[الحاجة إلى رسائل النور]

إن مباشرة هؤلاء الشيوخ الطيبين الأميين بالكتابة بعد تجاوزهم الأربعين من العمر. وتفضيلَهم لها على أي شيء آخر لأجل خدمة رسائل النور، وكذا تلقّي أولئك الأطفال الأبرياء الدرس من رسائل النور، وما استنسخوه من رسائل…

إن سعي هؤلاء جميعا سعيا جادا في هذا الزمان لَيبين بوضوح أن رسائل النور فيها من الذوق المعنوي والنور الجاذب بحيث تعجز الوسائل المستعملة في المدارس لحث التلاميذ على القراءة والكتابة أمام هذا الذوق والانشراح والسرور الذي تمنحه رسائل النور، حتى تدفعُ أولئك الأطفال والشيوخ إلى هذا العمل الجاد.

وكذا تُبين هذه الحالة: أن رسائل النور تترسخ ولن يقتلعها أي شيء كان بفضله تعالى بل ستدوم إلى الأجيال المقبلة بإذنه تعالى.

إن سعي هؤلاء الشيوخ الأميين ضمن دائرة رسائل النور كهؤلاء التلاميذ الأطفال الأبرياء، وقسمٍ من الرعاة، وفي هذا الزمان بالذات وتحت هذه الظروف العصيبة، وتفضيلَهم ذلك السعي على أي شيء آخر يبين أن الحاجة إلى رسائل النور في هذا الزمان أكثر من الحاجة إلى الخبز، بحيث إن الفلاحين والرعاة يرون الحاجة الضرورية في حقائق رسائل النور أكثر من الحاجات الدنيوية الضرورية.

* * *

[ما تُكسبه رسائل النور طلابَها]

حقيقة كُتبت لإخواني في قسطموني بعثتها إليكم علّها تفيدكم:

إن الذي تطلبه رسائل النور ثمنا لما تُكسبه طلابَها الصادقين الثابتين من مغانم ومكاسب عظيمة جدا ومن نتائج عظيمة جليلة هو؛ الوفاء الخالص الكامل والثبات الدائم الذي لا يتزعزع.

نعم، إن الإيمان التحقيقي الذي يمكن أن يُكسَب خلال خمس عشرة سنة تُكسبه رسائلُ النور في خمسة عشر أسبوعا وإلى بعضهم في خمسة عشر يوما. يَشهد على هذا عشرون ألفا من الشهود بتجاربهم في غضون عشرين سنة. وكذا تُكسب رسائلُ النور كلَّ طالب من طلابها ثوابَ ألوف الدعوات الخالصة المقبولة التي تَلهج بها ألسِنَةُ الطلاب كل يوم، وكذا الأعمال الصالحة التي أنجزها ألوفٌ من أهل الصلاح والتقوى، وذلك حسب دستور الاشتراك في الأعمال الأخروية.

والدليل على أنها تجعل كل طالب حقيقي صادق ثابت من حيث العمل في حكم ألوف الأشخاص ما ورد من الإخبارات الثلاثة ذاتِ الكرامة عن الإمام علي رضي الله عنه وكراماته الغيبية وكذا بشــارات الشيخ الكيلاني (قُدس سره) وتقديره للعاملين، وإشارات القرآن المبين من أن أولئك الطلاب الخالصين يكونون من أهل الســعادة ومن أهل الجنة. فتلك الإشـــارات والبشــارات دليل وأيّ دليل. نعم، إن كســبا كهذا يســتحق ذلك الثمن بلا شــك.

وما دامت الحقيقة هي هذه، فينبغي للقريبين من دائرة رسائل النور من أرباب العلم وأهل الطريقة وأصحاب المشارب الصوفية الانضمامُ إلى تيار النور، ليمدّوه بما لديهم من رأسمال سابق، والسعيُ لتوسيع دائرته وحثُّ طلابه وبثُّ الشوق في نفوسهم، وإذابةُ الأنانية وإلقائها كقطعة ثلج في حوض الماء السلسبيل للجماعة ليغنم ذلك الحوض الكوثري كاملا. وإلّا فمن يفتح نهجا جديدا ويسلك طريقا آخر، يضرّ هذه الجادة القرآنية المستقيمة القويمة من دون أن يشعر، ويتضرر هو بنفسه أيضا، بل قد يكون عملُه نوعا من العون للزندقة دون شعور منه.

حذار.. حذار.. أيها الإخوة من أن تقذفكم التيارات الدنيوية ولاسيما السياسية منها ولاسيما التيارات التي تلفت الأنظار نحو الخارج، إلى التفرقة، إذ تجعلكم بعد ذلك عاجزين ضعفاء أمام الفرق الضالة المتحدة… فحذار أن يجري فيكم حُكم ذلك الدستور الشيطاني والعياذ بالله: «الحب في السياسة والبغض في السياسة» بدلا من الدستور الرحماني «الحب في الله والبغض في الله» إذ عندها تعادون أخا لكم هو في الحقيقة كالملاك وتُولُون الحب لرفيق في السياسة وهو كالخناس، وتبدون الرضا لظلمه، وتشاركونه في جنايته ضمنا. فحذار حذار من هذا!

نعم، إن السياسة الحاضرة تفسد القلوب، وتدع الأرواح الحساسة في عذاب. فالذي يروم سلامة القلب وراحة الروح عليه أن يترك السياسة.

نعم، إن كل إنسان في الوقت الحاضر، على الكرة الأرضية قاطبة، له نصيبه من المصائب الجارية إما قلبا أو روحا أو عقلا أو بدنا، ويعاني من العذاب والرهق ما يعاني، ولاسيما أهل الضلالة والغافلين؛ حيث إنهم غافلون عن الرحمة الإلهية الشاملة والحكمة السبحانية الكاملة.

فمن حيث إنسانيتُهم وعلاقتهم بالبشرية يتعذبون بالآلام الرهيبة المفجعة التي تعانيها البشرية في الوقت الحاضر، فضلا عن آلامهم أنفسهم، ذلك لأنهم قد تركوا وظائفهم الحقيقية وأمورهم الضرورية وأعاروا سمعهم بلهفة إلى مالا يعنيهم من صراعات سياسية وشؤون آفاقية، وحوادثَ خارجة عن طوقهم، ويتدخلون فيها حتى جعلوا أرواحهم حائرة وعقولهم ثرثارة، وسلبوا من أنفسهم الإشفاق والرثاء عليهم، حسب قاعدةِ «الراضي بالضرر لا يُنظر له» أي من يرضى لنفسه بالضرر لا يستحق النظر إليه برحمة. فلا يُرثى لهم ولا يُشفق عليهم، فهم الذين قد سببوا نزول البلاء بهم.

إنني أخال أنه في خضم هذه الأهوال والحرائق التي نشبت في الكرة الأرضية لايَقدر على الحفاظ على سلامة قلبه وراحة روحه إلاّ أهلُ الإيمان وأهل التوكل والرضى الحقيقي، ومنهم أولئك الذين انضموا إلى دائرة رسائل النور بوفاء تام. فهم مصانون من تلك الأهوال أكثرَ من غيرهم. وذلك لأنهم يرون أثر الرحمة الإلهية وزبدَتها ووجهَها في كل حادثة وفي كل شيء، لمشاهدتهم الأمور بمنظار نور دروس الإيمان التحقيقي الذي تلقوه من رسائل النور. فهم يشاهدون في كل شيء كمال الحكمة الإلهية، وجمال عدالتها، لذا يجابهون المصائب -التي هي من إجراءات الربوبية الإلهية بالبشر- بالتسليم التام لأمر الله فيبدون الرضى به، ولا يقدّمون شفقتهم على الرحمة الإلهية كي يقاسوا العذاب والألم.

وهكذا بناء على هذا، فالذين يريدون تذوق السعادة واللذة حتى في الحياة الدنيوية -فضلا عن الحياة الأخروية- يمكنهم أن يجدوها في دروس رسائل النور الإيمانية والقرآنية.

تنبيهان نابعان من خاطرتين وردتا في هذه الأيام:

الأول: لقد فكرت في السيدات اللائي انتسبن إلى رسائل النور في هذه المدينة، إنهن ثابتات لا يهزّهن شيء كغيرهن من السيدات. وإذا بهذا الحديث «عليكم بدين العجائز» أُخطر على قلبي: أي عليكم باتباع الدين الخالص والعقيدة الراسخة التي لدى العجائز في آخر الزمان.

نعم، إن العجائز من السيدات ضعيفاتٌ وذوات حسّ مرهف وعطف وحنان، لذا فهن أكثر حاجة من غيرهن إلى ما في الدين من سلوان ونور يفيض بالشفقة، وإلى التفاتة رحمانية تتقطر بالرحمة، وإلى نقطة استناد ونقطة استمداد، الموجودة كلها في الدين. فالثبات الكامل من مقتضى فطرتهن. لذا فإن رسائل النور التي تفي بتلك الحاجة إيفاءً تاما في الوقت الحاضر، تجد الانشراح في أرواحهن وتستقر في قلوبهن أكثر من أي شيء آخر.

التنبيه الثاني: لقد جاءني أشخاص مختلفون عديدون في هذه الأيام، حسِبتُهم قد أتوني لأمور الآخرة. ولكن فهمت أنهم قد أتوني للاستشارة والدعاء لهم بالتوفيق في أمور التجارة، أو يراجعوننى لرفع الكساد وعدمِ التوفيق في أعمالهم ولينجوا من الخسارة والأضرار.

ففكرت، ماذا أعمل مع هؤلاء وماذا أقول لهم؟ فخطر على القلب فجأة: لا تكن أبلَهَ، ولا تتكلم ببلاهة، فتَدَعهم في بلاهتهم. لأن الذي أُلقيتْ عليه مهمةُ تحضيرِ مضاداتٍ لسموم الثعابين وهو منهمك بدفعها عن الناس، لو تَرك مهمته وسعى لمعاونة مَن هو بين الثعابين ومعرّض لهجمات الذباب -مع وجود معاوِنين له كثيرين- إنما هو أبله بلا شك. والذي يستنجد به أبله أيضا. وتلك المحاورة أيضا محاورة بلهاء.

نعم، إن الأضرار الطفيفة الموقتة للحياة الدنيوية الفانية القصيرة بالنسبة للحياة الأخروية الخالدة إنما هي كلسع الذباب. بينما أضرار الحياة الأخروية هي كلدغ الثعابين.

* * *

[مسائل ستة أشخاص]

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد كلمات القرآن وحروفه.

إخوتي الأعزاء الأوفياء الميامين. ويا إخواني الأقوياء النشطين الثابتين في خدمة القرآن!

لقد أصبح ستة أشخاص -النجار أحمد في البدء وآخرهم أنا- مدارا لمسائل، كلٌّ على حده بناء على إخطار معنوي.

الأول: في رسالة النجار أحمد وهو الفعال والنشط جدا من طلاب رسائل النور ومدرستِها يذكر أنه:

أتى صبي صغير بريء يبلغ العاشرة من العمر من قرية على مسافة يومين تاركا قريته وماله، وَوُفِّق إلى كتابة رسائل النور، مع أنه لم يسبق له الكتابة من قبل. فكما أن هذا كرامة لرسائل النور فهو زهرة خارقة لطيفة للمدرسة النورية.

نعم، ونحن نقول أيضا: كما أن انفتاح الأزهار الجميلة في شتاء مادي قارس، قدرةٌ إلهية خارقة. فإنّ تفتّح ألفِ زهرة لطيفة جميلة وثمارِ الجنة في شجرة ساو -أي قرية ساو- في الشتاء المعنوي الرهيب لهذا العصر لاشك أنه معجزةُ رحمة وكرامة عناية ربانية لهذه البلدة، وإكرامٌ إلهيّ خارق لطلاب النور. نحن نعتقد هكذا ونتضرع إليه تعالى ونتوجه له بالشكر العميم.

وجاء في رسالة النجار أحمد: إن الطلاب النشطين في القرية يذكّرون بالطلاب المضحين القدماء الناشئين في المدارس الشرعية القديمة، مما منحنا وطلاب النور سرورا بالغا.

إنه لجميل جدا تلك المعاونةُ المعنوية التي تقدمها سيدات المدرسة النورية وطالباتها بأورادهن القرآنية وأذكارهن وبدعواتهن لأصحاب الأقلام الساعية للاستنساخ. وفي هذا إرشاد للسيدات في هذه المناطق.

ليرضَ الله أبدا عنهم وعنهن وعن جميع طلاب تلك المدرسة وعن أستاذهم.

الشخص الثاني ومسألته: قال لي يوما أحد طلبة النور من الشباب الحافظ للقرآن الكريم مثل ما يقوله الكثيرون: يزداد عندي مرض النسيان يوما بعد يوم؛ فماذا أفعل؟

قلت: لا تنظر نظر الحرام ما استطعت. لأن «النظر الحرام يورث النسيان» كما يروى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه.

نعم، إن النظر الحرام كلما ازداد بين المسلمين ثارت شهواتُهم النفسانية، فيتولد منها الإسراف والإفراط، حتى قد يضطر المرء إلى الاغتسال عدّة مرات في الأسبوع الواحد، مما ينجم عنه ضعفٌ في قوة الحفظ كما هو معلوم لدى الطب. ومما جعل انتشار مرض النسيان هذا عاما شاملا للجميع هو شيوع التبرج والتكشف في هذا العصر ولاسيما في بلدان المناطق الحارة، مما سبّب كثرةَ النظر الحرام الذي يولد الإسراف والإفراط. حتى تجد الجميع يشكون من النسيان، كل على قدر إصابته به.

ولعل طرفا من تأويل الحديث الشريف الذي أنذر عن نزع القرآن الكريم من الصدور في آخر الزمان، يتحقق بازدياد هذا المرض. بمعنى أن هذا المرض سيشتد وطؤه، ويحُول دون حفظ القرآن الكريم، فيتحقق عندئذ تأويل الحديث. ولا يعلم الغيب إلّا الله.

الشخص الثالث ومسألته: إنه شخص ذو علاقة وطيدة معنا يشكو مرَّ الشكوى في أغلب الأوقات طالبا العون وقائلا: لا أستطيع أن أصبح رجلا بمعنى الكلمة بل فسدتُ وتضعضعت كلما مرّ الزمان فلا أستطيع أن أرى نتائج خدماتي المعنوية.

ونحن نقول له: إن هذه الدنيا دار عمل وليس موضع أخذ الأجرة، فثواب الأعمال الصالحة وثمراتُها وأنوارُها تُمنح في البرزخ والآخرة. وإن جلبَ تلك الثمرات الباقية إلى هذه الدنيا وطلبَها في هذه الدنيا يعنى جعل الآخرة تابعة لهذه الدنيا. وعندها ينثلم إخلاص تلك الأعمال الصالحة ويذهب نورُها.

نعم، إن الثمرات لا تُطلب ولا تُنوى قلبا، بل يُشكر عليها إذا ما مُنحت للحث.

نعم، إن هذا العصر -كما ذكر في بضع رسائل- قد غرز حبَّ الحياة الدنيوية في الإنسان وأجراه في عروقه فجرحه جروحا بالغة، حتى إن شيخا هرما وعالما وتقيا صالحا يطلب أذواق الحياة الأخروية في الدنيا لجريان حكم الأذواق الحياة الدنيوية فيه أولا.

الرابع: شخص له علاقة مَعَنا يشكو كالكثيرين، أنه فقد أذواقه وأشواقه التي كان يجدها في أوراده سابقا عندما كان منتسبا إلى الطرق الصوفية. والآن يغلب عليه النوم والضيق. فقلنا له:

كما أن الفساد الذي يعتري الهواء يُولِد ضيقا في الإنسان ولاسيما فيمن له حساسية في الصدر كذلك يُفسد الهواء المعنوي أحيانا، ولاسيما في هذا العصر الذي ابتعد عن المعنويات، ولاسيما في البلدان التي شاعت فيها الأهواء النفسانية والشهوية، ولاسيما بعد انقضاء الشهور الثلاثة المحرمة والشهور الثلاثة المباركة التي يتصفى فيها الهواء المعنوي بصحوة العالم الإسلامي وتوجُّهِ عموم الناس إلى الله. وبانقضاء تلك الشهور وتوقف ذلك التوجه العام تجد الضلالاتُ الفرصةَ سانحة، للتأثير على إفساد الهواء، تحت مضايقات الشتاء، وانكسار تسلط الحياة الدنيوية والأهواء النفسانية، فيغلب على الإنسان النومُ والنعاس بدلا من الشوق والذوق لدى قراءة مثل هذه الأوراد القدسية في أثناء انحسار الشوق الأخروي لدى أهل الإيمان والإسلام ولاسيما بمجيء الربيع وانكشاف الحياة الدنيوية.

بيد أن الأعمال الصالحة والأمور الأخروية التي ترافقها المشقات والمصائب والمضايقات -رغم فقدها للأذواق- هي أسمى وأجزل ثوابا، حسب مضمونِ «خير الأمور أحمزها» لذا ينبغي للإنسان الشكر مسرورا ومتجملا بالصبر لأمله في زيادة الثواب من خلال ذلك الضيق والمشقات.

الخامس: يبرر أحد طلاب النور عدمَ سعيه لرسائل النور لازدياد هموم العيش.

فقلنا له: لأنك لا تسعى لرسائل النور ازدادت عليك همومُ العيش. لأن كل طالب في هذه المناطق يعترف -وأنا كذلك أعترف- أنه كلما سعينا لرسائل النور وجدنا السهولة في الحياة والانشراح في القلب واليسر في المعيشة.

السادس: هو هذا السعيد الضعيف. إن ما ينشرح له كل الناس ويرغبون به ويطلبونه من الاحترام والتوقير والمحبة والمجالسة -خارج نطاق رسائل النور- ثقيل عليّ وأتألم منه ويولِد فيّ الإزعاج.

وأظن أن المزايا الرفيعة لرسائل النور والخصال الراقية جدا لشخص طلابها المعنوي لو وضعت -تلك المعاني الضخمة كالجبال- على كاهلِ شخص ضعيف عاجز مثلي قد بالغ في سلوك طريق العجز، فإنه ينسحق تحتها وينقبض من تلك الأمور.. هكذا فهمتُ.

الراجي دعواتكم والمشتاق إليكم

أخوكم

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[العلاج الوحيد: رسائل النور]

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لا تتألموا من حادثة التعرض لنا التي وقعت حديثا. لأن رسائل النور تحت العناية الإلهية. وثبت بتجارب عديدة، أنه لم يحدث لحد الآن أن نجت طائفةٌ من الطوائف العاملة في خدمات جليلة بمشقات قليلة مثلنا…

اعلموا وليعلم أولئك أيضا؛ كما أن الصدقة تدفع البلاء فإن رسائل النور وسيلةٌ لدفع الآفات السماوية من الأناضول ورفعِها ولاسيما من إسبارطة وقسطموني.

نعم، إن رسائل النور سبب من أسباب نجاة الأناضول من مهالك الكرة الأرضية وعقابها. وكأنها سفينة نوح عليه السلام بحيث جعلت الأناضول في حكم «الجودي». لأن الطغيان الناشئ من ضعف الإيمان يجلب المصيبة العامة على الأكثر. فرسائل النور التي تقوّي الإيمان أصبحت وسيلة لدى الرحمة الإلهية لدفع تلك المصيبة العامة خارج دائرتها. فهؤلاء، أهل الدنيا وأهل الأناضول، عليهم ألّا يتعرضوا لرسائل النور حتى ولو لم ينخرطوا فيها. فلو تعرضوا لها فعليهم أن يفكروا بنشوب الحرائق وحدوث الطوفان وانتشار الطاعون المنتظر قريبا، وليعودوا إلى رشدهم.

ولما كنا لا نتعرض لدنياهم فهناك احتمال قوي في نزول البلايا عند تعرضهم -إلى هذا الحد وبلا مبرر- لآخرتنا.

ألا فليعلم أهل السياسة علما قاطعا رغم أننا لا علاقة لنا بهم: أن العلاج الوحيد لإنقاذ الأمة في هذه البلاد وفي هذا العصر من الفوضى والإرهاب ومن التردي المريع والتدني الرهيب هو أسس رسائل النور.. وليعلم أولئك الأبرياء -وأستاذهم- الذين تعرضوا لمضايقات من جراء هذه الحادثة أن الذي يرابط تحت ظروف صعبة، ينال ثواب عبادة سنة، وأنّ ساعةَ تفكّرٍ إيمانيّ حقيقي في حكم سنة من الطاعة. فنسأله تعالى أن تنال مضايقاتهم مثل هذا الثواب. لذا عليهم أن يقابلوا أمثال هذه الحوادث بالفرح والسرور بدلا من القلق والتألم.

* * *

[خدمتنا تسعى لإنقاذ النظام والأمن]

جاءني موظف مسؤول له علاقة معنا ومع السياسة ومنشغل بمراقبتنا كثيراً.

فقلت له: إنني لم أراجعكم منذ ثماني عشرة سنة، ولم أقرأ صحيفة واحدة من الصحف، وها قد مرت ثمانية شهور لم أسأل ولو مرة واحدة عما يحدث في العالم، ولم أستمع إلى الراديو الذي يُسمع هنا منذ ثلاث سنوات. كل ذلك كي لا يَلحق ضرر معنوي بخدمتنا السامية.

والسبب في ذلك هو أن خدمة الإيمان وحقائقِ الإيمان هي أجلّ من كل شيء في الكون، فلا تكون أداة لأي شيء كان؛ فإن خدمة القرآن الكريم قد منعتنا كلياً من السياسة؛ حيث إن أهل الغفلة والضلالة في هذا الزمان الذين يبيعون دينهم للحصول على حطام الدنيا ويستبدلون بالألماس القطعَ الزجاجية المتكسرة، يحاولون اتهام تلك الخدمة الإيمانية بأنها أداة لتيارات قوية خارج البلاد وذلك للتهوين من شأنها الرفيع.

فأنتم يا أهل السياسة والحكومة! لا تنشغلوا بنا بناءً على الظنون والأوهام، بل عليكم أن تذللوا المصاعب لنا وتسهّلوا الطريق أمامنا، لأن خدمتنا تؤسس الأمن والاحترام والرحمة، وتسعى لإنقاذ النظام والأمن والحياة الاجتماعية من الفوضى والإرهاب. فخدمتنا ترسي ركائز وظيفتكم الحقيقية وتقويها وتؤيدها.

* * *

[حول آثار سعيد القديم والجديد]

لقد اطلعت في هذه الأيام على الرسائل التي أتى بها «صلاح الدين» من إسطنبول وهي: «حَبة، قطرة، شمة، حباب» وأمثالها من الرسائل باللغة العربية. فرأيت أن الحقائق التي شاهَدها مباشرةً سعيدٌ الجديد في سيره القلبي هي بمثابة نَوىً لرسائل النور. علما أن هذه الرسائل -علاوة على «شعلة وزهرة»- هي أجزاء عربية من رسائل النور. ولكن ذُكرتْ فيها الحقائق بعبارات موجزة وبالعربية لأنها تخاطب نفسي بالذات فلـم يُتخذ غيرها بنظر الاعتبار. وقد قدّرها بإعجاب واستحسـان في ذلك الوقت كلٌّ من شيخ الإسلام وأعضاءِ دار الحكمة الإسلامية وكبار علماء إسطنبول. فهذه الرسائل لأنها من آثار سعيد الجديد فهي أجزاء من رسائل النور. أما آثار سعيد القديم فإن كتاب «إشارات الإعجاز» يتبوأ موقعا مهما فيها.

ثم إن رسالة «اللوامع» التي اشترك السعيدان في تأليفها بين هلالَي شهر رمضان، والتي اتخذت شكلا شبيها بالمنظوم -خارج إرادتي- هي الأخرى يمكن أن تدخل ضمن رسائل النور. إلّا أنني -مع الأسف- لم أتمكن من الحصول ولو على نسخة منها حيث نفدت نسخها المطبوعة لكثرة الإقبال عليها.

وكذا فإن لسعيد القديم رسالة «قزل إيجاز» في المنطق وهي مترشحة من رسالة «تعليقات» غير المطبوعة، وهي رسالة بديعة في المنطق حتى تحير منها العلماء الفطاحل فساقتهم إلى الإعجاب والاهتمام. فرأيت أنها جديرة بلفت أنظار العلماء من طلاب رسائل النور إليها وبيان مدى ارتباطها برسائل النور. إلّا أنها عميقة الغور جدا، وقد درّست «فيضي» منها في هذه الأيام. ولربما سيكتب «فيضي» ذلك الدرس بالتركية في الأيام المقبلة لإفادة الآخرين.

* * *

[دور الجوع في فتنة آخر الزمان]

إخوتى الأعزاء الأوفياء الثابتين ووارثيَّ الحقيقيين!

لقد أُخطر على قلبي في هذه الأيام -باسم طلاب رسائل النور- سؤال معنوي في غاية الأهمية والقلق. ثم أدركت أن أكثر ألسنة أحوال طلاب رسائل النور تسأل السؤال نفسه وستسأله. وفجأةً ورد جوابٌ إلى الخاطر قلته لفيضي، فقال: في الأقل نسجله مجملا.

والسؤال المقلق هو: يفهم من الروايات أن الجوع سيؤدي دورا مهما في فتنة آخر الزمان هذه، وأن أهل الضلالة يحاولون بهذا التجويع إغراق أهل الإيمان الضعفاء الجائعين في متطلبات هموم العيش حتى يُنَسُّوهم مشاعرهم الدينية أو يجعلوها في المرتبة الثانية
أو الثالثة.

ولما كان لأهل الإيمان وللأبرياء من حيث القدر الإلهي وجهُ رحمةٍ ووجهُ عدالة في كل شيء، حتى في عذاب القحط. تُرى بأي طرز تكون هذه الرحمة والعدالة في هذا الأمر؟ ومن أية جهة يستفيد أهلُ الإيمان ولاسيما طلاب رسائل النور من هذه المصيبة -من حيث الإيمان والآخرة- وكيف يتصرفون معها ويقاومونها؟

الجواب: إن أهم سبب لهذه المصيبة هو العصيان النابع من كفران النعمة وعدمِ الشكرِ وعدم تقدير النعمة الإلهية حقَّ قدرها. لذا فإن العادل الحكيم لأجل إراءة اللذة الحقيقية لنعَمه ولاسيما الأغذية منها ولاسيما ما يخص الحياة ولاسيما النعمة الكبرى: الخبز.. ولبيان أهميته العظيمة ودرجته الفائقة من حيث النعمة، فإنه سبحانه يَسوق الناس إلى الشكر الحقيقي -وفقا لحكمته تعالى- فتنـزل هذه المصيبة بالذين لا يشكرون ربهم ولا يراعون الرياضة الدينية في شهر رمضان. فعدلُه سبحانه وتعالى محض الحكمة.

إن مهمة أهل الإيمان وأهل الحقيقة ولاسيما طلاب رسائل النور هي السعي لجعل بلاء الجوع هذا وسيلة الالتجاء إلى الله والندم على الذنوب والتسليم لأمر الله، كالجوع الذي يصيب المرء عند مزاولته الرياضة الدينية في شهر رمضان، والحيلولة دون فتح السبيل أمام التسول والسرقة والفوضى بحجة الضرورة، والسعي لدفع الزكاة إلى أولئك الفقراء الجائعين الذين لا يرأف بحالهم قسمٌ من الأغنياء وبعض أهل المرتّبات، فيستمعوا لرسائل النور ويرأفوا بحالهم بشعورهم بهذا الجوع الاضطراري.. وجعل الشباب تلك الحادثة لصالحهم بدلا من أن تكون بلاءً عليهم وذلك باسترشادهم برسائل النور فيستفيدوا منها استفادة الغيارى، حيث تَحدّ المصيبةُ من طغيان نفوسهم وتَحول بينهم وبين نزواتها وأذواقها الدنيئة، حتى يدخلوا حظيرة الطاعة والخيرات، وينسحبوا -إلى حدٍ ما- من الذنوب والفحش بعدما أطغوا نفوسَهم بالأطعمة اللذيذة فأفقدوها وعيَها وساقوها إلى الطغيان والهوى الدنيء.. وأن ينظر أهلُ العبادة والصلاح إلى هذا البلاء النازل بهم كرياضة شرعية في هذا الوقت الذي أصبح أغلبُ الناس جياعا واختلط المال الحرام بالحلال اختلاطا شديدا حتى استحال تمييز أحده عن الآخر وأصبح بمثابة الأموال المشبوهة، فيقنعوا بمقدار الضرورة من الإعاشة العامة -التي يشترك فيها الجميع ضمنا- ليكون حلالا. فيقابلوا القدر الإلهي بالرضا بدلا من الشكوى.

تحياتي إلى الإخوة جميعا والمبتلَين منهم خاصة وأدعو الله لهم بالسلامة.

* * *

[الالتحاق برسائل النور]

لقد أتى واعظ مشهور من إسطنبول لزيارتي إلّا أنه عاد دون أن يتمكن من المقابلة. فها هي صورة رسالة أُرسلت إلى أحدهم، لعل هناك أشخاصا -كهذا الشخص- محتاجون إلى ذلك الخطاب.

إن طلاب رسائل النور الذين مروا بإسطنبول أخبرونا عن همتكم ونشاطكم ووعظكم المؤثر، فهم يرغبون في رؤيتكم ضمن دائرة رسائل النور وأنتم الشخص الثابت الخالص، وأنا كذلك أرغب بجد في أن أراكم ضمن دائرة رسائل النور.

تعلمون أن ألِفَينِ إذا ما كانتا متفرقتين لا تكون قيمتهما إلّا اثنتين، بينما إذا اتّحدتا على خط واحد متكاتفتين تكون قيمتهما إحدى عشرة. فالخدمة الإيمانية التي تهيئونها بنصائحكم السديدة المؤثرة إذا ظلت وحدها فمن الصعب أن تقاوِم الهجماتِ المتحدة في الوقت الحاضر. بينما إذا التحقت بخدمة رسائل النور فستكون -كتلكما الألفين- قيمتها إحدى عشرة بل أَلفا ومائة وإحدى عشرة وفي قوتها. وستقاوم الضلالات المتفقة المواجهة لها.

* * *

[الشخص المعنوي]

إن هذا الزمان -لأهل الحقيقة- زمانُ الجماعة، وليس زمانَ الشخصية الفردية وإظهارِ الفردية والأنانية. فالشخص المعنوي الناشئ من الجماعة هو الذي ينفّذ حكمُه ويصمد تجاه الأعاصير. فلأجل الحصول على حوض عظيم، ينبغي للفرد إلقاء شخصيته وأنانيته التي هي كقطعة ثلج في ذلك الحوض وإذابتُها فيه. وإلّا فستذوب حتماً تلك القطعةُ من الثلج، وتذهب هباءً وتفوت الفرصة من الاستفادة من ذلك الحوض أيضاً.

إنه لمن العجب وموضع الأسف أن يضيِّع أهل الحق والحقيقة القوةَ العظمى في الاتفاق بالاختلاف فيما بينهم، بينما يتفق أهل النفاق والضلالة للحصول على القوة المهمة فيه -رغم اختلاف مشاربهم- فيغلبون تسعين بالمائة من أهل الحقيقة مع أنهم لا يتجاوزون العشرة بالمائة.

* * *

[شجاعة المضحين]

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

الآن وقبل عشر دقائق أتاني شخصان بشجاعة وغيرة، وهما أميّان. قد جلب أحدهما الآخر إلى دائرة رسائل النور. فقلت لهما: إنه مقابل ما تمنح هذه الدائرةُ من نتائج عظيمة لكم يستدعي وفاءً لا يتزعزع وصلابة لا تلين. فإن أساس خدمة النور التي يظهرها أبطالُ إسبارطة هو وفاؤهم الخارق وصلابتهم الشديدة، وأن قوة الإيمان وخصلة الإخلاص هي سبب هذه الصلابة والمتانة. والسبب الثاني، الشجاعة الفطرية.

وقلت لهم: أنتم معروفون بالشجاعة والنُبل، وتُظهرون البسالة والتضحية لأمور دنيوية تافهة. فلاشك أنكم تحافظون على وفائكم في الخدمة السامية لرسائل النور ومقابلَ النتائج الأخروية التي لا تثمّن بإظهاركم صلابة الرجال الغيورين وشجاعةَ المضحين الفدائيين. قلت لهم هذا وقبلوه ورضوا به.

* * *