[لِمَ ننشغل برسائل النور وحدها؟]

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إنني في هذا الشهر المبارك شهر رمضان في الوقت الذي أحتاج فيه إلى نسيان الدنيا وإلى عدم النظر إلى الأمور الآفاقية الخارجية إلّا أنهم -مع الأسف- ألجأوني إلى النظر إليها أحيانا. نسأله تعالى إن يجعل هذا النظر نوعا من العبادة حيث إن نيتنا فيه الخدمة الإيمانية.

نعم، كما أنهم يتعرضون لكم فإنهم بأساليب مختلفة يُشعرون تعرّضهم لنا. ولكن شكرا لله تعالى إن تعدّيهم علينا يؤدي إلى خلاف مقصودهم، فيُعين فتوحات رسائل النور.

وقد ذكر الطالب البطل «نظيف» أن اعتراض الشيخ في إسطنبول قد أصبح وسيلة لفتوحات رسائل النور وسطوعها، وأن الاعتداء على حقوقنا، في أمور طفيفة هنا وهناك تورث مثل هذه النتيجة.. ولكن وجدوا في الوقت الحاضر وسيلةً لا تخطر على بال لترويع بعض العلماء الضعفاء وأهل التصوف وإلقاءِ الفتورِ في قلوبهم تجاه رسائل النور.

فهم يقولون: إن سعيداً لا يقتني كتباً أخرى، بمعنى أنه لا تعجبه تلك الكتب بل لا تعجبه حتى كُتُبُ الإمام الغزالي فلا يجلب إليه مؤلفاته.

فبهذه الكلمات العجيبة التي لا معنى لها يكدّرون أذهان الناس. ألَا إن الذين يروّجون مثل هذه الإشاعات إنما هم أهل الزندقة، ولكن يجعلون العلماء الساذجين وبعضاً من أهل التصوف وسيلة لذلك.

ونحن نقول تجاه هذا: حاش لله مائة مرة حاش لله… إن مهمة رسائل النور وطلابها هي الحفاظ على مسلك أستاذهم حجة الإسلام الإمام الغزالى، والذودُ عنه ما وسعهم وإنقاذه من هجمات أهل الضلالة.. وهو أستاذي الوحيد الذي يربطني بالإمام علي رضي الله عنه، ولكن في زمانهم لم يكن هجوم الزندقة الرهيبة يزعزع أركان الإسلام -كما في هذا العصر-. فلا يحصل بسرعة على الأسلحة التي استعملها أولئك العلماء المحققون الأجلاء، والمجتهدون العظام حسب عصورهم في المناظرات والمناقشات العلمية والدينية، بل يحتاج إلى وقت، ولا تُقهر أعداء هذا الزمان قهراً تاماً. إلّا أن رسائل النور باستلهامها القرآن المبين قد وجدت أسلحة يمكن الحصول عليها بسرعة، وهى قوية نافذة، وفي الوقت نفسه تمزق صفوف العدو وتجعلهم شذر مذر، لذا لا تُراجع مصانعَ أسلحةِ أولئك الأفذاد السامين الميامين. لأن القرآن الكريم الذي هو مصدرهم جميعاً ومنبعهم ومرجعهم وأستاذهم قد أصبح أستاذاً كاملاً لرسائل النور. فضلاً عن ذلك فالوقت ضيق ونحن ضعفاء، فلا نجد متسعاً من الوقت كي نستفيد من تلك الآثار النورانية. علاوة على ذلك فإن هناك مئات الأضعاف من أمثال طلاب رسائل النور ينشغلون بتلك الكتب وهم يؤدون تلك الوظيفة ونحن أودعناها لهم. وإلّا فنحن نحب تلك الآثار الطيبة الميمونة لأساتذتنا السامين أولئك بقدر ما نحب أرواحنا وكياننا، ولكن لكل منا دماغ واحد ويد واحدة ولسان واحد، وتجاهنا ألوف المتعدين والوقت ضيق. وحيث إننا شاهدنا آخِر سلاح أوتوماتيكي أمامنا وهو براهين رسائل النور، اضطررنا إلى الاكتفاء بذلك السلاح والاعتصام به.

* * *

[ما يسوق إلى الرياء وما يمنع منه]

إخوتي الأعزاء الخالصين المخلصين ويا رفقائي الحقيقيين الجادين في خدمة القرآن!

لمناسبة انتشار رسالة «الإخلاص» حوالينا وفي ولاية إسبارطة ولمناسبة حدوث حادثتين طفيفتين، ورد خاطر قوي إلى القلب. ستُكتب ثلاث نقاط تخص الرياء:

أولاها: إن الرياء لا يدنو من الفرض والواجب والشعائر الإسلامية واتباعِ السنة النبوية الشريفة واجتنابِ الحرام. فإظهار هذه الأمور ليس من الرياء قطعا، إلّا إذا كان الشخص قد جُبل على الرياء مع ضعف شديد في الإيمان. بل إن إظهار العبادات التي تمس الشعائر الإسلامية أجزلُ ثوابا من إخفائها بكثير، كما بيّنها حجة الإسلام الإمام الغزالي رضي الله عنه.

وعلى الرغم من أن إخفاء سائر النوافل له أثوبة كثيرة فإن النوافل المتعلقة بالشعائر الإسلامية ولاسيما في مثل هذه الأوقات التي راجت فيها البدع، وكذا إظهارُ التقوى التي هي ترك الحرام ضمن هذه الكبائر المنتشرة، لها أثوبة عظيمة أكثر من إخفائها، ناهيك أن يتقرب منها الرياء.

النقطة الثانية: هناك أسباب عديدة تسوق الإنسان إلى الرياء. منها:

السبب الأول: ضعف الإيمان؛

إن الذي لا يفكر بالله يعبد الأسباب ويتخذ وضع الرياء بحبّه إظهار نفسه للناس. فطلابُ رسائل النور لا يعيرون أهمية ولا قيمة للأسباب ولا للناس من حيث العبودية كي يقعوا في الرياء في عبوديتهم بإظهارها لهم. وذلك لأنهم يتلقون درسا إيمانيا تحقيقيا قويا من رسائل النور.

السبب الثاني: إن الحرص والطمع يسوقان الإنسان -من زاوية الفقر والضعف الإنساني- إلى جلب توجّه الناس وتلبّس أوضاعٍ متكلَّفة للرياء والظهور.

ولما كان طلاب النور يحصلون على عزة الإيمان باسترشادهم بدروس رسائل النور كالاقتصاد والقناعة والتوكل على الله والرضى بقسمته، فإنها بإذن الله تمنعهم عن الرياء والعجب والتنازل لمنافع الدنيا.

السبب الثالث: إن حرص الإنسان على الشهرة، وحبِّ الجاه، وطلبِ نيل المقامات، والتفوقِ على الأقران وأمثالها من الأحاسيس والمشاعر، وكذا التظاهر بمظهر حسن رفيع وتقمّص طور أشخاص عظام لا يليق به، وجلب أنظار الناس وإعجابهم نحوه بما هو فوق حدّه وطاقته، وما شابهها من أنواع التصنع والتكلف في الأعمال.. كلها تسوق إلى الرياء.. ولكن لما كان طلاب رسائل النور قد حوّلوا «أنا» إلى «نحن» أي تركوا الأنانية ودخلوا ضمن دائرة الشخصية المعنوية للجماعة ويسعون في أعمالهم باسم تلك الشخصية، أي يقولون «نحن»

بدلا من «أنا».. وكما قد نجا أهلُ الطرق من الرياء بوسائلِ قتل النفس الأمارة والأخذِ بقاعدةِ: «الفناء في الشيخ» و«الفناء في الرسول».. فإن إحدى تلك الوسائل هي «الفناء في الإخوان»، أي إذابة الشخصية الفردية في حوض الشخصية المعنوية لإخوانه وبناء أعماله على وفق ذلك، أقول: إنه كما قد نجا أهل الحقيقة بتلك الوسائل من ورطة الرياء، ينجو بإذن الله طلاب النور بهذا السر أيضا.

النقطة الثالثة: إنه لا تُعد من الرياء والعجب قط تلك الأطوارُ والأوضاع الرفيعة التي يقتضيها مقام أداء الواجب الديني، وجعلُ الناس يتقبلونه قبولا حسنا. اللهم إلّا إذا كان الشخص يسخّر تلك الوظيفة الدينية طوعَ أنانيته ويستغلها لأغراضه الشخصية.

فإمام الجامع، يجهر بالأذكار، كجزء من واجبه في إقامة الصلاة وأداء الأذكار، ويُسمِعها الآخرين، وهذا لا رياء فيه قط، ولكن إسماعها الناس خارج نطاق واجبه، ربما يداخله الرياء، فإن إخفاءها أكثر ثوابا من الجهر بها.

لذا فإن طلاب النور الحقيقيين، أثناء أدائهم لواجب نشر الوعي الديني، وأثناء قيامهم بعباداتهم اتباعا للسنة النبوية، وأثناء التزامهم بالتقوى التي هي اجتناب الكبائر.. إنما يُعدّون مكلّفين مأمورين في سبيل خدمة القرآن. فنسأل الله تعالى ألّا يداخل أعمالَهم تلك، الرياءُ. إلّا من دخل ضمن دائرة رسائل النور لغرض آخر غير خدمة القرآن.

* * *

[حول وظائف السيد المهدي]

.. إن الذي تنتظره الأمة وسيأتي في آخر الزمان، له مهام ثلاثة، وإن أهم وظيفة من هذه الوظائف الثلاث وأعظمَها وأجلّها هي نشر الإيمان التحقيقي وإنقاذ الإيمان من الضلالة..

أما وظيفته الثانية: فهي تنفيذ الشريعة الغراء وتطبيقها، فبينما لا تَعتمد الوظيفة الأولى على القوة المادية بل إن سنَدَها هو القوة المعنوية من إخلاص ووفاء وقوة العقيدة، فإن هذه الوظيفة تحتاج إلى قوة مادية عظيمة مرهوبة الجانب، وسلطةٍ ذات شأن، كي يتمكن من تنفيذها.

أما وظيفته الثالثة: فهي خدمة الإسلام بإعلان الخلافة الإسلامية مستندا إلى الوحدة الإسلامية، والاتفاق مع الروحانيين النصارى -الذين يلتحقون به خدمة للإيمان- فهذه الوظيفة يمكن تطبيقها بسلطة عظيمة وقوة هائلة وملايين الفدائيين المضحين.

إن الوظيفة الأولى أسمى وأعلى من الوظيفتين التاليتين بدرجات، إلا أنهما يبدوان في نظر عامة الناس ولاسيما العوام، أسطع وأبهر وأوسع منها لما لهما من جاذبية.

خلاصة الكلام: إن إطلاق اسم «المهدي» إلى أي شخص في الوقت الحاضر، يورِد إلى الذهن الوظائفَ الثلاث دفعة واحدة، فيحصل الخطأ، وقد يجرح الإخلاصَ.. وتضعف قوة الحقائق لدى العوام شيئا ما، وتنقلب اليقينيات المدعمة بالبراهين إلى الظن الغالب للقضايا المقبولة، فلا يَظهر لدى الحائرين من المؤمنين التغلبُ المبين على الضلالة العنيدة والزندقة المتمردة. وعندها يبدأ أهل السياسة بإثارة المخاوف والشكوك ويشرع قسم من العلماء بالاعتراض..

* * *

[تعديل حسن الظن المفرط]

كُتِبَ لمناسبة تعديل حسن الظن المفرط لعالم فاضل نحو الأستاذ لعل فيه فائدة لكم.

إلى العالم الفاضل، والأخ العزيز الصادق، حشمت أفندي

لـقـد قـرأنـا بتقدير و إعجاب رسالتكم الكريمة حول المجدِّد، ونقلناها إلى أستاذنا وهو يقول:

نعم، إنه ينبغي لهذا العصر من مجدد له شأنه ليقوم بتجديد الدين والإيمان، وتجديد الحياة الاجتماعية والشريعة، وتجديد الحقوق العامة والسياسة الإسلامية. ولكن أهم تلك الوظائف، هو التجديد في مجال المحافظة على الحقائق الإيمانية. فهي أجلّ وأعظم تلك الوظائف الثلاث. لذا تبقى دوائر «الشريعة» و«الحياة الاجتماعية والسياسية» في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة بالنسبة لدائرة الإيمان.

هذا وإن الأهمية البالغة التي وردت في الحديث الشريف حول تجديد الدين، إنما هي باعتبار التجديد في الحقائق الإيمانية، ولكن نظرا لأن أفكار عامة الناس، والذين حصروا همّهم في الحياة الدنيا تتوجه أول ما تتوجه إلى الحياة الاجتماعية الإسلامية والسياسة الدينية التي تبدو أكثر أهمية من غيرها وأوسع وأعظم مدى، لما لها من جاذبية وهيبة في السلطة والحكم. فترى أن هؤلاء ينظرون بتلك العدسة ومن تلك الزاوية إلى الأمور ويفسرونها في ضوئها.

ثم إنـــه يبدو بعيدا جــدا، بـل يكاد يكون غير ممكن اجتماعُ هذه الوظائف الثلاث كلها في شــــخص واحد، أو في جماعة واحدة، في هذا العصر، وعلى الوجه الأكمل، ومن دون أن تعيق إحداها الأخرى. بل قد لا تجتمع أصلا تلك الوظائف إلا في «السيد المهدي» الـــذي يـمـثــل الجماعة النـوارنـيـة لآل البـيـت الـنـبــوي في آخــر الزمــان، وفـي الشـــخص المعنوي لجماعته.

فلله الحمد بما لا يتناهى من الحمد؛ أَنْ دفَعَ الشخصَ المعنوي لطلاب رسائل النور وحقيقتها -في هذا العصر- لأداء وظيفة التجديد من حيث المحافظة على الحقائق الإيمانية.

وهي منذ عشرين سنة تؤدي تلك الوظيفةَ المقدسة بنشرياتها المؤثرة والفاتحة للقلوب صادّةً صولاتِ الزندقة القوية الرهيبة وغاراتِ الضلالة منقِذة إيمانَ مئات الألوف من أهل الإيمان. والشاهدُ على ذلك أكثر من أربعين ألفا من الشهود.

يقول أستاذنا:

لا ينبغي أن يكون شخصي العاجز الضعيف موضعَ النظر وتحميلُ كاهلي هذا الثقل العظيم بما يفوق حدي بألوف المراتب. وهو يخصكم بالسلام، ونحن بدورنا نخصكم بالسلام ومن له علاقة برسائل النور هناك.

من طلاب رسائل النور

أمين، فيضي، كامل

* * *

[يد القدر ويد الإنسان في الحادثة]

إنه قاعدة أساس في رسائل النور؛ أن في كل حادثة يدَ الإنسان ويدَ القدر معا، ولكن الإنسان يَظلم حيث ينظر إلى السبب الظاهري، بينما القدرُ يعدِل لأنه يرى السبب الخفي لتلك المصيبة.

ولقد ثبت بتجاربَ أن يد العناية الإلهية ورحمتَه تعالى موجودة في كل المصائب التي نزلت برسائل النور لحد الآن.

* * *

[فتوى أمين الفتوى]

إن السيد «علي رضا» أكبر علماء إسطنبول وأكثرهم تحريا وبحثا والذي تولى في أغلب الأوقات منصب مفتي الأنام، وهو أمين الفتوى السابق، بعد ما شاهد «الشعاع الأول» المتضمن للإشارات القرآنية ورسالة «الآية الكبرى» وأمثالها من الرسائل قال للحافظ أمين وهو من طلاب رسائل النور القديرين:

«لقد خدم بديع الزمان الدين الإسلامي أعظم خدمة في هذا الزمان، وإن مؤلفاته صائبة جدا، ولم يتيسر لأحد إخراجُ أثر كهذا في مثل هذا الزمان الجدب، إذ تَرَك الدنيا ونَبَذَها. وهو قمين بالتهنئة والتبريك بكل الوجوه. وإن رسائل النور مجدِّدة للدين. نسأله تعالى أن يوفقه للخير. آمين».

وقد دافع عن عدم إطلاق اللحية لدى البعض ساردا قصة سلطان العلماء من آباء جلال الدين الرومي ثم قال:

«ولبديع الزمان أيضا بمثل هذا اجتهادٌ بلا شك، فالمعترضون لا يملكون الحق..»

وأمر العالم مصطفى: اكتب ما قلته:

«أخصّ سلامي الكامل لبديع الزمان مع الاحترام والتوقير له. وأنا في دعاء مستمر لكم لتكملوا مؤلفاتكم. لا تتألموا من تعرضكم لانتقاد بعض علماء السوء، إذ «الأشجار المثمرة تُرشَق بالأحجار لنيل الثمار»، مثلٌ مشهور. استمروا في جهادكم. نسأله تعالى أن يوفقكم في مقصودكم عاجلا. وفي أمانة الله وحده وحفظه.

علي رضا

أمين الفتوى السابق

هكذا قضى عالم جليل ومدقق فاضل وصاحب الكلام في هذا الزمان من حيث الشريعة والقرآن الكريم. فعلى طلاب رسائل النور ألّا يبوحوا باسم ذلك العالم -أخذا بالحذر- وعدم الإعلان عنه، بل يضموه في أدعيتهم.

سلامنا إلى جميع الإخوة.

* * *

[أسس العمل مع المعترضين]

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبدا دائما..

لمّا كان أولياء الله الصالحون لا يمكنهم أن يعرفوا الغيب -إن لم يلهمهم الله سبحانه تعالى- حيث لا يعلم الغيب إلّا الله؛ فإن أعظم وليّ صالح لا يستطيع أن يَطَّلِعَ على حقيقةِ وواقع الحال عند ولي آخر، بل ربما يعاديه لعدم علمه بحقيقته، وما حدث فيما بين بعض العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، خير دليل على هذا. وهو يعني أن وليين اثنين إذا ما أنكر أحدهما على الآخر، فإن ذلك لا يسقطهما من مقام الولاية ومنـزلتها، إلّا إذا كان هناك أمر يخالف ظاهر الشريعة مخالفة كلية.

فاتباعاً لدستور الآية الكريمة: ﴿وَالْكَاظِمينَ الْغَيْظَ وَالْعَافينَ عَنِ النَّاسِ (آل عمران:134)، وحفاظاً على إيمان المؤمنين من التصدع، وذلك بالمحافظة على حسن الظن القائم بينهم وبين شيوخهم أو رؤسائهم، وبناء على ما يلزم من إنقاذ الأركان من طلاب النور المخلصين من سَورة الغضب المضرة -مع كونها محقة- على اعتراضات باطلة، واجتناباً لما يستفيد منه أهل الإلحاد من هذه الخصومة بين طائفتين من أهل الحق بجرح الطائفة الأولى بسلاح الأخرى واعتراضاتها وتهوين شأن الثانية بدلائل الأولى ثم دحرهما معاً..

فعلى طلبة النور -حسب الأسس المذكورة-: ألّا يواجهوا المعارضين بالحدة والتهور، ولا يقابلوهم بالمِثل. بل عليهم أن يكتفوا بالدفاع عن أنفسهم فحسب، مع إظهار روح المصالحة، والإجابة بوضوح عن نقاط الاعتراض، حيث إن الأنانية في عصرنا هذا قد تطاولت واشرأبت بعنقها حتى أصبح كل شخص لا يريد أن يذيب أنانيته -التي هي كقطعة ثلج بطول قامته- ولا يرغب في تغييرها، بل يسوّغ لنفسه ويراها معذورة دائماً. وها هنا ينشأ النـزاع والخصومة ويكون موضع استفادة أهل الباطل والضلال على حساب أصحاب الحق وأهله.

إن حادثة الاعتراض في إسطنبول تومئ إلى أن بعض العلماء المعجبين بمشربهم والأنانيين من المتصوفة وبعض المرشدين وأهل الحق ممن لم يقتلوا نفوسهم الأمارة بالسوء ولم ينجوا من ورطة حب الجاه سيعترضون على رسائل النور وطلابها، حفاظاً على رواج مشربهم ومسلكهم، وتوجّه أتباعهم إليهم. بل هناك احتمال قوي أن تكون المقابلة شديدة.. فعند وقوع مثل هذه الحوادث، علينا بالتأني، وضبطِ النفس، والثبات، وعدم الولوج في العداء، وعدم التهوين من شأن رؤساء الطائفة المعارضة…

فلو افترض -فرضاً محالاً- أن اعتراضاً على رسائل النور ورد حتى من القطب الأعظم ومن مكة المكرمة، فإن طلاب رسائل النور يَثبتون ولا يتزعزعون، بل يتلقون اعتراضَ ذلك القطب الأعظم على صورةِ التفاتةٍ كريمة وتحية وسلام. ويحاولون كسب توجهه وتقبيلَ يده وإيضاحَ مدار الاعتراض على أستاذهم العظيم.

* * *

[مرض العصر]

نعم، يا إخوتي!

إنه في خضم التيارات الرهيبة والحوادث المزلزلة للحياة والعالم؛ ينبغي أن يكون الإنسان على ثبات وصلابة لاتُحد بحدود، وضبط للنفس لانهاية له، واســـتعداد دون حدود للتضحية.

إن تفضيلَ المؤمنين الحياة الدنيا على الآخرة مع إيمانهم بالآخرة ومعرفتها حق المعرفة، وترجيحَ قطع زجاجية تافهة على الألماس الثمين مع معرفة وعلم بها ورغبة فيها، وذلك بسيطرة دوافع الحس العمياء التي لا تبصر العقبى، وترجيح لذة آنية حاضرة على رطل من لذات صافية آجلة.. إن هذا مرض مخيف أصاب هذا العصر بل هو مصيبة من مصائبه، وبلية من بلاياه، وهو مضمون إشارة الآية الكريمة:

﴿يَسْتَحِبُّونَ الْحَيٰوةَ الدُّنْيَا عَلَى الْاٰخِرَةِ (إبراهيم:3).

ومن جراء هذه المصيبة يقع المؤمنون الحقيقيون أحيانا في خطأ جسيم كموالاتهم أهل الضلالة. نسأله تعالى أن يجنّب أهل الإيمان وطلاب رسائل النور من شر هذه المصيبة. آمين.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[رزق طالب العلم]

لقد اقتنعت قناعة تامة بعد حوالي ألف من التجارب أنني في اليوم الذي أكون في خدمة رسائل النور أشعر بانكشاف وانبساطٍ وفرح وبركة في قلبي وفي بدني وفي دماغي وفي معيشتي حسب درجة تلك الخدمة. وقد شعرت من إخوتي الكثيرين -سواءً هنا أم هناك- بالحالة نفسها ومازلت أشعر بها. وكثيرون يعترفون قائلين: «إننا نشعر بها أيضاً». حتى إنني أعتقد -كما كتبته لكم في السنة الماضية- أن السر في عيشي الكفاف وما يقيم الأود قد كان من تلك البركة.

وقد روي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: «أنا ضامنُ رزقِ طالب العلم الخالص؛ لأن في رزقه بركة وسعة».

ولما كانت هذه هي الحقيقة، وأن طلاب رسائل النور قد أظهروا الأهلية التامة لعنوان «طالب العلم» في هذا الزمان، فلا ينبغي التخلي عن خدمة رسائل النور تجاه هذا القحط والجوع المنتشر، مع إدراك أن أفضل علاج لهذا هو الشكر والقناعة والارتباط بصفة الطالب لرسائل النور، وعدمُ ترك الخدمة بحجة الضرورة لهاثاً وراء متطلبات العيش.

نعم، إن هموم العيش هذه قد أحاطت بالناس كلهم من كل جهة. وأهلُ الضلالة يستغلون هذا الوضع. ويجد أهل الدين أنفسهم معذورين قائلين: ماذا نعمل، إنها ضرورة. لذا فعلى طلاب رسائل النور مواجهةُ بلاء الجوع والضرورة برسائل النور أيضا. فوظيفة كل طالب ليس هو إنقاذَ إيمانه وحده بل هو مكلّف أيضا بالحفاظ على إيمان غيره، ولا يكون ذلك إلّا بالاستمرار الجاد في الخدمة.

لقد كتبنا لكم: لا تواجهوا المعارضين بالعداء. بل اتخِذوا طور الصداقة مع أهل التقوى وأهل العلم قدر المستطاع. وعليكم الأخذ بهذا: لا تُقحِموا في صفوفكم من يمكن أن يسبب ضررا برسائل النور ويمس صلابة طلابها، لأن أمثال هؤلاء إن لم ينضموا إلى الدائرة بنية خالصة ربما يورثون الفتور. وإن كانوا يحملون أنانية وحبا للذات يكسرون صلابة طلاب رسائل النور ويجلبون أنظارهم إلى خارج رسائل النور ويشتتون أفكارهم. يلزم في الوقت الحاضر اليقظة التامة والأخذ بالحذر…

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[معجزة معنوية]

إن رسائل النور ليست طريقة صوفية بل حقيقة، وهى نور مفاض من الآيات القرآنية ولم تُستقَ من علوم الشرق ولا من فنون الغرب، بل هي معجزة معنوية للقرآن الكريم خاص لهذا الزمان.

* * *

[تتبع أخبار الحرب]

جواب لسؤال ورد من قبل طلاب رسائل النور

سؤال: لقد سألناكم في السنة الماضية: ها قد مرت خمسون يوما ولم تلتفتوا إلى التيارات الجارية في العالم ولم تسألوا عنها، وقد أجبتم لنا في حينه. ولكن رغم أن ذلك الجواب كان حقيقة وكافيا، إلّا أنه كان من المفروض أن تنظروا إلى تلك التيارات ولو قليلا من زاوية انتشار رسائل النور والعمل لها وإفادة العالم الإسلامي. أفلا يدفعكم الفضول إلى الاهتمام بها والسؤال عنها من هذه الزاوية؟

الجواب: إن الإنسان الذي يخوض غمار هذه الحرب الطاحنة يمثل أصدق تمثيل الآية الكريمة ﴿كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب:72) لذا لا يجوز النظر إلى المظالم المحيّرة فضلا عن موالاة تلك التيارات وتتبع أخبارها والاستماع إلى دعاياتهم الكاذبة الخدّاعة ومشاهدة معاركها بأسىً وحزن. لأن الرضى بالظلم ظلم، وإذا ما مال إليه يكون ظالما. وإذا ما ركن إليه ينال زجر الآية الكريمة ﴿وَلَا تَرْكَنُٓوا اِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (هود:113).

نعم، لأن هذه الحرب المدمرة ليست لأجل إحقاق الحق وإرساء الحقيقة ولا لأجل إعلاء شأن الدين وإقرار العدالة، بل تستند إلى العناد والعصبية القومية والمصلحة النوعية وإشباع أنانية النفس، فتُرتكب مظالمُ شنيعة ومآسي أليمة لم يُر مثيلها في العالم.

والدليل على ذلك: إفناء الأبرياء من أطفال وعوائل وشيوخ ومرضى بالقنابل المدمرة بحجة وجود جندي أو اثنين من جنود الأعداء فيما بينهم.. واتفاق أعتى المستبدين من البرجوازيين مع الفوضويين والإرهابيين الذين هم المتطرفون من الاشتراكيين والشيوعيين وإهدار دماء ألوف بل ملايين من الأبرياء.. والاستمرار في هذه الحرب الضارة للإنسانية جمعاء.. وردّ الصلح والسلام.. لذا فإن الإسلام والقرآن الكريم بريئان بلا شك من مثل هذه الحروب المدمرة التي لا تنسجم مع أي قانون كان من قوانين العدالة ولا مع الإنسانية ولا مع أي دستور كان من دساتير الحقيقة وقوانين الحقوق. ولا يتنازلان ولا يتذللان لمعاونة أولئك؛ لأن فرعونية رهيبة ومصلحية عجيبة تستحوذان فيهم بحيث لا يمدّون يد العون إلى القرآن والإسلام، بل يحاولون جعلهما آلتين طيعتين في سبيل مآربهم. فلا شك أن أحقية القرآن تأبى الاستناد إلى سيوفِ ظالمين كهؤلاء. بل الفرض على أهل القرآن والواجب عليهم الاستناد إلى قدرة رب العالمين ورحمته بدلا من الاستناد إلى قوة عُجنت بدماء ملايين الأبرياء.

ولما كان الإلحاد يسحق أهل الدين مستندا إلى إحدى القوتين المتصارعتين وأن الانحياز إلى التيار المخالف للزندقة يبدو كوسيلة للنجاة من جَورهم، إلّا أن التجارب أثبتت أن ذلك الانحياز -في الوقت الحاضر- يولد أضرارا كثيرة دون أن يجدي نفعا.

ثم إن الزندقة تدور -بسبب النفاق- حيث دارت مصلحتُها، إلى أي جهة كانت. وتجعل صديقَك حليفها وتدفعه إلى معاداتك. فتبقي الآثام التي اكتسبتَها من الانحياز ثقيلة في عنقك.

وحيث إن وظيفة طلاب رسائل النور هي الإيمان، لا تهمهم الأمور الجارية في الحياة ولا يدفعهم الفضول إلى النظر إليها بلهفة.

وبناء على هذه الحقيقة: فليَ الحق ألّا أنظـر إليها طوال ثلاث عشرة سنة وليس ثلاثة عشر شهرا فحسب. فلقد نظرتم أنتم إليها فماذا كسبتم غير الآثام؟ وماذا فقدتُ أنا ولم
أنظر إليها؟

السؤال الثاني:

ما السبب و ما وجه التخصيص لطلاب رسائل النور الخواص، أنهم ضمن الطائفة المعرّفة بالآية الكريمة ﴿الَّذينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ في سورة الفاتحة، وضمن الطائفة المجاهدة في آخر الزمان المعرّفة في الحديث الشريف «لا تزال طائفة من أمتي» وأنهم فرد من أفراد المعنى الإشاري للآية الكريمة ﴿اِلَّا الَّذينَ اٰمَنُوا..الخ، من سورة العصر.؟

الجواب: السبب هو أن رسائل النور قد كشفت وحلّت ما يقرب من مائةٍ من طلاسم الدين وأسراره ومُعَمَّيَاتِ الحقائق القرآنية. بحيث إن الجهل بطلسم وسرّ يوقع الكثيرين في الشبهات والشكوك ولا ينجون من الريوب. بل قد يفقدون إيمانَهم، أما الآن وبعد فكّ تلك الأسرار وحلّ تلك المغاليق لا يجرؤ الملحدون على الظهور والغلَبة ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

وقد أشرنا إلى قسم منها في المكتوب الثامن والعشرين (العنايات السبع). وستُجمع تلك الطلاسم بإذن الله في مجموعة مستقلة.

* * *