻄﺮﺏ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﻪ ﻭﺧﻮﻓﻪ ﻭﻋﺪﻡَ ﺭﺿﺎﻩ ﺩﻟﻴﻞٌ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﺎﺩﺭﺓً ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻤّﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺨﻴّﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﺬﻛّﺮﻩ ﺑﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ -ﻭﻫﻲ ﺑﻀﻊ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﺗﺸﺨﻴﺼﻬﺎ- ﻣﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﺦ ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ  ﻓﺘﺘﺤﻜﻢ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻭﺗﺴﻴﻄﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻨﺼﺖ ﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﻠﺞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺧﺎﻃﺌﺔ، ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳُﻠﻘﻲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻓﻲ ﺭَﻭﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ: ﺇﻥ ﻓﻄﺮﺗَﻚ ﻓﺎﺳﺪﺓ ﻻ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻠﺞ ﺑﻼ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ؟ ﺇﺫﻥ ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻗَﺪَﺭُﻙ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻭﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎﺀ!. ﻓﻴﻬﻠﻚ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﺍﻟﻤﺪﻣّﺮ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺣﺼﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺤﺼﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪّﻣﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔُ ﺣﺪﻭﺩُﻫﺎ ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻭﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺮﺩّ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺑﺈﻫﻤﺎﻟﻬﺎ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﺒﺮ ﻭﺗﺘﻀﺨﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺴُﻨّﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﺒﻠﺴﻢ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ.

ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻋﺘﺒﺮﻭﺍ ﺃﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩَ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮٌ، ﻟﻢ ﻳﺮﺩّﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻓﻜﺄﻧﻬﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﻳﻨﺰّﻫﻮﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﻘﺪﺳﻮﻧﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: «ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺸَﺮ ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖٌ ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ» ﻓﻀﻠّﻮﺍ ﺑﺬﻟﻚ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﻳﺰﻭﻝ ﺇﻳﻤﺎﻥُ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻷﻥ ﺻﺪﻕَ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺘﻼﺀﻡ ﻭﺍِﺭﺗﻜﺎﺏ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﺬﻧﻮﺏ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺬﺭ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔَ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﻫﺒﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺍﻟﻮﻗﺘﻲ، ﺇﻥ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻟﻐﻀﺐ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﻻ ﻟﻌﺬﺍﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻷﺑﺪﻱ، ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﺪﻡ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ».

ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻟﺸﻖّ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ: ﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ» ﻭﻫﻮ:

ﺃﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﺮّ ﻟﻴﺲ ﺷﺮّﺍً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺷﺮٌ، ﻷﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. ﻓﻮﺟﻮﺩُ ﺷﺮٍّ ﻭﺍﺣﺪ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪﻣﺔً ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺧﻴّﺮﺓ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ ﻳﺼﺒﺢ ﺧﻴﺮﺍً ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ، ﺃﻱ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺨﻴﺮ.

  ﻓﻤﺜﻼ: ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻟﻬﺎ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻓﻼ ﻳﺤﻖ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺷﺮٌّ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺳﺎﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺷﺮّﺍً ﻭﻭﺑﺎﻻ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩُﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺫﺍﺕ ﺣﻜﻤﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ، ﻛﺴﻤﻮّﻩ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺮﻗﻲ. ﻓﻼ ﻳﺴﻴﻎ ﻟﻤﻦ ﺍﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ -ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﻛﺴﺒﻪ ﺍﻟﺨﺎﻃﺊ- ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺷﺮٌ. ﺇﺫ ﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺸﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻜﺴﺒﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓٌ ﺟﺰﺋﻴﺔٌ ﻟﻸﻣﺮ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﺷﺮﺍً ﻷﻧﻪ ﻭﺳﻴﻠﺔٌ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺷﺮّ ﺧﺎﺹٍ ﻣﻌﻴﻦ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺬﻟﻚ ﺷﺮّﺍً، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﺷﺮﺍً، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻴﺮﺍً، ﻷﻧﻪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺷﺮّﺍً.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﻟﻌﺪﻡ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﺿﻠّﻮﺍ، ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﺇﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮٌ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻗﺒﺢٌ». ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺩّﻭﺍ ﺍﻟﺸﺮَّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺴﺎً ﻭﺗﻨﺰﻳﻬﺎً ﻟﻪ، ﻭﺗﺄﻭّﻟﻮﺍ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ: «ﻭﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺧﻴﺮﻩ ﻭﺷﺮّﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ».

  ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻖ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻭﻫﻮ ﻛﻴﻒ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺆﻣﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ؟

  ﻓﺠﻮﺍﺑﻪ:

  ﺃﻭﻻ: ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺃﺧﻄﺎﺀﻫﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﻋﺎﺩﺓ.

  ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗُﻔﻀّﻞ ﺩﺭﻫﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﺠَّﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﻃﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ﺍﻟﻤﺆﺟّﻠﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺤﺎﺷﻰ ﺻﻔﻌﺔً ﺣﺎﺿﺮﺓ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﺗﺤﺎﺷﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﻴﺞ ﺃﺣﺎﺳﻴﺲُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺗﺮﺿﺦُ ﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺑﻞ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﻜﻢ، ﻓﻴُﺮﺟِّﺢُ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﺬﺓً ﺣﺎﺿﺮﺓً ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺍﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺒﻰ، ﻭﻳﺘﺠﻨّﺐ ﺿﻴﻘﺎً ﺟﺰﺋﻴﺎً ﺣﺎﺿﺮﺍً ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺠﻨﺒﻪ ﻋﺬﺍﺑﺎً ﺃﻟﻴﻤﺎً ﻣﺆﺟﻼ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮﻩ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺜّﺎً ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻋﻮﻧﺎً، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﺤﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻳﺴﻜﺘﺎﻥ، ﻓﻴُﻐﻠَﺒﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻫﻤﺎ. ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏُ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻧﺎﺗﺠﺎً ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻏﻠﺒﺔ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺤﺲّ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﺍﻧﻬﺰﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻏَﻠَﺒﺔ ﻛﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻓُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺑﺄﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﺳﻬﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻭﻫﺪﻡ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻮﻕ ﺷﻴﻄﺎﻥُ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺴﺮ.

ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻤﺤﻴّﺮ ﺟﺪﺍً ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﺘﻔﻀﻴﻠﻬﻢ ﻟﺬّﺓ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﻔﻮﻕ ﻧﻮﺭٌ ﺃﺑﺪﻱ -ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ- ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨِﻌَﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻭﺍﻷﺳﺮﺍﺭ، ﻛﺮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐَ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻭﺃﻋﺎﺩﻫﻤﺎ ﻟﻴﺰﺟﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﻳﺠﻨّﺒﻪ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻵﺛﺎﻡ ﻭﻳﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼﻼﺡ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻲ ﻳﻮﻣﺎً ﺳﺆﺍﻝٌ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﻭﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﻫﻮ: ﺃﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﻣﺪﻋﺎﺓً ﻟﺠﺮﺡ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺛﺒﺎﺗﻬﻢ ﻭﺃﺻﺎﻟﺘﻬﻢ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ؟. ﻷﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻇﻒ ﻣﻦ ﺁﻣﺮﻩ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻳَﻈﻦُّ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺘّﻬﻢ ﻓﻲ ﺇﺧﻼﺻﻪ ﻭﻭﻻﺋﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻜﺮّﺭ ﺃﻭﺍﻣﺮَﻩ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ.

ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻳﻌﺼﺮ ﺫﻫﻨﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻲ ﺟﻤﻊٌ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻓﻜﻨﺖُ ﺃﺫﻛّﺮﻫﻢ ﻭﺃﻧﺒّﻬﻬﻢ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻛﻲ ﻻ ﺗﻐﺮّﻫﻢ ﺩﺳﺎﺋﺲ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻹﻧﺲ، ﻓﻠﻢ ﺃﺭَ ﺍﻣﺘﻌﺎﺿﺎً ﺃﻭ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻂ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺃﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ: ﺇﻧﻚ ﺗﺘّﻬﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺇﺧﻼﺻﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖُ ﺃﺧﺎﻃﺐ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺃﻗﻮﻝ: ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺃﺳﺨﻄﺘُﻬﻢ ﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎﺗﻲ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﻟﻬﻢ ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺃﺗﻬﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﻓﺎﺋﻬﻢ ﻭﺛﺒﺎﺗﻬﻢ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺜﺒﺘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﺃﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻣﻄﺎﺑﻖٌ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﺔ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﻻ ﺇﺳﺮﺍﻑ ﻗﻂ، ﻭﻻ ﺍﺗﻬﺎﻡ ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ، ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﻜﻤﺔٌ ﺧﺎﻟﺼﺔ، ﻭﺑﻼﻏﺔ ﻣﺤﻀﺔ. ﻭﻋَﻠﻤﺖُ ﻛﺬﻟﻚ ﻟِﻢَ ﻟﻢْ ﻳﻤﺘﻌﺾ ﻭﻳﺘﻜﺪّﺭ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻷﻋﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﺗﺮﺩﻳﺪﻱ ﺍﻟﻨﺼﺢ ﻟﻬﻢ؟

ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺷﺮﻭﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻷﻧﻪ ﺗﺨﺮﻳﺐٌ ﻭﻫﺪﻡ، ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻷﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻠﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﻳُﺠﻨَّﺒﻮﺍ ﻭﻳُﻨَﺒَّﻬﻮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺣﺬﺭﻫﻢ ﻭﻳُﻤَﺪّ ﻟﻬﻢ ﻳﺪُ ﺍﻟﻌﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻟﻜﺜﺮﺓ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻟﻬﺬﺍ ﻳﻘﺪّﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻋﻮﻧﺎً ﻭﺗﺄﻳﻴﺪﺍً ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﻟﻒ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻳﻤﺪّﻫﻢ ﺑﺂﻻﻑ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﺩﻱ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻹﺳﻨﺎﺩﻫﻢ ﻭﺇﻣﺪﺍﺩﻫﻢ، ﻓﻼ ﻳﻘﺪﺡ ﺑﻪ ﻛﺮﺍﻣﺔَ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻞ ﻳﻘﻴﻪ ﻭﻳﺤﻔﻈﻪ، ﻭﻻ ﻳﻬﻮّﻥ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻞ ﻳﻈﻬﺮ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺷﺮ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ! ﺩﻭﻧﻜﻢ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻭﺍﻟﺨﻼﺹ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻳﺪ ﺷﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﺎﺳﻠﻜﻮﻫﺎ.. ﺍﺟﻌﻠﻮﺍ ﻣﺴﺘﻘﺮَّﻛﻢ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.. ﻭﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﻟﻤﺤﻜَﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ.. ﻭﺍﺟﻌﻠﻮﺍ ﺭﺍﺋﺪﻛﻢ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺗَﺴﻠﻤﻮﺍ ﻭﺗﻨﺠﻮﺍ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ..