دفاع طلاب النور

هذه دفاعات رفعها طلاب رسائل النور في محكمة أفيون سنة 1948. فقد حوكموا أولا وأشيع عن أحكام الإعدام لبث الخوف في النفوس إلّا أنها انتهت بإعادة الرسائل.

إن العلاقات الخاصة الصافية التي تربط طلاب النور بالرسائل وبمترجمها (أي الأستاذ)، والتي لا يرجون منها إلاّ الثواب في الآخرة.. أقول؛ إن الذين يحاولون أن يصموا هذه العلاقة الخالصة بأنها علاقات دنيوية أو سياسية، بُغْيَةَ إدانة الطلاب أمام المحاكم، بعيدون كل البعد عن الحقيقة والعدالة، فضلا عن أن اتفاق ثلاث محاكم على تبرئة ساحتهم من تلك التهمة تبهتهم.

زد على هذا نقول:

إنه لا يمكن إلصاق تهمة الانتماء إلى التنظيمات والجمعيات السياسية إلى طلاب النور إلّا بأمرين:

الأول: إنكار الروابط الأساس التي تُبنى عليها الحياةُ الاجتماعية الإنسانية، ولاسيما الأمة الإسلامية وهي المَحبة الصادقة بين الأقارب، والعلاقة الوثيقة بين القبائل والطوائف، والأخوة المعاوِنة معنويا ضمن الملّية الإسلامية، والآصرة القوية المتسمة بالتضحية والفداء مع أبناء جنسه وقومه، والرابطة التي لا تنفصم، والالتزام التام بحقائق القرآن وناشريها تلك التي تنقذ حياته الأبدية. وأمثالها من الروابط التي تشد أبناء المجتمع وتحقق الحياة الاجتماعية السليمة.

الثاني: بقبول الخطر الأحمر القادم من الشمال الذي ينشر بذور الفوضى والإرهاب، والذي يُفني وشائج النسل والقوم فيقطع روابط الأبوة والبنوة مزيلا علاقات القرابة والقوم، ويفتح الطريق إلى إفساد الحضارة البشرية والمجتمع الإنساني إفسادا كليا.

وبهذين الأمرين وحدهما يمكن إلصاق تهمة الانتماء إلى الجمعيات والتنظيمات إلى طلاب النور، ولأجل هذا يُظهر طلاب النور -دون تردد- علاقاتِهم التي لا تتزعزع بحقائق القرآن، وبإخوتهم الآخرة، فيبينون حقيقة حالهم أمام محكمتكم العادلة، من دون أن يتنازلوا إلى الدفاع عن أنفسهم بالحيَل والأكاذيب والتملق.

الموقوف

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

دفاع «خسرو»

إلى محكمة «أفيون» للجنايات الكبرى:

لقد وجّه المدعي العام تهمتين لي: إحداهما: اتهام عام وكلي، والأخرى: اتهام خاص.

الاتهام العام: هو سعيي في سبيل رسائل النور واشتراكي في الجرم الموهوم المسنَد إلى أستاذي.

أما الاتهام الخاص فهو حول أمور شخصية وخاصة بحياتي التي تتسم بطابع الانزواء ولا تُشكل في الحقيقة أيَّ ذنب أو جرم، لأنها مسائل جزئية ولا أهمية لها.

وأنا أقول ردًّا على اتهام مقام الادعاء حول اشتراكي في الجرم الموهوم لأستاذي وحول بذلي الخدمات في سبيل رسائل النور:

إنني أشترك في مسلك أستاذي بل أشترك معه وأساعده بكل روحي وقلبي في الجرم الموهوم المسنَد إليه في موضوع رسائل النور التي تؤدي خدمات مقدسة للعالم الإسلامي، ولاسيما لهذا الوطن ولهذه الأمة، وسأظل أحمد الله تعالى وأشكره حتى آخر عمري لتوفيقه إياي لهذه الخدمة الإيمانية.

هيئة المحكمة الموقرة!

إنّ أَبْلغ دليل للنجاح الذي رأيناه جراء خدمتنا لرسائل النور هو أنه بينما كان خطي في كتابة حروف القرآن رديئا جدا، إلّا أنه قد تحسن تحسنا يفوق قدرتي وإمكانياتي، حيث استطعتُ كتابة ثلاث نسخ رائعة لا مثيل لها من القرآن الكريم، إحداها بين أيديكم.

الدليل الثاني: هو أنني وُفّقت إلى كتابةِ ما يقارب ستمائة رسالة من رسائل النور التي حَققت منافعَ كبيرة جدا لهذا الوطن ولهذه الأمة وللدين وللأخلاق الحسنة منذ عشرين عاما. حتى إن أصدقائي يعلمون بأنني وُفّقت إلى كتابة أربع عشرة رسالة في مدة قصيرة بلغتْ شهرا واحدا. وأنا أرى أنه من الفضول القيامُ بالدفاع عن النقاط التي تَوهّمها مقامُ الادعاء جُرما لي في خدمتي لأستاذي وهو يؤدي مهمته المقدسة، لأنني أصادق وأوافق بكل ما أملك من قوة على كل ما جاء في الدفاع الذي كتبه أستاذي، وفي تتمة دفاعه وأعُدّه دفاعا لي وأقدمه إلى محكمتكم السامية على هذا الأساس.

هيئة المحكمة الموقرة!

إن أستاذي -الموجود حاليا في محكمتكم- بمؤلفاته المباركة حول الإيمان وحقائق القرآن وبرسائله النورانية لم يَقصد أيةَ بغية دنيوية ولا أي قصد سياسي، فأنا وأصدقائي إذ نؤيد أستاذنا ونبارك له خدماته المقدسة التي قدمها لهذا الوطن ولهذه الأمة فإننا نقول بأنه حتى الوطنيين في حكومة «الاتحاد والترقي» أيدوا هذا، فنراهم يخصصون تسعة عشر آلاف ليرة ذهبية لأجل تمكينه من بناء مدرسته المسماة «مدرسة الزهراء» في مدينة «وان» وقد أعجب حتى محبو الوطن بوطنية أستاذنا وبحميته الملية وبخدماته العلمية وأيدوها، لذا نرى أن مائة وستين نائبا من مجموع مائتي نائب يوقعون بالموافقة على تخصيص مائة وخمسين ألف ليرة لدار الفنون (الجامعة).

إنني أود أن أعرض على محكمتكم الموقرة وأن أعلن بأنني فخور جدا بالخدمة التي أديتُها لرسائل النور، بكوني مستنسخا لها طوال عشرين عاما، هذه الخدمة التي عدّها مقامُ الادعاء جُرما وذنبا لي، ذلك لأن أستاذي -بارك الله فيه- عَمِل طوال حياته لأداء خدمة مقدسة أراد فيها وضع اللبنات لسعادة هذا الوطن وهذه الأمة، وهذا هو السبب في أن أكثر حسّاده وأعدائه ضراوةً والذين كانوا يسعون لإدانته في المحاكم لم يستطيعوا التعرض لكلماته الشديدة والمؤثرة ولم يكن أمامهم سوى التسليم بما يقول.

الموقوف

خسرو آلتن باشاق

* * *

دفاع «طاهري»

إلى محكمة «أفيون» للجنايات الكبرى:

لقد تم تبليغي من قِبَل مقام الادعاء العام لمحكمة «أفيون» بأن التهمة الموجهة لي ولأستاذي «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ» ولأصدقائي الآخرين هي استغلال الشعور الديني لتحريض الشعب للإخلال بأمن الدولة، وأن هذا هو سبب تقديمي للمحكمة.

لقد أجبت عن جميع الأسئلة التي وُجّهت إليّ (سواء في محكمة صلح «إسبارطة» أم في دائرة التحقيق في «أفيون») إجاباتٍ صحيحة. ولقد قامت محكمة «دنيزلي» بإعادة جميع كتبنا المصادَرة وذلك بعد أن أصدرت قرارها بتبرئتنا، ولم تعاقبنا. لأننا -مع إخوتنا الآخرين من طلبة أستاذي «بديع الزمان»- كنا نقرأ ونستنسخ رسائل النور ونتراسل بيننا، مع أنني قمت قبل ست سنوات -ودون إذن من أستاذي- بطبع خمسمائة نسخة من رسالة «الشعاع السابع» لبديع الزمان في مطبعة في «إسطنبول» بالأحرف القديمة. فقد قامت محكمة «دنيزلي» بقرارها المؤرخ في 20/7/1945 بإعادة جميع هذه الكتب بصناديقها إلينا، وعند ذلك تم توزيع هذه الرسائل -مقابل ثمن طبعها- على طلاب النور الذين كانوا في شوق إليها.

وهكذا، واستنادا إلى الحُكم الذي اكتسب صورةً قطعية بقرار التمييز الذي صدر عن هذه المحكمة الموقرة، فقد قمت قبل سنتين بجلب الأوراق وجهاز الاستنساخ (الرونيو) من «إسطنبول» إلى «إسبارطة».

وقد قام أخي «خسرو آلتن باشاق» بكتابة مجموعتين من المجموعات الثلاثة الموجودة بين أيديكم. أما المجموعة الثالثة فقد قمت أنا بكتابتها. قمنا أولا بطبع مجموعة «ذو الفقار» و«المعجزات القرآنية» و«المعجزات الأحمدية» وبعنا بعضها واشترينا من هذا المبلغ الأوراقَ اللازمة لمجموعة «عصا موسى» وتم طبعها، ثم اشترينا الأوراق لمجموعة «سراج النور» وطبعناها. وقد استغرق هذا مدة سنة واحدة. وعندما قمت بنقل ثلاثين مجموعة إلى «أكريدر» قبضوا عليَّ وسلَّموني إلى الجهات العدلية في «أكريدر» ولم تمض مدة طويلة حتى دُوهِم بيت «خسرو آلتن باشاق» من قِبَل الجهات العدلية لمدينة «إسبارطة» حيث صودر جهاز «الرونيو» ومجموعاتُ رسائل النور وقُدّمنا إلى المحكمة قبل سنة، وفي النتيجة أُصدر علينا (خسرو وأنا وصديق آخر معنا) الحُكمُ بالحبس لمدة شهر واحد لقيامنا دون إذن رسمي بطبع كتب دينية غير ممنوعة. فقمنا بتمييز هذا القرار، وقبل أن تَظهر نتيجةُ التمييز جيءَ بي إلى سجن «أفيون».

وهكذا يراد في محكمتكم الموقرة إيقاعُ العقوبة بي لأنني قدمت هذه الخدمة لديني ولإخواني في الدين، وذلك للمسائل الواردة في رسالة «الشعاع الخامس» -التي كانت المحكمة قد أعادتها لنا- والتي تحتوي على شرح لبعض الأحاديث الشريفة، كما أن المدعي العام لمحكمة «أفيون» اتهمني واتهم مؤلف الرسالة و«خسرو آلتن باشاق» مع ست وأربعين طالبا من طلاب النور بالإخلال بأمن البلاد وبكتابة هذه الرسائل وقراءتها مُطالِبا بإيقاع العقوبة بنا.

وكمواطن حقيقي في هذا الوطن فإنني سأتكلم في حضوركم دون أن أحيد عن الحقيقة وأقول:

إنني طالب منذ عدة سنوات لأستاذي «سعيد النُّورْسِيّ» الذي أكنّ له احتراما كبيرا، فقد ربَّانا برسائله وهذَّب أخلاقنا الدينية ورقّاها، ومع أننا ننظر إليه بصفة «مجدد» إلّا أنه يرفض هذا ويردّنا. وأنا أشهد عن يقين بأنه لا توجد عنده ولا في رسائله ولا عند طلابه أية محاولة للقيام بإخلال أمن البلاد، ولاسيما إن أحد الاتهامات الموجهة إلينا كان بخصوص أثمان الكتب، وعندما اطلعتْ محكمة «إسبارطة» على الحقيقة في هذا الخصوص عن قرب لم تُصدر بحقنا أيةَ عقوبة، ذلك لأننا لا نحتاج في معيشتنا إلى أثمان هذه الكتب أبدا ولا نعتاش عليها. ونحب أن نقول لمحكمتكم الموقرة بأنها مقابل أثمان جهاز الاستنساخ «الرونيو» وأثمان الورق والحبر.

إن جهودنا هذه وخدمتنا النابعة من نيات صافية وفي سبيل الله تعالى لا يمكن أن تُشكِّل ذنبا أو جُرما، لذا نطلب من محكمتكم الموقرة ومن ضمائركم الحية إعادة رسائل النور إلينا.

الموقوف

طاهري

* * *

دفاع «زبير»

هيئة محكمة «أفيون» للجنايات الكبرى!

إنني متهم بتهمة تشكيل جمعية سرية وبالإخلال بأمن الدولة، ولأنكم سوف تقتنعون بما سأعرضه عليكم أدناه اقتناعا كاملا بأنني لم أقترف مثل هذا الجرم فإنني أردُّ هذه التهمة منذ الآن.

أجل، إنني طالب من طلاب النور.. أقول هذا وأعلنه بكل سرور وقناعة لأن إنكار هذا الأمر يتناقض تماما مع دروس الفضيلة التي لقنتني إياها رسائل النور، لذا فلست مستعدا لاقتراف هذا الجرم، إن الشخص الذي يقرأ رسائل النور على الدوام لا يمكن أن يخفي قراءته هذه، بل على العكس من ذلك فإنه يفتخر بهذه ويعلنها دون تردد أو خشية، ذلك لأن رسائل النور لا تحتوي على أية جملة بل على أية كلمة توجب الخشية أو التردد.

كنت قد حاولت بيان قيمة رسائل النور في كراسة تتألف من أربعين إلى خمسين صفحة.. لا أقول بأنني مدحتها.. ذلك لأنني لست قادرا على إيفاء جزء صغير من رسائل النور حقَّها فكيف بكل هذه الرسائل؟

ذلك لأنَّ هذه الرسائل تفسير حقيقي للقرآن الكريم الذي هو عقل الكون وشمسه التي نورت وأضاءت طريق البشرية وهدتها وأرشدتها منذ ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة. وكما ذكرت، فإن وجدتم موضعا -أيا كان- حول الجمعية السرية في المؤلفات التي حاولتُ بيانَ قيمتها، يمكنكم إيقاع العقوبة بي لكوني آنذاك مروِّجا لمؤلفات ضارة. ولكن رسائل النور هذه التي أُلّفت بشكل رائع وغير مسبوق والتي حازت على رضى الشخصيات العلمية وتأييدهم، والتي تملك قدرةَ إصلاح مجتمع فاسد وتملك قابليةَ إرشادِ إنسانِ القرن العشرين وإنقاذه من الضلالة ومن المادية ومن الإلحاد ومن عبادة الطبيعة ومن حياة السفاهة ومن ظلمة الأفكار الدامسة التي تفضي إليها هذه المادية، وتفتح الرسائل بفيض من القرآن الحكيم ونور منه أبوابَ السعادة الأبدية والسلامةِ الأبدية للبشرية. فإذا لم يكن في كليات رسائل النور أيّ موضوع يؤيد التُهم المسنَدة إليها، فإن صدور أي عقاب ضدي يعد تناقضا مع أسس العدالة، وهذا -حسب قناعتنا- هو ما ستراه محكمتكم وستَقبله.

لقد قيل في أثناء استجوابي: يُقال إنك من طلبة رسائل النور؟ أقول: إنني لا أجد في نفسي لياقة لكي أكون طالبا لأستاذ عبقري مثل «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ». فإن قَبِل هو هذا فإنني سأقول بكل فخر: أجل! إنني من طلاب رسائل النور.

كثيرا ما تعرض مؤلف رسائل النور -أستاذي الذي لا مثيل له «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ»- إلى افتراءات من قِبل أعدائه الخفيين وسِيق إلى المحاكم، ولكنه بُرّئ من قِبل جميع هذه المحاكم. وقد قامت هيئةٌ مؤلَّفة من الأساتذة ومن علماء الإسلام بتدقيق كل سطر بعناية في المجموعة الكاملة لرسائل النور، واعترفوا في تقاريرهم بأن هذه الرسائل مؤلفة عن علم كبير وأنها تفسير حقيقي للقرآن الحكيم. فإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يُساق إلى المحكمة مرة أخرى؟.. سأقول لكم قناعتي التامة حول هذا الأمر:

إن الذين يقرؤون رسائل النور، ولاسيما من الشباب الواعي يكتسبون إيمانا قويا. فيصبح متدينا تدينا لا يهتز ولا يتوانى عن أية تضحية، ويكون مُحبَّا لوطنه. وعندما يوجد إيمان صلد في أي موضع كان فلا يكون هناك مجال للسفاهة وللسقوط الأخلاقي الذي يكون نتيجة طبيعية لبعض الأيديولوجيات الضارة. وكلما زاد عدد المتسلحين بهذا الإيمان القوي ضاق المجال أمام توسع الماسونية والشيوعية. إن رسائل النور تقوم -استنادا إلى آيات القرآن الكريم- بالبرهنة على مدى زَيف الفلسفة المادية التي يستند إليها الشيوعيون وذلك ببراهين وحجج قوية وتبرهن مدى بُعدها عن الحق وعن الحقيقة ببراهين عقلية وفكرية ومنطقية فتنير بذلك أذهان الذين سقطوا في ظلمة هذه الفكرة الفاسدة وتنقذهم. وتقوم بإثبات وجود الله للماديين الذين لا يؤمنون إلا بما يشاهدونه بأعينهم بأدلة قوية يستحيل إنكارها أو الاعتراض عليها.

إن هذه الرسائل تستقرئ نفسها على طلاب الثانوية وعلى طلاب الجامعة بما تتمتع به من أسلوب أخاذ وأصيل ومن أدب راقٍ.

ولهذا فقد أدرك الشيوعيون والماسونيون أن رسائل النور تشكل عائقا قويا أمام أفكارهم السامة، لذا فإنهم يتوسلون إلى مختلف الافتراءات والدسائس لكي يزيلوا رسائل النور ويمنعوا قراءتها لأنها مستند قوي ومنبع ثرّ للإيمان لكونها تفسيرا حقيقيا للقرآن الكريم. ومع أنه لم تظهر هناك أية أمارة على ما أسندوه إلى رسائل النور كذبا، فإنهم مستمرون على هجومهم.

ويظهر من هذا أنهم يرومون إخافتنا وإبعادنا عن رسائل النور، ومن جهة أخرى كي يقدموا لنا كتبهم المسمومة. وهكذا يستطيعون محو الإيمان وإزالته من أُمتنا ومن شبابنا لكي يتم الانهيار الأخلاقي. فيضمنوا بذلك سقوط الحكومة سقوطا ذاتيا ويسلموا وطننا وأمتنا إلى دولة أجنبية، فهذا هو أملُهم. وأنا أودّ أن أعلن في حضور محكمتكم بكل صراحة ودون أي تردد: ليعلمْ هؤلاء جيدا بل ليرتجفوا خوفا، ذلك لأننا لن نخشى ألاعيبهم ولا نخشاهم، لأننا رأينا الحق والحقيقة وتَعَلمناها من رسائل النور وآمنا بها.

إن الشباب التركي يقظ غير نائم، وهذه الأمة التركية المسلمة لا يمكن أن تكون خاضعة تحت حُكم دولة أخرى. إن الشباب المسلم الفدائي -استنادا إلى قوة إيمانه اليقيني- لا يمكن أن يسمح ببيع وطنه. إن الأمة التركية المتدينة البطلة والشباب التركي المؤمن لا يمكن أن يجبنا أو يخافا. لذا فإننا نقرأ رسائل النور وسنداوم على قراءتها لأنها تسمو بنا إلى أعلى مستوى من الخلق الإنساني وإلى أعلى مراتبها، ولأنها تعلّمنا -نحن الشباب- الدين الذي هو سبب رقيّنا في جميع المجالات، ولأنها تبث فينا محبةَ الوطن ومحبة الأمة وتربينا على القيم الدينية التي تجعلنا نضحي بكل ما نملك في سبيلهما. وكما ذكرت سابقا فإنني استفدت فائدة كبيرة من رسائل النور مع أنني قرأت جزءاً يسيرا منها، ولو كنت أَملك ثروة لصرفتها في نشر المجموعة الكاملة لهذه الرسائل التي تُحقق فوائد كثيرة جدا للوطن وللأمة وللإنسانية جمعاء، ذلك لأنني على أتم استعداد للتضحية بكل ما أملك في سبيل ديني وفي سبيل السعادة الأبدية لوطني ولأمتي وفي سبيل سلامتهما.

كنت أحس بفراغ كبير في نفسي، في روحي، وبينما كنت أبحث عن كتاب لأقرأه وجدت رسائل النور التي ما إن قرأتها حتى علمت بأنني لن أستطيع بَعدُ مفارقتَها، إذ أحسست بأنها هي التي تسدُّ هذه الحاجة القلبية لديَّ، لأنني وجدت فيها البراهين والأدلة العقلية والإيمانية المنقذة من الشبه العلمية والإيمانية، وتخلصتُ بذلك من القلق ومن الضيق الذي كانت الشبهاتُ تُحدثه وتولده فيّ. وأدركتُ من هذه الحقائق أن رسائل النور كُتِبَتْ لإنسان هذا العصر.

لكي يملك الإنسان المزايا السامية كالأدب الجَم والتربية الراقية فإن عليه أن يملك إيمانا قويا، ولما كانت رسائل النور تَعرِض الحقائق الإيمانية بأدلة غاية في القوة وبأمثلة واضحة. فقد أحسست أن إيماني يقوى كلما قرأتها، وهذا أنقذني من السقوط في هوة الضلالة، وأنقذني من العدول عن ديني الجامع لكل جوانب الحق والحقيقة -وهما أُسسُ أرقى مدنية- وأنقذني من أن أكون لقمة سائغة يلتهمها الوحش الأحمر. لذا فهي تنقذ قراءها من كثير من المصائب المادية والمعنوية وتعطي لهم عِلما يفوق العلم الذي يملكه خريج الجامعة، وتبث فيهم حُبَّ الإسلام وحُبَّ الوطن والأمة وتعلمهم إطاعة الله والعمل الجاد والنشاط والرحمة. فأيما قارئ لها لا يتخلى عنها ولا يغادرها مهما كان الثمن، ولا يمكن إخراج مثل هذه المشاعر الخالصة نحو رسائل النور من احترام وتوقير من قلب أي شخص مهما كان.

توصَف رسائل النور من قبل مقام الادعاء العام بأنها مؤلفات ضارة؛ وأنا أَحتج بشدة على هذه الفرية التي لا يقول بها مَن كان له نصيب من ضمير ووجدان.

ويذكر الادعاء بأنني كنت أشجع على قراءة رسائل النور.. أجل!.. هذا صحيح. ولكن قلوب جميع المثقفين دُميت من الافتراء الآخر، بل بكيت وصُرّتْ أسنانهم.

إن القرن العشرين هو القرن الذي تسود فيه الأفكار المدللة عليها بالبراهين، إذ لا يلتفت أحد إلى أي شيء ولا يمكن الإيمان بأي شيء دون دليل ودون برهان، لذا نطلب من مقام الادعاء إثباتَ أن رسائل النور كتب ضارة.

من بين المقاصد والغايات ما يشيعه الأعداءُ الخفيون من افتراءات هو كسر التساند والرابطة فيما بيننا، النابعة من مشاعر الحب والاحترام والتراحم للأخوّة التي تربط بين قراء رسائل النور الذين ارتبطوا بروابط الإسلام من أجل خدمة القرآن فقط وليس من أجل أي هدف آخر.. إذا كانت هذه هي غايتهم.. فهم واهمون وعبثا يحاولون. وأنا -باعتباري أكثر قراء رسائل النور عامية وأقلهم فهما وفي الصفوف الخلفية منهم- أقول جوابا لهؤلاء:

لو كان أحدنا في الشرق والآخر في الغرب.. لو كان أحدنا في الشمال والآخر في الجنوب.. لو كان أحدنا في الآخرة والآخر في الدنيا فإننا جميعا معا، ولو اجتمعت قوى الكون لما استطاعت أن تُبعدنا عن أستاذنا «سعيد النُّورْسِيّ» ولا عن رسائل النور ولا أن تُفرق فيما بيننا.

ذلك لأننا نخدم القرآن، وسنظل نخدمه، ولأننا نؤمن بحقيقة الآخرة. فإنه ما من قوة تستطيع قلع هذه المحبة وهذا التساند المعنوي فيما بيننا، ذلك لأن المسلمين جميعا سيجتمعون في دار السعادة الأبدية.

دعوني أذكر لكم -إن ســمحتم- الحقيقةَ المهمة التالية باســمِ أمنِ وسلامة وطننا وأمتنا:

إن من ضمن الخطط السرية للشيوعيين هو تحريض الشعب ضد الحكومة، بجانب التقارير المزيفة الكاذبة التي تقدم للمسؤولين في الحكومة لإيداع «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ» في السجن وإظهار أن مؤلفاته ضارة، فإن هناك محاولاتٍ لترويج دعايات كاذبة لا يصدِّق بها أيُّ فرد من أفراد الشعب.

ولأنَّ هذه الأمة مقتنعة تماما ومنذ سنوات عديدة أن «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ» عبقري نادر من عباقرة الإسلام في هذا العصر، وأن له شخصية فذة من جميع الأوجه، فإن من المستحيل على أية دعاية أن تقضي على هذه القناعة الصحيحة أو أن تفسدها.

إنني أحمد الله سبحانه وتعالى وأثني عليه بما يَسَّر لي بلطفه الاستفادة من مؤلفات أستاذ كبير، وأنا مَدينٌ من كل قلبي ومن كل كياني لهذا الأستاذ. حيث إنني أخذت دروسا قيّمة حول الإيمان وحول الإسلام. وأنا أتقبل بكل رحابة صدر البقاءَ في السجن سنوات عديدة من أجل هذا الأستاذ الفاضل الذي قضى سنوات عديدة وشاقة وهو يكتب ويؤلِّف لكي ينقذ شبابنا من أن يكونوا طُعمة للشيوعية وأن يكون السجنُ الانفرادي الأبدي مصيرَهم.

منذ عشرين عاما تقوم رسائل النور -التي هي تفسير للقرآن الكريم- بإعطاء دروس الإيمان والإسلام والفضيلة إلى ملايين الأفراد، وتقيهم من الإلحاد. فلو حُكم عليَّ بالإعدام في سبيل هذه الرسائل لأسرعتُ إلى المشنقة وأنا أهتف: «الله.. الله.. يا رسول الله».

إن رسائل النور التي تصون شبابنا من الوقوع في أحضان الشيوعية والخروجِ من دينه والسقوطِ في مهاوي البلايا والمصائب التي تؤدي به إلى خيانة الوطن التي لا عقاب لها إلّا الإعدام رميا بالرصاص.. إنني مستعد أن يُحكم عليَّ بالإعدام رميا بالرصاص من أجل رسائل النور هذه، وأَنْ أُبرِز صدري لتلك الرصاصات دون خوف أو تردد، ولو قطّعوني بالخناجر إربا إربا في سبيل أستاذي «بديع الزمان» لدعوت الله أن يجعل دمائي المتناثرة حوالي تكتب: «رسائل النور.. رسائل النور».

هيئة المحكمة الموقرة!

إن قراءة رسائل النور وتحصيل العلم فيها شيء مبتكر وأصيل في الحقيقة ولا يوجد ما يشابهه؛ ذلك لأنَّ أي تحصيل علمي آخر تكون الغاية من الاستمرار فيه هي المنفعة المادية أو الحصول على موقع ما. أي إن الدوام لهذه الدروس لا تكون عن رغبة بل -في الغالب- للحصول على منافع مادية أو على شهرة. أما رسائل النور فتشبه جامعة حرة غير منظمة، والذين يداومون في هذه الجامعة بقراءة رسائل النور لا يبتغون أي هدف دنيوي بل يبتغون خدمة الإيمان والقرآن فقط لا غير.

ومع هذا فإن رسائل النور التي هي مؤَلَّف علمي وإيماني جاد، تُقرأ بكل شوق وبكل لهفة، وتُقرأ بمتعة وسرور كبيرين إلى درجة أن قرّاءها الصادقين يحسون برغبة لقراءتها مرات عديدة. وأن الذين استنسخوا رسائل النور وقرؤوها عندما سِيقُوا إلى المحاكم وأصبحت حياتهم في خطر، فإنهم اعترفوا بقراءتهم لها وبعزمهم على دوام قراءتها، ولو أيقنوا أن قرار الإعدام سيصدر بحقهم لَما تزحزحوا عن موقفهم الثابت هذا. وهذه الخاصية الموجودة في رسائل النور ضمن صفاتها الخارقة للعادة، لابد أنها تجعلكم تتساءلون:

«أ أرواح هؤلاء المعترفين رخيصة عليهم إلى هذا الحد؟».

إذن فهناك حقيقة سامية في رسائل النور وفي «بديع الزمان»، ولابد من عدم وجود أمور ضارة في هذه المؤلفات، لأنهم لم ينكروا قراءتها.

إن طلاب المدارس يَدرسون دروسهم لوجود قوة تفرض عليهم النظام والدراسة، أما «بديع الزمان» فلم يُجبِر أحدا على قراءة رسائل النور، ولكن هناك مئات الآلاف من القراء أكثرهم لم يشاهدوه ولكنهم متعلقون به برابطة قوية لا تنفصم، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا طلبة لرسائل النور وأن يتلقوا دروسهم عنها.

إن مثل هذا النظام الرائع وغير الاعتيادي للتدريس لم يشاهَد لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر ولم يُشاهَد في أية جامعة.

قال لي السيد المدعي: «إن الاحترام الذي تبديه نحو «بديع الزمان» لا تبديه نحو المفسرين الآخرين».

وهذا صحيح.. فإن الاحترام والتوقير يتناسب مع درجة الكمال، والمنّة والشكر يتناسب مع مقدار الفائدة المستحصلة، فإن عِظَم الفائدة المستحصلة من مؤلفات «بديع الزمان» لا نراه في غيرها.

إن الماسونيين والشيوعيين يحاولون أن لا نعرف وأن لا يَعرف شبابُنا خاصة «بديعَ الزمان» الذي يُعَدُّ من أكبر المؤلفين والمفكرين المسلمين في القرن العشرين. ولكن الشباب التركي المسلم والأمة الإسلامية وشبابها الواعين عرفوا هذا الأستاذ الرائد واستفادوا منه وجعلوا غيرهم أيضا يستفيدون منه.

وهذا هو السبب في أن الارتباط القوي نحو «بديع الزمان» والثقةَ به لا يمكن أن تهتز أو تنفصم.

ولكون رسائل النور تقوم بتفسير آيات القرآن الحكيم بمهارة فائقة وبلغتنا التركية دون أن تفقد هذه الآياتُ خصوصيتها التي تعد أكبر معجزة لها، فإن جميع طبقات الشعب رجالا ونساءً، موظفين وأصحابَ حِرف، علماء وفلاسفة يستطيعون قراءتها والاستفادة منها. ومن جراء الفوائد التي يرونها فيها -كل حسب استعداده- يزداد تعلقهم بها. فالجميع يقرؤونها.. طلاب الثانوية وطلاب الجامعة وأساتذة الجامعة والفلاسفة، وفضلا عن استفادة هذه الطبقة المثقفة فإنهم يتفقون ويُجمعون على روعة بيان التأليف وأسلوبه في رسائل النور فيزداد شوقهم لقراءة المجموعة الكاملة لهذه الرسائل.

إن جميع من تعرّف حديثا على «بديع الزمان» وعلى رسائل النور من أصحاب الإدراك السليم يأسفون على عدم معرفتهم لها في السابق. ولكي يعوّضوا عن المدة التي فقدوها وتأخروا فيها، نراهم يستغلون الفرص المناسبة -وإن كانت خمس دقائق- ليقرؤوا رسائل النور باستمرار. ولم تشاهَد مثل هذه الرغبة الشديدة ومثل هذا التعلق الشديد بمؤلفات أي عالم اجتماعي أو عالم نفسي أو فيلسوف، إذ لا يستفيد من هؤلاء سوى الأشخاص المتعلمين. فعندما يطالِع طالب في مدرسة متوسطة، أو امرأةٌ تعرف القراءة كتابا لفيلسوف ما، فإنهم قد لا يستفيدون منه، ولكن الجميع -كل حسب قابلياته- يستفيدون من رسائل النور. لذا فإن هناك أمة كاملة تنتظر بلهفة قراركم بتبرئة «بديع الزمان» و«طلاب النور». ولو لم يقم «سعيد النُّورْسِيّ» بتلقين طلابه دروسا في الصبر والتحمل لدى أوقات المحن والشدائد -مثلما جمع طلابه عندما كان قائدا للحامية الفدائية في أثناء الحرب- فإن آلافا من طلاب النور كانوا سيضربون خيامهم على تلول مدينة «أفيون» ينتظرون فيها قرار البراءة من محكمة الجنايات الكبرى في «أفيون».

لم يستطع أحد حتى الآن إثباتَ أن نشاط «سعيد النُّورْسِيّ» ونشاط طلاب النور يدخل من الناحية القانونية في إطار نشاطِ جمعية سرية. فلماذا لا يمكن إثبات ذلك؟ أَفَيعجز شخص يُعدّ رجلَ قانون مختص ارتقى حتى وصل إلى مقام الادعاء العام عن إثبات ذلك قانونيا؟ كلا.. إنه ليس عاجزا عن ذلك أبدا. ولكنْ نظرا لعدم وجود تشكيلة لجمعية سرية فإنه لا يكون بوسع أحد أن يثبت وجود مثل هذه الجمعية.

لقد قال المدعي العام في البداية: «طلاب النور ليسوا جمعية» فكان رأيه هذا وحُكمه صائبا وضمن الإطار القانوني، ولكنه عاد بعد قليل -ولا أحد يدري لماذا- وقال: «إنهم جمعية».. وهذا تناقض، ولا شك أنه رأيٌ له لا حُكمٌ. ونحن على يقين بأن هيئة المحكمة تدرك هذه الحقيقة إدراكا تاما وأنها ستقرر أنه «لا توجد جمعية سرية تؤلف بينهم».

أيها الحكام المحترمون!

لو كان من عادة القلب أن تتقطع في موقف الحزن والأسى لكان من المفروض أن يتمزق القلب إلى عدد ذراته أسىً ولوعة أمام خبرٍ عن شاب سقط في هاوية الإلحاد.

وهكذا فإن قرار التبرئة الذي سيصدر عنكم سيكون وسيلة فعالة لإنقاذ شباب الإسلام والعالم الإسلامي من هذه الآفة الرهيبة، وهذا هو أحد الأسباب التي تربطني برباط لا ينفصم مع «بديع الزمان» ومع مؤلفاته.

إن القرار الذي ستصدرونه لتبرئة رسائل النور والسماح بتداولها سينقذ الشباب التركي والمسلمين من مصيبة الإلحاد، ذلك لأنَّ رسائل النور التي هي خزينة الحقائق السامية ستُعرف وستشتهر في يوم من الأيام في جميع أنحاء الدنيا دون شك. وعلى هذا الأساس فسوف تكونون محط تقدير الإنسانية جمعاء، وستكون الأجيال الحالية وأجيال المستقبل شاكرة لكم لقراركم بالبراءة، وستذكركم هذه الأجيال بكل تقدير كلما قرأتْ رسائلَ النور واستفادت من فيضها العظيم.

وعندما أقول لكم بكل إخلاص هذه الكلمات فأرجو أن لا يذهبن بكم الظن إلى أنني أنافق أو أتملق.. أبدا ومطلقا.. ذلك لأنني لا أخشى من أحد ولا أرهب أحدا في المحكمة التي تحاكم «بديع الزمان».

ولكني أرجو منكم أن تسمحوا لي ببيان قصير:

إن استمر المدعي في كيل هذه التهم الشنيعة بحق رسائل النور وبحق مؤلفها وقرائها مع أنها (رسائل النور) تُعَد علاجا مؤثرا ضد الشيوعية وضد الماسونية في هذا الوطن المبارك، وإذا لم يتخل عن اتهاماته الخاطئة تماما وسائر انفعالاته الشخصية وعواطفه الذاتية فإنه يكون بذلك عونا للماسونية وللشيوعية وعونا لترعرعهما وانتشارهما.

* * *

جزء من اللائحة المقدمة إلى محكمة التمييز

إن رسائل النور تقوم -عن طريق البرهنة- بتقوية الإيمان المتضعضع للذين تؤثر فيهم شبهات تبثها منشوراتُ منظماتِ الإلحاد.

إن سرا دقيقا من أسرارِ تعلقِ الشباب وتمسكِهم برسائل النور وكأنَّ بهم مَسًّا من كهرباء هو الآتي:

لقد قام «بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ» منذ سنوات عديدة بإنكار ذاتٍ وتضحيات لا مثيل لها وفي زمن شيخوخته ومرضه (أي في مرحلة يحتاج فيها إلى الرعاية وإلى الاهتمام) وبصبر وتحمل لا يوصَفان أمام جميع أنواع الاضطهاد والتعذيب من قِبَل أعدائه المتسترين من الماسونيين والشيوعيين ومن الذين انخدعوا بهم. وعَلِم بثاقب بصره وأدرك بملاحظته الواقعية المؤامراتِ المدهشةَ الخفية، والدسائسَ المرعبة والخططَ المُحاكة ضد الإيمان، وعرف كيف يُحبط هذه الخططَ بمؤلفاته الإيمانية.

لكن أليس من المُحزن، وأليس من المؤلم أن يقاسي هذا الرائدُ الإسلامي وهذه الشخصية الكبيرة الفذة من عذاب السجون منذ خمسة وعشرين عاما ومن الحبس الانفرادي التام وأن يحاول القضاء عليه؟

ولكن وإن قاسى مؤلف رسائل النور وعوقب نتيجةً للأوهام الناشئة من إهانات الشيوعيين ودسائسهم فإن الإقبال المتزايد على قراءة رسائل النور بكل شوق سوف يدوم ويستمر.

إن أول دليل وأكبره هو أن الشباب الذي قرؤوا رسالة «عصا موسى» التي استُنسخت بالأحرف الجديدة، بدؤوا بتعلم القراءة بأحرف القرآن لكي يستطيعوا قراءة الرسائل الأخرى، وهكذا هدموا سدا كبيرا وهو الجهل بخط القرآن الكريم، هذا الجهل الذي كان مانعا وعائقا أمام تعلم الكثير من العلوم، وفضلاً عن إجبارهم على قراءة كثير من الكتب التي كتبت لإبعاد الناس عن الدين والإيمان. وحينما يقبل شباب أية أمة على القرآن وعلى العلوم التي تتنور منه، ويتجهز بهذه العلوم ويتسلح بها فمعنى ذلك أن تلك الأمة بدأت تسير في طريق الرقي والتقدم. إن الشباب الظامئة أرواحُهم إلى الإيمان وإلى الإسلام قد بدؤوا بمَلء أرواحهم بفيوضات رسائل النور التي هي تفسير للقرآن الكريم، وبذلك فإن الشباب الذي سيملكون إيمانا يقينيا وعن علم سيجاهدون الإلحاد والشيوعية، ولن يسمحوا أبدا ببيع أوطانهم إلى أعداء الإسلام. لذلك فإنْ استطاع الشيوعيون أن يُفنوا ويقضوا على الورق وعلى الحبر لقام شباب مثلي أو شيوخ بفداء أنفسهم لأجل نشر رسائل النور التي هي خزانة الحقائق، حتى وإن اضطروا إلى أن يعملوا من جلودهم ورقا ومن دمائهم حبرا.

نعم، نعم، نعم.. ألف مرة نعم.

يقول المدعي العام ضمن اتهاماته: «لقد قام «سعيد النُّورْسِيّ» بتسميم أفكار شباب الجامعة بمؤلفاته». ونحن نقول ردا على هذا:

«لو كانت رسائل النور سمّا، فإننا في حاجة إلى أطنان من هذا السُّمّ وإذا كان يعرف مكانا يكثر فيه هذا السمّ فليرسله إلينا على جناح السرعة».

وعندما نتعرض -نحن طلاب النور- إلى ظلم الظالمين ونحن نؤدي خدماتنا في سبيل الإيمان والإسلام، فإننا نفضل أن نسلم الروح في السجون وعلى أعواد المشانق وليس على فراش الراحة. لأننا نَعُدّ الموتَ ظلما في السجون -بسبب خدمتنا القرآنية- فضلا إلهيا كبيرا، ونفضل هذا الموت على العيش في حياةٍ ظاهرُها الحرية وباطنُها وحقيقتها استبداد مطلق.

الموقوف في سجن أفيون

زبير كوندوز آلب  

من ولاية قونية  

ملاحظة: بعد إرسال هذا الدفاع ولائحةِ الدفاع المقدمة إلى محكمة التمييز، أَرسلت رئاسةُ محكمة التمييز برقيةً طلبت فيها إطلاقَ سراح «زبير» من السجن فورا.