إلى السيد مدير السجن والهيئة الإدارية:

طلبٌ بسيط لا أهميةَ له ظاهرا إلّا أن له أهمية قصوى بالنسبة لي:

إن حياتي التي مضت في السجن الانفرادي والتجريد المطلق وعمري الذي ناهز الخامسة والسبعين قد أوهَنا جسدي، بحيث أصبح لا يطيق اللقاحات ضد الأمراض. وقد أُجري عليَّ قبل مدة مديدة اللقاح، ودام جراحُه طوال عشرين سنة، حتى أصبح بمثابة سم ملازم. يعرف ذلك الطبيبان الصديقان في «أميرداغ». وقبل أربع سنوات أجروا عليَّ اللقاح مع المحكومين في سجن «دنيزلي» فلازمتُ الفراش عشرين يوما، علما بأنه لم يُلحق الضررَ بأيٍّ منهم، وقد كفاني حفظُ الله وعنايته فلم أضطر إلى الذهاب إلى المستشفى.

بمعنى أن جسدي لا يتحمل اللقاح قطعا، فضلا عن أن عذري شديد، إذ قد بلغتُ من العمر الخامسة والسبعين ونحل جسمي وربما لا يتحمل سوى لقاحِ طفل في العاشر من العمر. فضلا عن أنني أقضي حياتي منفردا في تجريد مطلق ولا أختلط مع أحد من الناس. وقبل شهرين أَرسل الوالي طبيبين إلى «أميرداغ» وكشفوا عليَّ كشفا كاملا ولم يجدوا أي مرض سارٍ إلّا الضعف الشديد والتشنج الظهري. فحالتي هذه لا تَحمِلني قطعا على إجراء التلقيح، وأرجوكم رجاءً حارا لا ترسلوني إلى المستشفى فلا تلجئوني إلى البقاء تحت تحكم الأطباء ومن لا أعرفهم، فإني لا أستطيع البقاء في هذا الوضع ولم أُطقه طوال حياتي. ولاسيما في هذه السنوات العشرين التي قضيتُها في التجريد المطلق.

وعلى الرغم من أنني بدأت أجد الراحة في دخولي القبر في هذه الفترة إلّا أنني فضلت السجن حاليا على القبر لِمَا وجدت من معاملةٍ إنسانية في هذا السجن ولكيلا أمس مشاعر الهيئة الإدارية، فضلا عن القيام ببث العزاء والسلوان في قلوب المسجونين.

* * *

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

أولا: لا تتألموا على الإهانات والأذى التي ينـزلونها بشخصي بالذات، لأنهم لا يستطيعون أن يجدوا نقصا في رسائل النور، فينشغلون بشخصي الاعتيادي المقصّر كثيرا. فأنا راضٍ عن هذا الوضع. بل لو وجدت ألوفا من الإهانات والتحقير والآلام والبلايا الشخصية لأجل سلامة رسائل النور وظهور قيمتها لشكرت الله شكرا مكللا بالفخر، وذلك مقتضى ما تعلمته من درس النور. لذا لا تتألموا عليّ من هذه الناحية.

ثانيا: إن هذا التعدي السافر الواسع النطاق والهجوم الشديد الظالم، قد خف حاليا من العشرين إلى الواحد فلقد جمعوا بضعة أشخاص بدلا من ألوف الخواص -من طلاب النور- وجمعوا عددا محدودا من إخوة جدد بدلا من مئات الألوف من المهتمين بالرسائل المرتبطين بها. مما يعني أن المصيبة قد تحولت إلى أخف حالاتها بالعناية الإلهية.

ثالثا: لا تقلقوا يا إخوتي ولا تيأسوا فإن الوالي السابق الذي كان يحيك المؤامرات ويدبر الدسائس ضدنا طوال سنتين قد ولّى بفضل العناية الإلهية.

ولربما قد خفف وزير الداخلية الهجوم علينا لسببين: أنه من بلدتي. وأن أجداده أهل دين حقا.

رابعا: لقد أثبتتْ تجاربُ كثيرة وحوادث عديدة، بما يورث القناعة التامة؛ أن الأرض تهتز والسماء تبكى ببكاء رسائل النور وحزنها. ولقد شاهدنا هذا مرارا بأم أعيننا وأثبتناه كذلك في المحكمة.

وأعتقد أنّ تَوافق ابتهاج الصيف -في بدايته- في هذه السنة بانتشار رسائل النور سرا وتبسمَها باستنساخها بالرونيو، وتطابقَ حدّة الشتاء وغضبه وبكائه بالقلق على مصادرة الرسائل والتحريات الكثيرة في كل مكان وتوقفِ نشاطها، ما هو إلّا أمارة قوية على أن رسائل النور معجزة كبرى ساطعة لحقائق القرآن العظيم تتجلى في هذا العصر. حيث الأرض والسماء ذات علاقة معها.


إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لقد خطر لي اليوم فجأة أن أهنئ القادمين إلى هذه المدرسة بدلا من تقديم التعازي لهم -بمناسبة قضية رسائل النور- بسَوقٍ من القدر الإلهي والرزق المقسوم فيها، لأن كل واحد من الأكثرية ينقذ إلى حدٍ ما عشرين أو ثلاثين بل مائة بل ألف من إخواننا الأبرياء بديلا عنهم من الأتعاب والمشاق.

وكذا فإن دوام عملكم في سبيل الإيمان بوساطة رسائل النور، يعني أن كل واحد منكم يؤدى عملا كبيرا في وقت قليل، نظير ما ينجزه البعض في عشر سنوات من أعمال تنجز في مائة سنة.

وكذا فإن الداخلين في هذه المجاهدة المرهقة، والحاضرين هذا الامتحان الجاري في هذه «المدرسة اليوسفية» الحديثة، وأخْذَهم حظهم فعلا من نتائجه القيمة الكلية، وملاقاتَهم بيُسر إخوتهم الخالصين المخلصين المشتاقين إلى رؤيتهم وتَبَادُلَهم أبحاث درس ممتع لذيذ، وكذا عدمُ دوام أوقات الراحة في الدنيا بل ذهابُها هباءً منثورا. أقول: إن الذين يكسبون مغانم عظيمة إلى هذا الحد، وبمثل هذه الأتعاب القليلة يستحقون التهنئة حقا.

إخوتي!

إن هذا الهجوم الواسع الذي شُن علينا، إنما هو لصدّ فتوحات رسائل النور وغزوها القلوب. إلّا أنهم أدركوا أنهم كلما تعرضوا لرسائل النور ازدادت سطوعا وكسبت أهمية أكثر وتوسعت دائرة الدروس. فلا تُغلب رسائل النور. إلّا أنها تنضوي تحت ستار «سرا تنورت» ولأجل هذا بدّلوا خطتهم، فلا يتعرضون للأنوار ظاهرا. وحيث إننا تحت العناية الإلهية فعلينا الشكر العظيم لربنا الجليل مع التجمل بكمال الصبر.

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لقد آن أوان بيان حالتين غريبتين من أحوالي:

أولاها

أُخطِرَ إلى قلبي: أن في عدم لقائنا -في سجن التجريد المطلق- لقاءً حرا بإخوتي الذين أُحبهم أكثر من روحي، فيه مصلحةٌ وعناية إلهية. ذلك لأن كثيرا من إخواننا في الآخرة ممن كان يصرف خمسين ليرة للمجيء إلى «أميرداغ» لأجل لقاء يدوم خمسين دقيقة وأحيانا عشر دقائق وأحيانا يرجع خائبا دون لقاء.. كانوا يُلْقُون أنفسهم إلى هذه «المدرسة اليوسفية» بحجة بسيطة.

فلو كان وقتي الضيق وحالتي الروحية النابعة من الانزواء يسمحان بذلك فإن الخدمة النورية ما كانت لتسمح بالمجالسة التامة والمحاورة الكاملة مع أولئك الأصحاب الأوفياء.

ثانيتها

لقد شاهد المجاهدون في جبهات متعددة من الحرب عالِما جليلا فاضلا، وذكروا له مشاهدتهم، فقال: إن بعض الأولياء قد ظهروا بمظهري وأدّوا بدلا عني في موضعي أعمالا لأجل إكسابي ثوابا وليستفيد أهل الإيمان من دروسي.

ومثل هذا تماما، فقد شاهدوني في جوامع «دنيزلي» وأنا نزيلُ سجنِها، حتى أبلغوا ذلك إلى الجهات المسؤولة وإلى المدير والحرّاس، وقال بعضهم في قلق واضطراب: «من يفتح له باب السجن!» فالأمر نفسه يحدث هنا تماما.

والحال أنه بدلا من إسناد حادثة جزئية خارقة إلى شخصي المقصر جدا فإن رسالة «ختم التصديق الغيبي» تثبت خوارق لرسائل النور وتبينها كاسبةً ثقة أهل الإيمان برسائل النور أكثر بكثير من تلك الحادثة بمائة مرة بل بألف مرة. فضلا عن تصديق أبطال النور بأحوالهم الخارقة وكتاباتهم الرائعة لمقبولية رسائل النور.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لا تقلقوا عليّ، فإنني سعيد ومحظوظ لأني معكم في بناية واحدة، فأنا راضٍ ومسرور. إن وظيفتنا الحالية إرسالُ نسخة من «الدفاع» إلى «إسبارطة». وإن أمكن كتابةُ عشرين نسخة منه بالآلة الطابعة بالحروف القديمة والحروف الجديدة، كي يُبرز إلى المدعى العام هناك وتعطى نسخةٌ منه إلى محامينا، ونسخة أخرى إلى المدير كي يسلمه هو إلى وكيل دعوانا. وليرسل إلى المسؤولين في «أنقرة» بالحروف الجديدة والقديمة كما كان في «دنيزلي».

وإن أمكن تهيئةُ خمسة نسخ للدوائر المسؤولة، لأن رسائل النور المصادَرة قد أُرسلت بالحروف القديمة إلى تلك الدوائر ولاسيما إلى هيئة ديوان رئاسة الشؤون الدينية وأعيدت إلى هنا.

ثم أبلغوا وكيلنا السيد أحمد، أنه عند طبعه الدفاع بالآلة الطابعة عليه أن يلاحظ بدقة صحةَ العبارات والكلمات. لأن إفادتي لا تشبه إفادات الآخرين فإن خطأً في حرف واحد وأحيانا في نقطة واحدة يغيِّر المسألة، ويفسد المعنى. وكذا أعيدوا آلتي الطابعة بالحروف القديمة والجديدة إنْ لم يسمحوا بهما. وكذا لا تضجروا يا إخوتي ولا تقلقوا ولا تيأسوا فإن العناية الإلهية ستسعفنا سريعا بمضمون الآية الكريمة: ﴿اِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح:6).

* * *

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن رسائل النور تواجهكم وتقابلكم بدلا مني، فهي ترشد وتعلّم تعليما جيدا إخواننا الجدد المشتاقين لدروس النور. ولقد ثبت بالتجارب أن الانشغال برسائل النور سواء قراءتها أو استقراءها أو كتابتها يورث الفرح للقلب والراحة للروح والبركة في الرزق والصحة للجسد.

وقد أنعم الله عليكم حاليا ببطل من أبطال النور وهو «خسرو» وستكون المدرسة اليوسفية أيضا موضع دراسة مباركة لمدرسة الزهراء إن شاء الله. إنني كنت إلى الآن أُخفي خسرو ولا أظهره إلى أهل الدنيا، إلّا أن المجموعات التي نشرت قد أظهرته إظهارا لا لبس فيه لأهل الدنيا، فلم يبق شيء للإخفاء. ولهذا أظهرتُ بضعا من خدماته إلى بعض الإخوة الخواص. وسوف نبين -أنا وهو- الحقيقة إن لزم الأمر بعينها ولا نخفى شيئا.

ولكن الآن يواجهنا شخصان عنيدان رهيبان من بين الذين يستمعون إلى الحقيقة، وقد ظهر أنهما يعملان لصالح الزندقة والشيوعية -أحدهما معروف في «أميرداغ» والآخر معروف هنا- وهما يحاولان نشر الشبهات ضدنا بمنتهى المكر والدسيسة وذلك لقذف الرعب في قلوب الموظفين.

لذا علينا الأخذ بالحذر الشديد وعدمُ إبداء القلق وانتظارُ العناية الإلهية بالتوكل لتمدنا.

* * *

يا إخوتي في الدين ويا زملائي في السجن!

لقد أُخطر لقلبي أن أبين لكم حقيقة مهمة، تنقذكم بإذن الله من عذاب الدنيا والآخرة، وهي كما أُوَضِّحُها بمثال:

إنّ أحدا قد قتل شقيقَ شخص آخر أو أحد أقربائه. فهذا القتل الناجم من لذةِ غرورِ الانتقام التي لا تستغرق دقيقة واحدة تورثه مقاساة ملايين الدقائق من ضيق القلب وآلام السجن. وفي الوقت نفسه يظل أقرباء المقتول أيضا في قلق دائم وتحيّن الفرص لأخذ الثأر، كلما فكروا بالقاتل ورأوا ذويه. فتضيع منهم لذةُ العمر ومتعة الحياة بما يكابدون من عذاب الخوف والقلق والحقد والغضب.

ولا علاج لهذا الأمر ولا دواء له إلّا الصلح والمصالحة بينهما، ذلك الذي يأمر به القرآن الكريم، ويدعو إليه الحق والحقيقة، وفيه مصلحة الطرفين، وتقتضيه الإنسانية، ويحث عليه الإسلام.

نعم، إن المصلحة والحقيقة في الصلح، (والصلح خير)؛ لأن الأجل واحد لا يتغير، فذلك المقتول على كل حال ما كان ليظل على قيد الحياة ما دام أجلُه قد جاء. أما ذلك القاتل فقد أصبح وسيلة لذلك القضاء الإلهي، فإن لم يحل بينهما الصلحُ فسيظلان يعانيان الخوف وعذاب الانتقام مدة مديدة؛ لذا يأمر الإسلام بعدم هجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام. فإن لم يكن ذلك القتلُ قد نجم من عداء أصيل ومن حقد دفين، وكان أحد المنافقين سببا في إشعال نار الفتنة، فيلزم الصلح فورا، لأنه لولا الصلح لعظمت تلك المصيبة الجزئية ودامت، بينما إذا ما تَصالح الطرفان وتاب القاتل عن ذنبه، واستمر على الدعاء للمقتول، فإن الطرفين يكسبان الكثير، حيث يدب الحب والتآلف بينهما، فيصفح هذا عن عدوه ويعفو عنه واجدا أمامه إخوة أتقياءَ أبرارا بدلا من شقيق واحد راحل، ويستسلمان معا لقضاء الله وقدره، ولاسيما الذين استمعوا إلى دروس النور، فهم مدعوون لهجر كل ما يفسد بين اثنين، إذ الأخوّة التي تربطهم ضمن نطاق النور، والمصلحة العامة، وراحة البال وسلامة الصدر التي يستوجبها الإيمان.. تقتضي كلُّها نبذَ الخلافات وإحلال الوفاق والوئام. ولقد حصل هذا فعلا بين مسجونِين يعادي بعضهم بعضا في سجن «دنيزلي» فأصبحوا بفضل الله إخوة متحابين بعد أن تلقّوا دروسا من رسائل النور، بل غدَوا سببا من أسباب براءتنا، حتى لم يجد الملحدون والسفهاء من الناس بدا أمام هذا التحابب الأخروي، فقالوا مضطرين: «ما شاء الله.. بارك الله!!» وهكذا انشرحت صدورُ السجناء جميعا وتنفسوا الصعداء بفضل الله. إذ إني أرى هنا مدى الظلم الواقع على المسجونين، حيث يشدد الخناق على مائة منهم بجريرة شخص واحد، حتى إنهم لا يخرجون معه إلى فِناء السجن في أوقات الراحة.. إلّا أن المؤمن الغيور لا تسعه شهامتُه أن يؤذي المؤمن قط، فكيف يسبب له الأذى لمنفعته الجزئية الخاصة، فلابد أن يسارع إلى التوبة والإنابة إلى الله حَالَما يشعر بخطئه وتسبّبه في أذى المؤمن.

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إني أهنئ رسائل النور وأهنئكم وأهنئ نفسي بالبشارات القيّمة التي زفّها خسرو وحفظي والسيد من «بَارْطِنْ».

نعم، إن الذين سافروا إلى الحج في هذه السنة مثلما وجدوا علماء أجلاء في مكة المكرمة يسعون إلى ترجمة مجموعات من رسائل النور إلى العربية والهندية، كذلك وجدوا المدينة المنورة قبِلَتها ورضيَت عنها بحيث وضعوها في الروضة المطهرة لدى الحجرة الشريفة للقبر النبوي المبارك ﷺ. بمعنى أن تلك الرسائل قد نالت القبول النبوي ودخلت ضمن رضى الرسول الكريم محمد ﷺ.

فلقد زارت رسائلُ النور تلك الأماكنَ المقدسة بدلا عنا كما هي نيتنا وكما أبلغنا المسافرون إلى الحج.

وإن فائدة أخرى من الفوائد الكثيرة جدا لِمَا ينشره أبطال النور من هذه المجموعات المصحَّحة أنهم أنقذوني من مهمة التصحيح والقلق عليه وأصبحوا بمثابة مائة مصححٍ بما أوجدوا من المصادِر المصحِحة، فشكرا لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر.

أسأل الله تعالى أن يكتب ألف حسنة في سجل حسناتهم لكل حرف من حروف تلك المجموعات. آمين. آمين. آمين.

* * *

رؤيا لطيفة ذات بشارة ظهر تأويلها

أتاني «علي» الذي يعاونني في الأمور وقال: لقد رأيت فيما يرى النائم أنك و«خسرو» قد قبّلتما يدَ الرسول الكريم ﷺ. وإذا بي أستلم رسالة تتضمن أن مجموعةَ «عصا موسى» المكتوبة بخط «خسرو» قد شاهدها الحُجاج في الروضة المطهرة. بمعنى أن تلك المجموعة قد قَبّلت اليدَ المعنوية للرسول الكريم ﷺ ونالت رضاه.

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء وزملائي في السجن!

أولا: لا تقلقوا من عدم التقاء بعضنا بالبعض الآخر، فنحن نتواجه معنىً في كل وقت. فإن قرأتم أيّةَ رسالة تحصلون عليها أو تستمعون إليها، فإنكم تشاهدونني وتتحاورون معي خلال تلك الرسالة بصفةِ خادم القرآن العظيم بدلا من شخصي الاعتيادي. علما أنني كذلك أواجهكم خيالا في جميع أدعيتي وفي كتاباتكم وعلاقاتكم. وحيث إننا معا ونعمل ضمن دائرة واحدة، فكأننا نتقابل دائما.

ثانيا: نقول للقادمين الجدد من طلاب رسائل النور في هذه المدرسة اليوسفية الحديثة:

لقد ثبت بحجج قوية وبإشارات قرآنية أوقفت الخبراء وألجأتهم إلى الاستسلام: «أن طلاب النور الصادقين ستختم حياتهم بالحسنى ويدخلون القبر بالإيمان.. وأن كل طالب -حسب درجته- يكون شريكا لمكاسبِ جميع إخوانه المعنوية ولأدعيتهم، وذلك بفيض أنوار الاشتراك المعنوي النوري، كأنه يؤدي العبادة ويستغفر بألف لسان».

فهاتان الفائدتان والنتيجتان المهمتان، وفي هذا الزمان العجيب تزيلان جميع الصعاب والمشقات. وهكذا تربح رسائل النور طلابها هذين الربحين العظيمين بثمن زهيد جدا.

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن الدفاعات المرفوعة في محكمة «أفيون» تتضمن حقائق جليلة ذات علاقة بنا وبرسائل النور وبهذه البلاد وبالعالم الإسلامي. فلا بد أن تُستنسخ منها ما يقرب من عشر نسخ بالحروف الجديدة لترسل إلى الدوائر العليا في «أنقرة». إن وظيفتنا الآن هي تبليغ تلك الحقائق إلى أركان الحكومة وإلى دوائر العدل وإلى الأمة، ولا أهتم قطعا لو أبرؤوا ساحتنا أو عاقبونا. ولربما هذه الوظيفة هي إحدى الحِكم المقدّرة بالقدر الإلهي فساقنا إلى هذه المدرسة. أسرِعوا على قدر الإمكان في استنساخها بآلة الرونيو، فنحن مضطرون إلى إبلاغها تلك الدوائر العليا حتى لو أخلو سبيلَنا اليوم. فلا يغرركم أحد بتأخيرها، كفى التأخير والتأجيل، وليكن هذا الدفاع مسكَ الختام لدفاعات قُدّمت طوال خمس عشرة سنة إزاء مسألة واحدة وتجاه الظلم القاسي والعذاب الأليم الذي لا نظير له والحجج التافهة المختلقة.

فما دمنا قد حصلنا على صلاحيةِ استنساخِ دفاعاتِنا بالرونيو حسب القانون، ومن المحاكم السابقة، فلا يستطيع أحد أن يمنعنا من استعمال حقنا هذا قانونا. وإن لم تجدوا حلا للأمر رسميا فليستنسخ محامينا حوالي خمس نسخ وليكن أمينا على الحفاظ على سلامتها وصحتها.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي المسجونين الأعزاء الجدد والقدامى!

لقد بتُّ على قناعة تامة من أن العناية الإلهية هي التي ألقَت بنا إلى ههنا وذلك لأجلكم أنتم، أي إن مجيئنا إلى هنا إنما هو لبث السلوان والعزاء الذي تحمله رسائل النور إليكم.. وتخفيفِ مضايقات السجن عنكم بحقائق الإيمان.. وصونِكم من كثير من بلايا الدنيا ولأوائها.. وانتشالِ حياتكم المليئة بالأحزان والهموم من العبثية وعدم الجدوى.. وإنقاذِ آخرتكم من أن تكون كدنياكم حزينة باكية.

فما دامت الحقيقة هي هذه، فعليكم أن تكونوا إخوة متحابين كطلاب النور وكأولئك الذين كانوا معنا في سجن «دنيزلي».

فها أنتم أولاء ترون الحراس الذين يحرصون على القيام بخدماتكم يعانون الكثير من المشقات في التفتيش، بل حتى إنهم يفتشون طعامكم لئلا تكون فيه آلة جارحة، ليَحُولوا دون تجاوزِ بعضكم على بعض، وكأنكم وحوش مفترسة يقضي الواحد على الآخر ليقتله، فضلا عن أنكم لا تستمتعون بالفرص التي تتاح لكم للتفسح والراحة خوفا من نشوب العراك فيما بينكم.

ألا فقولوا مع هؤلاء الإخوة حديثي العهد بالسجن الذين يحملون مثلكم بطولة فطرية وشهامة وغيرة. قولوا أمام الهيئة ببطولة معنوية عظيمة في هذا الوقت:

«ليست الآلات الجارحة البسيطة وحدها، بل لو سلّمتم إلى أيدينا أسلحة نارية أيضا فلا نتعدى على أصدقائنا وأحبابنا هؤلاء الذين نُكبوا معنا، حتى لو كان بيننا عداءٌ أصيل سابق. فقد عفونا عنهم جميعا، وسنبذل ما في وسعنا أن لا نجرح شعورهم ونكسر خاطرهم، هذا هو قرارنا الذي اتخذناه بإرشاد القرآن الكريم وبأمر أخوّة الإسلام وبمقتضى مصلحتنا جميعا».

وهكذا تُحَوّلون هذا السجن إلى مدرسة طيبة مباركة.

* * *

إخوتي الأعزاء الأوفياء:

إن الذين هم في سياسة واحدة أو مهنة واحدة، أو وظيفة واحدة أو في خدمة تتعلق بالحياة الاجتماعية أو لهم نوع من تجارة خاصة.. كل طائفة من طوائف أهل الدنيا هؤلاء لهم اجتماع عام يخصهم يتذاكرون فيه أمورهم. كذلك طلاب النور العاملون في الخدمة المقدسة للإيمان التحقيقي، فإن مجيئَهم إلى الاجتماع العام في هذه «المدرسة اليوسفية» بأمر القدر الإلهي وباقتضاء العناية الربانية وسَوقِها، لا شك أنه يحمل فوائد معنوية جليلة جدا وسينعمون بتلك الفوائد والنتائج القيمة إن شاء الله، وأن كل واحد من أركان طلاب النور سيكون بمثابة حرفِ أَلِفْ، حيث إن «حرف ألف» قيمتُها واحدة إن كانت بمفردها ولكنها مع أخواتها، أي ثلاث ألفات معا متكاتفة ومتواجهة بأحوالها تصبح قيمتُها ألفا ومائة وواحدا، وكذلك سيكون ثواب ذلك الأخ المنخرط في هذا الاجتماع وقيمته وخدمته السامية ألفا بإذن الله.

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن سبب سدّهم اليوم نوافذي ودقِّها بالمسامير هو عزلي عن المسجونين وقطعُ تبادل السلام والتحيات فيما بيننا، إلّا أنهم أبدَوا حجة تافهة ظاهرية أخرى، فلا تقلقوا. بل إن انشغالهم بشخصي الذي لا أهمية له، وانصرافَهم عن شد الخناق على رسائل النور وطلابها، وإنزالَهم الإهانات والعذاب بي، وإيلامي قلبا وحقيقةً مع عدم تعرضهم لرسائل النور يجعلني في رضىً عن هذا الوضع بل أشكر ربي صابرا فلا أضطرب ولا أقلق أبدا وأنتم كذلك لا تتألموا. فإني على قناعة من أنّ صرفَ أعدائِنا المتسترين أنظارَ الموظفين في السجن إلىّ فيه عناية إلهية وخير من حيث سلامةُ ومصلحةُ رسائل النور وطلابها.

فعلى بعض الإخوة ألّا يحتدّوا ولا يتفوّهوا بكلام جارح يمسّ شعورهم، وليأخذوا حذرهم في حركاتهم وسكناتهم، دون إبداء القلق والاضطراب. ولا يفتحوا الموضوع عن هذه المسألة أمام كل أحد، لأن هناك جواسيس يحرّفون كلام إخوتنا السذج والجدد الذين لم يتعلموا بعدُ أخذَ الحذر ويصرفون كلامهم إلى معاني مغايرة ويستهولون الأمور التافهة، ويخبرون المسؤولين بها. إنّ وضعنا الحاضر كله جدّ لا هزل فيه. ومع هذا فلا تضطربوا قطعا واعلموا أننا تحت رعاية العناية الإلهية، وقد عزمنا على مجابهة جميع المشقات بالصبر الجميل بل بالشكر العظيم لله. فنحن مكلفون بالشكر لأن درهما من التعب والمشقة يورث طنا من الثواب والرحمة.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لقد أودعتُ جميع أعمال الدفاع إلى طلاب النور الأركان الذين قَدِموا والذين سيقدمون إلى هنا وذلك بناء على سببين مهمين وبإخطار قوي، فاضطررت إلى هذا الأمر قلبا. أُودِعُها بخاصة إلى كل من خسرو، رأفت، طاهر، فيضي، صبرى.

السبب الأول: لقد علمت قطعا من دائرة التحقيق، ومن أمارات عديدة، أنهم يحاولون إحداث مشكلات ضدي، بكل ما لديهم من قوة، والتهرب من ظهوري وغلبتي عليهم فكرا، ولهم في ذلك إشعار رسمي. فكأنني إذا تكلمت بشيء فسأبين قدرة علمية وقابلية سياسية بحيث أُلْزِمُ المحاكمَ الحجةَ وأُسكتُ السياسيين، لأجل ذلك يمنعونني عن الكلام بمعاذير واهية. حتى إنني أثناء التحقيق أجبت عن أحد الأسئلة قائلا: لا أتذكر. فتعجب الحاكم وحار في الأمر وقال: كيف ينسى شخص مثلك يملك ذكاءً وعلما فوق المعتاد؟

نعم، إنهم يعتقدون أن رفعة شأن رسائل النور وتحقيقاتها العلمية الدقيقة من بنات أفكاري. ومن هنا يأخذهم العجب والحيرة، فلا يريدونني أن أتكلم مع أحد، وكأن كل من يقابلني ويواجهني سيكون مباشرة طالبا غيورا من طلاب النور! ولهذا يمنعونني من المقابلة مع أي أحد كان. حتى إن رئيس الشؤون الدينية قال: «كل من يقابله ينجذب إليه، إن جاذبيته قوية».

بمعنى أن مصلحتنا تقتضي أن أُودِع شؤوني إليكم الآن. وما لديكم من دفاعاتي القديمة والجديدة تشترك بدلا عني في مشاوراتكم بعضكم مع بعض، فهي كافية لهذا الأمر.

السبب الثاني: أُجّل إلى وقت آخر بمشيئة الله.

أما الإشارة القصيرة إلى الإخطار المعنوي فهي: أن الذي جعلني أترك السياسة وقراءة الجرائد وأمثالها من الأمور الفانية خلال خمسة وعشرين عاما ومَنعني من الاشتغال بها، هو واجب أخروي جليل جدا، مع حالة روحية ذات أثر فعال. فهذان السببان أيضا يمنعانني كليا عن الاشتغال بهذه المسألة بتفرعاتها الدقيقة. فأنتم تؤدون أيضا مهمتي بالاستشارة أحيانا مع موكلَيكم الاثنين.

* * *