إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لقد أُخطر إلى قلبي أن أبين لكم حقيقة لئلا يتهم بعضُكم بعضا بالأنانية وعدم الوفاء.

لقد رأيت -يوما- من ولي عظيم قد ترك الأنانية وانمَحت نفسُه الأمارة. رأيت منه أنه يشكو بشدة من النفس الأمارة، فحرتُ في الأمر. ثم عرفت يقينا أنه لأجل إدامة المجاهدة المُثاب عليها إلى نهاية العمر تتحوّل أعتدة النفس الأمارة بموتها إلى العروق والمشاعر.

وهكذا يشكو أولئك الأولياء العظام من هذا العدو الثاني الوارث للنفس الأمارة.

فضلا عن أن القيمة والمقام والمزية المعنوية لا تتوجه إلى هذه الدنيا كي تُشعر بنفسها. بل إن بعضا ممن هم في أعلى المقامات، يعدّون أنفسهم أكثر الناس ضعفا وعجزا وإفلاسا لأنهم لا يستشعرون إحسانا إلهيا أُنعم عليهم. مما يدل على أن الكشف والكرامة والأذواق والأنوار التي تعتبر في نظر العوام مدارَ الكمالات لا تكون قطعا محكّا ولا مدارا لتلك المقامات والقيم المعنوية. ومما يُثبت هذه الحقيقةَ أنه بينما ساعةٌ واحدة من حياة صحابي كريم تعادل يوما من حياة وليّ، بل أياما من معاناته واعتكافه. لا تبدو في كل صحابي تلك الحالات الخارقة المعنوية والكشف كما هو لدى الأولياء.

وهكذا فيا إخوتي!

تأملوا جيدا وراقبوا أنفسكم لئلا تخدعكم نفوسُكم الأمارة بالسوء من زاويةِ قياس الآخرين بالنفس، ومن حيث سوء الظن بالآخرين، ولا تساورَكم الشبهة في أن رسائل النور لا تربّي طلابها.


إخواني الأعزاء الصديقين!

لقد كشف وزير المعارِف (التربية) النقاب عن وجهه وأظهر الكفر السافر في ثوب آخر. فقد كتب ذلك البيانَ بوسيلة أخرى قبل أن يتسلم دفاعاتنا الأخيرة. والواقع أنني لم أَكن أُفكر في إرسالها إلى تلك الدائرة، إلّا أنه بناءً على توصية إخواننا واستحسانهم فقد اتضح أن إرسالها كان ضروريا وملائما. لأن وزيرا متعصبا للإلحاد إلى هذه الدرجة لا يمكن أن يظل مكتوف اليد أمام تلك الأوراق والرسائل السرية الخاصة المرسلةِ إلى «أنقرة»، أو يقابلَها بعدم الاكتراث. ولقد وقعتْ تلك المرافعات غير القابلة للطعن وقع الصاعقة على رأسه. وحَسَناً ما حدث.

ولسوف تَبعث تلك الرسائل بإذن الله تيارا قويا متعاطفا مع رسائل النور في تلك الدائرة أيضا.

إخوتي!

مادامت حقيقة بعض الناس على نحو ما بيّنّا. فإن الاستسلام لذلك البعض ما هو إلّا ضرب من الانتحار، بل يعتبر ندامة على الانتماء إلى الإسلام، بل يعد انسلاخا من الدين. لأنهم قد بلغوا من التعصب للإلحاد حدا لا يرضون من أمثالنا مجرد الطاعة والاستسلام والمصانعة، وإنما يقولون: دع قلبك ووجدانك وضميرك واعمل للدنيا وحدها.

ولا يسعنا تجاه وَضْعٍ كهذا سوى الحفاظ على كمال المتانة وضبط النفس والتوكل على الله عز وجل وتركِ الأمر إلى عنايته سبحانه، مع الدعاء لظهور رسائل النور عليهم بحقائق قوية والتي وصلتهم في أربعة صناديق.

هذا، وقد أَفادتنا التجارب مرارا بأن لا جدوى إطلاقا من وراء التهرب أو المجافاة أو إضمار مشاعر الاستياء بعضنا لبعض، ولا فائدة كذلك من الابتعاد عن رسائل النور أو محاولة الاستسلام لهم أو حتى الالتحاق بهم. وقد أثبت الزمان هذا بالتجارب.

لا تقلقوا أبدا! فمهما يكن من شيء فإن مخاوف ذلك الوزير خوف الفئران إن دلت على أمر فإنما تدل على جُبنه وضعفه، وهي لا تدل على محاولة الاعتداء بقدر دلالتها على اضطراره للتنصل والدفاع عن النفس.


باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء الثابتين المدركين لماهية التوكل وقيمته!

لم تكن لي الرغبة في قراءة أية صحيفة من الصحف ولا الاستفسار عنها منذ عشرين سنة خلت، إلّا أنني اليوم اطّلعتُ على موضوع في جريدة، مع الأسف ونزولا عند رغبة عدد من إخواننا الضعفاء، فأدركت: أن تيارات لها أهميتها تلعب دورها الخطر في الخفاء والعلن. ولما كنا نحن نُشاهَد في الساحة، فيردُ في الحسبان أن لنا علاقة مع تلك التيارات.

نسأل الله أن تكون لرسائل النور المرسَلة في أربعة صناديق والحاملةِ للدلائل القاطعة غيرِ القابلة للجرح مع مجموعة من دفاتر الدفاع نتائجُ تبشر بالخير لنا وللإيمان والقرآن والإسلام.

إننا لم نتدخل بأمور دنياهم، ولم يثبتوا علينا أي دليل كان على تدخلنا فيها، لذا اضطرت «أنقرة» إلى طلب جميع رسائل النور لإجراء التحقيق عليها.

فما دامت الحقيقة هي هذه، وقد شاهدْنا إلى الآن تجليَ العناية الربانية في العمل لرسائل النور بما لا يمكن إنكاره، وقد شعر كلٌّ منا بها جزئيا كان أم كليا، وما دامت التيارات السياسية العالمية تحشّد كلٌ منها قواها تجاه الآخر، ونحن لا نَقدر إلّا على الرضى بالقضاء الإلهي والتسليم بقََدره والسلوان العظيم السامي النابع من العمل للإيمان والقرآن والنور. فإنّ ألزم ما ينبغي لنا عمله هو عدم القلق والاضطراب، وعدمُ اليأس، وإسنادُ كل منا الآخرَ وإمدادُ روحه المعنويةِ، وعدمُ الخوف، واستقبال هذه المصيبة بالتوكل، وعدم الاكتراث بأقوال الصحف التي يطلقونها جزافا ويستهولون كل حبة صغيرة، بل علينا استصغار ما استعظموه من أمور.

إخوتي! إنه لا أهمية لهذه الحياة الدنيوية، وبخاصة في هذا الزمان وتحت هذه الظروف والضغوط. نعم، لنستقبل بالرضى كلَ ما يصيبنا.


 باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصادقين!

لقد وَجد بضعة من إخواننا سلوانا جميلا يسلون به أنفسهم. وهو على هذه الصورة. فهم يقولون:»إن قسما من إخواننا الحديثي العهد بالسجن، يتحملون هذه المصيبة ويصبرون عليها بضعَ سنين بل عشر سنين، من جراء عمل غير مشروع اقترفوه في ساعة أو ساعتين. بل يقول بعضُهم: حمدا لله لقد نجونا من آثام أخرى، فلِمَ نشكو إذن من ضيق وعنت خيّر، من جراء عمل مشروع جدا وخدمة إيمانية بوساطة رسائل النور، يستغرق بضعة أشهر؟»

وأنا بدوري أقول لهم: ألف ألف بارك الله فيكم.

نعم، إن مقاساة المرء خمسةَ أو عشرةَ شهور من المشاق بِنِيَّةِ إنقاذ إيمانه وإيمان غيره لخمس أو عشر سنوات، إنما هو مبعث شكر وافتخار واعتزاز في سبيل خدمة حلوة خيّرة سامية وعبادة فكرية رفيعة.

ولقد ورد في حديث شريف: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» فتأملوا في عدد الذين يُنقذون، أو سينقذون إيمانهم من أعاصير الشبهات الرهيبة بوساطة خدماتكم وكتاباتكم، سواءً هنا أو في أرجاء البلاد كلها أو في «أنقرة». فاشكروا ربكم من خلال الصبر والامتنان والرضى التام.

وإذا ما أصرّ حزبُ الشعب الجمهوري الحاكم في أنقرة وعاند تجاه رسائل النور ذاتِ الحجج الرصينة والمرسَلة إلى هناك، ولم يحاوِل حمايتها والحفاظ عليها بالمصالحة معها، فهذا يعني أن أفضل مكان لنا هو السجن. ويعني أيضا أن الملحدين قد وحّدوا بين الزندقة والشيوعية، وأن الحكومة ستضطر إلى الخضوع لأقوالهم. وعندئذٍ تنسحب «رسائل النور» من الميدان ويتوقف عملُها، وتبدأ المصائب المادية والمعنوية بالهجوم.


 باسمه سبحانه

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ اَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ (الأنعام:130)

جواب أستاذنا عن سؤال ورد لحل الإشكال في صدد بعثة الرسل من الجن أيضا كما هو مفهوم الآية الكريمة.

أخي العزيز!

حقا إن لسؤالك هذا أهمية كبيرة، ولكن لما كانت أهمُّ مهمة لرسائل النور، إنقاذَ الإنسان من شِباك الضلالة وظلمات الكفر المطلق، فإن تسلسل الأولوية يحُول دون بلوغ مثل هذه المسائل، فلا تفتح بابَ البحث فيها، علما أن السلف الصالح أيضا لم يبحثوا فيها كثيرا، لأن مثل هذه الأمور الغيبية المحجوبة قد يُساء فيها الاستعمال ويستطيع الماكرون أن يتخذوها وسيلة لمآربهم الذاتية. مثلما يخادع أصحابُ التنويم المغناطيسى في الوقت الحاضر الناسَ ويغررون بهم باسم تلقّي الأخبار عن الجن، لذا لا يُبحث في مثل هذه الأمور كثيرا، لئلا يُساء إلى الدين.

ثم إنه لم يبعث نبي في الجن بعد خاتم الأنبياء ﷺ.

ثم إن رسائل النور قد سعت في هذا الزمان لإثبات وجود الجن والروحانيين بحجج قاطعة لتُبطل مفهوم المادية الساري سريانَ الطاعون في البشرية. فنظرتْ إلى هذه المسائل بالدرجة الثالثة تاركة أمر تفاصيلها للآخرين.

ولعل الله يهيئ أحدَ طلاب النور فيفسّر «سورة الرحمن» ويحل هذه المسألة.


باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لكل مصيبة نقول: ﴿اِنَّا لِلّٰهِ وَاِنَّٓا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة:156)

حقا إن وفاة «الحافظ علي» و«الحافظ محمد» و«محمد زهدي» ليس ضياعا كبيرا لنا ولإسبارطة وحدها، بل ضياعا أيضا للعالم الإسلامي. ولكن تجلي العناية الربانية قد جرى إلى الآن، أنه عند ضياع أحد طلاب النور، يليه مثنى أو ثلاث من الطلاب على النمط نفسه، فيظهرون في الساحة.

فنحن على أمل كبير أن يظهر طلاب جادّون -بشكل آخر- يؤدون وظيفة أولئك الأبطال، وسيظهرون بإذن الله. فلقد أدّى أولئك الميامين الثلاثة في فترة قصيرة مهمة مائة سنة من العمل.

نسأل الله أن ينـزل عليهم شآبيبَ رحمته بعدد حروف رسائل النور التي قرؤوها وكتبوها ونشروها.. آمين.

أبلغوا عني التعازي إلى أقرباء «الحافظ محمد» وقريته الطيبة، وأنا بدوري قد جعلتُه رفيقا للحافظ علي ومحمد زهدي وضممت أسماء أولئك الثلاثة بين أسماء أساتذتي الأقطاب. وقد جعلت «الحافظ عاكف» كذلك رفيقا لعاصم ولطفي.


باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن في تأخير مسألتنا هذه خيراً، والخير فيما اختاره الله. لأن محبة ذلك الرجل الميت الرهيب يُلقَّن في جميع المدارس والدوائر الحكومية وفي أوساط الشعب عامة. وستؤثر هذه الحالة تأثيرا أليما وفجيعا جدا في العالم الإسلامي وفي المستقبل.

ثم إن حصول أولئك الذين لهم علاقة معه -وهم آخِر من يتخلون عنه- على رسائل النور التي تُثبت وتُظهر حججا قاطعة حول ماهية ذلك الرجل، وقراءتَها بلهفة وإمعان، حادثةٌ مهمة بحيث تجعل دخولَ ألوف من أمثالنا في السجن -بل حتى سوقَهم إلى الإعدام- زهيدا رخيصا في سبيل الذود عن الدين الإسلامي، لأنها تنقذ -في الأقل- أكثر المتمردين عتوا، من الكفر المطلق والارتداد عن الدين، وتخرجهم إلى كفر مشكوك فيه، ويحدّ من تعديهم الجريء وتجاوُزِهم المتعنت.

«ولتكن رؤوسُنا فداءً لحقيقة افتدتها ملايينُ رؤوس الأبطال».

هذه الجملة التي صدعتُ بها وجوهَهم في المحكمة ختام مرافعتي، أعلنّا بها أننا نَثبت حتى النهاية، فلا نتخلى عن هذه الدعوى، وآمل أن لا يكون فيكم من يتخلى عنها، فما دمتم قد صبرتم وصمدتم حتى الآن، فتجمّلوا بالصبر والتحمل فإنّ قسمَتنا من الرزق ووظيفتَنا هنا لم تنتهيا بعدُ.. ولن تكون هناك حركة عنيدة مضادة لرسائل النور دفاعا عن مسلك الإعدام الأبدي والسجن المنفرد الدائم اللذَين أثبتتهما «رسالةُ الثمرة» بحجج دامغة لا يمكن إنكارها، بل ستُبحث عن وسيلة للمصالحة أو التَرك. والصبر مفتاح الفرج والسرور.


باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن الذين يسوموننا العذابَ قد قبضوا بأيديهم على وسائل الحياة ومباهج الحضارة والمُتع والملذات ويتهموننا: أننا لا نعبأ بذلك الطراز من الحياة، بل يدينوننا على ذلك، حتى إنهم يريدون أن يعاقبونا بالإعدام أو بعقوبات مشددة من السجن، ولكن لا يجدون حجة قانونية لذلك.

أما نحن فنقبض بأيدينا على الموت الذي هو ستارٌ دون الحياة الباقية، ونسعى أيضا بكل ما نملك من قوة لإنقاذهم من تبعات المسؤولية الحقيقية، ومن الحُكم عليهم ومن الإعدام الأبدي والسجن المنفرد الدائمي. حتى إنهم إذا أصدروا أشد العقوبات عليّ بسبب الرسائل القوية المرسَلة إلى «أنقرة»، فإن قلبي وكذا نفسي تطاوعاني على إنـزال تلك العقوبات الصارمة بي إذا نجا أولئك الذين يُصدرون تلك الأحكام من إعدام الموت بسبب تلك الرسائل. بمعنى أننا نريد لهم الحياة في كلا العالَمين ونتحرى لهم عن دواعي ذلك، أما هم فيريدون القضاء علينا ويتشبثون بحجج لذلك.

ألا إن حقيقة الموت الظاهرةَ كالشمس والمشاهَدةَ جليا كالنهار والمصدّقةَ بثلاثين ألف جنازة يوميا من البشر، تُعلن وتبين لأهل الضلالة ثلاثين ألفا من إعدام أبدي وثلاثين ألفا من سجن انفرادي.

إننا لسنا مغلوبين أمامهم. ليقضوا ما هم يقضون. فالآية الكريمة: ﴿فَاِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:56) تبشّر بظهورنا عليهم منذ اثنتى عشرة سنة…

ما دام الأمر هكذا سنقول بعد الآن للمحكمة وللناس: إننا نسعى لإنقاذ أنفسنا من الإعدام الأبدي للموت الماثل أمامنا والذي يرقبنا، ونجهد للنجاة من السجن الانفرادي الدائمي المظلم للقبر الذي فتح بابه على مصراعيه داعيا لنا، ويُقحمنا فيه… إننا نعاونكم في إنقاذ أنفسكم من تلك المصيبة التي لا حيلة لكم دونها.

إلّا أن أهم مسألة دنيوية وسياسية في نظركم، قليلةُ الأهمية في نظرنا وفي نظر الحقيقة، بل لا أهمية لها ولا قيمة لدى الذين لم يُعهد إليهم بتلك الوظائف، بل تُعدّ من الأمور التي لا تعنيهم بشيء. بينما الوظيفة الضرورية الإنسانية التي ننهمك بها، لها علاقات مع الناس قاطبة وفي الأوقات كافة.

فالذين لا يروق لهم وظيفتُنا هذه ويحاولون رفعَها وإزالتها، عليهم رفعَ الموت أولا وإزالته وسدّ باب القبر وغلقه.