وقد يكون الإمكان مقابلًا للمطلق.([1]) أي الإمكان بالقوّة المسمّى بالاستعدادي، وليس من الموجّهات. والإمكان الذاتي المقابل للضرورة الذاتية الخارجية لا يستلزم الإمكان الذهني المسمىّ بالشك، والاحتمال المقابل للضرورة الذهنية المسمّاة باليقين والبداهة والعلم. ومن هنا يقال في بداهة الوهميات المحسوسة في العلوم العادية:([2]) «أن الإمكان الذاتي لا ينافي اليقين العلميّ»،([3]) فبحر الـ«وان» ليس بـ«دوشاب»([4]) وجبل «سيبان» ليس بـ«بشكر» في الشتاء، وعسل في الصيف.([5])

والإمكان بسيط أي عام، ومركب أي خاصّ. والبسيط: إما مقابل المطلقة،([6]) أي لا دائمًا، أي بالفعل، فهو الإمكان الاستعدادي.([7]) وما يقابل البداهة فالإمكان الذهني.

ثم ما يقابل الأزلية والناشئة، فالإمكان الذاتي، نظير الوجوب الذاتي.([8]) وما يقابل الضرورة الذاتية،([9]) فالإمكان العاميّ. وما يقابل الوصفيّة بأقسامها، فالإمكان الحينيّ([10]) أي في حينٍ ما من أحيان([11]) الوصف التي ثبت الشرطية في كلها. وما يقابل الوقتية المعينة فإمكان وقتي، وما يقابل المنتشرة أي وقت ما كالنكرة فالذي يقابلها ويضادها الإمكان الدائمي المحيط الذي لا يفلت من يده الفرد مّا المختفى. وما يقابل الضرورة بشرط المحمول المستلزم للمقابلة لكل الضرورات، إمكانٌ وقوعي.([12]) إن كان بسيطا([13]) وإمكان استقبالي([14]) ليس إلّا إن كان مركبّ أي خاصًّا.

إن للإمكان العام البسيط المتضمن للاضرورة مّا، الذاهب إلى جانب الخلاف مركباتٍ بسبب كونه أعمّ بنفي كل ما كان أخصّ من الضرورات الإحدى عشر، والدوام الثلاث والمطلقات الخمسة،([15]) ومن أشهرها الإمكان المتضمن لللاضرورة الذاتي، والمقيد بها أيضًا المسمى بالإمكان الخاصّ والجواز. وفي الذهنية باعتبار الوقوع، وفي غيرها باعتبار الإيقاع، المسمى بالشك والتردد والاحتمال.

فإذْ فرغنا من الضرورة واللاضرورة فلنتمسك بأذيال الدوام واللادوام.


[1] أي للضرورة بشرط المحمول وهو المطلقة.

[2] أي علم هو العادة.

[3] لأن اليقين العلمي الحاصل من الوهميات لا يزول ما لم يجئ عن دليل وأمارة. إذ الأصل البقاء على حاله.(تقرير)

[4] أي الآن باليقين العلمي، وإن كان بالإمكان الذاتيّ. (تقرير)

[5] الأَولى: «ليس بمِعْلَقٍ (بِكَفْجِكْ)، أو «ليس بخبز «بنان» ليناسب في الأكل أيضًا. – (لكاتبه).

[6] اللادوام والإطلاق وبالفعل وبشرط المحمول مترادف. إلّا أن الإمكان المقابل للأخير غير ما يقابل ما تقدم. (تقرير)

[7] وهـو غير الإمكان الوقوعي الآتي. لأن في هذا لا يجوز الحمل، فلا يقال: «النطفة إنـسـان» بالإمكان الاستعدادي بخلاف الوقوعي. (تقرير)

[8] إذ الناشئة والأزلية نظير الوجوب الذاتي وان لم يكن المحمول وجودًا.

[9] والوجوب بالغير.

[10] كالكاتبَ ضاحك بالإمكان أي إن البكاء ليس بضرورة له مادام كاتبًا. (تقرير)

[11] إذ ما يقابل جميع أوقات الوصف الحين.

[12] وَيسمى إمكانًا -بحسب نفس الأمر-.

[13] وهو الصرف الخالي في الكل، لمقابلته المطلق. (تقرير)

[14] فالاستقبال معتبر في المحمول. لأنه سلب مطلق الضرورة من الجانبين. وهو لا يمكن إلّا في الاستقبال. لأنك إن قلت: «زيد قائم» مثلا بالإمكان الخاص، وأردت سلب الضرورة بأقسامه من الجانبين، كان المعنى: «أن الضرورة القيام مطلقًا، مسلوبًا في العدم والوجود وهو محال.. إلّا أن تعتبر في الاستقبال، بأن تقول فيها: «غدا»… مثلا. أي إن قيامه وعدمه الآني ليس بضروريّ الآن، لأنه عدم ولا يحكم عليه بها. وأيضًا الإمكان الخاص يقابل كلّ واحد منها، كالعامّ. وقد يقابل الرابع والخامس والسادس والسابع معًا. وهو ليس بصرف. (تقرير)

[15] الأربعة الوقتية والمطلقة.