[«فصل» الحملية مطلقًا الخ..]([1])

اعلم أن طبيعة القضية أن يقّدم الموضوع ويقدم عليه سوره، لأنه كميّته. ثم النسبة… وتقدّم عليها جهتها، لأنها كيفيّتها. ثم المحمول، وقد تعدل عن طبيعتها.

وصدق الموجبة تقتضي صدق ثلاث قضيات ضمنيات:

الأولى: ثبوت المحمول للموضوع.

الثانية: ثبوت المحمول للموضوع بهذا السور.

والثالثة: ثبوته له بهذا السور ضروري مثلًا. وصدق السلب بعدم أحدها، والظاهر توجّه السلب إلى أخص القيود. فالكذب والصدق في المسوّرات باعتبار السّور، وفي الموجهات باعتبار الجهة.

تنبيه: وممّا يلزم للمحصِّل أن يراعيه أن لا يصيّر القاعدة منحصرة في المثال، كما تخبّط فيه كثير. فإن المنطق يبحث عن الضرورة واللاضرورة والدّوام، كذلك والإمكان. مع أن مرادهم من الضرورة، هي وما يرادفها من الوجوب واللزوم والقطعية حتى البداهة واليقينيّة.. ومن الإمكان، هو وما يرادفه من الصحة والجواز والاحتمال، حتى الشك.. ومن الدّوام، هو وما يماثله: كـ «أبدًا»، و«في كلّ وقت»، و«مستمرّ»، و«على كل حال» ونظائرها.. ومن «لا دائمًا»، و«لا بالضرورة» ليس لخصوصِ «لا» و«ضرورة» تأثير. بل قد يكون معنى «لا» في قالب الفعل صريحًا،([2]) أو ضمنًا.([3]) ومعنى «الضرورة» و«الدوام» قد يكون في ضمن الفعل والحرف. كـ«ينبغي، واستمر، وقط، وعوض، وإنّ».

وأيضًا قـد تكون هذه الجهات جهاتـًا لعقد الوضع.. وقـد تكون قيـودًا وأجزاءً للمحمول.. فتنبّه وإلّا تقع في حيص بيص.

ومما وجب التَّنَبُّهُ له: أن سلب الضرورة نقيض ضرورة السلبّ، وسلب الدوام نقيض دوام السلب، وسلب الإمكان معاند إمكان السلب. ففي القضية السالبة -إن قدرت السلب بعد الجهة- كان سالبة لموجبة موجهة، لا سالبة موجهة.. وإلّا فهي موجهة بتلك الجهة.

ثم إن الجهة كيفية النسبة باعتبار، ومادّة للقضية بأخرى. ولابد في نفس الأمر منها. فإن كانت في اللفظ أيضًا، فموجهة. ومن الموجهة المقيدةُ بالإطلاق.. وإلّا فمطلقة.

تنبيه: للنسبة حالات. فمن الإمكان الاستعدادي إلى الإطلاق سلسلة أفعال المقاربة.

ثم للثبوت صور وكيفيات؛ فمن صوره الأفعال الناقصة، ومن كيفيات إثباته أفعال القلوب وما يشير إليه الحروف المشبهة ونظائرها. وأساسها يرجع إلى الطبقات الثلاثة المشهورة. فإنّ النسبة ثبوت وهو وجود حرفيّ. والوجود بالنسبة إلى الشيء إما واجب، أو ممتنع، أو ممكن. وللوجوب والإمكان مراتب متفاوتة النتائجِ. والجهات التي بيّنها المنطقيّون، التي كثر استعمالها قليلة العدد.

اعلم أن أساس الموجهات([4]) إما اثنان، كالوجوب -وجودًا وعدمًا- والإمكان.. أو أربعة، كالضرورة، واللاضرورة، والدوام، واللا دوام.. ومنها السلاسل: أو ثلاثة عشر، أو بين خمسمائة وألف.

ثـم القضية مركبّة وبسـيطة. والمركبة قيـدها قضية ضمنية. وفي مقابلة كل ضرورة إمكانٌ. وأصول الضرورة ست: الضرورية الأزلية، والذاتية الناشئة، والذاتية المطلقة، والوصفية، والوقتية، وبشرط المحمول. لأن ضرورة ثبوت المحمول إما غير مقيّد قطعًا وهي الأزلية، أو مقيّدة بقيد داخل: كمادامَ الذات ذاتًا وهي الناشئة. ومادام الذات موجودًا، وهي الذات المطلقة. أو بشرط المحمول، أو بقيد خارج ناعت، وهي الوصفية بأنواعه الثلاث، بل عشرين، أو لا، وهي الوقتية بأنواعه الاثنين، بل أربعة وأربعين.

إن الضرورية الأزليـة مصداقها في الأوصاف الإلهية: الثبوتية والسـلبية([5]) وفي كثير السوالب.([6]) فإنه إذا سلب في وقت([7]) وجود الموضوع، استلزم عند عدمه بالطريق الأولى، وهو يستلزم أزلًا.

والضرورة الناشئة، وهي أن تنشأ من الذات. أعني مادام الحقيقة حقيقة، أي لا تنقلب إلى حقيقة أخرى الذي هو محال، لابد من المحمول. ومصداقها في الموجبات الأوصافُ الإلهية([8]) ليس إلّا. فإن بعدم العلم مثلا، ينقلب الواجب ممكنًا. وبعدم الناطق للإنسان يصير معدومًا، وهو ليس بمحال.


[1] كلنبوي ص20 س25.

[2] كـ«ليس».

[3] كـ«امتنع»

[4] كلنبوي ص22 س19 مضمونًا، وعلى الرغم من تضمن الكتاب مضامين كهذه فالموضوع مستقل إلى الأخير. ع. ب.

[5] والسبع.

[6] فيما علم عدم الثبوت في مدة الوجود. تأمل!

[7] كقولك: فلان ليس بعالم.

[8] التي هي عين الذاتي والسبع القديم لا الغير. تأمل!