الفصل السابع في سجن دنيزلي

(المدرسة اليوسفية الثانية)

20/9/1943-15/6/1944

التُهم كسابقتها

«بدأ أعداؤنا المتسترون يحرّضون علينا بعضاً من المسؤولين وبعضاً ممن يعتدّون بأنفسهم والمغرورين من العلماء والمشايخ الصوفية، فأصبحوا الوسيلة في جمعنا في تلك المدرسة اليوسفية سجن دنيزلي مع طلاب النور القادمين من عدة ولايات.

أما التهمة الموجهة، فهي كسابقاتها: «تأليف جمعية سرية، وتحريض الشعب على الحكومة العلمانية، ومحاولة قلب نظام الحكم، ثم تسمية مصطفى كمال ب»الدجال» و«السفياني»».

وهكذا ساقونا إلى سجن دنيزلي وزجّوني في ردهة كبيرة ذات عفونة ورطوبة شديدتين فوق ما فيها من برودة شديدة، فاعتراني حزن وألم شديدان من جراء ابتلاء أصدقائي الأبرياء بسبـبي فضلاً عن الحزن النابع مما أصاب انتشار «النور» من عطل ومصادرة مع ما كنت أعانيه من الشيب والمرض.. كل ذلك جعلني أتقلب مضطرباً في ضجر وسأم.. حتى أغاثتني العناية الربانية فحوّلت ذلك السجن الرهيب إلى مدرسة نورية. فحقاً إن السجن مدرسة يوسفية، وبدأت رسائل النور بالانتشار والتوسع حيث بدأ أبطال «مدرسة الزهراء» بكتابة تلـك الرسائـل بأقلامهم الألماسية. حتى إن بطل النور قد استنسخ أكثر من عشرين نسخة من رسالتَي «الثمرة» و«الدفاع» خـلال مدة لم تتجاوز أربعة أشهر، مع ضراوة تلك الظروف المحيطة، فكانت تلك النسخ سبباً للفتوحات في السجن وفي خارجه، فحوّل ضررنا في تلك المصيبة إلى منافع وبدّل ضجـرنا وحزنـنا إلى أفراح، مبـدياً مرة أخرى سراً من أسرار الآية الكريمة: ﴿وَعَسٰٓى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة:216).

ثم وُزّع ضدنا بيان شديد اللهجة بناء على التقرير السطحي الخاطئ المقدَّم من قبل «الخبراء الأوليين». وشَنّ وزير التربية هجوماً عنيفاً علينا، مما حدا بالبعض أن يطالب بإعدامنا بل قد سعوا في الأمر.

وفي هذا الوقت العصيب بالذات جاءتنا العناية الربانية فأسعفتنا أيضاً، إذ بينا ننتظر انتقادات لاذعة عنيفة من «خبراء أنقرة» إذا بتقاريرهم المتضمنة للإعجاب والتقدير برسائل النور، وإذا بهم لم يجدوا من مجموع خمسة صناديق من رسائل النور إلّا بضعة أخطاء لا تتجاوز العشرة. وقد وضّحنا أمام المحكمة وأثبتنا كذلك أن هذه الأخطاء التي أوردوها ليست أخطاءً، بل هي الحقيقة بعينها، وأن الخبراء هم أنفسهم على خطأ فيما يدّعون، وبيّنا أن في تقريرهم المتكون من خمس أوراق حوالي عشرة أخطاء.

ولقد قلت لهم: إن هؤلاء الخبراء -الذين لا خبرة لهم على الإطلاق- غير مؤهلين لتدقيق رسائل النور، لذا فإنني أطالب بتأليف لجنة عليا في أنقرة تتألف من أهل العلم. وإذا لزم الأمر فليُستقدم متخصصون، وعلماء من أوروبا لتدقيق هذه الرسائل، فإذا وجدوا فيها أي عنصر يستوجب العقاب، فإنني أرضى بذلك العقاب.

وفعلاً ألفت الحكومة لجنة أخرى من علماء وخبراء قاموا بدراسة وتدقيق جميع رسائل النور، وكانت النتيجة انهم لم يعثروا فيها على أي شيء يكون موجباً للتُهمة».

وبينما كنا ننتظر التهديد والأوامر المشددّة من الدوائر الرسمية السبع التي أرسلت إليها رسائل «الثمرة» و«الدفاع» كما أُرسلت إلى دائرة العدل جميع الرسائل، ولاسيما تلك الرسائل الخاصة المتضمنة للصفعات الشديدة والتعرض لأهل الضلالة.. أجل، بينما كنا ننتظر التهديد العنيف منهم، إذا بتقاريرهم المسلّية وهي في منتهى اللين والرقة -الشبيهة بتلك الرسالة التي بعثها رئيس الوزراء إلينا- وكأنهم يبدون رغبتهم في المصالحة معنا. فأثبت -كل هذا- إثباتاً قاطعاً أن حقائق رسائل النور بفضل العناية الإلهية وكرامتها قد غلبتهم وانتصرت عليهم حتى جعلتهم يقرؤونها ويسترشدون بها، وحولت تلك الدوائر الرسمية الواسعة إلى ما يشبه المدارس النورية، وأنقذت كثيراً من الحيارى والمترددين وشدّت من إيمانهم، مما ملأنا بهجة وسروراً هو أضعاف أضعاف ما كنا نعانيه من ضيق وضجر».

تأليف رسالة الثمرة

«إننا قمنا في ظرف أسبوعين بتأليف رسالة «الثمرة» للمسجونين، وهي رسالة تلخص أهداف رسائل النور وتبين أسسها وغاياتها. فهي بمثابة رسالة دفاع عن رسائل النور.

وعندما كنت أصحح الثمار الفردوسية واليوسفية للأبطال الميامين، جلبت انتباهي تلك الرسالة (الثمرة) حيث بدت لي أهميتها. فصرخت: لو تضاعفت متاعب السجن كلها مائة ضعف فقد أدّت هذه الرسالة أضعافها من الوظائف، إذ تستقرئ نفسها في شتى الأوساط العامة، وتسوق إلى الإيمان حتى المتعنتين.

أيها الشقاة! يا من تضيّقون عليّ الخناق! اعملوا ما شئتم واقضوا ما أنتم قاضون، فلا أهمية لعملكم، كل المصائب التي تنـزل بنا هينة تافهة، بل إنها عناية إلهية محضة ورحمة بعينها… قلت هذا ووجدت السلوان الكامل.

إنني أخال أن الرسالة الصغيرة التي أثمرها سجن «دنيزلي» ستكون دفاعنا الحقيقي والأخير، لأن الخطط المنصوبة للقضاء علينا سابقاً والناشئة من أوهامٍ وشكوك أثيرت ضدنا منذ سنة، قد صممت على نطاق واسع، وهي: العمل لطريقة صوفية.. إنهم منظمة سرية.. وأداة لتيارات خارجية.. إثارة المشاعر الدينية واستغلالها في سبيل السياسة، والسعي لهدم الجمهورية والتعرض للدولة والإخلال بأمن البلاد.. وأشباهها من الحجج التي لا أساس لها من الصحة. لذا شنوا هجومهم علينا.

فلله الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد والشكر، أصبحت خططهم بائرة وباءت بالإخفاق، إذ لم يجدوا في هذا الميدان الواسع وبين مئات من الطلاب ومئات من الرسائل والكتب طوال ثماني عشرة سنة سوى أبحاث في حقيقة الإيمان والقرآن وتحقق الآخرة والسعي للسعادة الأبدية، لذا بدءوا يتحرون عن حجج تافهة جداً ليستروا بها خططهم.

ولكن إزاء احتمال الهجوم علينا باستغفال بعض أركان الحكومة والتغرير بهم وإثارتهم علينا من قبل منظمة ملحدة رهيبة متسترة تعمل حالياً عملاً مباشراً في سبيل الكفر المطلق، فإن رسالة «الثمرة» الواضحة كالشمس والمزيلة للشبهات والأوهام، والراسخة رسوخ الشم العوالي، تكون أقوى دفاع لنا تجاههم، وسوف تسكتهم بإذن الله. وأحسب أنها كُتّبت لنا لأجل هذا.

وما إن دخل طلاب النور ورسالة الثمرة التي كُتبت للمسجونين حتى تاب أكثرُ من مائتي سجين وتحلّوا بالطاعة والصلاح، وذلك في غضون ثلاثة أشهر أو تزيد. حتى إن قاتلاً لأكثر من ثلاثة أشخاص كان يتحاشى أن يقتل «بقة الفراش». فلم يعد عضواً لا يضر فحسب، بل أصبح نافعاً رحيماً بالبلاد والعباد.

فكان الموظفون المسؤولون ينظرون إلى هذا الوضع بحَيرة وإعجاب، حتى صرّح بعض الشباب قبل أن يستلموا قرار المحكمة: «إذا لبث طلاب النور في السجن فسنحكُم على أنفسنا وندينُها لنظلّ معهم ونتتلمذ عليهم ونصلح أنفسنا بإرشاداتهم لنكون أمثالهم». فالذين يتهمون طلاب النور الذين لهم هذه الخصائص والخصال بإخلال الأمن لا محالة قد انخدعوا بشكل مفجع، أو خُدعوا، أو أنهم يستغفلون أركان الحكومة في سبيل الفوضى والإرهاب -من حيث يعلمون أو لا يعلمون- لذا يسعَون لإبادتنا وإقحامنا في العذاب.

فنحن نقول لهؤلاء: «مادام الموتُ لا يُقتَل والقبرُ لا يُغلق بابه، وقوافل البشرية في دار ضيافة الدنيا تغيب وتتوارى تحت التراب بسرعة مذهلة.. فلا مناص أننا سنفترق في أقرب وقت، وسترَون جزاء ظلمكم جزاءً رهيباً، وفي الأقل ستذوقون الموتَ الذي هو رخصة من الحياة عند أهل الإيمان المظلومين، ستذوقونه إعداماً أبدياً لكم، فالأذواق الفانية التي تكسبونها بتوهمكم الخلود في الدنيا ستنقلب إلى آلام باقية مؤلمة دائمة..

إنَّ حقيقة الإسلام التي ظفرتْ بها هذه الأمة المتدينة وحافظت عليها بدماء مئات الملايين من شهدائها الذين هم بمرتبة الأولياء وسيوف أبطالها المجاهدين يُطلِق عليها اليوم -مع الأسف- أعداؤنا المنافقون المتسترون اسم «الطريقة الصوفية» أحياناً، ويظهرون الطريقة الصوفية التي هي شعاع واحد من أشعة تلك الشمس المنيرة كأنها الشمسُ نفسها ليموّهوا على بعض الموظفين السطحيين، مطلِقين على طلاب النور الذين يسعون بجد ونشاط لإبراز حقيقة القرآن وحقائق الإيمان اسم «أهل الطريقة الصوفية» أو «جمعية سياسية» ولا يبغون من ورائها إلّا التشويه والتحريض علينا. فنحن نقول لهؤلاء ولكل من يصغي إليهم قَولتَنا التي قلناها أمام محكمة دنيزلي العادلة:

«إن الحقيقةَ المقدسة التي افتدتها ملايينُ الرؤوس فداءٌ لها رؤوسنا أيضاً، فلو أشعلتم الدنيا على رؤوسنا ناراً فلن ترضخ تلك الرؤوس التي افتدت الحقيقةَ القرآنية ولن تُسلم القيادة للزندقة ولن تتخلّى عن مهمتها المقدسة بإذن الله».

وهكذا فلا أستبدل بسنةٍ واحدة من شيخوختي التي أنشأت حوادثُها اليأسَ والأعباءَ الثقيلة والتي أسعفها السلوانُ النـزيه النابع من الإيمان والقرآن، مع ما فيها من معاناة وضيق، عشرَ سنوات بهيجة سارة من حياة شبابي. وبالأخص إذا كان كل ساعة من ساعات التائب المقيم لفرائضه في السجن بحكم عشر ساعات له من العبادة، وإن كُل يوم يمرّ بالمريض وهو مظلوم يجعل صاحبَه يفوز بثواب عشرة أيام خالدة، فكم يكون مثل هذه الحياة مبعث شكر وامتنان لله لمثلي الذي يترقب دورَه وهو على شفير القبر.

نعم، فهذا هو الذي فهمتُه من ذلك التنبيه المعنوي، فقلت: شكراً لله بلا نهاية.. وفرحت بشيخوختي ورضيت بالسجن. حيث إن العمر لا يتوقف بل يمضي مسرعاً، فإن مضى باللذة والفرح فإنه يورث الحزن والأسى؛ لأنَّ زوالَ اللذة يورث الألم، وإن مضى مشبعاً بالغفلة خاوياً من الشكر فإنه يترك بعض آثار الآثام ويفنى هو ويمضي. ولكن إذا مضى بالعناء والسجن، فلِما أن زوال الألم يورث لذةً معنوية، وأن مثل هذا العمر يعدّ نوعاً من العبادة، يظل باقياً من جهة، فيجعل صاحبَه يفوز بعمر خالد بثمرات خالدة خيّرة، ومن جهة أخرى يكون كفّارة للذنوب السابقة وتزكية للأخطاء التي سببت السجن. فمن زاوية النظر هذه، على المسجونين الذين يؤدون الفرائض أن يشكروا الله تعالى ضمن الصبر».

إلى أخي العزيز الحافظ علي!

«لا تهتم لمرضك، نسأله تعالى أن يرزقك الشفاء. آمين. فإنك رابح غانم كثيراً، لأن كل ساعة من العبادة في السجن بمثابة اثنتي عشرة ساعة. فإن كنت محتاجاً إلى الدواء فلديّ بعضه لأرسله إليك. علماً أن وباءً خفيفاً منتشر في الأوساط. ففي اليوم الذي أذهب فيه إلى المحكمة أمْرَضُ بلا شك.. ولعلك أصبحت معيناً لي في ذلك فأخذت شيئاً من مرضي، كما كانت تحدث بطولات خارقة سابقاً، فيتمرض أحدهم بدلاً من أخيه أو يموت بدلاً منه».

استشهاد الحافظ علي

«ثم دسّ الأعداء المتسترون السُّم في طعامي ونُقل بطل النور الشهيد الحافظ علي على إثرها إلى المستشفى بدلاً عنى، ومن ثم ارتحل إلى عالم البرزخ أيضاً عوضاً عني، مما جعلنا نحزن كثيراً ونبكى بكاءً حاراً عليه.

لقد قلت يوماً -قبل نزول هذه المصيبة بنا- وأنا على جبل قسطموني، بل صرخت مراراً: يا إخواني «لا تلقوا اللحم أمام الحصان ولا العشب أمام الأسد» بمعنى: لا تعطوا كل رسالة أياً كان، حذراً من أن يتعرضوا لنا بسوء. وكأن الأخ الحافظ علي قد سمع بهاتفه المعنوي كلامي هذا «وهو على بُعد مسيرة سبعة أيام». فكتب إليّ -في الوقت نفسه- يقول: «نعم، يا أستاذي.. إنها من إحدى كرامات رسائل النور وخصائصها أنها لا تعطي الحصان اللحم ولا الأسد العشب، بل تعطى الحصان العشب والأسد اللحم» حتى أعطى ذلك العالِم رسالة الإخلاص، وبعد سبعة أيام تسلمنا رسالته هذه، وبدأنا بالعدّ والحساب فعلمنا أنه قد كتب تلك العبارة الغريبة نفسها في الوقت الذي كنت أرددها من فوق جبل قسطموني.

فوفاة بطل معنوي مثل هذا البطل من أبطال النور، والمنافقون يسعون لإدانتنا وإنزال العقوبة بنا، علاوة على قلقي المستمرّ من أخذهم إياي بأمر رسمي إلى المستشفى لمرضي الناشئ من التسمم.. في هذا الوقت وجميع هذه المضايقات تحيط بنا، إذا بالعناية الإلهية تأتي لإمدادنا؛ فلقد أزال الدعاءُ الخالص المرفوع من قبل إخواني الطيبين خطر التسمم. وهناك أمارات قوية جداً تدل على أن ذلك البطل الشهيد منهمك في قبره برسائل النور، وأنه يجيب بها عن أسئلة الملائكة. وإن بطل دنيزلي «حسن فيضي» تغمده الله برحمته وأصدقاءه الأوفياء سيحلون محله فيقومون بمهمته في خدمة النور سراً.. وإن أعداءنا قد انضموا إلى الرأي القائل بضرورة إخراجنا من السجن خوفاً من سعة انتشار الرسائل بين المساجين وسرعة استجابتهم لها ليحُولوا بيننا وبين السجناء، وقد حوّل تلاميذ النور تلك الخلوة المزعجة إلى ما يشبه كهف أصحاب الكهف، أولئك الذين آمنوا بربهم فزادهم هدى، أو ما يشبه مغارات المنـزوين من الزهاد، وسعوا بكل اطمئنان وسكينة في كتابة الرسائل ونشرها.. كل ذلك أثبت أن العناية الإلهية كانت تمدّنا وتغيثنا.

ولقد خطر للقلب أنّ الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان وأمثاله من الأئمة المجتهدين قد أوذوا بالسجن وتحملوا عذابه، وأن الإمام أحمد بن حنبل وأمثاله من المجاهدين العظام قد عذّبوا كثيراً لأجل مسألة واحدة من مسائل القرآن الكريم، وقد ثبت الجميع أمام تلك المحن القاسية وكانوا في قمة الصبر والجلد، فلم يُبد أحدهم الضجر والشكوى، ولم يتراجع عن مسألته التي قالها، وكذا علماء عظام كثيرون وأئمة عديدون لم يتزلزلوا قط أمام الآلام والأذى الذي نزل بهم، بل صبروا شاكرين لله تعالى، مع أن البلاء الذي نزل بهم كان أشدّ مما هو نازل بكم، فلا بد أن في أعناقكم دَين الشكر لله تبارك وتعالى شكراً جزيلاً على ما تتحملونه من العذاب القليل والمشقة اليسيرة النازلة بكم في سبيل حقائق عديدة للقرآن الكريم مع الثواب الجزيل والأجر العميم».

عزاء جميل وفي أنسب وقت

«إخوتي الأعزاء الأوفياء!

لكل مصيبة نقول: ﴿اِنَّا لِلّٰهِ وَاِنَّٓا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة:156).

أُعزّي نفسي وأعزّيكم وأعزّي رسائل النور. ولكني أهنئ المرحوم «الحافظ علي» وأهنئ مقبرة «دنيزلي» لأن أخانا الرائد الذي أدرك حقيقة «رسالة الثمرة» علم اليقين، قد ترك جسده في القبر، صاعداً كالملائكة إلى النجوم وعالم الأرواح، لأجل الارتقاء إلى مقام عين اليقين وحق اليقين، وخلد إلى الراحة والسكون متسرحاً عن وظيفته التي أدّاها حق الأداء.

نسأل الله الرحمن الرحيم أن يكتب في سجل أعماله حسنات بعدد جميع حروف رسائل النور المكتوبة والمقروءة. آمين. وينـزلَ شآبيب رحمته بعددها على روحه… آمين. ويجعلَ القرآن الكريم ورسائل النور مؤنسين لطيفين له في القبر.. آمين. ويحسنَ إلى «مصنع النور» بعشرة عاملين بدلاً منه.. آمين.. آمين.. آمين.

أما أنتم فيا إخوتي، اذكروه في أدعيتكم، كما أذكره أنا، مستعملين ألف لسان عوضاً عن لسانه، راجين من رحمته تعالى أن يكسبه ألف حياة وألف لسان بدلاً عما فقده من حياة واحدة ولسانٍ واحد.

ويا إخوتي الأعزاء الأوفياء!

نحمد الله سبحانه وتعالى بما لا يتناهى من الحمد والشكر، على ما يسّر لنا من نيل شرف المقام الرفيع لطلبة العلوم وأعمالهم الجليلة بوساطتكم في هذا الزمان العجيب والمكان الغريب.

ولقد ثبت بوقائع عديدة بمشاهدة أهل كشف القبور، أن طالب علم جاد تواق للعلوم عندما يتوفى أثناء تحصيله لها، يرى نفسه -كالشهداء- حياً يُرزق ويزاول الدرس. حتى إن أحد أهل كشف القبور المشهورين قد راقب كيفية إجابة طالب علم متوفىً في أثناء دراسته لعلم الصرف والنحو، لأسئلة المنكر والنكير في القبر، فشاهد أنه عندما سأله الملك: من ربك؟ أجاب: مَن: مبتدأ، ربك: خبره، وذلك على وفق علم النحو، يحسب نفسه أنه مازال في المدرسة يتلقى العلم.

فبناء على هذه الحادثة فإني أعتقد أن المرحوم الحافظ علي منهمك برسائل النور كما كان دأبه في الحياة، وهو على هيئة طالب علم يتلقى أرفع علم وأسماه، وقد تسنّم مرتبة الشهداء حقاً ويزاول نمط حياتهم.

وبناء على هذه القاعدة أدعو له في أدعيتي، وأدعو لمثيله «محمد زهدي» و«الحافظ محمد» قائلاً: يا رب سخر هؤلاء إلى يوم القيامة لينشغلوا بحقائق الإيمان وأسرار القرآن ضمن رسائل النور بكمال الفرح والسرور… آمين. إن شاء الله».

مقتطفات من دفاع الأستاذ النُّورْسِيّ

في محكمة دنيزلي

«السيد الرئيس!

لقد تم اتخاذ ثلاثة أسس في قرار المحكمة:

المادة الأولى: الجمعية.

إنني أُشهد جميع طلاب النور الموجودين هنا وجميع من قابلوني وتحدثوا إليّ وجميع من قرءوا أو استنسخوا رسائل النور، وتستطيعون أن تسألوهم إن قلت لأيّ منهم: إننا سنشكل جمعية سياسية أو طريقة نقشبندية، بل كنت أقول دائماً: إننا نحاول إنقاذ إيماننا، ولم يجر بيننا حديث خارج عموم أهل الإيمان وخارج الجماعة الإسلامية المقدسة التي يربو عدد أفرادها على ثلاثمائة مليون مسلم، ولم نجد لأنفسنا مكاناً خارج ما أطلق القرآن الكريم عليه اسم «حزب الله» الذي يجمع تحت ظل أخوّة الإيمان جميع أهل الإيمان. ولأننا حصرنا جهدنا في خدمة القرآن فلا شك أننا من «حزب القرآن» ومن «حزب الله» فإن كان قرار الاتهام يشير إلى هذا فإننا نقر بذلك بكل خلجة من خلجات أرواحنا وبكل فخر واعتزاز. أما إن كان يشير إلى معانٍ أخرى فإننا لا نعلم عنها شيئاً.

المادة الثانية: إن قرار الاتهام يعترف -استناداً إلى تقرير وشهادة شرطة «قسطموني»- بأن «رسالة الحجاب» و«رسالة الهجمات الست وذيلها» وجدت داخل صناديق مغلقة ومسمّرة وتحت أكوام الحطب والفحم. أي لم تكن معدة للنشر أبداً. وقد مرت من تدقيق ونقد محكمة «أسكي شهر» وأدّت إلى إصدار عقوبة خفيفة لي. ولكن الادعاء العام الذي أخذ بعض الجمل من هذه الرسائل وأعطى لها مفهوماً ومعاني غير صحيحة، يريد أن يرجع بنا تسع سنوات إلى الوراء وأن يحمّلنا مسؤولية جديدة حول تهمة سبق وأن عوقبنا من أجلها.

المادة الثالثة: ورد في قرار الاتهام وفي مواضع عدة عبارات أمثال «يمكن أن يخل بأمن الدولة». أي تم وضع الاحتمالات والإمكانات محل الوقائع الثابتة. وأنا أقول: إن من الممكن ومن المحتمل أن يقوم كل شخص باقتراف جريمة القتل، فهل يمكن إدانة كل شخص وتجريمه على أساس الاحتمال؟.

أيها السادة! إنني أؤكد لكم أن الذوات الموجودين هنا إما لا تربطهم رابطة مع رسائل النور أو هناك مجرد رابطة بسيطة معها، مع أن لي العديد من الإخوة الحقيقيين بكل معاني الأخوّة التي تستطيعون تصورها. ولي على درب الحقيقة العديد من الأصدقاء الواصلين للحقيقة.

إننا أيها السادة على يقين تام لا يتزعزع بأن الموت بالنسبة لنا -بسر القرآن الكريم- ليس إعداماً أبدياً بل مذكرة تسريح.. بينما يعد هذا الموت بالنسبة لمعارضينا وبالنسبة للسائرين في درب الضلالة موتاً أكيداً وإعداماً أبدياً «إن لم يكن يؤمن بالآخرة إيماناً لا شبهة فيه».. أو أن هذا الموت يعد بالنسبة إليه سجناً انفرادياً أبدياً ومظلماً «إن كان يؤمن بالآخرة ولكنه منغمس في حياة السفاهة والضلالة».

إنني أسألكم: أتوجد في هذه الدنيا مسألة أكبر من مسألة الموت؟.. أهناك مسألة إنسانية أهم وأكبر من هذه المسألة؟ فكيف إذن يمكن أن تستغل هذه المسألة من أجل شيء آخر؟.. ومادام من المستحيل أن يكون هناك شيء آخر أهم من هذه المسألة، إذن فلِمَ أنتم منشغلون بنا هكذا؟

إننا لا ننظر إلى أشد عقوبتكم وأقصاها إلا أنها تسريح وتذكرة سفر إلى عالم النور، لذا فإننا ننتظرها بثبات كامل.. ولكننا نعلم علم اليقين أن الذين وقفوا ضدنا وأصدروا الأحكام ضدنا سيلقون عن قريب عقابهم بالإعدام الأبدي وبالسجن الانفرادي، ذلك العقاب المرعب.. إننا نوقن ذلك وكأننا نشاهدهم في عذابهم هذا كما نشاهدكم أنتم في هذا المجلس.. إننا نشاهدهم هكذا ونتألم كثيراً من الناحية الإنسانية من أجلهم. وأنا على أتم استعداد لإثبات هذه الحقيقة المهمة والبرهنة عليها وإفحام أكبر المنكرين لها وإلزام أشد المتمردين عليها.. وأنا على أتم استعداد لقبول أي عقاب كان إن لم أقم بهذا الإثبات أوضح من الشمس في رابعة النهار وأمام أكبر علمائكم وفلاسفتكم وليس فقط أمام المختصين من هذه اللجنة الذين لا يملكون أي نصيب من العلم ومن الاختصاص، إنهم مشبعون بالحقد ولا علم لهم بالمعنويات ولا يهتمون بها…

والخلاصة: إن أمامكم طريقين: إما أن تطلقوا الحرية الكاملة لرسائل النور أو تحاولوا -إن استطعتم- أن تغلبوا الحقائق الواردة فيها وتقضوا عليها.

إنني لم أكن حتى الآن أفكر فيكم ولا في دنياكم، وما كان في نيتي أن أتفكر فيهما في المستقبل، ولكنكم اضطررتموني إلى هذا، وربما كان هذا ضرورياً لتنبيهكم وإيقاظكم، ولعل القدر الإلهي هو الذي ساقنا إلى هذا. أما نحن فإن مرشدنا هو الدستور القائل «مَن آمن بالقدر أمِن من الكدر» لذا فقد عقدنا العزم على تحمل جميع صنوف مضايقاتكم بكل صبر.

أجل، نحن جمعية، تلك الجمعية التي لها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من الأعضاء في كل عصر. وهم يؤكدون كمال احترامهم وصادق ارتباطهم وتعلقهم بمبادئ تلك الجمعية المقدسة -بإقامة الصلاة- خمس مرات يومياً، ويتسابقون في مدّ يد العون والمساعدة بعضهم إلى بعض، سواء بدعواتهم الشخصية عن ظهر الغيب، أو بمكاسبهم المعنوية الوفيرة وفق الدستور الإلهي: ﴿اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اِخْوَةٌ﴾ (الحجرات:10).

وهكذا فنحن أعضاء في تلك الجمعية المقدسة العظمى إذن، أما وظيفتنا ضمن نطاق هذه الجمعية فهي: تبليغ الحقائق الإيمانية التي يتضمنها القرآن الكريم إلى طلاب الحق والإيمان على أصح وجه وأنزهه، إنقاذاً لأنفسنا وإياهم من الإعدام الأبدي وبرزخ السجن الانفرادي السرمدي.

أما الجمعيات الدنيوية المؤسسة على الدسائس والأحابيل السياسية فلا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد بل نترفع عنها.

لو كانت لدينا رغبة في التوجه إلى الأمور الدنيوية، لما كان الصوت الصادر منا مثل طنين الذباب، بل لكان صوتاً هادراً كدويّ المدافع.

أجل، إن رجلاً دافع بكل شدة وصلابة دفاعاً مؤثراً ودون خوف أو وجل أمام المحكمة العرفية العسكرية التي انعقدت بسبب أحداث 31 مارت، وفي مجلس المبعوثان دون أن يبالي بغضب مصطفى كمال وحدّته.. كيف يُتهم هذا الشخص بأنه يدير سراً خلال ثماني عشرة سنة ودون أن يشعر به أحد مؤامرات سياسية؟ إن من يقوم بمثل هذا الاتهام لا شك أنه شخص مغرض.

لا يجوز التهجم على رسائل النور بحجة وجود قصور في شخصي أو في بعض إخواني، ذلك لأن رسائل النور مرتبطة بالقرآن مباشرة، والقران مرتبط بالعرش الأعظم. إذن فمن ذا يجرُؤ أن يمد يده إلى هناك، وأن يحل تلك الحبال القوية؟ ثم إن رسائل النور لا يمكن أن تكون مسؤولة عن عيوبنا وعن قصورنا الشخصي، لا يمكن هذا ولا يجوز أن يكون أبداً، حيث إن بركتها المادية والمعنوية وخدماتها الجليلة لهذه البلاد قد تحققت بإشارات ثلاث وثلاثين آية قرآنية وبثلاث كرامات غيبية للإمام علي رضى الله عنه وبالإخبار الغيبي للشيخ الكيلاني قدس سره. وإلا فإن هذا البلد سيواجه خسائر وأضراراً مادية ومعنوية لا يمكن تلافيها.

وسيرتد كيد الأعداء الخفيين لرسائل النور من الملاحدة إلى نحورهم وستفشل بإذن الله الخططُ الشيطانية التي يحوكونها والحملات التي يشنونها عليها. ذلك لأن طلبة النور ليسوا مثل الآخرين، فبعون الله تعالى وعنايته لا يمكن تشتيتهم ولا حملهم على ترك دعوتهم ولا التغلب عليهم. ولو لم يكن القرآن مانعاً عن الدفاع المادي فإن طلبة النور -الذين كسبوا محبة جماهير هذه الأمة وتقديرها، وهم في حكم شريان حياة هذه الأمة- والذين هم موجودون في كل مكان، لن يشتركوا في حادثة جزئية كحادثة الشيخ سعيد أو حادثة «مَنَمَن» إذ لو وقع عليهم -لا سمح الله- ظلم شديد إلى درجة الضرورة القصوى وهوجمت رسائل النور فإن الملاحدة والمنافقين الذين خدعوا الحكومة سيندمون لا محالة ندماً شديداً..

والخلاصة أنه مادمنا لا نتعرض لدنيا أهل الدنيا، فيجب عليهم ألّا يتعرضوا لآخرتنا ولا لخدماتنا الإيمانية.

ثم إني رغم مقاساتي سنة واحدة من العقاب النازل بي حول «رسالة الحجاب» التي عثروا عليها تحت أكوام الحطب والوقود، نراهم يريدون إدانتنا بها وكأنها ألفت هذه السنة ونشرت.

ثم إنني لما اعترضت بكلمات قاسية على ذلك الشخص المعروف الذي تولى رئاسة الحكومة بأنقرة، فلم يقابلني بشيء، بل آثر الصمت. إلّا أن بعد موته أظهرت حقيقةُ حديث شريف خطأه -كنت قد كتبته قبل أربعين سنة- فتلك الحقيقة والانتقادات التي كانت فطرية وضرورية واتخذناها سرية، وعامة غير خاصة على ذلك الشخص قد طبقها المدعى العام بحذلقة على ذلك الشخص، وجعلها مدار مسؤولية علينا.

فأين عدالة القوانين التي هي رمز الأمة وتذكارها وتجل من تجليات الله سبحانه، وأين خاطر شخص مات وانقطعت علاقته بالدولة؟

ثم إننا جعلنا حرية الوجدان والعقيدة التي اتخذتها حكومة الجمهورية أساساً لها، مدار استناد لنا. ودافعنا عن حقوقنا بهذه المادة، ولكن اتخذتها المحكمة مدار مسؤولية وكأننا نعارض حرية الوجدان والعقيدة.

وفى رسالة أخرى انتقدتُ سيئات المدنية الحاضرة وبينت نواقصها، فأسند إليّ في أوراق التحقيق شيء لم يخطر ببالي قط، وهو إظهاري بمظهر من يرفض استعمال الراديو([1]) وركوب القطار والطائرة. فأكون مسؤولا عن كوني معارضاً للرقي الحضاري الحاضر.!..

وأغرب من جميع ما ذكر هو أن الطائرة والقطار والراديو التي تعتبر من نعم الله العظيمة وينبغي أن تقابَل بالشكر لله، لم تقابلها البشرية بالشكر فنـزلت على رؤوسهم قنابل الطائرات.

والراديو نعمة إلهية عظيمة بحيث ينبغي أن يكون الشكر المقدم لأجله في استخدامه جهازاً حافظاً للقرآن الكريم يُسمع البشرية جمعاء. ولقد قلنا في «الكلمة العشرين»: إن القرآن الكريم يخبر عن خوارق المدنية الحاضرة، وبيّنّا فيها عند حديثنا عن إشارة من إشارات آية كريمة، بأن الكفار سيَغلبون العالم الإسلامي بوساطة القطار. ففي الوقت الذي أحثُّ المسلمين إلى مثل هذه البدائع الحضارية فقد جعلها بعض المدعين العامين لمحاكم سابقة مدار اتهام لنا وكأنني أعارض هذه الاختراعات.

ثم إن أحدهم قال: إن رسالة النور نابعة من نور القرآن الكريم، أي إلهام منه، وهى وارثة، تؤدى وظيفة الرسالة والشريعة. فأورد المدعى العام معنى خطأ فاضحاً ببيانه ما لا علاقة له أصلاً وكأن «رسالة النور رسول» وجعلوا ذلك مادة اتهام لي.

ولقد أثبتنا في عشرين موضعاً في الدفاع وبحجج قاطعة أننا لا نجعل الدين والقرآن ورسائل النور أداة ووسيلة لكسب العالم أجمع، ولا ينبغي أن تكون وسائل قطعاً. ولا نستبدل بحقيقة منها سلطنة الدنيا كلها. ونحن في الواقع هكذا. وهناك ألوف من الأمارات على هذه الدعوى… فما دام الأمر هكذا فنحن نقول بكل ما نملك: ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾

أيها السادة! إنني مقتنع تماماً -نتيجة شواهد ودلائل عديدة- بأن الهجمات التي تُشن علينا ليس مبعثها الزعم القائل بأننا «نستغل الشعور الديني للإخلال بالأمن الداخلي».. كلا، ولكن ذلك الهجوم -الذي يتم تحت ذلك الغطاء الزائف- يتم في سبيل الكفر والزندقة ويستهدف إيماننا وإنهاء مساعينا وخدماتنا في سبيل هذا الإيمان ومن أجل إقرار الهدوء.. ونحن نملك أدلة وبراهين عديدة على هذا. ولنقدمْ هنا برهاناً واحداً فقط على ذلك:

لقد قرأ عشرون ألف فرد عشرين ألف نسخة من رسائل النور في غضون عشرين سنة، ورضوا بها وتقبلوها. ومع ذلك لم تقع حادثة واحدة مخلة بالأمن من قبل طلاب رسائل النور، ولم تسجل المراجع الرسمية أية حادثة من هذا القبيل، كما لم تستطع المحكمة السابقة ولا المحكمة الحالية العثور على مثل هذه الحادثة، علماً بأن نتائج مثل هذه الدعاية القوية والمنتشرة بكثرة كان لا بد لها من الظهور في ظرف عشرين يوماً بشكل حوادث ووقائع.

إذن فإن «القانون رقم 163» ليس إلّا غطاء كاذباً وزائفاً يشهر ضد حرية الضمير وحرية الوجدان والعقيدة، وقانوناً مطاطاً يراد منه أن يشمل كل المتدينين وكل الناصحين والدعاة، ولا يريد أهل الإلحاد والزندقة إلّا القيام باستغفال بعض المسؤولين الحكوميين لضربنا وتحطيمنا.

وما دامت هذه هي الحقيقة فإننا نصرخ بكل قوتنا:

أيها البائسون الذين سقطوا في درك الكفر المطلق.. يا من بعتم دينكم بدنياكم!..

اعملوا كل ما تستطيعون عمله، ولتكن دنياكم وبالاً عليكم.. وستكون.. أما نحن فقد وضعنا رؤوسنا فداءً للحقيقة القدسية التي يفتديها مئات الملايين من الأبطال برؤوسهم.. فنحن متهيئون وجاهزون لاستقبال كل أنواع عقوباتكم.. بل حتى إعدامكم.

إن وضعنا وحالنا خارج السجن -تحت هذه الظروف- أسوأ مائة مرة من حالنا داخله، ولا يبقى بعد هذا الاستبداد المطلق الموجه إلينا أيُّ نوع من أنواع الحرية.. لا الحرية العلمية ولا الحرية الوجدانية ولا الحرية الدينية.. أي لا يبقى أمام أهل الشهامة وأهل الديانة وأمام مناصري الحرية ومحبيها من سبيل إلا الموت أو الدخول إلى السجن.

أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول: ﴿اِنَّا لِلّٰهِ وَاِنَّٓا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ ونعتصم بربنا ونلوذ به».


[1]  لأجل تقديم الشكر لله تجاه نعمة الراديو، وهى نعمة إلهية عظمى، فقد قلت: «إن ذلك يكون بتلاوة القرآن الكريم من الراديو كي يُسمع ذلك الصوت الندي إلى العالم اجمع فيكون الهواء بذلك قارئاً للقرآن الكريم» (المؤلف).