قراءة الرسائل لا تورث السأم

«بينما كنت أتأسف في هذه الأيام على اشتغال ذهني جزئياً بالدفاعات أمام المحاكم، ورد إلى القلب ما يأتي:

إن ذلك الانشغال هو كذلك اشتغال علمي، إذ هو خدمة في سبيل نشر الحقائق الإيمانية وتحقيق حريتها وانكشافها؛ فهو نوع من العبادة من هذه الجهة.

وأنا بدوري كلما وجدت ضيقاً في نفسي باشرت بمطالعة مسائل النور بمتعة ولذة، رغم أنى اطلعت عليها مائة مرة. حتى وجدت «الدفاعات» هي كذلك مثل رسائل النور العلمية.

ولقد قال لي أحد إخواني: «إنني أشعر بشوق وحاجة إلى تكرار قراءة «رسالة الحشر» وإن كنت قد قرأتها ثلاثين مرة».

فعرفت من كلامه هذا: أن رسائل النور التي هي مرآة عاكسة لحقائق القرآن الكريم وتفسير قيم أصيل له، قد انعكست فيها أيضاً مزية رفيعة للقرآن الكريم ألَا وهي عدم السأم من قراءتها».

بث السلوان

«إخوتي الأعزاء الصدّيقين!

إن أنجع علاج في هذه الدنيا، ولا سيما في هذا الزمان، وبخاصة للمبتلين بالمصائب، ولطلاب النور الذين انتابهم ضجر شديد ويأس قاتم هو تسلية أحدهم الآخر، وإدخال السرور في قلبه، وإمداد قوته المعنوية وضماد جراحات الضيق والحزن والسأم، وتلطيف قلبه المغموم، كأخ حقيقي مضح. إذ الأخوة الحقة والأخروية التي تربطكم لا تتحمل التحيز والإغاظة.

فأنا أعتمد عليكم كلياً وأستند إليكم، وأنتم على علم بقراري وعزمي بأنني عازم على أن أضحى مسروراً لأجلكم أنتم بروحي، لا براحتي وشرفي فحسب، بل قد تشاهدون هذا مني فعلاً، حتى إنني أقسم لكم: إنه منذ ثمانية أيام يتألم قلبي من عذاب شديد، من جراء حادثة تافهة سببت دلالاً ظاهرياً بين ركنين من أركان النور فأحزن أحدُهما الآخرََ بدلاً من أن يكونا مبعث سلوان. فصرختْ روحي وقلبي وعقلي معاً، وبكت قائلة: «أواه! أواه! الغوث الغوث يا أرحم الراحمين، احفظنا وأجرنا من شياطين الجن والإنس، واملأ قلوب إخواني بالوفاء التام والمحبة الخالصة والأخوّة الصادقة والشفقة الكاملة».

فيا إخوتي الثابتين الصلبين صلابة الحديد! أعينوني في مهمتي! فإن قضيتنا في منتهى الدقة والحساسية، فلقد سلمت إلى شخصكم المعنوي جميع مهماتي، لشدة ثقتي واطمئناني بكم، فعليكم إذن أن تسعوا -ما وسعكم- لإمدادي وعوني، فعلى الرغم من أن الحادثة تافهة جزئية، فإن وقوع شعرة، مهما كانت صغيرة في عيننا تؤلم، وفي ساعتنا توقفها..»

الحذر من اهتزاز المحبة

«إخواني الأوفياء المخلصين!

لقد تحتم علينا بدرجة الوجوب استعمال دساتير لمعة الإخلاص وسر الإخلاص الحقيقي فيما بيننا وتجاه بعضنا للبعض الآخر، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وبكل ما نملك من قوة. إذ علمت بخبر يقيني أنه قد عُيّن ثلاثة أشخاص، منذ ثلاثة شهور، ليُلقوا الفتور فيما بين الإخوة الأوفياء هنا باستغلال اختلاف الأفكار والمشارب فيما بينهم، وعاملين على تثبيط عزائم الأقوياء منكم، وبث الشبهات والأوهام والخوف في قلوب الرقيقين منهم، القليلي الصبر والتحمل، لجعلهم يتخلون عن القيام بخدمة النور ليمددوا مدة محاكمتنا دون سبب.

فحذار.. حذار! وإياكم أن تهتز تلك المحبة الصميمية الصادقة التي ربطت قلوبكم، إذ إن اهتزازاً طفيفاً في الأخوّة والمحبة بقدر ذرة واحدة تضرنا أيّما ضرر. لأن بعض علماء الدين في «دنيزلي» قد ابتعدوا عنا بسبب تزعزع طفيف ونحن نضحي بأرواحنا رخيصة في سبيل أخوّتنا إن استوجب الأمر، وهذا ما تقتضيه خدمتنا القرآنية والإيمانية. لذا فلا يضجرنّ أحد من الآخر مما يسببه توتر الأعصاب الناجم عن الضيق الشديد ومن أي سبب آخر، بل ليسعَ كل منكم بزيادة محبته لأخيه وزيادة صميميته وإخلاصه له وليحمّل نفسه التقصير بكمال التواضع والتسليم، وإلا فسوف نتضرر عظيم الضرر، إذ تصبح الحبة الصغيرة قبة عظيمة تستعصي على الإصلاح. أختصر الكلام هنا محيلاً الموضوع إلى فراستكم».

أفضل مكان للاجتماع

«إخوتي الأعزاء الصدّيقين الثابتين في خدمة القرآن، يا من لا يتهربون منا من شدة الضيق!

أحزنتني نفسي الآن في التفكير لأجلكم، جراء ضيق مادي ومعنوي، ولكن.. إذا بخاطر يرد إلى القلب وهو أنكم لو تحملتم عشرة أضعاف هذه المشقات والمتاعب وبصورة أخرى لكانت زهيدة في سبيل لقاء أحد من الإخوة هنا لقاء عن قرب.

ثم من الضرورة بمكان أن يكون لطلاب النور كل بضع سنين اجتماع يجتمعون فيه دفعة واحدة، كما كان أهل الحقيقة سابقاً يجتمعون مرة أو مرتين كل سنة ويديمون فيه مسامراتهم ومحاوراتهم على وفق مشرب رسائل النور المكلل بالتقوى والرياضة الروحية، ومسلكها المتسم بإلقاء الدروس إلى الناس كافة وإلى المحتاجين خاصة بل حتى إلى المعارضين، ولأجل إنطاق الشخص المعنوي في دائرتها، فالمدرسة اليوسفية هذه أفضل مكان لطلاب النور وملائم جداً لهذه الأغراض، بحيث تهون أمامه المشقات حتى لو كانت ألف مشقة وضيق.

إن اجتناب بعض إخوتنا الضعفاء وانسحابهم من ميدان العمل للنور لسآمتهم في سجوننا السابقة كان خسارة جسيمة لحقت بهم، بينما لم يلحق أي ضرر برسائل النور وطلابها، بل انضم بدلاً منهم من هو أكثر ثباتاً وإخلاصاً منهم.

وحيث إن امتحان الدنيا عابر ويمضي بسرعة، ويسلّم لنا ثوابه وثمراته، فعلينا الاطمئنان إلى العناية الإلهية شاكرين ربنا من خلال الصبر».

ما نعمله في الليالي المباركة

إخوتي الأعزاء الصديقين ويا زملاء الدراسة في هذه «المدرسة اليوسفية»!

إن الليلة القادمة هي ليلة النصف من شعبان، وهي بمثابة نواة سامية لسنة كاملة، ونوع من برنامج للمقدرات البشرية، لذا تكتسب هذه الليلة قدسية من ليلة القدر. فمثلما الحسنات تتضاعف إلى ثلاثين ألف ضعف في ليلة القدر، يرتفع العملُ الصالح وكل حرف من الحروف القرآنية في ليلة النصف من شعبان إلى عشرين ألف ثواب.

فلئن كانت الحسنة بعشرة أمثالها في سائر الأوقات، ففي الشهور الثلاثة ترتفع إلى المائة وإلى الألف، وفي هذه الليالي المشهورة ترتفع إلى عشرة آلاف، وعشرين ألفاً، وثلاثين ألفاً من الحسنات. فهذه الليالي المباركة تعدل عبادة خمسين سنة، لذا فالانشغال – قدر المستطاع – بتلاوة القرآن الكريم والاستغفار والصلوات على الرسول الكريم ﷺ في هذه الليلة ربح عظيم جدا.

أُضحي بكل شيء في سبيل النور

«إخوتي الأعزاء الصديقين!

نبارك من كل قلوبنا وأرواحنا حلول شهر رمضان المبارك ونسأله تعالى أن يجعل ليلة القدر لكم خيراً من ألف شهر. آمين.. ويقبلها سبحانه منكم في حكم ثمانين سنة من العمر المقضي بالعبادة.. آمين.

إنني أرضى بجميع المشقات الآتية على شخصي وبكل سرور وامتنان وبكل ما أملك من روح وجسد بل حتى بنفسي الأمارة، في سبيل سلامة رسائل النور وسلامتكم أنتم. فكما أن الجنة ليست رخيصة فإن جهنم كذلك ليست زائدة عن الحاجة.

ولما كانت الدنيا ومشقاتها فانية وماضية عابرة بسرعة، فإن المظالم التي ينـزلها بنا أعداؤنا المتسترون سننتقم منهم ونثأر لأنفسنا بأضعاف أضعافها بل بمائة ضعف، وذلك في المحكمة الكبرى وجزء منها في الدنيا.

فنحن بدلاً من الحقد والغضب عليهم نأسف على حالهم.

فما دامت الحقيقة هي هذه، فعلينا التوكل على الله والاستسلام لما تجري به المقادير الإلهية والعناية الإلهية التي تحمينا، من دون أن يساورنا القلق. مع أخذ الحذر، والتحلي بالصبر الجميل والشكر الجزيل، وشدّ أواصر المحبة ووشائج الألفة والمسامرة المباركة مع إخوتنا هنا في الأيام المباركة لهذا الشهر المبارك شهر رمضان، وقضائه في جوّ من الأخوّة الخالصة والسلوان الجميل والترابط الوثيق، والانشغال بالأوراد في هذا الشهر الذي يرفع الثواب إلى الألف، ومحاولة عدم الاكتراث بهذه المضايقات الجزئية العابرة الفانية بل الانهماك بدروسنا العلمية، وذلك حظ عظيم يؤتيه الله من يشاء.

هذا وإن دروس النور المؤثرة تأثيراً جيداً في هذا الامتحان العسير واستقراءها حتى للمعارضين فتوحات نورية لها أهميتها وقيمتها.

حاشية: إن إنكار بعض إخواننا كونه طالباً من طلاب النور دون ما حاجة إلى ذلك ولاسيما (…) وسترهم لخدماتهم النورية الجليلة السابقة من دون ضرورة، رغم أنه عمل سيئ. إلّا أن خدماتهم السابقة تدعونا إلى الصفح عنهم وعدم الاستياء منهم».

التفسير نوعان

«إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولاً: ربما كان عدد منا يسافر لأداء فريضة الحج في هذه السنة لو كان السفر إليه حراً مسموحاً به. نسأل الله تعالى أن يقبل نياتنا هذه وكأننا سافرنا إلى الحج فعلاً، ويمنح خدمتنا الإيمانية والنورية ثواباً عظيماً كثواب الحج ونحن نعاني هذه الأحوال المليئة بالمضايقات والمشقات.

ثانياً: إن رسائل النور تفسير قيم وحقيقي للقرآن الكريم. لقد كررنا هذا الكلام. وخطر الآن للقلب بيان حقيقته وذلك لعدم وضوح معناه الحقيقي:

التفسير نوعان:

الأول: التفاسير المعروفة التي تبين وتوضح وتثبت معاني عبارات القرآن الكريم وجمله وكلماته.

القسم الثاني من التفسير: هو إيضاح وبيان وإثبات الحقائق الإيمانية للقرآن الكريم، إثباتاً مدعماً بالحجج الرصينة والبراهين الواضحة. ولهذا القسم أهمية كبيرة جداً.

أما التفاسير المعروفة والمتداولة فإنها تتناول هذا النوع الأخير من التفسير تناولاً مجملاً أحياناً. إلّا أن رسائل النور اتخذت هذا القسم أساساً لها مباشرة. فهي تفسير معنوي للقرآن الكريم بحيث تلزم أعتى الفلاسفة وتسكتهم».

لا نظير لترابطكم

«إخواني الأعزاء الصديقين!

لقد طُرح عليّ سؤال ذو مغزى هام، من مصدر هام جداً. فقد سألوني ما يلي:

على الرغم من أنكم لستم جمعية؛ وذلك بشهادة ثلاث محاكم أصدرت حكمها بالبراءة بهذا الصدد؛ وبعد أن أخذت ست ولايات على عاتقها مهمة الرصد والتجسس طوال عشرين عاماً، وتبيّن لها في النهاية أن لا علاقة لكم بتلك التهمة، وأنها مختلَقَة من أساسها.. على الرغم من ذلك كله، فإن العلاقة التي تربط «طلاب النور» بعضهم ببعض لا يوجد لها نظير في أي جمعية أو هيئة.. فهلا تفضلتم بإيضاح هذه المسألة وحل تلك المعضلة؟ فأجبتهم قائلاً:

نعم، إن طلاب النور ليسوا جمعية أو شبه جمعية، ولن يكونوا.. خاصة وأنهم يربأون بأنفسهم عن أن ينتموا إلى ذلك النوع من الجمعيات التي تتشكَّل لأغراض شخصية أو جماعية، مستهدفة كسب المنافع السياسية أو الدنيوية -إيجابية كانت تلك المنافع أم سلبية- بيد أن أبناء وبنات وأحفاد أبطال هذا الوطن القدامى من فدائيي الإسلام، الذين قدّموا ملايين الأرواح -بكمال المسرّة والرضى- في سبيل نيل مرتبة الشهادة، لا بد أنهم قد ورثوا حظاً من روح تلك التضحية والفداء حتى أظهروا تلك العلاقة الخارقة التي دفعت أخاهم هذا العاجز الضعيف إلى القول أمام محكمة «دنيزلي»:

إن الحقيقة التي افتدتها ملايين الأبطال برؤوسهم، فداء لها رؤوسنا أيضا.

قال هذه الجملة باسمهم، وأسكت المحكمة، تاركاً إياها في حيرة وتقدير وذهول.

بمعنى أن في طلاب النور فدائيين حقيقيين خالصين مخلصين لله لا يريدون إلّا وجهه ونيل رضاه والحياة الآخرة. فلم يجد الماسونيون والشيوعيون وأهل الضلالة والإفساد والزندقة والإلحاد والطاشناق وأمثالهم من المنظمات الخطرة، وسيلة لدحر أولئك النوريين فغرروا بالحكومة ودوائر العدلية بوساطة قوانين مطاطة بغية تشتيتهم وكسر شوكتهم.. ألا حبطت أعمالهم! فلا ينالون شيئا منهم بإذن الله بل سيكونون وسيلة لزيادة عدد الأبطال المضحين للنور والإيمان».

لا بد من الامتحان والتمحيص

«إخواني الأعزاء ذوي الشفقة والوفاء!

لقد اشتد عليّ منذ يومين أثر الرشحة (الزكام) سواء في رأسي وفي أعصابي. ففي مثل هذه الحالات أشعر بحاجة إلى الأُنس بالأصدقاء والتسلي بلقائهم، ولكن ضايقتني وحشة الانفراد والتجريد العجيب مضايقة شديدة، فورد إلى القلب شكوى على هذه الصورة.

لِمَ هذا التعذيب؟ وما فائدته لخدمتنا في سبيل القرآن والإيمان؟

وفجأة أُخطر للقلب صباح هذا اليوم، الآتي:

إن دخولكم هذا الامتحان القاسي، وتمييزكم الدقيق في المحك مرات عدة ليخلص الذهب عن النحاس، واختباركم من كل جانب وناحية بتجارب ظالمة لمعرفة مدى بقاء حظوظ نفوسكم الأمارة ودسائسها ومن ثم تمحيصكم بثلاث ممحصات، كان ضرورياً جداً لخدمتكم التي هي خالصة لوجه الحق والحقيقة، لذا سمح القدر الإلهي والعناية الربانية به، لأن الإعلان عن هذه الخدمة السامية، في ميدان امتحان كهذا، تجاه معارضين عنيدين ظَلَمة يتشبثون بأتفه حجة.. جعل الناس يفهمون أن هذه الخدمة القرآنية نابعة من الحق والحقيقة مباشرة، ولا تداخلها حيلة ولا خداع ولا أنانية ولا غرور، ولا غرض شخصي ولا منافع دنيوية وأخروية، إذ ما كان عوام المؤمنين يثقون بها لولا هذا الامتحان، حيث كان لسان حالهم يقول: ربما يقولون ليغرروا بنا ويخدعونا. ويرتاب خواص المؤمنين ويقولون: ربما يعملون هكذا وصولاً إلى مقامات معينة، وكسباً لثقة الناس بهم ونيلاً للإعجاب، كما يفعله بعض أهل المقامات المعنوية. وعندئذ لا يثقون بالخدمة. ولكن بعد الابتلاء، اضطر حتى أعتى عنيد مرتاب إلى التسليم بالأمر. لذا إن كانت مشقتكم واحدة فإن ربحكم ألف إن شاء الله».

سلوان ذو حقيقة يزيل مصائبي المضجرة

«الأول: تحوُّل المشقات إلى رحمات ومسرات.

الثاني: الانشراح النابع من الرضى والتسليم لعدالة القدر الإلهي.

الثالث: السرور الناشئ من رعاية العناية الإلهية الخاصة بطلاب النور.

الرابع: اللذة الناشئة من زوال المصيبة التي هي عابرة.

الخامس: الأثوبة العظيمة.

السادس: عدم التدخل في مشيئة الله.

السابع: حصول أخف الجراحات وأقل المشقات عند أشد الهجوم شراسة.

الثامن: تضاؤل المصيبة بدرجات كثيرة بالنسبة للمبتلَيْنَ الآخرين.

التاسع: الفرح المنبعث من تأثير الإعلانات الرفيعة عن الانتهاء من الامتحان العسير في خدمة النور والإيمان.

فهذه المسرات المعنوية التسع، علاج لذيذ ومرهم لطيف إلى حدّ لا يمكن تعريفه لتهدئة آلامنا الشديدة».

ما يقوله القدر لنا

«إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولاً: إن أفضل مكان لنا هو السجن في زمن حكم وزارة مستبدة تمنع الحج وتهدر ماء زمزم وتحظره، وتسمح بإنزال أشد الظلم بنا، ولا تكترث بمصادرة «ذو الفقار» و«سراج النور» وترفع درجة الموظفين الذين يتولون تعذيبنا قصداً، وبلا سند قانوني، ولا تلقي السمع إلى أصواتنا المرتفعة ولا إلى بكائنا بكاء المظلومين المنطلق من مساكننا بلسان الحال. إن أفضل مكان لنا في فترة حكم هذه الوزارة هو السجن. إلّا أنه إذا نُقلنا إلى سجن آخر فستحل السلامة كلياً.

ثانياً: كما أنهم حملوا أبعد الناس عنا بالإكراه على قراءة أخص الرسائل سرية. كذلك يدفعوننا دفعاً وبإصرار لنشكل جمعية. لأن الأخوّة الإسلامية الموجودة في اتحاد جماعة أهل الإيمان قد نمت لدى طلاب النور نمواً خالصاً طاهراً مكللاً بالتضحية الجادة والفداء التام الذي ورثوها عن أجدادنا الأوائل الملايين الأبطال الذين ضحوا بكمال الشوق بأرواحهم في سبيل حقيقة، فارتبط النوريون بتلك الحقيقة ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يدع حاجة لحد الآن إلى تشكيل منظمات، سياسية كانت أم رسمية علنية كانت أم سرية.

إذن فهناك حاجة في الوقت الحاضر بحيث يسلط القدر الإلهي أولئك علينا، فهم يقترفون الظلم بإسناد جمعية موهومة إلينا. والقدر الإلهي يقول لنا: لِمَ لم تكوّنوا بإخلاص تام وبتساند تام حزبَ الله الحقيقي؟ فصفعَنَا صفعة تأديب بأيديهم، وقد عدل».

لا علاقة لنا بالمنظمات

«إن الاعتداء والهجوم في هذه المرة قد شن في دائرة واسعة جداً.

فقد هاجمَنَا كل من رئيس الحكومة والوزراء، هاجموا وفق خطة مرسومة بنيت على أوهام رهيبة. فحسب ما تلقيته من خبر وبأمارات كثيرة، إن الإخباريات الكاذبة للمنافقين المتخفين، وبدسائسهم الماكرة لفّقوا لنا علاقة قوية وارتباطاً وثيقاً بالمنظمة الداعية إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وبالجمعية السرية للطريقة النقشبندية. بل أظهرونا كأننا في مقدمتهم ورائدوهم. حتى ساقوا الحكومة إلى اضطراب وقلق كبير، مبينين المجموعات الكبيرة لرسائل النور المجلدة في إسطنبول والمرسلة إلى العالم الإسلامي التي كسبت الرضى والقبول هناك دليلاً على نشاط النوريين. فقذفوا في روع الحكومة الخوف والهلع وأثاروا عرق الغيرة والحسد لدى بعض العلماء الرسميين، وهيجوا الأوهام والشكوك لدى الموظفين حتى جعلوهم ضدنا. وقد حسبوا أن هناك وثائق كثيرة وأمارات عديدة تديننا، واعتقدوا كأن سعيداً الجديد لا يتحمل الأوضاع كما كان سعيد القديم، فيخل بالنظام. ولكن الحمد لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر، فلقد خَفّف وطء تلك المصيبة من الألف إلى الواحد، فهم لم يستطيعوا أن يعثروا على أية علاقة كانت مع المنظمات والجميعات فهي غير موجودة أصلاً، فكيف يجدونها؟

ولهذا اضطر المدعي العام إلى اختلاق الأكاذيب والافتراءات وإسناد أمور جزئية تافهة غير ذات مسؤولية إلينا.

فما دامت الحقيقة هي هذه، فقد نجونا إذاً نحن ورسائل النور من تسع وتسعين بالمائة من المصيبة، لذا ينبغي لنا انتظار رعاية العناية الإلهية وترقبها بالشكر والصبر والتضرع لتتجلى علينا تجلياً كاملاً. فعلينا إذن الشكر بل ألف شكر وليس الشكوى وأن نمدّ يد العون إلى القادمين والمغادرين لهذه المدرسة اليوسفية وتسليتهم بدروس النور».

تأليف رسالة الحجة الزهراء

«يبدو هذا الدرس ظاهراً رسالة صغيرة، إلّا أنها في الحقيقة رسالة عظيمة وقوية وواسعة جداً. وهي فاكهة إيمانية وثمرة قرآنية فردوسية أينعت من حياتي التفكرية ومن اتحاد علم اليقين وعين اليقين في حياة النور المعنوية التحقيقية.

وعلى الرغم من قيام طلاب النور بأداء وظيفتهم.. في تبليغ حقائق رسائل النور بجد وإخلاص، في كل ردهة من ردهات السجن، فإن هذه الردهة الخامسة الشبيهة بموضع انزواء الزاهدين تتجدد دائماً وتتبدل، فهي إذن أحوج ما تكون إلى دروس النور.

وكذا الشباب والشيوخ لا شك أنهم بأمس الحاجة إلى دروس يقينية وراسخة في إثبات وجوده تعالى وإثبات وحدانيته سبحانه. حيث يقرؤون ما تكتبه الصحف من هجوم الروس على الإيمان بهجمات الإلحاد الرهيبة، وإنكار الخالق العظيم.

فالذي ورد إلى القلب أثناء الأذكار عقب الصلاة هو هذا. وذكرت بدوري التهليل الذي أذكره منذ السابق عقب صلاة الفجر عشر مرات، وهو: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وإليه المصير».

هذا التهليل العظيم والتوحيد الجليل الذي يحمل الاسم الأعظم -حسب رواية- قد فصّله «المكتوب العشرون» العظيم تفصيلاً واضحاً ساطعاً كالشمس، وذلك في إحدى عشرة كلمة من كلماته في أحد عشر برهاناً من براهين وجوب وجوده تعالى ووحدانية ربوبيته وأورد إحدى عشرة بشارة من البشارات السارة… فبعد أن تسرد الرسالة أدلة التوحيد تفسر سورة الفاتحة ثم تذكر شهادات على نبوة الرسول الكريم محمد ﷺ».