المسألة الثالثة

وهي حادثة ذات عبرة، سبق ذكرها في «مرشد الشباب» مفصلا، وخلاصتها هي:

كنت في أحد أيام عيد الجمهورية جالسا أمام شباك سجن «أسكي شهر» الذي يطل على مدرسة ثانوية.. وكانت طالباتها اليافعات يلعبن ويرقصن في ساحة المدرسة وفنائها ببهجة وسرور، فتراءت لي فجأةً على شاشة معنوية ما يؤول إليه حالهن بعد خمسين سنة. فرأيت: أن نحوا من خمسين من مجموع ما يقارب الستين طالبة يتحولن إلى تراب ويعذَّبن في القبر، وأن عشرة منهن قد تحولن إلى عجائز دميمات بلغن السبعين والثمانين من العمر، شاهت وجوههن وتشوه حسنهن، يقاسين الآلام من نظرات التقزز والاستهجان من الذين كنّ يتوقعن منهم الإعجاب والحب، حيث لم يصنّ عفتهن أيام شبابهن!.. نعم، رأيت هذا بيقين قاطع، فبكيت على حالهن المؤلمة بكاء ساخنا أثار انتباه البعض من زملاء السجن، فأسرعوا إليّ مستفسرين.

فقلت لهم: «دعوني الآن وحالي… انصرفوا عني..»

أجل، إن ما رأيتُه حقيقة وليس بخيال، إذ كما سيؤول هذا الصيف والخريف إلى الشتاء، فإن ما خلف صيف الشباب ووراء خريف الشيب، شتاءَ القبر والبرزخ. فلو أمكن إظهار حوادث ما بعد خمسين سنة من المستقبل مثلما يمكن ذلك لحوادث الخمسين سنة الفائتة -بجهاز كجهاز السينما- وعُرضت حوادثُ أهل الضلالة وأحوالُهم في المستقبل، إذن لتقززوا ولتألموا ولبكوا بكاء مرا على ما يفرحون منه الآن ويتلذذون به من المحرّمات في الوقت الحاضر.

وبينما كنت غارقا في التأمل، ومنصرفا إلى مشاهد الشاشة المعنوية المعروضة أمامي في سجن «أسكي شهر» إذ انتصب أمامي شخص معنوي كأنه يمثل الشيطان الإنسي يدعو إلى السفاهة، ويروّج للضلالة قائلا لي: «نحن نريد أن نستمتع بجميع لذائذ الحياة ونمتّع الآخرين بها دعنا وشأننا، وإليك عنا».

فأجبته قائلا: «مادمتَ ترمي بنفسك في أحضان الضلالة والسفاهة حصولا على لذة جزئية وذوق ضئيل متناسيا الموت غير آبهٍ به، إذن فاعلم: أنَّ «الماضي» كله -حسب ضلالتك- قد مات واندثر وانتهى إلى العدم، فهو مقبرة عظيمة موحشة مرعبة، قد رَمّت فيها الجثثُ وبَليت فيها الآثار، لذا إن كانت لك مُسكة من عقل أو كنت تملك قلبا ينبض بالحياة فإن الآلام المتولدة -بمقتضى ضلالتك- من الموت الأبدي، ومن أنواع الفراق غير المحدود لأقاربك وأحبابك غير المعدودين تزيل تلك اللذة الجزئية المسكرة التي تتذوقها في فترة قصيرة جدا.

وكما أنَّ «الماضي» معدوم بالنسبة لك، فـ«المستقبل» معدوم لك كذلك. وذلك بسبب انعدام إيمانك، بل هو ساحة موحشة رهيبة مظلمة ميتة.. فما من أحد من الموجودات المسكينة يأتي ويبرز إلى الوجود -مارا بالحاضر- إلّا ويقبضه جلادُ الموت ويقذفه إلى العدم، وأنت لكونك مرتبطا بتلك العوالم -بحكم عقلك- فإن المستقبل يصب على رأسك الملحد مطرَ السوء من الآلام الموجعة والقلق الشديد والاضطرابات العنيفة، حتى يجعل جميع لذائذك الجزئية السفيهة أثرا بعد عين.

ولكن ما إن تنبذ طريق الضلالة وتترك سلوك السفاهة داخلا حظيرة الإيمان التحقيقي، مستقيما عليه حتى ترى بنور الإيمان أنَّ ذلك الماضي السحيق ليس بمعدوم وليس بمقبرة تُبلي كلَ شيء وتفنيه، بل هو عالم نوراني موجود فعلا، الذي ينقلب إلى المستقبل، وهو ساحة انتظار الأرواح الباقية المترقبة للبعث، دخولا إلى فردوس السعادة الأبدية المعدّة لهم؛ لذا يذيقك -وأنت مازلت في الدنيا- لذةَ الجنة المعنوية حسب درجة إيمانك. كما أن المستقبل ليس مؤلما ولا مقلقا وليس محلا للوحشة ولا واديا مظلما مخيفا، بل هو بنور الإيمان منازلُ سعادة أبدية للرحمن الرحيم ذي الجلال والإكرام الذي وسعت رحمته كل شيء وأحاط كرمه بكل شيء. فكما فرشَ سبحانه الربيع والصيف مائدتين مملوءتين بأنواع النِعم والمطعومات، فقد بسط سبحانه موائد ضيافته الفاخرة في تلك القصور العوالي وفتح معارض إحسانه وآلائه العميمة هناك، والناس يشوّقون إليها بل يساقون.

نعم، هكذا يراها المؤمن بالشاشة الإيمانية -كل حسب درجته- وبوسعه أن يشعر شيئا من لذائذ ذلك النعيم المقيم.

فإذن اللذة الحقيقية الصافية التي لا يكدرها ألَم، إنما هي في الإيمان، وبالإيمان وحده يمكن الفوز بها.

وهناك ألوفٌ من الثمرات اللذيذة للإيمان في هذه الدنيا، وألوف من الفوائد والنتائج، إلّا أننا سنبين واحدة منها بمثال:

تصور -أيها الأخ- إن ابنك الوحيد الذي تحبّه كثيرا جدا طريحُ الفراش يعاني من سكرات الموت، وأنت تغوص في تفكير يائس مرير وتتألم ألما موجعا شديدا من فراقه الأبدي المؤلم.. تصوَّر -وأنت في هذه الحالة اليائسة- إذا بطبيب حاذق -كالخضر أو لقمان عليهما السلام- يأتي ويسقي الطفل دواءً مضادا للسموم، وإذا به يفتح عينيه فرحا جذلا ببهجة الحياة، وقد نجا من قبضة الموت. كم يكون يا ترى فرحُك وسرورك اللذان يغمرانك؟

كذلك الحال في أولئك الملايين المدفونين في مقبرة الماضي الذين تحبهم -كهذا الطفل- حبا كثيرا وترتبط معهم بوشائج. فبينما هم على وشك أن يُبادوا ويفنوا من الوجود في مقبرة الماضي -في نظرك- إذا بحقيقة الإيمان تَبعث من شباك القلب نورا -كما فعل لقمان الحكيم مع ذلك الطفل- إلى تلك المقبرة الواسعة التي يُظن أنها مقر الإعدام. وإذا الأموات قيام أحياء بذلك النور -في عالم البرزخ- ينادون بلسان الحال: «لسنا أمواتا.. ولن نموت أبدا.. وسنلتقي عما قريب».

نعم، مثلما يَبعث شفاءُ الطفل فرحا وبهجة لا حد لهما بعد اليأس والقنوط، كذلك الأمر هنا مما يجعلنا نتيقن أن الإيمان -ببثه هذا الفرح والسرور في دنيانا هذه- يثبت أن حقيقته بذرةٌ تحمل من الحيوية ما لو تجسّمت لنبتت عليها جنة خاصة لكل مؤمن، ولأصبحت له شجرةَ طوبى.

هكذا قلت لذلك الشيطان الإنسي العنيد، إلّا أنه انبرى لي قائلا: «دعنا نحيا ولو كالحيوان، غافلين عما يدور حولنا من هذه الأمور الدقيقة، ولنمض حياتنا بلذة اللهو ونشوة اللعب».

فأجبته: إنك لا تقاس بالحيوان، ولن تكون مثلَه. إذ ليس للحيوان ما يفكّر به من ماض ومستقبل. فلا يجد الحيوان مما مضى ألما ولا أسفا ولا يأتيه قلقٌ ولا خوف من المستقبل، لذا يجد لذته كاملة فيشكر خالقه الكريم. بل حتى الحيوانُ المعدّ للذبح لا يحس إلّا بألم السكين وهي تمر على حلقومه، وسرعان ما يزول هذا الإحساس، فينجو من ذلك الألم.

فيا للرحمة الإلهية والشفقة الربانية ما أعظمَها تجليا في إخفاء الغيب وسَتر المصائب والبلايا.. ولاسيما في الحيوانات والبهائم.

ولكن أيها الإنسان لقد خرج شيء من ماضيك ومستقبلك من الغيب بحكم ما تحمله من عقل، فأنت محروم كليا مما تتنعم به الحيوانات من راحة واطمئنان بانسدال ستار الغيب أمامها، فالحسرات والآهات الناشئة مما مضى، وأنواع الفراق الأليم والمخاوف الناجمة من المستقبل تزيل لذتك الجزئية وتبيدها وتهوي بك في درجة أدنى بكثير من الحيوان من حيث اللذة. فما دامت الحقيقة هكذا فما عليك إذن إلّا أن تتبرأ من عقلك وترميه خارجا وتعدّ نفسك حيوانا فتنجو، أو تنوّر عقلَك بنور الإيمان وتنصت إلى الصوت العذب للقرآن الكريم فتكونَ أرقى من الحيوان وأرفع، مغتنِما لذائذ نقية صافية طاهرة وأنت مازلت في هذه الدنيا الفانية.

فألزمتُه بهذه الحجة ولكنه اعترض قائلا: «سنعيش في الأقل مثل ملاحدة الأجانب»

فقلت له جوابا: «لن تكون حتى مثل أولئك الملاحدة الأجانب، لأنهم إن أنكروا نبيا واحدا فإنهم يؤمنون بسائر الأنبياء. وحتى إذا لم يعرفوا أحدا من الأنبياء، فقد يكون لهم إيمان بالله. وإن لم يكن لهم هذا الإيمان أيضا فلربما لهم ما يوصلهم إلى الكمال من سجايا حميدة وخصال إنسانية.. أما إذا أنكر المسلمُ خاتمَ النبيين ﷺ وجحد بالدين الذي لا دين غيرَه في الحق والشمول، وفسق عن دائرة هدايته، وحلّ رقبته منها، فلا يرضى بنبي آخر، بل لا يقبل الإيمان بالله، لأنه ما عرف سائرَ الأنبياء ولا اهتدى إلى الإيمان بالله إلّا عن طريقه ﷺ وبتبليغه وإرشاده وهديه.. لذا لا يبقى في قلبه شيء من أولئك دون الإيمان به ﷺ. ومن هنا كان الناس من سائر الأديان منذ زمن سحيق يدخلون دين الإسلام أفواجا، بينما لم يحدث أن أصبح مسلم واحد قط يهوديا حقيقيا ولا مجوسيا ولا نصرانيا، وربما يصبح ملحدا فاسد الأخلاق والسجايا مضرا بالبلاد والعباد».

هكذا أقمتُ الحجة على ذلك العنيد من أنه لا يستطيع التشبه حتى بملاحدة الأجانب.. ولمّا لم يجد ما يستند إليه، خَنَس وولى إلى جهنم وبئس المصير.

فيا زملائي المجتمعين في هذه المدرسة اليوسفية! مادامت الحقيقة هي هذه، ورسائل النور قد نشرت نورَها -ولا تزال- منذ عشرين سنة وهي تكسر عناد المتمردين وترغمهم على الإيمان، فعلينا إذن التمسك بالإيمان والصراط المستقيم السهل النافع السليم لدنيانا ومستقبلنا وآخرتنا وبلادنا وأمتنا. وذلك بأن لا نقتل أوقاتنا فيما لا يعني من ترهات الخيال وسفساف الآمال، بل نحييها بتلاوة ما نعلمه من سور القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، وبتعلم معانيها من إخواننا العالمين بها، وبقضاء ما فاتنا من الصلوات المكتوبة، وبكسب الأخلاق الحميدة من بعضنا البعض، فلعل الله سبحانه يجعلنا ممن يغرسون في هذا السجن الغراسَ لتخرج منه أشجارٌ مثمرة نافعة. ونسعى جاهدين ليكون مسؤولو السجن أساتذة مرشدين يهيئون في هذه المدرسة اليوسفية رجالا إلى الجنة، ومشرفين طيبين يتولون حسن توجيههم، وليسوا زبانية عذاب على جناة قتلة.


المسألة الرابعة

سألني يوما إخواني الذين يتولون خدمتي قائلين:

لقد أخذت الحربُ العالمية باهتمام الناس وشغلت الكرة الأرضية وأوقعتها في اضطراب وقلق وهي ذات علاقة بمقدّرات العالم الإسلامي، إلّا أننا نراك لا تسأل عنها رغم مرور خمسين يوما على نشوبها -بل سبع سنين- في الوقت الذي نرى متدينين وعلماء يدَعون الجامع والجماعة مهرعين إلى استماع الراديو. فهل هناك قضية أعظم منها تشغل بالك؟ أم إن الانشغال بها فيه خسارة وضرر؟

فأجبتهم: إن رأس مال العمر قليل، ورحلة العمر هنا قصيرة، بينما الواجبات الضرورية والمهمات التي كُلّفنا القيام بها كثيرة، وهذه الواجبات هي كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز حول الإنسان:

فابتداءً من دائرة القلب والمعدة والجسد والبيت والمحلة والمدينة والبلاد والكرة الأرضية والبشرية، وانتهاءً إلى دائرة الأحياء قاطبة والعالم أجمع، كلها دوائر متداخلة بعضها في البعض الآخر. فكل إنسان له نوع من الوظيفة في كل دائرة من تلك الدوائر. ولكن أعظم الواجبات وأهمها، بل أدومها بالنسبة له هي في أصغر تلك الدوائر وأقربها إليه. بينما أصغر الواجبات وأقلها شأنا ودواما هي في أعظم تلك الدوائر وأبعدها عنه. فقياسا على هذا: يمكن أن تتناسب الوظائف والواجبات تناسبا عكسيا مع سعة الدائرة، أي كلما صغرت الدائرة وقربت عظُمت الوظيفة، وكلما كبُرت الدائرة وبَعُدت قلّت أهميةُ الوظيفة.. ولكن لمّا كانت الدائرة العظمى فاتنةً جذابة، فهي تشغل الإنسان بأمور غير ضرورية له، وتَصرف فكرَه إلى أعمال لا تعنيه بشيء، حتى تجعله يهمل واجباته الضرورية في الدائرة الصغيرة القريبة منه، فيهدر -عندئذ- رأس مال عمره، ويضيّع حياته سُدىً. زد على ذلك قد يميل قلبُه وينحاز إلى إحدى الجهتين المتخاصمتين لتـتـبُّعه بلهفة أخبارَ الحرب الطاحنة بينهما. فلا يجد في نفسه إنكارا لمظالم تلك الجهة، بل يرتاح إليها، ويكون شريكا لها في ظلمها.

أما الجواب عن النقطة الأولى فهو أنَّ أمام كل إنسان -ولاسيما المسلم- مسألةً مهمة، وحادثة خطيرة، هي أعظم من الصراع الدائر بين الدول الكبرى لأجل السيطرة على الكرة الأرضية. تلك المسألة هي من الأهمية والخطورة ما لو امتلك الإنسان العاقل قوةَ الألمان والإنكليز وثروتهما معا، لَما تردد في أن يضعها كلَّها لأجل كسب تلك القضية المبتغاة.

تلك القضية هي التي أَعلنها مائةُ ألف من المُصطَفين الأخيار، ورفع رايتها ما لا يحد من نجوم البشرية ومرشديها المستندين إلى آلاف من مواثيق رب العالمين ومن وعوده وعهوده، بل لقد شاهدها قسم منهم عيانا، تلك القضية قضية مصيرية للإنسان وهي:

أنْ يكسب الإنسانُ بالإيمان أو يخسر دونه مُلكا عظيما خالدا ومساكنَ طيبة في جنات عدن عرضها السماوات والأرض. فمن لم يفز بشهادة الإيمان ولم يرعها حقّ رعايتها فسوف يضيّع حتما تلك القضية ويخسرها، وذلك هو الخسران المبين.

ولقد ضيّع الكثيرون في عصرنا هذا -ممن ابتُلوا بطاعون المادية- قضيتَهم هذه، حتى كشف أحدُهم وهو من أهل العلم والكشف، وشاهد أنَّ أفرادا قلائل فقط من كل أربعين شخصا -في مكان ما- هم الذين نجَوا بإيمانهم في سكرات الموت وخُتمت حياتهم بالحسنى، أما الباقون فهلكوا! تُرى لو عُوّض أحد هؤلاء سلطانَ الدنيا وملكها وزينتها بديلا عن تلك القضية العظمى، أفيكون هذا البديل كفوا لما فاته؟ أو يسد مسدّه بحال من الأحوال؟ كلا!

ولهذا فنحن معاشرُ طلبة النور نعلم يقينا أنّ ترْك خدمات عظيمة تكسب لنا تلك القضية، وإهمالَ مهماتِ وكيلها الذي يصونها لتسعين بالمائة، والانشغال عنها بما لا يعني من أمور خارجية واهتمامات تافهة كأنَّ الدنيا خالدة، ما هو إلّا من سخافة العقل وجنونه.

فنحن على يقين تام واطمئنان كامل من هذا، لذا لو ملَكَ أحدُنا عقلا وإدراكا للأمور أضعاف أضعاف ما يملكه الآن لبذَله كله فيما يلزم تلك القضية وفي سبيلها.

فيا إخوتي الحديثي العهد بمصيبة السجن! إنكم لم تطّلعوا بعدُ على رسائل النور كما اطّلع عليها إخواني السابقون الذين دخلوا السجن معنا، فإني أُسمعكم قولا وأُشهد عليه أولئك الإخوة جميعا أُلوفا من أمثالهم، وقد قلته مرارا، وأثبتّه تكرارا:

إن رسائل النور قد أكسبت تسعين بالمائة منهم تلك القضية العظمى، وهي التي سلَّمت وثيقة الفوز وشهادتَه -وهي الإيمان التحقيقي- لعشرين ألفا من الناس خلال عشرين سنة خلت. فلا غرو فقد نبعَت من المعجزة المعنوية للقرآن الكريم وأصبحت في مقدمة وكلاء القضية العظيمة والمدافعين عنها في هذا الزمان، فرغم انقضاء ثماني عشرة سنة والأعداءُ والزنادقة والماديون يحيكون أنواعا من الدسائس والمكر الخبيث، ومازالوا يحرّضون قسما من الموظفين علينا مستغفلين إياهم في سبيل إبادتنا حتى زجّونا في غياهب السجون مثل هذه المرة. إلّا أنهم لم يفعلوا شيئا يُذكر، ولن يفعلوا بإذن الله، ذلك لأنهم لم يتمكنوا من أن يتعرضوا لقلعة رسائل النور الفولاذية ولا أن يمسوا أعتدتها البالغة مائة وثلاثين عتادا (رسالة) سوى رسالتين أو ثلاث منها.

لذا فمن أراد أن يُوكِل محاميا يدافع عن قضيته يكفي أن يتحصن بها ويقتبس من نورها.

فيا أيها الإخوة! لا تخافوا، إن رسائل النور لن تُمنَع عن الأنظار ولن تُحجَب عن الرؤية. ولن تُرفع من الأوساط بإذن الله، إذ يتداول أجزاءَها المهمة -ماعدا رسالتين أو ثلاثة- نوابُ البرلمان وأركان الدولة بحرية تامة.

وسيأتي ذلك اليوم الذي يوزِع فيه الموظفون والمدراء المحظوظون إن شاء الله رسائلَ النور على المسجونين كما يوزِعون عليهم الخبز والعلاج، وسيحولون السجون إلى مدارس إرشاد وتربية وإصلاح.