[صحبة أهل الحقيقة]

باسم من
 ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ فيهِنَّۜ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ (الإسراء:44).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعدد حروف رسائل النور المكتوبة والمقروءة والمتمثلة في الهواء إلى يوم القيامة.. آمين.

إخوتي الأعزاء الأوفياء الميامين ويا رفقائي الأقوياء المخلصين في خدمة القرآن والإيمان!

حمداً لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر، إذ حقق بكم أملي في رسالة «الشيوخ» وادعائي في رسالة «الدفاعات».

نعم، لله الحمد والمنة بعدد الذرات من الأزل إلى الأبد، بما أنعم بكم على رسائل النور بثلاثين من أمثال عبدالرحمن، بل مائة وثلاثين، بل ألفٍ ومائة وثلاثين من أمثاله، كل منهم يقابل ألفاً.

وحيث إنني أرى إخوتي الذين يلازمونني في الخدمة دائماً ولا يغادرون بالي أبداً، يسعون للعمل لرسائل النور ويتبنّونها بجدية تامة ويحافظون عليها ويتوارثونها مثلكم ناشدين الحقيقة، مقدّرين كل شيء حق قدره.. أراهم في موضعي وهم أكثر إخلاصاً منى وأصلب عوداً وأنشط في خدمة القرآن والإيمان.. لذا أنتظر أجلي وقبري وموتي بفرح تام وسرور خالص واطمئنان قلبي كامل.

إنني يا إخوتي أراكم عدة مرات في اليوم، في رسائلكم وفي خدماتكم الجليلة التي لا تغادر ذهني، فأُشبع شوقي وأطمئنه بهذا الأمر. وأنتم كذلك يمكنكم أن تحاوروا وتجالسوا أخاكم هذا الضعيف في الرسائل، حيث الزمانُ والمكان لا يحولان دون محاورات أهل الحقيقة ومحادثاتهم، حتى لو كان أحدهم في الشرق والآخر في الغرب وآخر في الدنيا وآخر في البرزخ؛ لأن الرابطة القرآنية والإيمانية -التي هي بمثابة راديو معنوي- تجعلهم يتحاورون فيما بينهم.

هناك سؤال وارد ممن يملكون الأقلام الألماسية. إنني الآن لا أملك الجواب.
فمتى ما أملكه سيأتيكم بإذن الله.. إن رشدي ورأفت وسليمان و….. ممن لا أستطيع ذكر أسمائهم من إخوتى الأفاضل أرجو ألّا يمتعضوا من عدم محاورتهم محاورة خاصة بالرسالة.

إننا مضطرون إلى اتخاذ الحيطة والحذر بنسبة عظمة خدماتنا وأهميتها وبنسبة قوة المعارضين لها ودسائسهم الشيطانية.

الراجي دعواتكم

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[زمان الجماعة]

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعدد عاشرات دقائق أيام الفراق.

إخوتي الأعزاء الأوفياء ويا رفقائي الأقوياء الفطنين في خدمة القرآن والإيمان!.

إن هذا الزمان، زمان الجماعة، فالأهمية والقيمة تكونان حسب الشخصية المعنوية للجماعة. ولا ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار ماهيةُ الفرد المادية الفردية الفانية، ولا سيما شخص ضعيف مثلي الذي لا حول له ولا قوة، ومنحه أهمية تفوق قيمته ألف درجة، وتحميل كاهله ألوف الأرطال -وهو الذي لا يتحملَ رطلا واحدا- سينسحق -بلا شك- تحت هذا الحمل.

ولله الحمد فإن رسائل النور قد أظهرت -حتى للعميان- بتجارب كثيرة وحوادث عديدة أنها معجزة قرآنية تستطيع أن تنوِّر هذا العصر، بل العصر المقبل. فمهما بالَغتم في مدحها والثناء عليها فهي أهلٌ لها وحقيقٌ بها. إلّا أن ما تُولُونَه لي من اهتمام وحظ في هذا الأمر، لا أجد نفسي أهلا له، ولو واحدا من الألف. بل أجدني فخورا إلى الأبد باسم رسائل النور التي أوْلاها المنعم الكريم نعمةً عظمى بسعيكم الحثيث إلى الأعمال الجليلة واشتراككم الجاد مع طلابها النجباء.

لقد صدّق الشيخ الكيلاني والإمام الغزالي والإمام الرباني وأمثالهم من الأفذاذ، بشخصياتهم القوية وبخدماتهم الجليلة الحديثَ الوارد «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» وبإرشاداتهم السديدة وبآثارهم القيمة. ولكون أن تلك العصور كانت -من جانب- عصور الجهابذة الفريدين، فقد بعث الرب الحكيم أمثالَ أولئك الأشخاص الفريدين النادرين والدهاة السامين، لإسعاف الأمة.

أما الآن فقد بعث المولى الكريم «رسائل النور» التي هي بحكم شخص معنوي، وبعث طلابها الذين هم -بسر التساند والترابط- بحكم الفرد الفريد، إلى هذا العصر، عصر الجماعة، المحاط بالظروف المعقدة والأوضاع الرهيبة، لأجل القيام بتلك المهمة الجليلة.

وبناء على هذا السر الدقيق فإن جنديا مثلي، لا وظيفة له إلّا وظيفة الطليعة لدى مقام المشيرية المثقلة بالمهام الجسيمة.

تحياتى إلى إخوتي جميعا، ولا سيما الخواص، فأحييهم فردا فردا، ولأجلهم -وهم الأعزاء الميامين- أضم أقاربهم ومَن في قراهم ضمن دعواتي لأقاربي وأهل قريتي. هكذا أدعو لهم وأشركهم في مغانمي المعنوية.

* * *

[علاج الوساوس وحكمتها]

إخوتي الأعزاء الأوفياء المضحين!

إن سبب عدم استطاعتي المراسلة معكم هو بقائي تحت ضغط التضييق الشديد والمراقبة المستديمة والعزلة التامة عن الناس. فشكرا لله خالقي الرحيم بما لا يتناهي من الشكر، لما أنعم به عليّ من صبر جميل وتحمّل عظيم حتى فشل قصدهم الخبيث.

إن كل شهر يمر عليّ هنا من شهور فراقي عنكم يعادل سنة من السجن الانفرادي، ولكن بركات دعواتكم الطيبة حولت -بعناية إلهية- كلَّ يوم من أيامي إلى ما يعادل شهرا من العمر السعيد.

فلا تقلقوا على راحتي، إن ألطاف الرحمة الإلهية مستمرة.

أخي صبري! كن صابرا، لا تهتم بمرضك الناشئ من توتر الأعصاب والوهم. واعلم أنه لا ضرر فيه ولا خطورة من ورائه، ومع ذلك أدعو لكم بالشفاء. ذلك لأن الخواطر إن كانت سيئة فاسدة فلا ضرر منها، لأنه؛ كما أن صورةَ النجاسة في المرآة ليست نجسة، وصورةَ الحية لا تلدغ، وصورة النار لا تحرق، كذلك لا ضرر من الخواطر النجسة والقبيحة والكفرية التي تَرِد دون رضى من المرء، وتتمثل في مرايا القلب والخيال دون اختيار منه. فقد تقرر في علم الأصول: أن تصور الكفر ليس كفرا وتخيل الشتم ليس شتما.

أما الخواطر الحسنة فإن تخيّلها وتصوّرها حسنة أيضا لأنها نورانية. ذلك لأن مثال النوراني وصورتَه في المرآة يبعث النور والضياء، فلها خاصيته. بينما مثال الكثيف ميّت لا حياة فيه، فلا تأثير له أيضا.

أما الآلام والأوجاع الروحية، فهي أسواطٌ ربانية تحث على المجاهدة والصبر، إذ تقتضي الحكمةُ الحيلولةَ دون الوقوع في اليأس وكذلك دون البقاء في الاطمئنان والأمان، وذلك بالموازنة بين الخوف والرجاء، مع التجمّل بالصبر والتحلي بالشكر.

لذا فإنه دستور مشهور لدى أهل الحقيقة: أن مدار الترقي هو ورودُ حالة القبض والبسط إلى المنتبهين اليقظين، بتجليات اسمَي الجلال والجمال…

أخي صبري!

إنه ما من ضرر يصيب رسائل النور من جراء أداء وظيفة الإمامة في المسجد، بل أدِّها بنيّة الرخصة، ولا تتورع منها حاليا.

إخوتي!

الحذرَ الحذر! إن المنافقين كثيرون، فلا تبوحوا بورود الرسائل من هنا، لئلا تُصاب خدمةُ رسائل النور بضرر.

إن كثيرا من الحقائق المهمة قد وردت ولم نتمكن من تدوينها، فعادت كما أتت مع الأسف. إنني هنا وحيد ومنعزل كليا.

* * *

[أيّ رسالة أفضل؟]

إخوتي الأعزاء الأوفياء المضحين، ويا رفقائي الجادين الثابتين الصامدين في خدمة القرآن والإيمان!

إنكم مدار سلواني وعزائى في هذه الدنيا، فلقد حققتم آمالي وأمانيّ الكبيرة في حقكم، ليرضَ الله عنكم أبدا.. آمين.

لقد أثمرتْ إرسالياتُكم فوائدَ جمّة هنا ولاسيما «الكلمة العاشرة»، فلو كنتُ قادرا لدفعتُ مقابل كل ورقة منها هدية ثمينة. ولما كنت لم التَق هذه الرسائل منذ مدة، فأيّما رسالة أقرؤها، أقول: هذه أُولاها وأفضلها، ثم أطالع الأخرى وأقول: هذه أحسنها.. وهكذا الرسالة تلو الأخرى حتى اقتنعت قناعة تامة -وتغمرني الحيرة- أن أجزاء رسائل النور لا تفضل إحداها الأخرى، فلكل منها رئاسة في مقامها، ولا غرو فإنها معجزة قرآنية تنوِّر هذا العصر.

إن للمجموعة الكاملة لرسائل النور -التي هي مرشد علمي معنوي مهم لهذا العصر- كراماتٍ مثل كرامات الأشخاص الأفذاد، فهي كرامات تلائمها وتجانس الحقيقة العلمية، فكراماتُها ترد في أنواع كثيرة ولاسيما في إظهار الحقائق الإيمانية، وفي انتشارها، كالكرامات الثلاث الظاهرة لرسالة المعجزات الأحمدية، وككرامة الكلمة العاشرة، والكلمة التاسعة والعشرين والآية الكبرى وأمثالها الكثيرة من الرسائل. فكل منها لها كرامات خاصة بها، تظهر بأمارات كثيرة وحوادث كثيرة، حتى إن وقائعَ عديدةً أورثتني قناعة تامة لا يداخلها الشك من أن المجموعة الكاملة لرسائل النور بمثابة مرشد معنوي لإنقاذ إيمان طلابها عند سكرات الموت.

لقد شاهدت فاقتنعت أن «الحزب الأكبر النوري» مثال واحد لما ورد في الحديث الشريف «تفكر ساعة خير من عبادة سنة» فعزمتُ على أن أرسله إليكم مرفقا بـ«الحزب الأعظم القرآني» ولكن لطول الأخير لم أتمكن من استكتابه. ولما حاولت ترجمة «الحزب الأكبر» فكرت في أن أمثالكم من الإخوة ليسوا بحاجة إلى الترجمة، لذا سأرسله لكم بصورته العربية.

وإن ما أرسلته إليكم من خلاصة «المقام الأول للآية الكبرى» هي أساس هذا «الحزب الأكبر» إذ عندما أُضيفَ بعضُ الفقرات الصغيرة وبعض القيود -من دون اختيار- إذا بتلك الخلاصة تأخذ شكلا آخر، فانبسطتْ وتوسعت وسطعَت براهينُ التوحيد فيها -كما في الآية الكبرى- وزادت معانيها وأورثت انشراحا عظيما لروحي وقلبي وفكري، بحيث إنني كلما قرأت ذلك «الحزب الأكبر» متفكرا ومتأملا -أثناء التعب والسأم- شعرت بذوق لطيف وشوق عظيم.

* * *

[العقل والقلب معا في رسائل النور]

هذه الفقرة كتبتُها جوابا عن سؤال، لعل في بيانها فائدة لكم.

سأل مطالعون بكثرة لكتب الأولياء ودواوين العلماء هذا السؤالَ:

لماذا يجد قارئ رسائل النور إيمانا وإذعانا في قلبه، ويَشعر بشوق دائم ولذة جديدة أكثر بكثير مما يجده في تلك الكتب؟

الجواب: أن قسمًا من مصنفات العلماء السابقين وأغلب الكتب القديمة للأولياء الصالحين تبحث في ثمار الإيمان و نتائجه و فيوضات معرفة الله سبحانه، ذلك لأنه لم يكن في عصرهم تحدّ واضح ولا هجوم سافر يقتلع جذور الإيمان وأسسه، إذ كانت تلك الأسس متينةً ورصينة.

أما الآن فإن هناك هجوما عنيفا جماعيا منظما على أركان الإيمان وأسسه، لا تستطيع أغلبُ تلك الكتب والرسائل التي كانت تخاطب الأفراد وخواص المؤمنين فقط أن تصدّ التيار الرهيب القوي لهذا الزمان، ولا أن تقاومه.

أما رسائل النور، فلكونها معجزة معنوية للقرآن الكريم، فهي تنقذ أسس الإيمان وأركانه، لا بالاستفادة من الإيمان الراسخ الموجود، وإنما بإثبات الإيمان وتحقيقه وحفظه في القلوب وإنقاذه من الشبهات والأوهام بدلائلَ كثيرة وبراهين ساطعة. حتى حكَم كلُّ من يُنعِم النظر فيها؛ بأنها أصبحت ضروريةً في هذا العصر كضرورة الخبز والدواء.

إن الدواوين والمؤلفات السابقة تقول: كن وليا وشاهِد وَارْقَ في المقامات والدرجات، وأبصرْ وتناول الأنوار والفيوضات!.

بينما رسائل النور تقول: كن مَن شئتَ وأبصر. وافتح عينيك فحسب، وشاهد الحقيقةَ وأنقذ إيمانك الذي هو مفتاح السعادة الأبدية.

ثم إن رسائل النور تحاول أولا إقناعَ نفس مؤلّفها ثم تخاطب الآخرين؛ لذا فالدرس الذي أقنع نفسَ المؤلف الأمارة بالسوء إقناعا كافيا وتمكّن من إزالة وساوسها وشبهاتها إزالة تامة لهو درس قوي بلا شك، وخالصٌ أيضا، بحيث يتمكن وحدَه من أن يصد تيار الضلالة الحاضرة التي اتخذت شخصية معنوية رهيبة -بتشكيلاتها الجماعية المنظمة- بل أن يجابهها و يتغلب عليها.

ثم إن الرسائل ليست كبقية مصنفات العلماء تسير على وفق خطى العقل وأدلته ونظراته، ولا تتحرك كما هو الشأن لدى الأولياء المتصوفين بمجرد أذواق القلب وكشوفاته. وإنما تتحرك بخطى اتحاد العقل والقلب معا وامتزاجهما، وتعاون الروح واللطائف الأخرى، فتحلّق إلى أوج العلا وتصل إلى مراقٍ لا يصل إليها نظرُ الفلسفة المهاجمة فضلا عن أقدامها وخطواتها، فتُبيّن أنوارَ الحقائق الإيمانية وتوصلها إلى عيونها المطموسة.

* * *

[حكمة التكرار]

إخوتى الأعزاء الأوفياء حق الوفاء!

لأنتم مدار سلواني وسروري في هذه الدنيا؛ فلولاكم لما تحملت العذاب طوال أربع سنوات. فثباتُكم وصمودُكم منَحاني صبرا قويا وجلَداً أمام العذاب. فلقد وردتْ إلى الخاطر دفعةً واحدة النقاطُ الآتية:

أولاها: إخوتى! إن هذه الزلزلة معجزة قرآنية جلية كانشقاق القمر -حسب اعتقادي-؛ فلقد اضطر أعتى المتمردين إلى الدخول في حالة التصديق.

ثانيتها: منذ القدم لا توجد جماعة كطلاب النور، سَعوا سعيا جادا وقدّموا خدمات جليلة في طريق الحق والحقيقة ثم نجَوا من البلايا والمصائب بأتعاب قليلة، علما أن الذين أدّوا عُشر ما قدمناه من خدمات للإيمان والقرآن قد قاسوا أضعاف أضعاف ما قاسيناه. بمعنى أننا في حالة تدفعنا إلى الشكر والحمد دوما.

ثالثتها: لقد طالعت الرسائل المرسلة إلينا، فرأيت أن عددا من الحقائق قد تكررت لمناسبة المقام؛ إذ تكررت تلك المسائل دون إرادتي بل خلاف رغبتي واختياري، فتضايقتُ من النسيان الذي اعترى ذاكرتي، وفجأة ورد إلى القلب هذا التنبيه: «انظر إلى ختام الكلمة التاسعة عشرة».

فنظرت إليه وهو يتناول بيان الحِكَم الجميلة للتكرارات الواردة في القرآن الكريم، فهذه الحِكم تَظهر أيضا في رسائل النور التي هي تفسير حقيقي للقرآن الكريم، فرأيت أن تلك التكرارات منسجمة تماما مع تلك الحِكم، بل هي ضرورية أيضا.

ثم إن كلا من لطفي وعبد الرحمن وعلي الصغير قد طلبوا مني -باسمكم جميعا- شرح «اللمعة التاسعة والعشرين العربية» وترجمتَها إلى التركية إلّا أنه لا يتسع وقتي لأنشغل بها ولا تسمح حالي حاليا بذلك. وسيؤدي تلك الوظيفةَ -إن شاء الله في المستقبل- طالب آخر من طلاب النور.

سؤال: لِمَ لا تصيب زلزلةُ الأرض روسيا، بل تصيب فقط…؟

الجواب: لأن الاستخفاف والكفر بدين منسوخ محرّف يختلف عن الاستخفاف بدين أبدي حق. فهذه الإهانة تثير غضب الأرض وتزلزلها.

* * *

[الرسائل تنتشر بذاتها]

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي الأعزاء الثابتين المضحين الأوفياء!

أولا: أهنئ عيدكم المقبل، راجيا من رحمة الرحمن سبحانه وتعالى أن يجعل دعوات إخواني الميامين في جوف الليالي المباركة وفي أسحارها مباركةً منورةً لي ولأهل الإيمان ولاسيما تلك التي تُرفع من قِبَلهم في الليالي الثابتة قيمتُها بالقَسَم القرآني ﴿وَالْفَجْرِۙ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ

…….

ثالثا: إنني أشعر بأن «لخلوصي» ما يقلقه. فعليه ألّا يقلق، لأن طلاب رسائل النور تحت حماية رحمة الله ونَظَارةِ عنايته. ولما كانت مشقات الدنيا تورث الثوابَ والأجر الأخروي، وأنها عابرةٌ زائلة كذلك، ينبغي أن تقابَل تلك المصائبُ بالثبات والصمود مع التحلي بالصبر الجميل ضمن الشكر.

إنكم جميعا وكذا «خلوصي» داخلون ضمن دعواتي.. فأنتم معي في كل مغانمي ومكاسبي المعنوية.

رابعا: إن رسائل النور تنتشر بذاتها تحت حماية القرآن الكريم والحفظ الرباني.. وهي تتفيض وتتنور أكثر في السر. وإنني على أمل أنكم يا إخواني ستصدّون حادثات الزمان المزلزلة -كما هو دأبكم إلى الآن- وليكن دستورنا دوما «من آمن بالقدر أمِن من الكدر».

* * *

[الدواء المقدس]

إخوتي الأعزاء!

إنني بالمقابل أهنئكم أيضا بالعيد السعيد.

تسألون عن صحتي وراحتي.

إنني أحمد خالقي الكريم حمدا لا يتناهى، إذ أسعفني بالإيمان الذي هو دواء مقدس لكل داء وأغاثني بدواء الرضا بالقضاء النابع من الإيمان بالقدر، مما دفعني إلى الشكر ضمن الصبر، على الرغم من شدة برودة الشتاء هنا، ولاسيما في غرفتي، على الرغم من وحشة الغربة من جهات ثلاث، وضيق الأمراض العصبية الثلاثة، على الرغم من الانفراد التام والعزلة الكاملة، وتعرضي لما لا يُتحمل من المشقات والمضايقات.

* * *

[ناشرو الرسائل]

إخوتي الأعزاء الأوفياء الخالصين!

إنني أحمد ربي الرحيم حمدا لا نهاية له، إذ خَلق من أمثالكم ناشرين لرسائل النور ومحافظين عليها ومالكين لها. وخففَ العبء الثقيل الذي أرهق كاهلَ شخص ضعيف عاجز مثلي.

* * *

[رفض الإفراط]

…..

إنه لا يمكن قبولُ حسنِ الظن المفرط نحوي ومَنحي مقاما وأهمية تفوق حدي ألف درجة، إلّا إذا كان باسم رسائل النور وخدمتها، وكونها داعية ودلّالة إلى جواهر
القرآن الكريم.

نعم، ليس لي حقٌّ قط في قبول مثل هذا الظن الحسن باعتباري الشخصي الذي لا أهمية له إطلاقا.

* * *

[الصدقة تدفع البلاء]

إخوتي الأعزاء الصادقين الثابتين الموقرين!

إن توديعكم كتابة «الفهرس» إلى الشخص المعنوي الناشئ من هيئتكم المتساندة، وعلى صورة توزيع الأعمال فيما بينكم عملٌ جميل جدا. فلقد وجدتم أستاذا حقيقيا ودائميا لكم. فذلك الأستاذ المعنوي أفضل بكثير من أخيكم هذا العاجز. بل لا يَدع حاجة إليه.

إخوتي!

عندما قلقتُ من أجلكم بسبب أخذكم إلى الخدمة العسكرية، ونظرت إلى حادثات الزمان خطر على قلبي ما يأتي:

إن الحضارة الأوروبية المؤسّسة على أسس فاسدة، والتي تدّعى أن كل ما أتاها هو من عندها كادّعاء قارون ﴿قَالَ اِنَّمَٓا اُو۫تيتُهُ عَلٰى عِلْمٍ (القصص:78) فلا تشكرُ ربّها الذي أحسن إليها بفضله وكرمه تعالى، والتي رجحت كفةُ سيئاتها على حسناتها حيث سقطت في الشرك بفكرها المادي الملوث. إن هذه الحضارة تلقّت صفعةً سماوية قوية بحيث أبادت محاصيل مئات السنين من رقيّها وتقدمها، ودمّرتها تدميرا وجعلتها طعمة للنار؛ إذ قد نزلت بالحكومات الأوروبية الظالمة -لإهانتها العالم الإسلامي ومركزَ الخلافة وإقرارِها معاهدة سيـفر- خسارةٌ فادحة وانهزام كلّي بحيث لا تستطيع الخروج من عذاب في الدنيا كعذاب جهنم، بل تضطرب وتصطرخ فيها. أجل إن هذا الانهزام، إنما هو عقاب تلك الإهانة.

هذا، ويقضي أشخاص محترمون هنا حكما قاطعا بأن ولايتَي «إسبارطة» و«قسطموني» وهما مركزا انتشار رسائل النور محفوظتان من الآفات السماوية بالنسبة لسائر الولايات. وأن السبب في ذلك هو ما تُورثه رسائلُ النور من إيمان تحقيقي وقوة في العقيدة والدين. إذ إن أمثال هذه الآفات السماوية تنـزل نتيجة سيئات تنشأ من ضعف الإيمان. فلقد ثبت في الحديث الشريف «الصدقة تدفع البلاء» فتلك القوة الإيمانية أيضا تدفع تلك الآفات حسب درجتها.

* * *

[سعيد صعيد]

يا سعيد! كن صعيدا، في نكران تام للذات، وتركٍ كلي للأنانية، وتواضعٍ مطلق، كالتراب. لئلا تعكر صفو رسائل النور وتقلل من تأثيرها في النفوس.

* * *