الباب الخامس

في مراتب ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾

وهو خمس نكت

النكتة الأولى

فهذا الكلام دواءٌ مجرّبٌ لمرض العَجز البشري وسَقم الفقر الإنساني.

﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾ (آل عمران:173) إذ هو المُوجِدُ المَوْجُودُ البَاقِي فلا بَأْسَ بِزَوالِ المَوْجُودَاتِ لِدَوامِ الوجودِ المَحْبُوبِ بِبَقَاءِ مُوجِدِهِ الواجِبِ الوجودِ.

وهو الصَّانِعُ الفَاطِرُ البَاقِي، فلا حُزْنَ عَلَى زَوالِ المَصْنُوعِ لِبَقَاءِ مَدَارِ المَحَبَّةِ فِي صَانِعِهِ.

وهو المَلِكُ المَالِكُ البَاقِي، فلا تأسُّفَ عَلَى زَوالِ المُلْكِ المُتَجَدِّدِ فِي زَوالٍ وذَهَابٍ.

وهو الشَّاهِدُ العَالِمُ البَاقِي، فلا تَحَسُّرَ عَلَى غَيْبُوبَةِ المَحْبُوبَاتِ مِنَ الدُّنْيا لِبَقَائِهَا، فِي دَائِرَةِ عِلْمِ شَاهِدِهَا وفِي نَظَرِهِ.

وهو الصَّاحِبُ الفَاطِرُ البَاقِي، فلا كَدَرَ عَلَى زَوالِ المُسْتَحْسَناتِ لِدَوامِ مَنْشَأِ مَحَاسِنِهَا فِي أسْمَاءِ فَاطِرِهَا.

وهو الوارِثُ البَاعِثُ البَاقِي، فلا تَلَهُّفَ عَلَى فِرَاقِ الأحباب لِبَقَاءِ مَنْ يَرِثُهُمْ ويَبْعَثُهُمْ.

وهو الجَمِيلُ الجَلِيلُ البَاقِي، فلا تَحَزُّنَ عَلَى زَوالِ الجَمِيلاتِ الَّتِي هِيَ مَرَايا لِلأسْمَاءِ الجَمِيلاتِ لِبَقَاءِ الأسماء بِجَمَالِهَا بَعْدَ زَوالِ المَرَايا.

وهو المَعْبُودُ المَحْبُوبُ البَاقِي، فلا تَأَلُّمَ مِنْ زَوالِ المَحْبُوبَاتِ المَجَازِيَّةِ، لِبَقَاءِ المَحْبُوبِ الحَقِيقيِّ.

وهو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الودُودُ الرَّؤُوفُ البَاقِي، فلا غَمَّ ولا مَأيُوسِيَّةَ ولا أهمية مِنْ زَوالِ المُنْعِمِينَ المُشْفِقِينَ الظَّاهِرِينَ، لِبَقَاءِ مَنْ وسِعَتْ رَحْمَتُهُ وشَفَقَتُهُ كُلَّ شَيءٍ.

وهو الجَمِيلُ اللَّطِيفُ العَطُوفُ البَاقِي، فلا حِرْقَةَ ولا عِبْرَةَ بِزَوالِ اللَّطِيفَاتِ المُشْفِقَاتِ، لِبَقَاءِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهَا، ولا يَقُومُ الكُلُّ مَقَامَ تَجَلٍّ واحِدٍ مِنْ تَجَلِّياتِهِ؛ فَبَقَاؤهُ بِهَذِهِ الأوْصَافِ يَقُومُ مَقَامَ كل مَا فَنِيَ وزَالَ مِنْ أنواع مَحْبُوبَاتِ كل أحد مِنَ الدُّنْيا.
﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾، نَعَمْ حَسْبِي مِنْ بَقَاءِ الدُّنْيا وما فِيهَا بقاء مَالِكِهَا وصَانِعِهَا وفَاطِرِهَا.

النكتة الثانية

حَسْبِي مِنْ بَقَائِي أنَّ الله هو إلَهِيَ البَاقِي، وخَالِقِيَ البَاقِي، ومُوجِديَ البَاقِي، وفَاطِرِيَ البَاقِي، ومالِكِيَ البَاقِي، وشَاهِدِيَ البَاقِي، ومَعْبُودِيَ البَاقِي وبَاعِثِيَ البَاقِي، فلا بَأْسَ ولا حُزْنَ ولا تَأَسُّفَ ولا تَحَسُّرَ عَلَى زَوالِ وجُودِي لِبَقَاءِ مُوجِدِي، وإيجَادِهِ بِأسْمَائِهِ. وما فِي شَخْصِي مِنْ صِفَةٍ إلّا وهِيَ مِنْ شُعَاعِ اِسْمٍ مِنْ أسمائه البَاقِيَةِ؛ فَزَوالُ تِلْكَ الصِّفَةِ وفَنَاؤهَا لَيْسَ إعْدَاما لَهَا، لأنها مَوْجُودَةٌ فِي دَائِرَةِ العِلْمِ وبَاقِيَةٌ ومَشْهودَةٌ لِخَالِقِهَا.

وكَذَا حَسْبِي مِنَ البَقَاءِ ولَذَّتِهِ عِلْمِي وإذعَانِي وشُعُورِي وإيمَانِي بِأنَّهُ إلَهِيَ البَاقِي المُتَمَثِّلُ شُعَاعُ اسْمِهِ البَاقِي فِي مِرْآةِ مَاهِيَّتِي؛ وما حَقِيقَةُ ماهِيَّتِي إلّا ظِلٌّ لِذلِكَ الاِسْمِ. فَبِسِرِّ تَمَثُّلِهِ فِي مِرْآةِ حَقِيقَتِي صَارَتْ نَفْسُ حَقِيقَتِي مَحْبُوبَةً، لا لِذاتِهَا بل بِسِرِّ ما فِيهَا. وبقاء مَا تَمَثَّلَ فِيهَا أنواع بَقَاءٍ لَهَا.

النكتة الثالثة

﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾ إذ هو الواجِبُ الوجودِِ الذِي مَا هذِهِ المَوْجُودَاتُ السَّيَّالاتُ إلّا مَظَاهِرُ لِتَجَدُّدِ تَجَلِّياتِ إيجَادِهِ ووجودِهِ؛ بِهِ وبِالانتساب إليه وبِمَعْرِفَتِهِ أنوار الوجودِ بِلا حَدٍّ.وبِدُونِهِ ظُلُمَاتُ العَدَمَاتِ وآلامُ الفِرَاقاتِ الغير المحدوداتِ.

وما هذِهِ المَوْجُودَاتُ السَّيَّالَةُ إلّا وهِيَ مَرَايا وهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بِتَبَدُّلِ التَّعَيُّنَاتِ الاِعْتِبَارِيَّةِ فِي فَنَائِهَا وزَوالِهَا وبَقَائِهَا بِسِتَّةِ وجُوهٍ:

الأولُ: بقاء مَعَانِيهَا الجَمِيلَةِ وهوِيَّاتِهَا المِثَالِيَّةِ.

والثَّانِي: بقاء صُورِهَا فِي الألواحِ المِثَالِيَّةِ.

والثَّالثُ: بقاء ثَمَراِتِها الأخروية.

والرّابِعُ: بقاء تَسْبِيحَاتِِهَا الرَّبَّانِيَّةِ المُتَمَثِّلَةِ لَهَا الَّتِي هِيَ نَوْعُ وجُودٍ لَهَا.

والخَامِسُ: بَقَاؤها فِي المَشَاهِدِ العِلْمِيَّةِ والمَنَاظِرِ السَّرْمَدِيَّةِ.

والسَّادِسُ: بقاء أرواحِهَا إن كَانَتْ من ذَوِي الأرواح. ومَا وظِيفَتُهَا فِي كَيْفِيَّاتِهَا المُتَخَالِفَةِ فِي مَوْتِهَا وفَنَائِهَا وزَوالِهَا وعَدَمِهَا وظهورِهَا واِنْطِفَائِهَا: إلّا إِظْهَارُ المُقْتَضياتِ للأسماءِ الإلهية، فَمِنْ سِرِّ هذِهِ الوظِيفَةِ صَارَتِ المَوْجُودَاتُ كَسَيْلٍ فِي غَايَةِ السُّرْعَةِ تَتَمَوجُ مَوْتًا وحَياةً ووجودا وعَدَمَا. ومِنْ هذِهِ الوظِيفَةِ تَتَظَاهَرُ الفَعَّالِيَّةُ الدَّائِمَةُ والخَلاقِيَّةُ المُسْتَمِرَّةُ. فلا بُدَّ لِي ولِكُلِّ أحد أنْ يَقُولَ: ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾ يَعْنِي؛ حَسْبِي مِنَ الوجودِ أنِّي أثَرٌ مِنْ آثَارِ واجِبِ الوجودِ. كَفَانِي آنٌ سَيَّالٌ مِنْ هذا الوجودِ المُنوَّرِ المَظهَرِ مِنْ مَلايينِ سَنَةٍ مِنَ الوجودِ المُزَوَّرِ الأبْتَرِ.

نَعَمْ بِسِرِّ الانتساب الإيماني تَقُومُ دَقِيقَةٌ مِنَ الوجودِ؛ مَقَامَ أُلُوفِ سَنَةٍ بِلا انتساب إيمَانِيٍّ، بل تِلْكَ الدَّقِيقَةُ أتَمُّ وأوْسَعُ بِمَرَاتِبَ مِنْ تِلْكَ الآلافِ سَنَةٍ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الوجودِ وقِيمَتِهِ أنِّي صَنْعَةُ مَنْ هو فِي السَّمَاءِ عَظَمَتُهُ، وفِي الأرض آياتُهُ، وخَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ.

وكَذا حَسْبِيَ مِنَ الوجودِ وكَمالِهِ أنِّي مَصْنُوعُ مَنْ زَيَّنَ ونَوَّرَ السَّمَاءَ بِمَصَابِيحَ، وزَيَّنَ وبَهَّر الأرض بأَزاهيرَ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الفَخْرِ والشَّرَفِ أنِّي مَخْلُوقٌ ومَمْلُوكٌ وعَبْدٌ لِمَنْ هذِهِ الكَائِنَاتُ بِجَمِيعِ كَمَالاتِهَا ومَحَاسِنِهَا ظِلٌّ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلى كَمَالِهِ وجَمَالِهِ، ومِنْ آياتِ كَمَالِهِ وإشَاراتِ جَمَالِهِ.

وكَذا حَسْبِي مِنْ كُلِّ شيء مَنْ يَدَّخِرُ مَا لا يُعَدُّ ولا يُحصَى مِنْ نِعَمِهِ فِي صُنَيْدِقَاتٍ لَطِيفَةٍ

هِيَ بَيْنَ «الكَافِ والنُّونِ» فَيَدَّخِرُ بِقُدْرَتِهِ مَلايِينَ قِنْطَارا فِي قَبْضَةٍ واحِدَةٍ فِيهَا صُنَيْدِقَاتٌ لَطِيفَةٌ تُسَمَّى بُذُورا ونَوايا.

وكَذا حَسْبِي مِنْ كُلِّ ذِي جَمَالٍ وذِي إحْسَانٍ؛ الجَمِيلُ الرَّحِيمُ الَّذِي مَا هــــذِهِ المَصْنُوعَاتُ الجَمِيلاتُ إلّا مَرايا مُتَفَانِيَةٌ لِتَجَدُّدِ أنوار جَمَالِهِ بِمَرِّ الفُصُولِ والعُصُورِ والدُّهورِ. وهـذِهِ النِّعَمُ المُتَواتِرَةُ والأثْمَارُ المُتَعَاقِبَةُ فِي الرَّبِيعِ والصَّيْفِ مَظَاهِرُ لِتَجَدُّدِ مَـرَاتِـبِ إنْـعَـامِـهِ الـدَّائِــمِ عَلَى مَــرِّ الأنَامِ والأيـَّـامِ والأعْـوامِ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الحَياةِ وماهِيَّتِهَا أنِّي خَرِيطَةٌ وفِهْرَسْتَةٌ وفَذْلَكَةٌ ومِيزَانٌ ومِقْياسٌ لِجَلَواتِ أسْمَاءِ خَالِقِ المَوْتِ والحَياةِ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الحَياةِ ووظِيفَتِهَا كَوْنِي كَكَلِمَةٍ مَكْتُوبَةٍ بِقَلَمِ القُدْرَةِ، ومُفْهِمَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أسْمَاءِ القَدِيرِ المُطْلَقِ الحَيِّ القَيُّومِ بِمَظْهَرِيَّةِ حَياتِي لِلشُّؤونِ الذَّاتِيَّةِ لِفَاطِرِيَ الَّذِي لَهُ الأسماء الحسنى.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الحَياةِ وحُقُوقِهَا إعْلانِي وتَشْهِيرِي بَيْنَ إخواني المَخْلُوقَاتِ وإعْلانِي وإظْهَارِي لِنَظَرِ شُهودِ خَالِقِ الكَائِنَاتِ بِتَزَيُّنِي بِجَلَواتِ أسْماءِ خَالِقِيَ الَّذِي زَيَّنَنِي بِمُرَصَّعَاتِ حُلَّةِ وجودِي وخِلْعَةِ فِطْرَتِي وقِلادَةِ حَياتِي المُنْتَظَمَةِ الَّتِي فِيهَا مُزَيَّنَاتُ هَدَايا رَحْمَتِهِ.

وكَذا حَسْبِي مِنْ حُقُوقِ حَياتِي فَهْمِي لِتَحِيَّاتِ ذَوِي الحَياةِ لِواهِبِ الحَياةِ وشُهودِي لَهَا وشَهَادَاتٌ عَلَيْهَا.

وكَذا حَسْبِي مِنَ حُقُوقِ حَياتِى تَبَرُّجِي وتَزَيُّنِي بِمُرَصَّعَاتِ جَواهِرِ إحْسَانِهِ بِشُعُورٍ إيمَانِىٍّ لِلعَرْضِ لِنَظَرِ شُهودِ سُلْطَانِيَ الأزَلِيِّ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الحَياةِ ولَذَّتِهَا عِلْمِي وإذعَانِي وشُعُورِي وإيمَانِي، بِأنِّي عَبْدُهُ ومَصْنوعُهُ ومَخْلُوقُهُ وفَقِيرُهُ ومُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ وهو خَالِقِي رَحِيمٌ بِي كَرِيمٌ لَطِيفٌ مُنْعِمٌ عَلَىَّ، يُرَبِّينِي كَما يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ ورَحْمَتِهِ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الحَياةِ وقِيمَتِهَا مِقْياسِيَّتِي بِأمْثَالِ عَجْزِيَ المُطْلَقِ وفَقْرِيَ المُطْلَقِ وضَعْفِيَ المُطْلَقِ لِمَراتِبِ قُدْرَةِ القَدِيرِ المُطْلَقِ، ودَرَجَاتِ رَحْمَةِ الرَّحِيمِ المُطْلَقِ، وطَبَقَاتِ قُوةِ القَوِيِّ المُطْلَقِ.

وكَذا حَسْبِي بِمَعْكسِيَّتِي بِجُزْئِيَّاتِ صِفَاتِي من العلم والإرادة والقدرة الجُزْئِيَّةِ لِفَهْمِ الصّفات المحيطَةِ لِخَالِقِي. فَأفْهَمُ عِلْمَهُ المُحِيطَ بِمِيزَانِ عِلْمِي الجُزْئِيِّ.

وهَكَذا حَسْبِي مِنَ الكَمَالِ عِلْمِي بِأنّ إلَهِي هو الكَامِلُ المُطْلَقُ. فَكُلّ مَا فِي الكَوْنِ مِنَ الكَمَالِ مِنْ آياتِ كَمَالِهِ، وإشَاراتٌ إلى كَمَالِهِ.

وكَذا حَسْبِي مِنَ الكَمَالِ فِي نَفسِي، الإيمان بِالله. إذ الإيمان لِلْبَشَرِ مَنْبَعٌ لِكُلِّ كَمالاتِهِ.

وكَذا حَسْبِي مِنْ كُلِّ شيء لأَنْواعِ حَاجَاتِيَ المَطْلُوبَةِ بِأنْواعِ ألْسِنَةِ جِهَازاتِيَ المُخْتَلِفَةِ، إلَهِي ورَبِّي وخَالِقِي ومُصَوِّرِيَ الَّذِي لَهُ الأسماء الحُسْنَى الَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِي ويُرَبِّينِي ويُدَبِّرُنِي ويُكَمِّلُنِي، جَلَّ جَلالُهُ وعَمَّ نَوالُهُ.

النكتة الرابعة

حَسْبِي لِكُلِّ مَطَالِبِي مَنْ فَتَحَ صُورَتِي وصُورَةَ أمْثَالِي مِنْ ذَوِي الحَياةِ فِي المَاءِ بِلَطِيفِ صُنْعِهِ ولَطِيفِ قُدْرَتِهِ ولَطِيفِ حِكْمَتِهِ ولَطِيفِ رُبُوبِيَّتِهِ.

وكَذا حَسْبِي لِكُلِّ مَقَاصِدِي مَنْ أنْشَأَنِي وشَقَّ سَمْعِي وبَصَرِي، وأدْرَجَ فِي جِسْمِي لِسَانا وجَنانا، وأوْدَعَ فِيهَا وفِي جِهَازاتِي؛ مَوازِينَ حَسَّاسَّةً لا تُعَدُّ لِوزْنِ مُدَّخَرَاتِ أنواع خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ. وكَذا أدْمَجَ فِي لِسَانِي وجَنَانِى وفِطْرَتِي آلاتٍ جَسَّاسَةً لا تُحْصَى لِفَهْمِ أنواعِ كُنُوزِ أسْمَائِهِ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ أدْرَجَ فِي شَخْصِيَ الصَّغِيرِ الحَقِيرِ، وأدْمَجَ فِي وجودِيَ الضَّعِيفِ الفَقِيرِ هذِهِ الأعْضَاءَ والآلاتِ وهذِهِ الجَوارِحَ والجِهَازاتِ وهذِهِ الحَواسَّ والحِسِّياتِ وهذِهِ اللَّطَائِفَ والمَعْنَوِياتِ؛ لإحْسَاسِ جَمِيعِ أنواع نِعَمِهِ، ولإذاقَةِ أكثر تَجَلِّيَّاتِ أسمائه بِجَلِيلِ ألُوهِيَّتِهِ وجَمِيلِ رَحْمَتِهِ وبِكَبِيرِ رُبُوبِيَّتِهِ وكَرِيمِ رَأْفَتِهِ وبِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ ولَطِيفِ حِكْمَتِهِ.

النكتة الخامسة

لابدَّ لِي ولِكُلِّ أحد أنْ يَقُولَ حَالاً وقَالاً ومُتَشَكِّرا ومُفْتَخِرا: حَسْبِي مَنْ خَلَقَنِي، وأخْرَجَنِي مِنْ ظُلْمَةِ العَدَمِ، وأنْعَمَ عَلَيَّ بِنُورِ الوجودِ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ جَعَلَنِي حَيًّا فَأنْعَمَ عَلَيَّ نِعْمَةَ الحَياةِ الَّتِي تُعْطِي لِصَاحِبِهَا كُلَّ شيء وتُمِدُّ يَدَ صَاحِبِهَا إلى كُلِّ شَيءٍ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ جَعَلَنِي إنْسَانا فَأنْعَمَ عَلَيَّ بِنِعْمَةِ الإنسانية التِي صَيَّرَتِ الإنسان عَالَمَا صَغِيرا أكْبَر مَعْنَىً مِنَ العَالَمِ الكَبِيرِ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ جَعَلَنِي مُؤْمِنا فَأنْعَمَ عَلَيَّ نِعْمَةَ الإيمان الَّذِي يُصَيِّرُ الدُّنْيا والآخِرَةَ كَسُفْرَتَيْنِ مَمْلُوئَتَيْنِ مِنَ النِّعَمِ يُقَدِّمُهُمَا إلى المُؤْمِنِ بِيَدِ الإيمَانِ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ جَعَلَنِي مِنْ اُمَّةِ حَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَأنْعَمَ عَلَيَّ بِمَا فِي الإيمان مِنَ المَحَبَّةِ والمَحْبُوبِيَّةِ الإلَهِيَّةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ أعْلَى مَرَاتِبِ الكَمَالاتِ البَشَرِيَّةِ.. وبِتِلْكَ المَحَبَّةِ الإيمانية تَمْتَدُّ أيادِي اِسْتِفَادَةِ المُؤْمِنِ إلى مَا لا يَتَنَاهى مِنْ مُشْتَمَلاتِ دَائِرَةِ الإمكان والوجوبِ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ فَضَّلَنِي جِنْسا ونَوْعا ودِينا وإيمَانا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقاتِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْنِي جَامِدا ولا حَيَوانا ولا ضَالا. فَلَهُ الحَمْدُ ولَهُ الشُّكْرُ.

وكَذا حَسْبِي مَنْ جَعَلَنِي مَظْهَرا جَامِعا لِتَجَلِّياتِ أسْمَائِهِ، وأنْعَمَ عَلَيَّ بِنِعْمَةٍ لا تَسَعُهَا الكَائِنَاتُ بِسِرِّ حَدِيثِ «لا يَسَعُنِي أرْضِي ولا سَمَائِي ويَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِيَ المُؤْمِنِ» يَعْنِي أنَّ المَاهِيَّةَ الإنسانية مَظْهَرٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ تَجَلِّياتِ الأسماء المُتَجَلِّيَةِ فِي جَمِيعِ الكَائِنَاتِ.

وكَذا حَسْبِي مَنِ اشْتَرى مُلْكَهُ الَّذِي عِنْدِي مِنِّي لِيَحْفَظَهُ لِي ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَيَّ، وأعْطانا ثَمَنَهُ الجََنَّةَ. فَلَهُ الشُّكْرُ ولَهُ الحَمْدُ بِعَدَدِ ضَرْبِ ذَرَّاتِ وجودِي فِي ذَرَّاتِ الكَائِنَاتِ.

حَسْـبي رَبِّي جَلَّ اللّه     نُورْ مُحَمَّدْ صَلَّى اللّه

لَا إِلَهَ إلّا اللّه

حَسْبِي رَبِّي جَلَّ اللّه     سِرُّ قَلْبِي ذِكْرُ اللّه

ذِكْـرُ أحْمَدْ صَلَّى اللّه

لَا إِلَهَ إلّا اللّه