الفصل الرابع

في فريضة الجهاد

1915م/1334هـ

تشكيله فرقة المتطوعين

«في أثناء الحرب العالمية الأولى كنت مع الشهيد المرحوم الملا حبيب، نندفع بالهجوم على الروس في جبهة «باسينلر». فكانت مدفعيتهم تواصل رمي ثلاث قذائـف علينا في كل دقيقة أو دقيقتين، فمرّت ثلاث قذائف من على رؤوسنا تـماماً وعلى ارتفاع مترين. وتراجع جنودنا القابعون في الخندق. قلت للملا حبيب للتجربة والامتحان:

ما تقول يا ملا حبيب؟ لن اختبئ من قنابل هؤلاء الكفار. فقال: وأنا كذلك لن أتخلف عنك ولن أفارقك. فوقعت الثانية على مقربة منا. فقلت للملا حبيب واثقاً من الحفظ الإلهي لنا: هيا نتقدم إلى الأمام! إن قذائف الكفار لا تقتلنا، نحن لن نتدنى إلى الفرار والتخلف.

وكذا الأمر في معركة «بتليس» وفي الجبهة الأمامية منها، فقد أصابت ثلاث طلقات للروس موضعاً مميتاً مني وثقبت إحداها سروالي ومرت من بين رجليّ. كنت أحمل حينها -في تلك الحالة الخطرة- حالة روحية تترفع عن النـزول إلى الخندق، حتى قال القائد «كَل علي» والوالي «ممدوح» من الخلف: لينسحب، أو ليدخل الخندق فوراً! ورغم قولهم هذا، وقولي: قذائف الكفار لا تقتلنا، وعدم اكتراثي بالحذر والحيطة، فلم أحاول الحفاظ على حياتي البهيجة أيام شبابي تلك».

وهكذا «بعد أن أدّى بديع الزمان فريضة الجهاد في جبهة القفقاس «قائداً لفرق الأنصار» على أفضل وجه حيث حظي بتقدير القائد العام أنور باشا وقواد الفرق وإعجابهم، انسحب إلى مدينة «وان» حيث كانت القوات الروسية متجهة نحوها.

وفي أثناء إخلاء الحكومة مدينة «وان» من أهاليها لإنقاذهم من هجوم القوات الروسـية عليها، قرر بديع الزمان مع قسم من طلابه الدفاع عن المدينة حتى الشهادة محتمين بقلعتها، إلّا أنه بانسحاب الوالي والقائمقام والأهلين والجيش نحو «بتليس» هجم فوج من فرسان القازاق الروسية على «وَسْطَان» فكان ملا سعيد وقلة من طلابه وما يقارب الأربعين من الجنود -الذين لم ينسحبوا بعد- يصدونهم، حتى حالوا دون سقوط أطفال الأهلين وأموالهم بيد العدو. فتمكن الأهلون جميعاً من النجاة أثناء الانسحاب دون أن ينال العدو منهم شيئاً.

ولأجل قذف الرعب في قلوب المهاجمين القازاق تظاهر هو وطلابه أنهم يحتلون تلاً يطل عليهم، مما أوحى إليهم أن مدداً عسكرياً ضخماً قد أتاهم، فحدّ بذلك من تقدم القازاق، فكان سبباً في عدم استيلاء الروس لقصبة «وسطان».

وفي أثناء تلك المعارك كان يعود إلى الخندق ويملي على طالبه النجيب «الملا حبيب» تفسير «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» بل كان يملي أحياناً وهو على صهوة جواده أو في خط الدفاع الأول حتى أتمّ القسم الأعظم من ذلك التفسير الجليل».

من المقدمة التي كتبها لإشارات الإعجاز

«لقد تم تأليف تفسير «إشارات الإعجاز» في السنة الأولى من الحرب العالمية الأولى على جبهة القتال بدون مصدر أو مرجع. وقد اقتضت ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن يُكْتب هذا التفسيـر في غاية الإيجاز والاختصار لأسباب عديدة.

وقد بقيت الفاتحة والنصف الأول من التفسير على نحو أشد إجمالا واختصارا:

أولاً: لأن ذلك الزمان لم يكن يسمح بالإيضاح، نظراً إلى أن سعيداً القديم كان يعبّر بعبارات موجزة وقصيرة عن مرامه.

ثانياً: كان «سعيد» يضع درجة إفهام طلبته الأذكياء جداً موضع الاعتبار، ولم يكن يفكر في فهم الآخرين.

ثالثاً: لما كان يبيّن أدق وأرفع ما في نظم القرآن من الإيجاز المعجز، جاءت العبارات قصيرة ورفيعة.

بيد أنني أجَلت النظر فيه الآن بعين «سعيد الجديد». فوجدت أن هذا التفسير بما يحتويه من تدقيقات، يعدّ بحق تحفة رائعة من تحف سعيد القديم بالرغم من أخطائه وذنوبه.

ولما كان -أي سعيد القديم- يتوثب لنيل مرتبة الشهادة أثناء الكتابة، فيكتب ما يعنّ له بنية خالصة، ويطبق قوانين البلاغة ودساتير علوم العربية، لم أستطع أن أقدح في أي موضع منه، إذ ربما يجعل الباري عز وجل هذا المؤلَّف كفارة لذنوبه ويبعث رجالاً يستطيعون فهم هذا التفسير حق الفهم.

ولولا موانع الحرب العالمية، فقد كانت النيّـة تتجه إلى أن يكون هذا الجزء وقفاً على توضيح الإعجاز النظمي من وجوه إعجاز القرآن، وأن تكون الأجزاء الباقية كل واحد منها وقفاً على سائر أوجه الإعجاز.

ولو ضمت الأجزاء الباقية حقائقَ التفسير المتفرقة في الرسائل لأصبح تفسيراً بديعاً جامعاً للقرآن المعجز البيان.

ولعل الله يبعث هيئة سعيدة من المنورين تجعل من هذا الجزء ومن «الكلمات» و«المكتوبات» الست والستين، بل المائة والثلاثين من أجزاء رسائل النور مصدراً، وتَكتُب في ضوئه تفسيراً من هذا القبيل…

ثم إني بينما كنت منتظراً ومتوجهاً لهذا المقصد بتظاهر هيئة كذلك -وقد كان هذا غاية خيالي من زمان مديد- إذ سـنح لقلبي من قبيل الحس قبل الوقوع تقرّب زلزلة عظيمة، فشرعتُ -مع عجزي وقصوري والإغلاق في كلامي- في تقييد ما سنح لي من إشارات إعجاز القرآن في نظمه وبيان بعض حقائقه، ولم يتيسر لي مراجعة التفاسير، فإن وافقها فبِها ونِعْمَتْ وإلّا فالعُهدة عليّ.

فوقعتْ هذه الطامة الكبـرى.. ففي أثناء أداء فريضة الجهاد كلما انتهزتُ فرصة في خط الحرب قيدتُ ما لاح لي في الأودية والجبال بعبارات متفاوتة باختلاف الحالات. فمع احتياجها إلى التصحيح والإصلاح لا يرضى قلبي بتغييرها وتبديـلها؛ إذ ظهرتْ في حالة من خلوص النية لا توجد الآن، فأعرضها لأنظار أهل الكمال لا لأنه تفسير للتنـزيل، بل ليصير -لو ظفر بالقبول- نوعَ مأخذٍ لبعض وجوه التفسير. وقد ساقني شوقي إلى ما هو فوق طوقي، فإن استحسنوه شجعوني على الدوام. ومن الله التوفيق».

وقد أعجب بهذا التفسير القائد العام أنور باشا  إعجاباً كبيراً إلى درجة أنه هرع إلى اسـتقباله بكل احترام -وهذا ما لم يفعله مع أحد- وقرر إعطاء الورق اللازم لطبع هذا الكتاب لكي تكون له حصة من شرف تلك الهدية ومن ثوابها، هدية الحرب، كما ذُكر جهاد مؤلف الكتاب في الحرب بكل خير وبكل تقدير…

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

وفي خضم تلك المعارك الدامية استشهد ما يقارب العشرين من طلابه النجباء، أما طالبه الكاتب «ملا حبيب» فبعد أن أدّى واجباً عسكرياً مع «خليل باشا» في جبهة «وان» استشهد في «وسطان».

وكان الفدائيون الأرمن يذبّحون أطفال المسلمين في عدد من المناطق وكان المسلمون يقابلونهم بالمثل في ذبح أطفال الأرمن. ولكن ما إن جُمع ألوف من أطفال الأرمن في المنطقة التي كانت تحت إمرة بديع الزمان حتى أمر الجنود: «لا تتعرضوا لهؤلاء الأطفال بشيء»، ثم أطلق سراحهم جميعاً دون أن يمس أحدهم بسوء، فعادوا إلى عوائلهم التي كانت خلف الخطوط الروسية. هذا السلوك كان درساً قيماً وعبرة للأرمن مما دفعهم إلى الإعجاب بأخلاق المسلمين.

وعلى إثر هذه الحادثة تخلى فدائيو الأرمن عن عادتهم في ذبح أطفال أهالي القرى التي احتلتها القوات الروسية حيث قالوا: «إن ملا سعيد لم يذبح أطفالنا بل سلّمهم إلينا فنحن كذلك نفعل بأطفال المسلمين مثله». فتعاهدوا على ذلك، أي إن بديع الزمان أصبح سبباً في إنقاذ الآلاف من الأطفال الأبرياء من كلا الجانبين.

وبعد مدة استولى الروس على مناطق «وان» و«مُوش» وفي أثناء هجومهم بثلاث فرق على «بتليس» قال الوالي «ممدوح بك» والقائد «كَل علي» لبديع الزمان:

نحن مضطرون إلى الانسحاب إذ لا نملك سوى فوج من الجنود وحوالي ألفين من المتطوعين تحت إمرتكم. فقال لهم بديع الزمان:

«بمعنى أن الأهلين الذين التجأوا إلينا من حوالينا وأهالي بتليس نفسها وأموالهم وأطفالهم ستكون تحت سيطرتهم، فنحن إذن مضطرون إلى مقاومتهم والدفاع عن المنطقة حتى الموت».

فقالوا: «إن الجنود يحاولون تحويل ثلاثين مدفعاً من مدافعنا إلى الجبهة الأخرى لـ«موش» بعد سقوطها، فإن استطعت أن تستخلص تلك المدافع بما لديك من المتطوعين، نستطيع نحن عند ذلك من الدفاع لبضعة أيام أخرى لكي ينجو الأهلون».

فقال بديع الزمان: «إما أن أموت أو آتيكم بتلك المدافع». فتسلّم قيادة ثلاثمائة متطوع واتجه ليلاً إلى صوب «نُورْشِين» حيث سحبت المدافع إليها. وأشاع جواسيسه بين الجنود الروس القازاق الذين كانوا يتولون حراسة تلك المدافع أن قائد المتطوعين الذي دافع عن «بتليس» ومعه ثلاثة آلاف من جنوده ومع القائد موسى بك المشهور مع ألف من جنوده سيأتون لتخليص المدافع.. فما إن أُشيع هذا الخبر المبالَغ فيه حتى توقف قائد القازاق من التقدم. فوزّع بديع الزمان جنوده المتطوعين على المدافع وسحبوها إلى «بتليس» حتى إنه خلّص آخر مدفع بنفسه مع اثنين ممن معه.

وهكذا حقق استخلاص ثلاثين مدفعاً من يد العدو وأرسلها إلى بتليس. فتمكن الجنود والمتطوعون من الثبات تجاه العدو بتلك المدافع لبضعة أيام أخرى، حتى نجا الأهلون جميعاً مع أموالهم وذراريهم.

ومما يروى عن الفدائيين الأرمن أنهم اشتهروا بكتمان السر وعدم إفشائه مهما بلغ بهم التعذيب حتى لو كُبّ أحدهم على الجمر وتفجرت عيونه. ومع هذا كان الروس يقولون: «إن متطوعي بديع الزمان تفوقوا على فدائيي الأرمن في بسالتهم، حتى تمكنوا من سحق القازاق».

كان بديع الزمان دائم الحركة في خط الدفاع الأول، خط النار لبث الروح المعنوية والشجاعة والإقدام للجنود، وما كان يحتمي بالخندق. وعندما كان على صهوة جواده يندفع يميناً وشمالاً في الصف الأمامي في خط النار، إذ بخاطر يخطر على قلبه ويحفر في روحه فيخاطب نفسه:

إذا استشهدتُ الآن احذر أن يكون في موقعك هذا وأنت متقدم الجميع في خط النار شيء من حب الظهور الذي يثلم الإخلاص، الذي هو أحد أسس مرتبة الشهادة.. وعقب هذا الخاطر عاد إلى الخندق مباشرة ولم يعقب وانضم إلى أخلّائه.

وبعد نجاة الوالي والقائد گل علي والأهلين بانسحابهم ليلاً مع المتطوعين والجنود، ظل بديع الزمان مع عدد من المتطوعين في «بتليس» لإنقاذ الذين عجزوا عن الهجرة. وما إن تبدد الظلام حتى رأوا أنفسهم تجاه فوج من جنود العدو فاستشهد كثيرون ممن معه، ومنهم ابن أخته «عُبيد» ولم ينج إلّا هو وأربعة من طلابه باختراقهم صفوف العدو بشكل خارق.

فخاطب من معه مسلياً لهم: لا نستعمل سلاحنا إلّا عندما يجابهنا العدو بعدد غفير، فلا نبيع أنفسنا رخيصة. ولا نطلق ما لدينا من طلقات على واحد أو اثنين من العدو.

الأسر

«لقد أحاطتني أوضاع مخيفة جداً في تلك الحرب العالمية، حتى تمزقت المسودة الأولى لإشارات الإعجاز بيد العدو حيث أصابتني أربع قذائف دفعة واحدة، وجُرحت في إحداها، وانكسرت ساقي، فبقيت في الماء والطين أربعاً وثلاثين ساعة منتظراً الموت، ومحاصراً من قبل العدو. فهذا الوقت يعدّ أحلك أوقاتي اليائسة وأشدها رهبة».

وإنها لعناية إلهية أن الجنود الروس لم يعثروا عليهم رغم البحث المستديم ورغم أنهم كانوا في وضع يرون الروس. فقال لطلابه الفدائيين: أصدقائي.. لا تقفوا في مواضعكم هكذا، اتركوني وشأني. فإني أسامحكم، اسعوا لإنقاذ أنفسكم.

فأجابوه: لا نتركك قطعاً وأنت في هذا الوضع. فلنستشهد ونحن في خدمتكم.

وهكذا ظلوا مع أستاذهم حتى أسَرَهُم الروس.([1])

ثم سيقوا إلى وان، جلفا، تفليس، كيلو غريف، قوصتورما. وظل في الأسر سنتين ونصف السنة تقريباً حتى تمكن من الفرار وعاد إلى إسطنبول سنة 1336هـ.

[يسجل عبدالمجيد تاريخ الأسر لدى استنساخه «إشارات الإعجاز» وانسكاب الحبر بالآتي:]

هذا النقش الغريب في هذا المبحث العجيب وقع توافقاً حينما نسخته في دياربكر بدار جودت بك في تسعة عشر من شباط عصر ليلة الجمعة صادف سـقوط بتليس وأسارة المؤلف «بديع الزمان» تلك الليلة فكأن حصول هذا النقش على هذه الصحيفة في تلك الليلة إشارة -والله أعلم- إلى إراقة دماء مَن في معية المؤلف من الطلبة وأسْرِه في تلك الليلة في بتليس. اهـ..

ذكريات من أيام الأسر

«عندما كنت أسيراً في روسيا، كانت الشمس لا تغرب أسبوعاً في مكان قريب منا، حتى كان الناس يخرجون لمشاهدة المنظر الغريب للغروب.

وقد كنا في قوصتورما، في روسيا، مع تسعين من ضباطنا الأسرى في ردهة واحدة، وكنت أُلقي عليهم أحياناً الدرس. وذات يوم حضـر القائد الروسي وشاهد الموقف وقال: إن هذا الكردي قائد المتطوعين قد ذبح كثيراً من جنودنا، ويأتي الآن ويلقى دروساً سياسية هنا، لا يمكن هذا، أمنعه قطعاً.

ولكن بعد يومين قال: يبدو أن دروسكم غير سياسية، بل دينية وأخلاقية. استمر عليها فسمح بإلقاء الدرس.

وعلى الرغم من أن الروس كانوا ينظرون إليّ بصفة قائد للمتطوعين الأكراد والظالم الذي يذبح الأسرى والقازاق، إلّا أنهم لم يمنعوني من إلقاء الدروس، فكنت أُلقيها على معظم زملائي الأسرى من الضباط البالغ عددهم تسعيـن ضابطاً، حتى إن القائد الروسي استمع مرة إلى الدرس، فحسبه درساً سياسياً، لجهله باللغة التركيـة، ومنعني مرة واحدة فقط ولكنه سمح لي بعد ذلك. ثم إننا جعلنا غرفة في الثكنة التي كنا فيها مسجداً لأداء الصلاة جماعةً، وكنت أؤم الجماعة، ولم يتدخلوا في ذلك قط، ولم يمنعونا من الاختلاط والاتصال بعضنا مع البعض ولم يقطعوا عنا المراسلات.

ولما كنت مع تسعين من ضباطنا -في الحرب العالمية السابقة- أسرى معتقلين في ردهة طويلة، في شمالي روسيا، كنت لا أسمح بالضوضاء والصخب بإسداء النصح لهم، إذ كانوا يحترمونني بما يفوق قدري بكثير، ولكن على حين غرة أثار الغضبُ الناشئ من توتر الأعصاب والانقباض المستولي على النفوس مناقشاتٍ حادة. فقلت لبضعةٍ منهم: «اذهبوا إلى حيث الضجيج والصياح، وساندوا المبطل دون المحق». وقد قاموا بدورهم. فانقطع دابر المناقشات الضارة.

ثم سألوني: «لِمَ قمت بهذا العمل الباطل؟».

قلت لهم: «إن المحقّ يكون منصفاً ويضحي بحقه الجزئي في سبيل راحة الآخرين ومصلحتهم التي هي كثيرة وكبيرة. أما المبطل فهو على الأغلب مغرور وأناني لا يضحي بشيء، فيزداد الصخب!»».

سجية تحير العقول

[يروي أحد الشهود هذه الحادثة قائلاً:]

عندما جُرحت وأُسـرتُ في موضع «بتليس» في الحرب العالمية الأولى، وقع بديع الزمان أيضاً في اليوم نفسه أسيراً. فأُرسل إلى أكبر معسكر للأسرى في سيبريا، وأُرسلتُ إلى جزيرة «نانكون» التابعة لـ«باكو».

ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولاي نيقولافيج المعسكر المذكور للتفتيش -يقوم له الأسرى احتراماً- وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكناً ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به أيضاً. وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:

– أمَا عرفني؟

– نعم أعرفه إنه نيقولاي نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.

– فلمَ إذَن قَصَد الإهانة؟

– كلا! معذرة. إنني لم أستهن به، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.

– وبماذا تأمره عقيدته؟

– إنني عالم مسلم أحمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله. فلو أنني قد قمت له احتراماً لكنت إذن قليل الاحترام لعقيدتي. ولهذا لم أقم له.

– إذن فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر فلتشكّل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.

وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الأتراك والألمان والنمساويون للإلحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلب العفو منه، إلّا أنه أجابهم بالآتي: «إنني راغب في الرحيل إلى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسول الكريم ﷺ، فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة، ولا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني…»

وتجاه هذا الكلام يُؤْثِر الجميع الصمت منتظرين النتيجة.

وتنهي المحكمة أعمالها بإصدار قرار الإعدام بموجب مادة إهانة القيصر والجيش الروسي. وتحضر مفرزة يقودها ضابط روسي لأخذه إلى ساحة الإعدام. ويقوم بديع الزمان إلى الضابط الروسي قائلاً له بابتهاج: اسمحوا لي خمس عشرة دقيقة فقط لأؤدي واجبي.

فيقوم إلى الوضوء.. وأثناء أدائه الصلاة، يحضر نيقولاي نيقولافيج ويخاطبه: «أرجو منك المعذرة؛ كنت أظن أنكم قمتم بعملكم هذا قصد إهانتي، فاتخذت الإجراءات القانونية بحقكم، ولكن الآن أدركت أنكم تستلهمون هذا العمل من إيمانكم، وتنفذون ما تأمركم به عقيدتكم. لذا أبطلت قرار الحكم بحقكم. إنكم تستحقون كل تقدير وإعجاب لصلاحكم وتقواكم. أرجو المعذرة فقد أزعجتكم. وأكرر رجائي مراراً: أرجو المعذرة».

إن هذه العزة الدينية، وهذه السجية الرفيعة التي هي قدوة حسنة للمسلمين جميعاً أخبرني عنها أحد أصحابه في معسكر الأسر، وهو برتبة نقيب، وكان شاهد عيان للحادثة.

وأنا ما إن عرفت هذا حتى اغرورقت عيناي بالدموع دون اختيار مني…

صحوة روحية ومدد قرآني

«كنت أسيراً أثناء الحرب العالمية الأولى في مدينةٍ قصيةٍ، في شمال شرقي روسيا تدعى «قوصترما». كان هناك جامع صغير للتتار على حافة نهر «فولغا» المشهور.. كنت ضجراً من بين زملائي الضباط الأسرى، فآثرت العزلة، إلّا أنه لم يكن يسمح لي بالتجوال في الخارج دون إذن ورخصة، ثم سمح لي بأن أظل في ذلك الجامع بضمانة أهل حيّ التتار وكفالتهم، فكنت أنام فيه وحيداً، وقد اقترب الربيع، وكانت الليالي طويلة جداً في تلك البقعة النائية..

كان الأرق يصيبني كثيراً في تلك الليالي الحالكة السواد، المتسربلة بأحزان الغربة القاتـمة، حيث لا يُسمع إلّا الخرير الحزين لنهر «فولغا»، والأصوات الرقيقة لقطرات الأمطار، ولوعة الفراق في صفيـر الرياح.. كل ذلك أيقظني -مؤقتاً- من نوم الغفلة العميق..

ورغم أنني لم أكن أعدّ نفسي شيخاً بعدُ، ولكن من يرى الحرب العالمية يشيخ، حيث يشيب من هول أيامها الولدان، وكأن سراً من أسرار الآية الكريمة ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ ش۪يبًا﴾ (المزمل:17) قد سرى فيها. ومع أنني كنت قريباً من الأربعين إلّا أنني وجدتُ نفسي كأنني في الثمانين من عمري..

في تلك الليالي المظلمة الطويلة الحزينة، وفي ذلك الجو الغامر بأسى الغربة، ومن واقعي المؤلم الأليم، جثم على صـدري يأس ثقيل نحو حياتي وموطني، فكلما التفتُّ إلى عجزي وانفرادي انقطع رجائي وأملي. وإذ أنا في تلك الحالة جاءني المدد من القرآن الكريم.. فردد لساني: ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ﴾ (آل عمران:173). وقال قلبي باكياً: «أنا غريب.. أنا وحيد.. أنا ضعيف.. أنا عاجز.. أنشد الأمان.. أطلب العفو.. أخطب العون.. في بابك يا إلهي». أما روحي التي تذكرت أحبابي القدامى في بلدي، وتخيلت موتي في هذه الغربة، فقد تمثلت بأبيات نيازي المصري :

مررت بأحزان الدنيا، وأطلقت جناحي

للحرمان

طائراً في شوق، صائحاً في كل لحظة:

صديق!.. صديق..!

على أي حال.. فقد أصبح «عجزي» و«ضعفي» في تلك الليالي المحزنة الطويلة والحالكة بالفرقة والرقة والغربة وسيلتين للتقرب إلى عتبة الرحمة الإلهية، وشفيعين لدى الحضرة الإلهية، حتى إنني لا أزال مندهشاً كيف استطعت الفرار بعد أيام قليلة. وأقطع بصورة غير متوقعة مسافة لا يمكن قطعها مشياً على الأقدام إلّا في عام كامل، ولم أكن ملمّاً باللغة الروسـية. فلقد تخلصت من الأسر بصورة عجيبة محيّرة، بفضل العناية الإلهية التي أدركتني بناء على عجزي وضعفي، ووصلت إسطنبول ماراً بـ«وارشو» و«فينا». وهكذا نجوت من ذلك الأسر بسهولة تدعو إلى الدهشة، حيث أكملت سياحة الفرار الطويل بسهولة ويسر كبيـرين، بحيث لم يكن لينجزها أشجع الأشخاص وأذكاهم وأمكرهم وممن يلمّون باللغة الروسية».

سنة 1918م/1336هـ

العودة من الأسر

«كان هناك استقبال رائع عند عودتي من الأسر إلى إسطنبول سواء من قبل الخليفة أو شيخ الإسلام، أو القائد العام، أو من قبل طلبة العلوم الشرعية، وقوبلتُ بتكريم وحفاوة أكثر مما أستحق بكثير…»

في دار الحكمة الإسلامية

وقد رأت حكومة الاتحاد والترقى بالإجماع أنه -يقصد نفسه- أوفق شخص لتبليغ الحكمة الإسلامية إلى حكماء أوروبا بشكل مؤثر. [إذ يقول]: فلبثت في إسطنبول لخدمة الدّين في «دار الحكمة الإسلامية» حوالي ثلاث سنوات.

[ويصف ابن أخيه عبد الرحمن، حالة عمه بعد عودته من الأسر:]

«بعد ما عاد عمي من الأسر سنة 1334رومي (1918م) عيّن في دار الحكمة الإسلامية دون رضاه، ولم يشارك في اجتماعاتها، لما كان يحس من حاجة ماسة إلى الراحة بعد أن قاسى ما قاسى في أيام الأسر. فأرسل عدة مرات طلباً يرجو فيه إعفاءه من العضوية، إلّا أن طلبه رفض. ولهذا باشر بالدوام وكنت أراقب حالاته، فما كان يأخذ من المرتّب المخصص له سوى ما يقيم أوده، وعندما يُستفسر عن سبب ذلك كان يقول: «أريد أن أعيش كالسواد الأعظم، فهم يتداركون معيشتهم بهذا القدر من المبلغ، ولا أريد أن أتبع الأقلية المسرفة». وبعد أن يضع المبلغ المخصص لحد الضرورة يدفع الباقي إليّ قائلاً: «احفظ هذا». ولكني كنت أصرفه دون علمه مستنداً إلى شفقته الواسعة. ولكن قال لي يوماً: «لا يحل لنا هذا المال، لأنه ملك الأمة، فلِم صرفته؟ فقد عزلتك عن صرف المال، ونصبتُ نفسي بدلاً عنك».

مرت الأيام وخطر له أن يطبع ما ألّفه من رسائله الاثنتي عشرة، فدفع ما ادّخره من مرتّبه إلى مصاريف الطبع ووزع الرسائل مجاناً سوى رسالة أو رسالتين. وعندما سألته: لِمَ لا يبيع مؤلفاته، قال: لا يجوز لي من هذا المرتّب إلّا حدّ الضرورة. والباقي للأمة، فأنا بدوري أعدت المال إلى أهله».

«وقد صرفت كثيراً من مرتّبي الذي كنت قد قبضته وأنا في دار الحكمة الإسلامية وادخرت قليلاً منه لأداء فريضـة الحج. وقد كفتني تلك النقود القليلة ببركة القناعة والاقتصـاد، فلم يرق مني ماء الوجه. وما زالت بقية من تلك النقود المباركة موجودة.

حيث ما قبلت مرتّباً إلاّ لمدة سنتين تقريباً عندما كنت عضواً في «دار الحكمة الإسلامية» وهذا أيضاً صرفته لطبع كتبي وتوزيعها مجاناً على الناس، فرددت بضاعتهم إليهم».([2])

ودار الحكمة الإسلامية تابعة للمشيخة الإسلامية العامة للدولة العثمانية، وكانت لا تضم إلّا كبار العلماء الأفاضل، كمحمد عاكف،  وإسماعيل حقي إزميرلي، وحمدي ألماليلي، وأمثالهم.

[ولكن لما سئل في زمن احتلال إسطنبول:]

– لِمَ لم تستطع «دار الحكمة الإسلامية» القيام بواجبها على الوجه الأتم؟

أجاب: إن عدم قيامها بالخدمة -في الوقت الحاضر- أفضل خدمة لها، وعدم نشاطها اعظم نشاط لها، لأن قوة الأجانب الحاكمة حالياً تشد الخناق على كل حركة ونأمة ونشاط ليست في صالحها. ولقد شـاهدنا أن من قاموا بنشاط أكرهوا على الدعاء للكفار ودفعوا إلى إصدار فتوى بجواز قتل المجاهدين، ففي خضم هذه العاصفة الهوجاء لم تُستغل دار الحكمة أداة طيعة، حيث قوة الأجنبي -التي هي المانع القوي لنشاطها- قد مدت الفساد وشجعته بكل قوة.

والسبب الثاني هو أن أعضاء دار الحكمة غير قادرين على الامتـزاج فيما بينهم، بل حتى على الاختلاط، فلكل منهم مزايا خاصة به، ولم تتولد بينهم روح الجماعة، إذ «أنا» كلٍّ منهم قوي إلى حد لا ينخرق ولا يتمزق كي يتحول إلى «نحن» لذا اضطلعوا في مساعيهم بدستور المشاركة فيما أهملوا دستور التعاون. فالمشاركة في الماديات تعظم النتائج وتجعلها فوق المعتاد، بينما تصغرها بل تجعلها بسـيطة وقبيحة في المعنويات. أما دستور التعاون فهو خلاف هذا تماماً إذ يكون في الماديات وسيلة لنتائج جليلة بالنسبة للشخص، ولنتائج صغيرة جداً بالنسبة للجماعة. بينما في المعنويات تصعد النتائج إلى حيث الأمور الخارقة.

ثم إن انتقاداتهم صارت شديدة عنيفة جداً، لا يقاومها فكر، بل يتشتت أمامها ويضمحل. لأنه أحياناً يضيع الحق لدى التنقيب عن «الأحق» فإن كان الاتفاق في الحق اختلافاً في الأحق يكون الحق أحق من الأحق. ففي أثناء تحرى الأحق هناك تسامح لوجود الباطل. أي يكون الحَسن أحياناً أحسن من الأحسن.

«وقد كانت تيارات بعيدة عن روح الإسلام تحاول التدخل في أمور دار الحكمة الإسلامية ولا سيما الأجنبية منها، فكان بديع الزمان يقف أمام هذه التيارات صلباً كالجبال متصدياً للفتاوى الخاطئة بلا تردد، إذ كان الموت نصب عينيه دائما».

[نورد منها جوابه الآتي للفتاوى الصادرة من المشيخة الإسلامية ضد حركة التحرير في الأناضول:]

«إنها ليست فتوى خالصة، بل فتوى تتضمن القضاء. لأن الذي يميز الفتوى عن القضاء كون موضوعها عاماً وغير معيَّن، فضلاً عن أنها غير ملزمة، بينما القضاء معيَّن مُلزم. فكل من يطّـلع على الفتوى -المذكورة- يجدها معيَّنة، يفهم المراد منها بالضـرورة، وأصبحت ملزمة حيث إن سوق عوام المسلمين ضد الحركة سبب واضح فيها. فمادامت هذه الفتوى تتضمن القضاء، والاستماع إلى كلا الخصمين ضرورة في القضاء، فكان ينبغي أن تُستجوَب حركة التحرير في الأناضول لتبدي ما لديها من مدّعيات ودعاوى، وبعد الاستماع إليها من قبل السياسيين والعلماء وتقييمها وفق المصلحة الإسلامية يمكن إصدار الفتوى، إذ حصل انقلاب في بعض الحقائق، حيث استبدلت الأضداد أسماءها ومواقعها، فتطلق العدالة على الظلم، والبغي على الجهاد، والحرية على الأسر».

[واقترح لإصلاح الأوضاع في دار الحكمة الآتي:]

«إن استخدام أي شيء في غير موضعه يكون مآله التعطل، ولا يبين أثره المرجو منه. فدار الحكمة الإسلامية التي أنشئت لغاية عظيمة، إذا خرجت من طورها الحالي أشركت في الشورى مع رؤساء الدوائر الأخرى في المشيخة وعُدّت من أعضائها، واستُدعي لها نحو من عشرين من العلماء الأجلاء الموثقين من أنحاء العالم الإسلامي كافة، عندها يمكن أن يكون هناك أساس لهذه المسألة الجسيمة».


[1] T. Hayat, ilk hayatı بعد أن انكسرت ساق الأستاذ اجتمعنا حوله حالاً وأخذناه إلى جدول ماء مسقف. ووضعنا عدداً من بنادقنا في جدول الماء ومددنا ساقه عليها، حتى أخذ قسطاً من الراحة. ثم توجه إلينا قائلاً: إخوتي لقد حكم عليّ القدر بالأسر، انظروا إلى أمر نجاة أنفسكم. فما إن قال هذا حتى أجهشنا بالبكاء، وقلنا: إلى أين نذهب أيها الأستاذ، فهل يمكن أن نتركك وأنت على وضعك هذا، ألم يبق لنا شرف وغيرة، فلئن متنا أو بقينا أحياء فليكن ذلك في خدمتك.

   وهكذا مضت علينا أربع وثلاثون ساعة من الوقت ونحن في ذلك الموضع، والبردُ الشديد يهلكنا فالثلوج تغطى كل مكان والجوع يفتك بنا -منذ ثلاثة أيام- فضلاً عن الأرق الشديد، والخوف يلفنا من كل جانب…

  وأخيراً قررنا أن يذهب أحدنا -وهو عبدالوهاب الذي يعرف شيئاً من الروسية- لإبلاغ الروس عن موضعنا… وفعلاً تم ذلك فأخذ الروس الأستاذ ممتداً في سدية على أكتافهم ونحن حوله (ب) 1/320 عن خاطرة علي جاويش باختصار.

[2]  الملاحق، ملحق أميرداغ 1؛ المكتوبات، المكتوب السادس عشر.

     يقول ابن أخيه «عبد الرحمن» في رسالة بعث بها إلى عَمه عبدالمجيد:

     «إنني محتار من أحوال عمّي (سعيد) فقد أطفأ عندي جميع الآمال الدنيوية، فالحكومة تعطيه مرتّباً جيداً، وأنا أقوم بادّخار ما يفضل عن مصاريفنا، وقد ألف كتباً عدة واستدعاني مرة قائلاً: اذهب واستدع مدير المطبعة الفُلانية. ذَهبت، وعندما قدّم مؤلفاته إلى المدير قال لي: يا عبدالرحمن! هات ما ادخرته من نقود، وادفعها للسيد المدير فنفذت له ما أراد، وعندما ذهب المدير امتلأت عيناي بالدموع، ولكنّي بدأت أعزي نفسي قائلاً:

   هذه الكتب ستطبع وستباع، وإن النقود سترجع وسأدخرها. ولكن بعد عدة أيام أرسلني مرة أخرى لاستدعاء المدير، وفي هذه المرة قال للمدير: أرجو أن تكتب على كتبي بأنها توزع مجاناً على الأمة الإسلامية».

   عندما خرج المدير شعرتُ بأن الرابطة الروحية التي كنت أحسها تجاه عمي الكبير قد تزحزحت، ولم أستطع أن أتمالك نفسي عن البكاء. فقلت له: يا عمي! كنتُ أدّخر بعض النقود لكي أقوم بتعمير بيتنا الذي خربته الحرب، والآن فقد قتلت ذلك الأمل.. أيجوز ذلك؟ وابتسم عمي قائلاً لي: «يا ابني.. يا عبد الرحمن! إن الحكومة كانت تعطينا مرتّباً كبيراً وليس لي أن آخذ منه الّا كفاف النفس، أما ما زاد عن ذلك، فيجب إعادته إلى بيت المال، لذا فإنني قمت بإعادته إلى المسلمين، ولا أعتقد بأنك ستفهم هذا، ولكن اعلم بأن الله إن شاء فسيعطيك بيتاً في أي مكان كان من هذا الوطن».(ش) 185-187عن مجلة أهل السنة 2/41 في 1/11/1948.