رسالة التفكر الإيماني الرفيع

والمعرفة التوحيدية السامية

بِاسْمِهِ سُبْحَانَهُ

اخوتي!

إنَّ رسالة التفكر هذه جليلة القدر، وإن إطلاق الإمام علي رضي الله عنه عليها -من جهة- اسمَ الآية الكبرى يبين قيمتَها الرفيعة تماماً.

فهي رسالةُ معرفةٍ إيمانية وردت إلى القلب بعين اليقين، في أثناء أذكار الصلاة. وأثمرت كثيراً من الرسائل. وأصبحت غذاءً للعقل والفكر وعلاجاً لهما طوال ثلاثين سنة. فمن الأنسب أن تُدرَج ضمن «اللمعات» وأن يُطبع منها أربعون أو خمسون نسخة مستقلة.

سعيد النُّورْسِيّ

هذه اللمعة كُتبت في التجريد المطلق في سجن «اسكي شهر» قبل عشرين سنة.


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إيضاح

لقد امتزج قلبي بعقلي منذ ثلاثة عشر عاماً ضمن انتهاج مسلك التفكر الذي يأمر به القرآنُ المعجز البيان كقوله تعالى ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(البقرة:219) ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(الأعراف:176) ﴿اَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فٓي اَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللّٰهُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَٓا اِلَّا بِالْحَقِّ (الروم:8) ﴿لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم:21) وأمثالها من الآيات التي تحث على التفكر مثلما يحث عليه حثاً عظيماً الحديث الشريف كقوله ﷺ (تفكر ساعة خير من عبادة سنة).

ولقد تواردت في غضون هذه السنوات الثلاثين على عقلي وقلبي ضمن انتهاج مسلك التفكر، أنوارٌ عظيمة وحقائقُ متسلسلة طويلة. فوضعتُ بضعَ كلمات -من قبيل الإشارات- لا للدلالة على تلك الأنوار، بل للإشارة إلى وجودها ولتسهيل التفكر فيها وللمحافظة على انتظامها.

وكنت أُردّد بيني وبين نفسي تلك الكلمات لساناً بعبارات عربية في غاية الاختلاف. وعلى الرغم من تكراري لها آلاف المرات خلال هذه الفترة الطويلة وأنا انتهج هذا التفكر لم يطرأ عليّ السأمُ ولم يعتر تذوّقَها النقصُ، ولم تنتف حاجةُ الروح إليها. لأن ذلك التفكر لمعاتٌ تلمعت من آيات القرآن الكريم فتمثلت فيه جلوةٌ من خصائص الآيات، تلك هي عدمُ الاستشعار بالسأم والملل والحفاظ على حلاوتها وطراوتها.

وقد رأيت في الآونة الأخيرة أن العقدة الحياتية القوية والأنوارَ الساطعة التي تحتويها أجزاء «رسائل النور» ما هي إلّا لمعاتُ سلسلةِ ذلك التفكر، فنويتُ كتابة مجموعها في أخريات أيام عمري، على أمل تأثيرها في غيري مثلما أثّرت فيّ. وستكون لمجموعها قوة وقيمة أخرى وإن أدرجت أهم أجزائها في الرسائل.

ولما كان آخر المطاف في رحلة العمر غير معيّن. وأن أوضاعي في سجن «اسكي شهر» قد بلغت حداً أشد من الموت بكثير، فقد كتبتُ تلك السلسلة من التفكر دون انتظار لآخر الحياة، ودون تغيير فيها، وبناءً على رغبة إخوة النور وإصرارهم بقصد استفادتهم. وجعلتُها في سبعة أبواب.

ولما كانت الأكثرية المطلقة من هذا النوع من الحقائق تخطر بالبال في أثناء أذكار الصلاة، وأن كل كلمة من كلمات الأذكار بمثابة منبع تلك الحقائق. كان ينبغي أن تُكتب على وفق ترتيبها وتسلسلها في أذكار الصلاة، أي (سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلّا الله) إلّا أن ظروف السجن الانفرادي المضطربة آنذاك قد أخلّت بذلك الترتيب.

أما الآن فستكون الأبواب على النحو الآتي:

الباب الأول: في (سبحان الله)

والباب الثاني: في (الحمد لله)

والباب الثالث: في (الله أكبر)

والباب الرابع: في (لا اله إلّا الله).

وذلك لأن معظم الشافعية يذكرون: (لا إله إلّا الله) ثلاثاً وثلاثين مرة بعد ذكرهم كلاًّ من سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة.

سعيد النُّورْسِيّ


الباب الأول

في «سبحان الله»

وهو ثلاثة فصول

الفصل الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

فَسُبْحانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ السَّماءُ بِكَلِمَاتِ نُجُومِهَا وَشُموُسِهَا وَأقمَارِهَا، بِرُمُوزِ حِكَمِهَا.

وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الجَوُّ بِكَلِمَاتِ سَحاباتِهِ وَرُعُودِهَا وَبُرُوقِهَا وَأمطَارِهَا، بِإشاراتِ فَوَائِدِهَا.

وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ رَأسُ الأرض بِكَلِمَاتِ مَعَادِنِهَا وَنَبَاتَاتِهَا وَأشْجَارِهَا وَحَيْوَانَاتِهَا، بِدَلالاتِ انْتِظَامَاتِهَا.

وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ النَّبَاتَاتُ وَالأشْجَارُ بِكَلِمَاتِ أوْرَاقِهَا وَأزهَارهَا وَثَمَرَاتِهَا، بَتَصْريحَاتِ مَنَافِعِهَا.

وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأزهَارُ وَالأثْمَارُ بِكَلِمَاتِ بُذُورِهَا وَأجْنِحَتِها وَنَوَاتَاتِهَا، بِعَجَائبِ صَنْعَتِهَا.

وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ النَّواتَاتُ وَالبُذُورُ بَألسِنَةِ سَنَابِلِهَا وكَلِمَاتِ حَبَّاتِهَا بالمُشَاهَدةِ.

وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ كُلُّ نَبَاتٍ بِغَايَةِ الوُضُوحِ وَالظُهُورِ عِنْدَ انْكِشافِ أكمَامِها وَتَبَسُّمِ بَنَاتِهَا بَأفْوَاهِ مُزَيَّنَاتِ أزاهيرِهَا وَمُنْتَظَمَاتِ سَنَابِلِهَا، بِكَلِمَاتِ مَوْزُونَاتِ بُذُورِهَا وَمَنْظُومَاتِ حَبّاتِهَا، بِلِسَانِ نِظامِهَا في ميزانِهَا في تَنْظِيمِها في تَوْزِيِنِهَا في صَنْعَتِهَا في صِبغَتِها في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في رَوَائِحِهَا في طُعُومِهَا في ألوَانِهَا في أشْكَالِهَا، (حاشية) إن اثنى عشر مشهداً وحجاباً، مشهداً فوق مشهد، برهاناً ضمن برهان، دليلاً خلال دليل؛ تنبعث كلها من زهرة واحدة بنغمات متنوعة ولمعات متباينة فتُري القلبَ المصورَ الأزلي، وتلفت عين العقل إليه. كَمَا تَصِفُ تَجَلِّيَاتِ صِفَاتِكَ وتُعَرِّفُ جَلَواتِ أسمائِكَ وَتُفَسِّرُ تَوَدُّدَكَ وَتَعَرُّفَكَ بِمَا يَتَقَطَّرُ مِنْ ظَرَافَةِ عُيُونِ أزاهيِرهَا وَمِنْ طَرَاوَةِ أسْنَانِ سَنَابِلِهَا مِنْ رَشَحَاتِ لَمَعَاتِ جَلَوَاتِ تَوَدُّدِكَ وتَعَرُّفِكَ إلى عِبَادِكَ.

سُبْحانَكَ يَا وَدُودُ يا مَعْروُفُ مَا أحسَنَ صُنْعَكَ وَمَا أزيَنَهُ وَمَا أبْيَنَهُ وَمَا أتْقَنَهُ!

سُبْحَانَكَ يا مَن تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ الأشجار بِكَمَالِ الصَّرَاحَةِ وَالبَيَانِ عِنْدَ انْفِتَاحِ أكمَامِهَا وَانْكِشافِ أزهَارِهَا وتَزايُدِ أورَاقِهَا وَتَكَامُلِ أثمَارِهَا وَرَقْصِ بَنَاتِهَا عَلى أيَادي أغْصَانِهَا حَامِدَةً بأفْوَاهِ أوراقِهَا الخَضِرَةِ بِكَرَمِكَ، وَأزهَارِهَا المُتَبَسّمَةِ بِلُطْفِكَ، وَأثمَارِهَا الضَّاحِكَةِ بِرَحْمَتِكَ، بِألسِنَةِ نِظَامِهَا في ميزَانِهَا في تَنْظيِمِهَا في تَوْزينهَا في صَنْعَتِهَا في صِبْغَتِهَا في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في طُعومِهَا في رَوَائحِهَا في ألوَانِهَا في أشكَالِهَا في اختِلافِ لُحُومِهَا في كَثْرَةِ تَنَوُّعِهَا في عَجَائبِ (حاشية) هذه الدلائل الخمسة عشر، الدليل ضمن الدليل، والبرهان داخل البرهان تشير إلى الصانع الجليل. خِلقَتِهَا كَمَا تَصِفُ صِفَاتِكَ وَتُعَرِّفُ أسْمَاءَكَ وتُفَسِّرُ تَحَبُّبَكَ وَتَعَهُّدَكَ لِمَصْنُوعَاتِكَ بِمَا يَتَرَشَّحُ مِنْ شِفَاهِ ثِمَارِهَا مِنْ قَطَراتِ رَشَحَاتِ لَمَعَاتِ جَلَوَاتِ تَحَبُّبِكَ وتَعَهُّدِكَ لِمَخْلُوقَاتِكَ.

حَتّى كَأنَّ الشَّجَرَةَ المُزَهَّرَةَ قَصيِدَةٌ مَنْظُومَةٌ مُحَرَّرَةٌ، لِتُنْشِدَ للِصَّانعِ المَدَائِحَ المُبَهَّرَةَ.

أو فَتَحَتْ بِكَثْرَةٍ عُيُونَهَا المُبَصَّرَةَ لِتَنْظُرَ للفَاطِرِ العَجَائِبَ المُنَشَّرَةَ.

أوْ زَيَّنَتْ لِعيِدِهَا أعْضَاءهَا المُخَضَّرَةَ لِيَشْهَدَ سُلْطَانُهَا آثَارَهَا المُنَوَّرَة. وَتُشْهِرَ في المَشْهَرِ مُرَصَّعَاتِ الجَوْهَرِ. وَتُعْلِنَ للِبَشَرِ حِكْمَةَ خَلْقِ الشَجَرِ.

سُبْحَانَكَ مَا أحْسَنَ إحْسَانَكَ مَا أبْيَنَ تِبْيَانَكَ مَا أبْهَرَ بُرْهَانَكَ ومَا أظْهَرَهُ ومَا أنْوَرَهُ!. سُبْحَانَكَ مَا أعْجَبَ صَنْعَتَكَ!

تَلألُؤُ الضِّياءِ بدَلالَةِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَنْوِيرِكَ، تَشْهِيرِكَ.. تَمَوُّجُ الأعْصَارِ بِسِرّ وَظَائِفِهَا – خُصُوصَاً في نَقْلِ الكَلِمَاتِ- مِنْ تَصْرِيفِكَ، تَوْظِيفِكَ.. تَفَجُّرُ الأنْهَارِ بإشَارَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَدْخِيرِكَ، تَسْخِيرِكَ.. تَزَيُّنُ الأحْجَارِ والحَدِيدِ بِرُمُوزِ خَوَاصِّهَا وَمَنَافِعِها – خُصُوصاً فِي نَقْلِ الأصْواتِ والمُخَابَرَاتِ – مِن تَدْبِيرِكَ، تَصْوِيرِكَ.. تَبَسُّمُ الأزهَارِ بِعَجَائِبِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَحْسِينِكَ، تَزْيِينِكَ.. تَبَرُّجُ الأثْمَارِ بِدَلالَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ إنْعَامِكَ، إكْرَامِكَ.. تَسَجُّعُ الأطْيَارِ بِإشَارَةِ انْتِظَامِ شَرائطِ حَيَاتِهَا؛ مِنْ إنطَاقِكَ إرفَاقِكَ.. تَهَزُّجُ الأمْطَارِ بِشَهَادَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَنـزيِلِكَ، تَفْضِيلكَ.. تَحَرُّكُ الأقْمَارِ بِشَهَادَةِ حِكَمِ حَرَكَاتِهَا؛ مِنْ تَقْدِيرِكَ، تَدْبِيرِكَ، تَدْوِيرِكَ، تَنْوِيرِكَ.

سُبْحانَكَ مَا أنْوَرَ بُرهَانَكَ مَا أبْهَرَ سُلطَانَكَ!

الفصل الثاني

سُبْحَانَكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنت كَمَا أثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ في فُرْقَانِكَ. وَأثنَى عَلَيْكَ حَبِيبُكَ بِإذْنِكَ. وَأثنَتْ عَلَيْكَ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِكَ بإنْطَاقِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ يا مَعْروُفُ بِمُعْجِزَاتِ جَميعِ مَصنوُعَاتِكَ وَبِتَوصِيفَاتِ جَميِـعِ مَخْلُوقَاتِكَ وَبِتَعْرِيِفَاتِ جَميِـعِ مَوْجُوُداتِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا ذَكَرْنَاكَ حَقَّ ذِكْرِكَ يَا مَذْكُورُ بِألسِنَةِ جَميعِ مَخلُوقَاتِكَ وَبِأنفُسِ جَميعِ كَلِمَاتِ كِتَابِ كَائِنَاتِكَ وَبِتَحيَّاتِ جَميعِ ذَوي الحَيَاةِ مِنْ مَخْلُوقاتِكَ لَك وَبِمَوْزُونَاتِ جَميعِ الأورَاقِ المُهْتَزَّةِ الذّاكِرَةِ في جَميعِ أشْجَارِكَ ونَبَاتَاتِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا شَكَرْنَاكَ حَقَّ شُكْرِكَ يا مَشْكُورُ بِأثنِيَةِ جَميعِ إحْسَانَاتِكَ عَلى إحْسَانِكَ عَلى رؤوسِ الأشْهَادِ وَبِإعْلانَاتِ جَميعِ نِعَمِكَ عَلى إنْعَامِكَ في سُوقِ الكَائنَاتِ وَبِمَنْظُومَاتِ جَميعِ ثَمَرَاتِ رَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ لَدى أنْظَارِ المَخْلُوقَاتِ وبِتَحْمِيدَاتِ جَميعِ مَوْزُونَاتِ أزاهيرِكَ وَعَنَاقيدِكَ المُنَظَّمَةِ في خُيُوطِ الأشجار وَالنَّبَاتَاتِ.

سُبْحَانَكَ مَا أعظمَ شَأنَكَ وَمَا أزيَنَ بُرْهَانَكَ وَمَا أظْهَرَهُ وَمَا أبْهَرهُ!

سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ يَا مَعْبُودَ جَميعِ المَلائِكَةِ وجَميعِ ذَوي الحَيَاةِ وجَميعِ العَنَاصِرِ والمَخْلُوقَاتِ، بِكَمَالِ الإطَاعَةِ والامْتِثَالِ والانتِظَامِ والاتِّفَاقِ والاشْتِيَاقِ.

سُبْحَانَكَ مَا سَبَّحْنَاكَ حَقَّ تَسْبِيحِكَ يا مَنْ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ فيهِنَّۜ وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه(الإسراء:44) .

سُبحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ السَّماءُ وَالأرضُ بِجَميعِ تَسْبيِحاتِ جَميعِ مَصْنُوعَاتِكَ وَبِجَميعِ تَحْمِيدَاتِ جَميعِ مَخْلُوقَاتِكَ لَكَ.

سُبْحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ وَالسَّمَاءُ بِجَميعِ تَسْبِيحَاتِ جَميعِ أنْبيَائِكَ وَأولِيَائِكَ وَمَلائِكَتِكَ عَليِهِمْ صَلَوَاتُكَ وَتَسْلِيمَاتُكَ.

سُبْحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الكَائِنَاتُ بِجَميعِ تَسْبِيحَاتِ حَبيبِكَ الأكرم ﷺ. وَبِجَميعِ تَحْمِيدَاتِ رَسُولِكَ الأعظم لَكَ، عَلَيهِ وَعَلى آلهِ أفْضَلُ صَلَوَاتِكَ وَأتَمُّ تَسْليمَاتِكَ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ هذِهِ الكَائِناتُ بِأصْدِيَةِ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَكَ؛ إذ هُوَ الَّذِي تتَمَوَّجُ أصْدِيَةُ تَسْبيحَاتِهِ لَكَ عَلى أمْوَاجِ الأعْصَارِ وأفْوَاجِ الأجْيَالِ.

اللهمَّ فَأبِّدْ عَلى صَفَحَاتِ الكَائِنَاتِ وَأوْرَاق الأوْقَاتِ إلى قيَامِ العَرَصَاتِ أصْدِيَةَ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ والتَّسْليماتُ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الدُنْيَا بِآثَارِ شَريِعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. اللّهمَّ فَزَيِّنِ الدُّنيَا بِآثارِ دِيَانَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسّلامُ إلى يَوْمِ القِيَامِ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ سَاجِدَةً تَحتَ عرْشِ عَظَمَةِ قُدْرَتِكَ بِلِسَانِ مُحَمَّدِهَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

اللّهمَّ فَأنْطِقِ الأرض بِأقْطَارِهَا بِلِسَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى يَوْم البَعْثِ والقيَامِ.

سُبْحَانَكَ يَا مَنْ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ المُؤمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ في جَميعِ الأمْكِنَةِ وَالأوْقَاتِ بِلِسانِ مُحَمَّدِهِمْ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

اللهمَّ فَأنْطِقِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ إلى يَومِ القِيَامِ بِأصْدِيَةِ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ لك عَلَيه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

الفصل الثالث

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاحِدِ الأحَدِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الأضْدَادِ وَالأنْدَادِ وَالشُرَكَاءِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَدِيرِ الأزَليّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ المُعينِ وَالوُزَرَاءِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَدِيمِ الأزَليِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المُحْدثَاتِ الزَّائِلاتِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاجِبِ وُجُوُدُهُ المُمْتَنِعِ نَظيرُهُ المُمكِنِ كُلُّ مَا سِوَاهُ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنْ لَوَازِمِ ماهيَّاتِ المُمْكِنَاتِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الَّذي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ(الشورى:11) المُتَقَدِّسُ المُتَنـزِّهُ عَمَّا تَتَصوَّرُهُ الأوْهَامُ القَاصِرَةُ الخَاطِئَةُ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الَّذي ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۚ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (الروم:27) المُتَقَدِّسُ المُتَنـزِّهُ عَمَّا تَصِفُهُ العَقَائِدُ النَاقِصَةُ البَاطِلَةُ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَديرِ المُطْلَقِ الغَنيِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ العَجْزِ والاحْتِياجِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الكاملِ المُطْلَقِ في ذاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأفْعالِهِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ القُصُورِ والنُّقْصَانِ، بِشَهَادَاتِ كَمَالاتِ الكائِنَاتِ؛ إذ مَجْمُوعُ مَا في الكائِنَاتِ مِن الكَمالِ وَالجَمَالِ ظِلٌّ ضَعيفٌ بِالنّسْبَةِ إلى كَمَالهِ سُبْحَانَهُ، بالحَدْسِ الصَّادِقِ وَبِالبُرْهَانِ القَاطِعِ وبالدَّليل الوَاضِحِ. إذ التَّنْويرُ لا يَكُونُ إلّا مِنَ النُّورانِيِّ وبِدَوَامِ تَجَلّي الجَمَالِ وَالكَمَالِ مَعَ تَفَانِي المَرَايا وسَيَّاليَّةِ المَظَاهِرِ ، وبِإجْمَاع وَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ كَثيرَةٍ مِنَ الأعَاظِمِ المُخْتَلِفِينَ في المَشَارِبِ والكَشْفِيَّاتِ المُتَّفِقِينَ عَلى ظِلِّيَّةِ كَمَالاتِ الكَائِنَاتِ لأنْوَارِ كَمالِ الذَّاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الأزَليِّ الأبدي السَّرْمَديِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ التَّغَيُّرِ والتَّبَدُّلِ اللّازِمَيْنِ للمُحْدَثَاتِ المُتَجَدّدات المُتكامِلاتِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله خَالِقِ الكَوْنِ وَالمَكَانِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ التَّحَيُّز وَالتَّجَزُّءِ اللَّازِمَيْنِ للمَادِّيَّاتِ وَالمُمْكِنَاتِ الكَثِيفَاتِ الكَثِيراتِ المُقَيَّدَاتِ المَحْدُودَاتِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَديِمِ الباقِي المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الحُدُوثِ وَالزَّوَالِ.

ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاجِبِ الوُجُودِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الوَلَدِ وَالوَالِدِ وَعَنِ الحُلُول والاتّحَادِ وَعَنِ الحَصْرِ وَالتَّحْدِيدِ وَعَمَّا لا يَلِيقُ بِجَنَابِهِ وَمَا لا يُنَاسِبُ وُجوُبَ وُجُودِهِ وَعَمَّا لا يُوَافِقُ أزَلِيَّتَهُ وَأبَدِيَّتَهُ.

جَلَّ جَلالُهُ. وَلا إلهَ إلّا هُوَ.