الباب السادس

في «لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بالله العَلِيِّ العَظيمِ»

(حاشية) لقد أوضحنا في رسائل كثيرة؛ بأن في فطرة الإنسان عجزاً بلا حدود وفقراً بلا نهاية، مع أن له أعداءً لا حد لهم ومطالب لا تنتهي. والإنسان من أجل هذا العجز والفقر محتاج فطرةً إلى الالتجاء والملجإِ إلى قدير رحيم. فكما أن الجملة الأولى من آية: ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ﴾  ترشد إلى مرهم للعجز وملجأً تجاه كل أعدائه؛
وأن الجملة الثانية (نعم الوكيل)، دواء لفقره ووسيلة إلى تحقيق جميع مطالبه؛ وكذلك جملة (لا حول ولا قوة الّا بالله العلي العظيم) دواء للعجز والفقر البشريين كجملة (حسبنا الله) تماماً، ولكنه في صورة أخرى، فكلمة «لا حول» تفيد أن نقطة استناده تجاه أعدائه، بتبرؤه من قوته ملتجأً إلى القدرة الإلهية وتفيد كلمة (لا قوة) ان الوسيلة لقضاء مطالبه وحاجاته هي التوكل مع الاعتماد على القدرة الإلهية.

       ولقد أحسست بمراتب كثيرة لجملة (لا حول ولا قوة..) هذه في نفسي بتجارب كثيرة. فوضعت كلمات مختصرة إشارة إلى تلك المراتب فألاحظ تلك المراتب بوساطة تلك الإشارات. وسوف يذكر في هذا الباب من الكلمات التي ترمز إلى قسم من تلك المراتب بعينها.

وهذه الكلمة الطيبة المباركة خامسة من الخمس الباقيات الصالحات المشهورات التي هي: «سبحان الله. والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله اكبر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إلهي وَسَيِّدي وَمَالِكي! لِي فَقرٌ بِلا نِهايَةٍ، مَعَ أنَّ حاجَاتي وَمَطالِبي لا تُعَدُّ وَلا تُحصى، وَتَقصُرُ يَدي عَنْ أدنى مَطالِبي. فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِكَ يا رَبِّيَ الرَّحيمِ! وَيا خالِقي الكَريم! يا حَسيبُ يا وَكيلُ يا كافي.

إلَهي! اختيَاري كَشَعرَةٍ ضَعيفَةٍ، وَآمالي لا تُحصَى. فَأعْجَزُ دائِمَاً عَمَّا لا أستَغني عَنه أبَداً. فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِكَ يا غَنيُّ يا كَريمُ يا كَفيلُ يا وَكيلُ يا حَسيبُ يا كَافي.

إلهَي وَسَيِّدي وَمَالِكي! اقتِداري كَذَرَّةٍ ضَعيفَةٍ، مَعَ أنَّ الأعداء وَالعِلَلَ وَالأوهامَ وَالأهوالَ والآلامَ وَالأسقَامَ وَالظُّلُماتِ وَالضَّلالَ وَالأسفَارَ الطِّوالَ ما لا تُحصى. فَلا حَولَ عَنها، وَلا قُوَّةَ عَلى مُقابَلَتِها إلّا بِكَ يا قَوِيُّ يا قَديرُ يا قَريبُ يا مُجيبُ يا حَفيظُ يا وَكيلُ.

إلَهي! حَياتِي كَشُعلَةٍ تَنطَفئُ كَأمثَالِي. وَآمالي لا تُحصَى. فَلا حَولَ عَنْ طَلَبِ تِلكَ الآمَالِ، وَلا قُوَّةَ عَلى تَحصِيلِها إلّا بِكَ يا حَيُّ يا قَيُّومُ يا حَسيبُ يا كافِي يا وَكيلُ يَا وافي.

إلَهي! عُمري كَدَقيقَةٍ تَنْقَضي كَأقرانِي؛ مَعَ أنَّ مَقَاصِدي وَمَطَالِبي لا تُعَدُّ وَلا تُحصَى. فَلا حَولَ عَنها وَلا قُوَّةَ عَليها إلّا بِكَ يا أزَليُّ يا أبَدِيُّ يا حَسيبُ يا كافي يا وَكيلُ يا وَافي.

إلَهي! شُعُوري كَلَمْعَةٍ تَزُولُ؛ مَعَ أنَّ ما يَلزَمُ مُحافَظَـتُهُ مِنْ أنوار مَعرِفَتِكَ، وَما يَلزَمُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ مِنَ الظُّلُماتِ وَالضَّلالاتِ لا تُعَدُّ وَلا تُحصَى. فَلا حَولَ عَنْ تِلكَ الظُّلُماتِ وَالضَّلالاتِ وَلا قُوَّةَ عَلى هاتيِكَ الأنوار وَالهِداياتِ إلّا بِكَ يا عَليمٌ يا خَبيرُ يا حَسيبُ يا كافي يا حَفيظُ يا وَكيلُ.

إلَهي! لِي نَفسٌ هَلُوعٌ وَقَلبٌ جَزُوعٌ وَصَبرٌ ضَعيفٌ وَجِسمٌ نَحيفٌ وَبَدَنٌ عَليلٌ ذَليلٌ، مَعَ أنَّ المَحمُولَ عَلَيَّ مِنَ الأحمَالِ المَادِّيَةِ والمَعْنَويَّةِ ثَقيلٌ ثَقيلٌ. فَلا حَولَ عَنْ تِلكَ الأحمَالِ وَلا قُوَّةَ عَلى حَملها إلّا بِكَ يا رَبِّي الرَّحيمُ يا خالِقي الكَريمُ يا حَسيبُ يا كَافي يا وَكِيلُ يا وَافي.

إلَهي! لِي مِنَ الزَّمَانِ آنٌ يَسيلُ في سَيْلٍ وَاسِعٍ سَريع الجَرَيانِ؛ وَلِيَ مِنَ المَكانِ مِقدارُ القَبرِ مَعَ عَلاقَتي بِسائِرِ الأمكِنَةِ وَالأزمِنَةِ. فَلا حَولَ عَنِ العَلاقَةِ بِهَا، وَلا قُوَّةَ عَلى الوُصُولِ إلى ما فيها إلّا بِكَ يا رَبَّ الأمْكِنَةِ وَالأكوَانِ، وَيا رَبَّ الدُّهُورِ وَالأزمَانِ يا حَسيبُ يا كَافي يا كَفيلُ يا وَافي.

إلَهي! لِي عَجْزٌ بِلا نِهايَةٍ وَضَعفٌ بِلا غَايَةٍ، مَعَ أنَّ أعدَائي وَما يُؤلِمُني وَما أخَافُ مِنهُ وَما يُهَدِّدُني مِنَ البَلايَا وَالآفاتِ ما لا تُحصَى. فَلا حَولَ عَنْ هَجَماتِها وَلا قُوَّةَ عَلى دَفعِها إلّا بِكَ يا قَويُّ يا قَديرُ يا قَريبُ يا رَقيبُ يا كَفيلُ يا وَكيلُ يا حَفيظُ يا كَافي.

إلَهي! لِي فَقْرٌ بِلا غايَةٍ وَفَاقَةٌ بِلا نِهايَةٍ؛ مَعَ أنَّ حاجاتي وَمَطالِبي وَوَظائِفي ما لا تُحصَى. فَلا حَولَ عنها وَلا قُوَّةَ عَليها إلّا بِكَ يا غَنيُّ يا كَريمُ يا مُغني يا رَحيمُ.

إلَهي تَـبَرَّأتُ إلَيكَ مِنْ حَولي وَقُوَّتي، وَالتَجأتُ إلى حَولِكَ وَقُوَّتِكَ فَلا تَكِلني إلى حَولي وَقُوَّتي. وَارحَمْ عَجزي وَضَعفي وَفَقري وَفَاقَتي. فَقَد ضاقَ صَدري، وَضاعَ عُمري، وَفَني صَبري، وَتَاهَ فِكري، وَأنتَ العَالِمُ بِسِرِّي وَجَهري، وَأنتَ المَالِكُ لِنَفعي وَضَرِّي، وَأنتَ القَادِرُ عَلى تَفريجِ كَربي وَتَيسِيرِ عُسري. فَفَرِّجْ كُلَّ كَربَتي وَيَسِّرْ عَلَيَّ وَعَلى إخواني كُلَّ عَسيرٍ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الزَّمانِ الآتي، وَعَنِ أهوالِهِ مَعَ سَوقٍ إلَيهِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الماضي وَلَذَائِذِهِ مَعَ عَلاقَةٍ بِهِ إلّا بِكَ يا أزَلِيُّ يا أبَدِيُّ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الزَّوالِ الَّذي أخَافُ وَلا أخلَصُ مِنهُ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى إعَادَةِ ما فَاتَ مِنْ حَياتيَ الَّتي أتَحَسَّرُها، وَلا أصِلُ إليها إلّا بِكَ يا سَرمَدِيُّ يا باقي.

إلَهي! لا حَولَ عَنْ ظُلمَةِ العَدَمِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى نُورِ الوُجوُدِ إلّا بِكَ يا مُوجِدُ يا مَوجُودُ يا قَديمُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ المَضارِّ اللّاحِقَةِ بِالحَياةِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى المَسارِّ اللّازِمَةِ للِحَياةِ إلّا بِكَ يا مُدَبِّرُ يا حَكيمُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الآلامِ الهَاجِمَةِ عَلى ذي الشُّعُورِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى اللَّذائِذِ المَطلُوبَةِ لِذي الحِسِّ إلّا بِكَ يا مُرَبِّي يا كَريمُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ المَساوي العَارِضَةِ لِذَوي العُقُولِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى المَحَاسِنِ المُزَيِّنَةِ لِذَوي الهِمَمِ إلّا بِكَ يا مُحسِنُ يا كَريمُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ النِّـقَمِ لأهلِ العِصيَانِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى النِّعَمِ لأهلِ الطَّاعَاتِ إلّا بِكَ يا غَفُورُ يا مُنْعِمُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الأحزَانِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الأفراح إلّا بِكَ. فَإنَّكَ أنت الَّذي أضْحَكَ وَأبْكى يا جَميلُ يا جَليلُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ العِلَلِ، وَلا قُوَّةَ عَلى العَافِيَةِ إلّا بِكَ يا شافي يا مُعَافي.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الآلامِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الآمالِ إلّا بِكَ يا مُنجي يا مُغيثُ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ الظُّلُماتِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الأنوار إلّا بِكَ يا نُورُ يا هادي.

إلَهي لا حَولَ عَنِ الشُّرورِ مُطلَقاً؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الخَيراتِ أصلاً إلّا بِكَ يا مَنْ بيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، وَبِعِبَادِهِ بَصيرٌ، وَبِحَوايِجِ مَخلُوقَاتِهِ خَبيرٌ.

إلَهي! لا حَولَ عَنِ المَعاصي إلّا بِعِصمَتِكَ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى الطَّاعَةِ إلّا بِتَوفيقِكَ يا مُوَفِّقُ يا مُعينُ.

إلَهي! لِي عَلاقَاتٌ شَديدَةٌ مَعَ نَوعيَ الإنسانيِّ وجِنْسِيَ الحَيْوَانيِّ، مَعَ أنَّ آية ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَٓائِقَةُ الْمَوْتِ(آل عمران:185) تُهَدِّدُني وَتُطفِئُ آمالي المُتَعَلِّقَةِ بِنَوعي وَجِنسي، وَتَنْعِي عَلَيَّ بِمَوتِهما. فَلا حَولَ عَنْ ذاكَ الحُزنِ الأليمِ النَّاشِئ مِنْ ذلكَ المَوتِ وَالنَّعيِ، وَلا قُوَّةَ عَلى تَسَلٍّ يَملأُ مَحَلَّ مازالَ عَنْ قَلبي وَروحي إلّا بِكَ. فَأنتَ الَّذي تَكفي عَنْ كُلِّ شَيءٍ، وَلا يَكفي عَنكَ كُلُّ شَيء.

إلَهي! لِي عَلاقاتٌ شَدِيدَةٌ مَعَ دُنيَايَ الَّتي كَبيْتِي وَمَنـزلي؛ مَعَ أنَّ آية ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍۚ * وَيَبْقٰى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْاِكْرَامِ(الرحمن:26-27) تُعلِنُ خَرابِيَّةِ بَيتي هذَا، وَزَوَالَ مَحبُوبَاتي الَّلاتي ساكَنْتُهُمْ في ذلكَ البَيتِ المُنهَدِمِ؛ وَلا حَولَ عَنْ هذِهِ المُصيبَةِ الهائِلَةِ، وَعَنْ الفِراقَاتِ مِنَ الأحباب الآفِلَةِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى ما يُسَلِّيني عَنها، وَيَقُومُ مَقَامَها إلّا بِكَ يا مَنْ يَقُومُ جلوَةٌ مِنْ تَجَلِّياتِ رَحمَتِهِ مَقَامَ كُلِّ ما فارَقَني.

إلَهي لِي عَلاقَاتٌ (حاشية) لقد أشيرت إلى مراتب (لا حول ولا قوة..) هذه وإلى حقائقها، بإشارات فقط. أما البراهين والدلائل فلم تذكر، لأن المئات بل الآلاف من براهين الوحدانية ودلائل الربوبية المذكورة في الأبواب السابقة هي دلائل على حقائق (لا حول ولا قوة…) بصفة عامة. فلذلك لم تذكر أدلة مستقلة أخرى. بِجامِعيَّةِ ماهِيَّتي، وَغايَةِ كَثرَةِ جِهازاتي الَّتي أنْعَمْتَها عَلَيَّ، وَاحتياجاتٌ شَديدَةٌ إلى الكائِناتِ وَانوَاعِها؛ مَعَ أنَّ آية ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ اِلَّا وَجْهَهُۜ لَهُ الْحُكْمُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (القصص:88) تُهَدِّدُني وَتَقطَعُ عَلاقَاتي الكَثيرَةَ مِنَ الأشيَاءِ. وَبِانقِطاعِ كَلِّ عَلاقَةٍ يَتَولَّدُ جَرْحٌ وَألَمٌ مَعنَويٌّ في رُوحي. وَلا حَولَ عَنْ تِلكَ الجُرُوحاتِ الغَيرِ المَحدُودَةِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى أدويَتِها إلّا بِكَ يا مَنْ يكفي لِكُلِّ شَيءٍ، وَلا يَكفي عَنْ شَيءٍ واحِدٍ مِنْ تَوَجُّهِ رَحمَتِهِ كُلُّ الأشيَاءِ، وَيا مَنْ إذا كَانَ لشيء كَانَ لَهُ كُلُّ شيء ومَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لا يَكُونُ لَهُ شَيءٌ مِنَ الأشيَاءِ.

إلَهي! لِي عَلاقاتٌ شَديدَةٌ وَابتِلاءٌ وَمَفتُونِيَّةٌ مَعَ شَخصيَّتي الجِسمانيَّةِ، حَتَّى كَأنَّ جسمي عَمُودٌ في نَظَري الظَّاهِريِّ لِسَقفِ جَميعِ آمالي وَمَطَالِبي؛ وَفِيَّ عِشقٌ شَديدٌ لِلبَقاءِ؛ مَعَ أنَّ جِسمي لَيسَ مِنْ حَديدٍ وَلا حَجَر لِيَدُومَ في الجُملَةِ، بل مِنْ لَحمٍ وَدَمٍ وَعَظمٍ عَلى جَناحِ التَّفَرُّقِ في كُلِّ آنٍ؛ وَمَعَ أنَّ حَياتي كَجِسمي مَحدودةُ الطَّرَفَينِ، سَتُختَمُ بِخَاتَمِ المَوتِ عَنْ قَريبٍ؛ مَعَ أنِّي قَد اشتَعَلَ الرَّأسُ شَيباً مِنِّي، وَقد ضَرَبَ السَّقَمُ ظَهري وَصَدري، فَأنا في قَلَقٍ وَضَجَر وَاضطِرابٍ وَتَألُّمٍ وَتَحَزُّنٍ شَديدٍ مِنْ هذِهِ الكَيفيَّةِ. فَلا حَولَ عَنْ هذِهِ الحَالَةِ الهَائِلَةِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى ما يُسَلِّيني عَمَّا يَحزُنُني، وَعَلى ما يُعَوِّضُني ما يَضيعُ مِنِّي، وَعَلى ما يَقُومُ مَقَامَ ما يَفُوتُ مِنِّي إلّا بِكَ يا رَبِّيَ الباقي، وَالباقي ببَقَائِهِ وَإبقائِهِ مَنْ تَمَسَّكَ بِاسمٍ مِنْ أسمائه الباقِيَةِ.

إلَهي! لِي وَلِكُلِّ ذي حَياةٍ خَوفٌ شَديدٌ مِنَ المَوتِ وَالزَّوالِ اللَّذَينِ لا مَفَرَّ مِنهُما؛ وَلِي مَحَبَّةٌ شَديدةٌ لِلحَياةِ وَالعُمْرِ اللَّذينِ لا دَوامَ لَهُما؛ مَعَ أنَّ تَسارُعَ المَوتِ إلى أجسامِنا بِهُجُومِ الآجالِ لا يُبقي لِي وَلا لأحَدٍ أمَلاً مِنَ الآمالِ الدُّنيَويَّةِ إلّا وَيَقطَعُها، وَلا لَذَّةً إلّا وَيَهْدِمُها. فَلا حَولَ عَنْ تِلكَ البَلِيَّةِ الهائِلَةِ وَلا قُوَّةَ عَلى ما يُسَلِّينَا عَنها إلّا بِكَ يا خَالِقَ المَوتِ وَالحَياةِ! وَيا مَنْ لَهُ الحَياةُ السَّرمَدِيَّةُ، الَّذي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَتَوجَّهَ إليه وَيَعرِفُهُ وَيُحِبُّهُ؛ تَدُومُ حَياتُهُ وَيَكُونُ المَوتُ لَهُ تَجَدُّدَ حَياةٍ وَتَبديلَ مَكانٍ. فإذًا فَلا حُزنَ لَهُ وَلا ألَمَ عَليهِ بِسِرِّ ﴿اَلَٓا اِنَّ اَوْلِيَٓاءَ اللّٰهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس:62).

إلَهي! لِي لأجل نَوعي وَجِنسي عَلاقَاتٌ بِتَألُّماتٍ وَتَمَنِّياتٍ بِالسَّماوَاتِ وَالأرضِ وَبِأحوَالِها. فَلا قُوَّةَ لي بِوَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ عَلى إسماعِ أمري لَهُما، وَتَبليغِ أمَلي لِتِلكَ الأجرامِ، وَلا حَولَ عَنْ هذا الاِبتِلاءِ وَالعَلاقَةِ إلّا بِكَ يا رَبَّ السَّماوَاتِ وَالأرضِ! وَيا مَنْ سَخَّرَهُما لِعِبادِهِ الصَّالِحينَ.

إلَهي! لِي وَلِكُلِّ ذي عَقلٍ عَلاقَاتٌ مَعَ الأزمِنَةِ الماضِيَةِ وَالأوقاتِ الاستِقبَاليَّةِ؛ مَعَ أنَّنا قَدِ انْحَبَسْنَا في زَمانٍ حاضِرٍ ضَيّقٍ لا تَصلُ أيدِينا إلى أدنى زَمانٍ ماضٍ وَمُستَقبَلٍ لِجلبٍ مِنْ ذاكَ ما يُفرِّحُنا، أو لِدَفْعٍ مِنْ هذا ما يُحزِنُنا. فَلا حَولَ عَنْ هذِهِ الحالَةِ، وَلا قُوَّةَ عَلى تَحويلِها إلى أحسَنِ الحالِ إلّا بِكَ يا رَبَّ الدُّهُورِ وَالأزمَانِ.

إلَهي! لِي في فِطرَتي وَلِكُلِّ أحد في فِطرَتِهِمْ آمالٌ أبدية وَمَطالِبُ سَرمَديَّةٌ تَمْتَدُّ إلى أبَدِ الآبادِ. إذ قَد أوْدَعْتَ في فِطرَتِنَا استِعداداً عَجيباً جامِعاً، فيهِ احتياجٌ وَمَحَبَّةٌ لا يُشبِعُهُما الدُنيا وَما فيها، وَلا يَرضى ذلِكَ الاِحتِياجُ وَتِلكَ المَحَبَّةُ إلّا بِالجَنَّةِ الباقِيَةِ؛ ولا يَطمَئِنُّ ذلِكَ الاِستِعدادُ إلّا بِدارِ السَّعادَةِ الأبَديَّةِ. يا رَبَّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَيا رَبَّ الجَنَّةِ وَدَارِ القَرارِ. (حاشية) كان من المقرر أن تكتب عشرون مرتبة من مراتب (لا حول ولا قوة..) في البداية. وقد أخرتها على أمل كتابتها في الختام. ولما بلغنا الختام تأخّرت حالياً. لأن هذه الأدلة لو وضّحت لطالت كثيراً، وان كتبت بإشارات تخصني فحسب لكانت الاستفادة منها قليلة. لذا أرجئت إلى وقت آخر.

الباب السابع

في شهادة: نَشهَدُ أنْ لآ اِلَهَ إلّا الله وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله

المقام الأول

اللهمَّ يا رَبَّ مُحَمَّدٍ المُختَارِ. ويا ربَّ الجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَيا ربَّ النَبيّينَ وَالأخْيارِ، يَا ربَّ الصِّدِّيقينَ وَالأبرَارِ. يا ربَّ الصِغَارِ وَالكِبَارِ. يا رَبَّ الحُبُوبِ وَالأثمَارِ. يا ربَّ الأنْهَارِ وَالأشجَارِ. يَا ربَّ الصَّحارَى وَالقِفارِ. يا ربَّ العَبيدِ وَالأحرارِ. يا ربَّ اللَّيلِ وَالنَّهارِ.

أمسَينَا وَأصبَحنا نُشهِدُكَ وَنُشهِدُ جَميعَ صِفَاتِكَ المُتَقَدِّسَةِ.. وَنُشهِدُ جَميعَ أسمَائِكَ الحُسنى.. وَنُشهِدُ جَميعَ مَلئِكَتِكَ العُليَا.. ونُشْهِدُ جميعَ مَخْلوقَاتِكَ الشَّتَّى.. وَنُشهِدُ جَميعَ أنبِيَائِكَ العُظمى. وَجَميعَ أولِيَائِكَ الكُبرى. وَجَميعَ أصْفِيائِكَ العُليَا.. وَنُشهِدُ جَميعَ آياتِكَ التَّكوينيَّةِ الَّتي لا تُعَدُّ وَلا تُحصى.. وَنُشهِدُ جَميعَ مَصنُوعَاتِكَ المُزيَّناتِ المُوزونَاتِ المَنْظُومَاتِ المُتَمَاثِلاتِ.. وَنُشهِدُ جَميعَ ذَرَّاتِ الكائِناتِ العاجِزاتِ. الجَامِداتِ الجَاهِلاتِ والحَامِلَةِ بِحولِكَ وَطَولِكَ وَأمرِكَ وَإذنِكَ عَجائِبَ الوَظائِفِ المُنتَظَمَاتِ.. ونُشهِدُ جَميعَ مُرَكباتِ الذَّراتِ الغَيرِ المَحدودَاتِ المُتَنَوعاتِ المُنتَظَمَاتِ المُتقَنَاتِ المَصنُوعاتِ مِن البسائِطِ الجَامِداتِ.. وَنُشهِدُ جَميعَ تَرَكُّباتِ الموجُوداتِ النَّاميَاتِ المُختَلِطَةِ مَوَادُّ حَيَاتِها في غَايَةِ الاختِلاطِ وَالمُتَمَيِّـزَةِ دَفعَةً في غَايةِ الامتيَازِ.. وَنُشهِدُ حَبيبَكَ الأكرمَ سُلطَانَ الأنبياء وَالأوليَاءِ أفضَلَ المَخلُوقَاتِ ذا المُعجِزَاتِ الباهِرَةِ عَليهِ وعَلى آلِهِ أفضلُ الصَّلَواتِ وَالتَّسليمَاتِ.. وَنُشهِدُ فُرقانَكَ الحَكيمَ ذَا الآيات البَيِّنَاتِ وَالبَـرَاهينِ النَّيّراتِ وَالدَلائِلِ الوَاضِحَاتِ وَالأنوارِ السَّاطِعاتِ: بِأنَّا كُلَّنا نَشهَدُ بِأنَّكَ أنتَ الله الوَاجِبُ الوُجودِ الوَاحِدُ الأحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الحيُّ القَيُّومُ العَليمُ الحَكيمُ القَديرُ المُريدُ السَّميعُ البَصيرُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ العَدلُ الحَكَمُ المُقتَدِرُ المُتَكَلِّمُ، لَكَ الأسماء الحُسنى.. وَكَذا نَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلّا أنت وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ وَأنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَبِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ.. وَكَذا نَشهَدُ بِكُلِّ ما مَرَّ وَمَعَ كُلِّ مَا مَرَّ بِأنَّ مُحَمَّداً عَبدُكَ وَنَبيُّكَ وَصَفِيُّكَ وَخَليلُكَ. وَجَمَالُ مُلكِكَ. وَمَليكُ صُنْعِكَ. وَعَينُ عِنَايَتِكَ. وَشَمسُ هِدَايَـتِكَ. وَلِسانُ مَحَبَّتِكَ. وَمِثالُ رَحمَتِكَ. وَنُورُ خَلقِكَ. وَشَرَفُ مَوجُودَاتِكَ. (حاشية) إن كل كلمة في هذه الشهادة الثانية تومئ إلى برهان صادق حق من البراهين الحقة للنبوة الأحمدية، كما تشير إلى وظيفة من وظائف النبوة، وإلى مقام من المقامات المحمدية، مثلما كل فقرة في الشهادة الأولى تدل على كثير من براهين الوحدانية، فكأن كلاً من تلك الكلمات والفقرات شاهدة لي، وتشهد معي، وأنا بنيتي أقلب شهاداتها التي هي بلسان الحال إلى لسان المقال، فنشهد معاً. وَكَشَّافُ طِلسِمِ كائِنَاتِكَ. وَدلّالُ سَلطَنَةِ رُبُوبِيَتِكَ. وَمُعَرِّفُ كُنُوزِ أسمَائِكَ. وَمُعَلِّمُ أوامِرِكَ لِعِبادِكَ وَمُفَسِرُ آياتِ كِتابِ كَائِنَاتِكَ. ومَدَارُ شُهودِكَ وَاِشهَادِكَ. وَمِرآةُ مُحَبَّتِكَ لِجَمَالِكَ وَأسمائِكَ، وَمَحَبَّتِكَ لِصنعَتِكَ وَمَصنُوعَاتِكَ، وَلمِحَاسِنِ مَخلُوقَاتِكَ. وَحَبيبُكَ وَرَسُولُكَ الَّذي أرسَلتَهُ رَحْمَةً للِعالَمينَ. وَلِبَيانِ مَحَاسِنِ كَمالاتِ سَلطَنَةِ رُبُوبيَّتِكَ بِحِكمَةِ صَنعَةِ صِبغَةِ نُقُوشِ قَصرِ العَالَمينَ. وَلِتَعريفِ كُنُوزِ أسمائِكَ بِإشاراتِ حِكَمِيَّاتِ كَلمَاتِ آياتِ سُطُورِ كِتَابِ العالَمينَ. وَلِبَيانِ مَرضِيَّاتِكَ يا رَبَّ السَّماواتِ وَالأرضينَ. عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَاِخوانِهِ ألف ألفِ صَلاةٍ وَسَلامٍ في كُلِّ آنٍ وَزَمانٍ.

اللهمَّ يا حَفيظُ يا حَافِظُ يا خَيرَ الحافظينَ نَستَودِعُ حِفظَكَ وَحِمَايَتكَ وَرَحمَتَكَ هذِهِ الشَّهاداتِ الَّتي أنعَمتَها عَلينا. فَاحفَظهَا إلى يَومِ الحَشرِ وَالميزَانِ آمين. وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمينَ.

المقام الثاني

الحَمْدُ لله الَّذي (حاشية) إن إيضاح هذا المقام هو في آخر «المكتوب التاسع عشر» وهو رسالة المعجزات الأحمدية، وإن كل قيد وكل كلمة فيه يشير إلى دليل من دلائل الرسالة الأحمدية كما انه يومئ إلى البراهين الدّالة على أن القرآن الحكيم هو كلام الله. ولقد ذكر النبي ﷺ والقرآن الكريم هنا، على أن كل واحد منهما دليل سامٍ للغاية على وحدانية الله سبحانه
وتعالى. دَلَّ عَلى وُجوبِ وُجوُدِهِ، وَدَلَّ النَّاسَ عَلى أوصَافِ جَلالِهِ وَجَمَالِهِ وكَمالِهِ، وشَهِدَ على أنَّهُ وَاحِدٌ فَردٌ صَمَدٌ: الشَّاهِدُ الصَّادِقُ المُصَدَّقُ والبُرْهانُ النَّاطِقُ المُحَقَّقُ سَيِّدُ الأنبياء وَالمُرسَلينَ. الحَاوي لِسرِّ إجمَاعِهِمْ وَتَصديقِهِمْ وَمُعجِزاتِهِمْ. وَإمامُ الأولياء وَالصِدّيقينَ. الحَاوي لِسِرِّ اتِفَاقِهِمْ وَتَحقيقِهِمْ وَكَرامَاتِهِمْ. ذُو الاِرهاصَاتِ الخَارِقَةِ وَالمُعجِزاتِ البَاهِرةِ وَالبَراهينِ القاطِعَةِ الواضِحَةِ. ذُو الأخلاق العَاليَةِ في ذاتِهِ. وَالخِصالِ الغَاليَةِ في وَظيفَتِهِ. وَالسَّجَايا السَّامِيَةِ في شَريعَتِهِ. مَهبَطُ الوَحيِ الرَّبَاني بِاجمَاعِ المُنـزِلِ بِتَوفيقٍ لَهُ. وَالمُنـزَلِ بِإعجَازِهِ. وَالمُنـزَلِ عَلَيهِ بِقُوَّةِ إيمَانِهِ. وَالمُنـزَلِ إليهم بِكُشُوفِهِمْ وَتَحقيقَاتِهمْ. سَيَّارُ عَالَمِ الغَيبِ وَالمَلَكوتِ. مُشاهِدُ الأرواح وَمُصَاحِبُ المَلائِكَةِ مُرشِدُ الجِنِّ وَالإنسِ. وَأنْوَرُ ثَمَراتِ شَجَرَةِ الخِلقَةِ. سِراجُ الحقِّ. بُرهَانُ الحَقيقَةِ. لِسانُ المحَبَّةِ. مِثالُ الرَّحمَةِ. كاشِفُ طِلسِمِ الكائِنَاتِ. حَلّالُ مُعَمَّى الخِلقَةِ. دَلّالُ سَلطَنَةِ الرُّبُوبيَّةِ. مَدارُ ظُهورِ مَقَاصِدِ خالِقِ الكائِناتِ في خَلقِ المَوجُوداتِ. ووَاسِطَةُ تَظاهُرِ كَمالاتِ الكائِناتِ، المُرمِزُ بِشَخصيَّتِهِ المَعنَويَّةِ إلى أنهُ نُصبُ عَينِ فَاطِرِ الكَونِ في خَلقِ الكائِناتِ «يَعني أنَّ الصَّانِعَ نَظَرَ إليه وَخَلَقَ لأجلِهِ وَلأمثالِهِ هَذا العَالَمَ» ذُو الدّينِ والشَّريعَةِ وَالإسلاميَةِ الَّتي هي بِدَساتيرِها أنمُوذَجُ دَساتيرِ السَّعادَةِ في الدَّارَينِ. كَأنَّ ذلِكَ الدّينَ فِهرِستةٌ أُخرِجَتْ مِنْ كِتَابِ الكائِناتِ. فَكأنَّ القُرآنَ المُنـزَلِ عَليهِ قِراءَةٌ لآياتِ الكائِناتِ. المُشيرُ دِينُهُ الحَقُّ إلى أنَّهُ نِظامُ نَاظِم الكونِ. فَنَاظِمُ هذِهِ الكائِناتِ بِهذا النِّظامِ الأتَمِّ الأكمَلِ هُوَ نَاظِمُ ذلكَ الدّينِ الجَامِعِ بِهذا النّظمِ الأحسَنِ الأجمَلِ، سَيِّدُنا نَحنُ مَعَاشِرَ بَني آدَمَ، وَمُهدينَا إلى الإيمان نَحنُ مَعَاشِرَ المَؤمِنينَ مُحَمَّدٌ عَليهِ وَعَلى آلِهِ أفضَلُ الصَّلَواتِ وَأتَمُّ التَّسْليماتِ ما دَامَتِ الأرض وَالسَّماواتُ. فإن ذلِكَ الشَّاهِدَ يَشهَدُ عَنِ الغَيبِ في عالَمِ الشَّهادَةِ عَلى رُؤوسِ الأشهَادِ بِطَورِ المُشَاهِدِ.

نَعَمْ؛ يُشَاهَدُ أنَّهُ يُشاهِدُ ثُمَّ يَشهَدُ مُنادِياً لأجيَالِ البَشَرِ خَلفَ الأعصَارِ وَالأقطارِ بِأعلى صَوتِهِ.

نَعَمْ؛ فَهذا صَدى صَوتِهِ يُسمَعُ مِنْ أعماق الماضي إلى شَواهِقِ الاستِقبَالِ وبِجميعِ قُوَّتِهِ.

نَعَمْ؛ فَقَد استَولى عَلى نِصفِ الأرضِ. وَانصَبَغَ بِصبغِهِ السَّماويّ خُمُسُ بَني آدَمَ. وَدَامَتْ سَلطَنَتُهُ المَعنَويَّةُ ألفاً وَثَلَثمائة وَخَمسينَ سَنَةً في كُلِّ زَمانٍ، يَحكُمُ ظَاهِراً وَباطِناً عَلى ثَلثَمائة وَخَمسينَ مِليُوناً مِنْ رَعِيَّتِهَ الصَّادِقَةِ المُطيعَةِ بِانقيَادِ نُفوسِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ وَأروَاحِهِمْ وَعُقُولِهِمْ لأوَامِرِ سَيِّدِهِمْ وَسُلطَانِهِمْ. وَبِغايَةِ جِدِّيَّتِهِ بِشَهاداتِ قُوَّةِ دَساتيرِهِِ المُسَمَّرَةِ عَلى صُخُورِ الدُّهُورِ وَعَلى جِبَاهِ الأقطَارِ. وَبِغَايَةِ وُثُوقِهِ بِشَهادَةِ زُهدِهِ واستِغنائِهِ عَنِ الدُّنيَا. وبغاية اطمئنانه ووُثُوقِه بشهادَةِ سَيرهِ وِبِغايَةِ قُوَّةِ إيمَانِهِ بِشَهادَةِ أنَّـهُ أعْبَدُ وَاتقى مِنَ الكُلِّ بِاتِّفاقِ الكُلِّ، شَهادَةً جازِمَةً مُكَرَّرَةً بـ: ﴿فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ الَّذي دَلَّ عَلى وُجُوبِ وُجودِهِ، وَصَرَّحَ بِأوصَافِ جَلالِهِ وَجَمالِهِ وَكَمالِهِ، وَشَهِدَ أنَّهُ واحِدٌ أحد فَردٌ صَمَدٌ، الفُرقانُ الحَكيمُ الحَاوي لِسِرِّ إجماعِ كُلِّ كُتُبِ الأنبياء وَالأولِيَاءِ وَالمُوَحِّدِينَ المُختَلِفينَ في المَشَارِبِ والمَسَالِكِ المُتَّفِقَةِ قُلُوبُ هَؤُلاءِ وَعُقولُ أولئك بِحَقائق كُتُبِهِمْ عَلى تَصديقِ أساساتِ القُرآنِ المُنَوَّرِ جِهاتُهُ السِّتُّ. إذ عَلى ظَهرِهِ سِكَّةُ الإعجَازِ. وَفي بَطنِهِ حَقائِقُ الإيمَانِ. وَتَحتَهُ بَرَاهينُ الإذعَانِ. وَهَدَفُهُ سَعَادَةُ الدَّارَينِ. وَنُقطَةُ استِنَادِهِ مَحضُ الوَحيِ الرَّبَّانيِّ بِإجمَاعِ المُنـزِلِ بِآياتِهِ. وَالمُنـزَلِ بِإعجَازِهِ. وَالمُنـزَلِ عَليهِ بِقُوَّةِ إيمَانِهِ وَأمَنيَّتِهِ. وَكَمالِ تَسليمِيَّتِهِ وَصَفوَتِهِ. وَوضعِيَّتِهِ المعلُومَةِ عِندَ نـزولِهِ. مَجمَعُ الحَقائِقِ بِاليَقينِ. وَمَنبَعُ أنوار الإيمان بِالبَداهَةِ. المُوصِلُ إلى السَّعادَاتِ بِاليَقينِ. ذُو الأثمَارِ الكَامِلينِ بِالمُشَاهَدَةِ. مَقبُولُ المَلَكِ والإنس وَالجَانّ بِالحَدسِ الصَّادِقِ مِنْ تَفاريقِ الأمارَاتِ. المُؤيَّدُ بِالدَلائِلِ العَقليَّةِ بِاتِّفاقِ العُقَلاءِ الكاملينَ. وَالمُصَدَّقُ بالفِطرَةِ السَّليمَةِ بِشَهادَةِ اطمِئنانِ الوِجدَانِ بِهِ. المُعجِزَةُ الأبدية بالمُشَاهَدَةِ. ذُو البَصَرِ المُطلَقِ يَرى الأشياء بِكَمالِ الوُضُوحِ، يَرى الغَائِبَ البَعيدَ كَالحَاضِرِ القَريبِ. ذُو الاِنبِساطِ المُطلَقِ يُعَلِّمُ المَلأَ الأعلى مِنَ المُقَرَّبينَ بِدَرسٍ، وَيُعَلِّمُ أطفَالَ البَشَرِ بِعينِ ذَلِكَ الدَّرسِ، وَيَشمِلُ تَعليمُهُ وتَعليمَاتُهُ طَبَقاتِ ذَوي الشُعُورِ مِنْ أعلى الأعَالي إلى أبسَطِ البَسائِطِ. لِسانُ الغَيبِ في عَالَمِ الشَّهادَةِ، شَهادَةً جَازِمَةً مُكَرَّرَةً بـ«لآ إلَهَ إلّا هُوَ» و﴿فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ