اعلم أن مما يجب التنبه له في هذا المقام: أن إمكان الملزوم لا يستلزم إمكان اللازم كإمكان عدم المعلول الأول، اللازم عند الحكماء للواجب، مع عدم إمكان عدمه لللازم. فإمكان الأصل مطلقةً لايستلزم إمكان الإطلاق([1]) وأيضًا قد يتولد المحال من ممكنين بالإجماع، كالقيام والقعود. ففرض الممكن فعليًا([2]) مع الأصل الصادق([3]) قد لا يمكن، لتوسع أفراد موضوع الأصل.

وأيضًا، إن إمكان الدوام غير دوام الإمكان. فإن الأول ينافي الوجوب بالغير، دون الثاني.. فالكاتب دائما ليس بممكن، ليس بممكن للإنسان. والحال أنه يمكن دائمًا.

وأيضًا، إن «صدق الضرورة» غير «ضرورة الصدق» على المشهور.. كما أن «صدق الإمكان» عير «إمكان الصدق». فإن صدق الإمكان قد لا يمكن فرضه بالفعل، مع بقاء صدقيته الأصل. إذ قد يلزم الإمكان شيئًا، ففرض فعله يمتنع معه.. كالقيام وإمكان القعود. فاندفع ما شككوا في هذا المقام.

ثم اعلم أن لا عكس للممكنتين على ظاهر مذهب الشيخ في عقد الوضع، أي الفعل الخارجي للتخلف وعدم قيام الخلف، إذ الإمكان لا يصح في صغرى الشكل الأول. ومن هذا لا تنعكس الضرورة ضرورية.

ثم السّوالب؛ فعكس الدّائمتين الكليّتين دائمة كلية بالخلف، بجعل نقيض العكس، لأنه موجبة جزئية([4]) صغرى للأصل السالبة الكلية.. فينتج سلب الشيء عن نفسه الموجود على فرض صدق النقيض. فإن شئت، فبعكس نقيض العكس يناقض الأصل.. فبلزوم الدوام يلزم([5]) الأعمّ منه (أي من الدوام).

اعلم أن عكس العامتين عرفية عامة سالبة كليّة.. وإلّا فحينية مطلقة؛ موجبة جزئية مع الأصل، ينتج سلب الشيء عن نفسه -حين هو نفسه- وعكس الخّاصتين الكليّتين عكس جُزئيهما.. وهي العرفية العامة،([6]) الكلية.. والمطلقة،([7]) الموجبة الجزئية، المعبرة باللادوام الذاتيّ في البعض لمخالفة([8]) موضوعه([9]) لموضوع الجزء الأول.([10]) واصطلح على هذه بالستة المنعكسة السوالب، ولا عكس للبواقي، لأن الأخص منها وهي الوقتية، لا ينعكس إلى أعمّ الجهات، وهي الممكنة بالتّخلف في «لاشيء من القمر بمنخسف وقت التربيع»، وهو صادق مع كذبِ «بعض المنخسف ليس بقمر» بالإمكان العام. وإن لم ينعكس الأخص لم ينعكس الأعمّ.. وإن لم يلزم الأعم لم يلزم الأخص.

والسالبة الجزئية، لا عكس لها إلّا في الخاصّتين. أما عدم الانعكاس في غيرهما، فلأن أخصّ البسائطِ الضروريةُ، والمركباتِ الوقتيةُ.. وهما تصدقان بلا عكس، ولو ممكنة عامة؛ في «بعض الحيوان ليس بانسان بالضرورة».. مع كذب «بعض الإنسان ليس بحيوان بالإمكان».. و«بعض القمر ليس بمنخسف بالضرورة»، مع كذب بعضُ المنخسف ليس بقمر ولو بالإمكان، لأن خاصية الانخساف للقمر تشف عن تستر قمر تحت بعض.

وسر عدم جريان الخلف في السوالب الجزئية؛ أن الخلف ضمّ نقيض العكس إلى الأصل صغرى أو كبرى ليلزم المحال، والحال أن أصلنا هنا لسلبه لا يصير صغرى.. ولجزئيته لا يصير كبرى. وأما ثبوت الانعكاس في الخاصتين؛ فلأن الأصل يقول: إن ذات الموضوع موجود بحكم القيد الموجب.. وإن الذات متّصف بعنوان الموضوع وهو ظاهر.. وبعنوان المحمول بحكم القيد، وبنفي المحمول بحكم عقد الحمل.. وبنفي الموضوع بحكم المنافاة بين الوصفين. فالوصفان متنافيان ومتعاقبان على ذات واحد.. «هَرْوَكِي بِرَاجُوتِكْ».([11]) فالذات في أيّهما استتر، يبعد عنه الآخر.. إلى أن يزول ما أخذه.

اعلم أن العكس تحصيل أخص القضايا اللازمة.. فنثبت اللزوم بالخلف وعدم الانعكاس.. أو إلى الأخص لزومًا، فبالتخلف.. والخلف إبطال الشيء بإثبات نقيضه. ففي الاشكال يُضمُ نقيض النتيجة صغرى أو كبرى،([12]) لينتج ما ينافي الآخر. وفي العكس ضمّ نقيض العكس كبرى للأصل في الموجبات.. وصغرى له في السوالب، لينتج سلب الشيء عن نفسه في المستوي. وحملَ الشيء على نقيضه في عكس النقيض..

وصورته، من المعقول الثاني هكذا: لو لم يصدّق العكس، لصدق نقيضه بالضرورة. ولو صدق النقيض، لصدّق مع كل صادق.. بسر أن الصدق أبدي. وإذا صدق مع كل صادق صدق مع الأصل. لأنه مفروض الصدق، فمن الكل.. وإذا صدقا معًا، حصل الشكل الأول. وإذا تركب الشكل الأول، أنتج بالبداهة المحال. وهو سلب الشيء عن نفسه هنا، وهو باطل: لوجود الموضوع بالإيجاب في الأصل، أو نقيض العكس.. وملزوم المحال غير ممكن، فنقيض غير الممكن واجب ولازم، وهو المطلوب..

أما صورة التّخلف هي: أنّه لو انعكس، للزِمَ، ولو لزم، لدام.. ولو دام، لم يتخلف.. لكن إذا تخلّف فلم يدم، فلم يلزم، فلم ينعكس..


[1] في عكسه.

[2] في صغرى الأول في بطلان عكس الضرورة ضرورة بالتخلف. (تقرير)

[3] وكان كبرى للأول.

[4] مطلقة.

[5] أي يكون عكسًا لا اصطلاحًا.

[6] السالبة.

[7] العامة.

[8] اعتبر هنا العكس لعدم صدق الكليّة لموضوع الجزئية «وفيما مرّ اعتبر المركبة لجوازه.تأمل! (تقرير)

[9] لكونه عكس الموجبة.

[10] في الكم لكونه عكس سالبة الكلية.

[11] إن هذا التركيب باللغة الكردية – الكرمانجية. ومعناها: «التوأم» بالعربية. ع.ب.

[12] أي بالصغرى.. فينتج ما ينافي الكبرى. أو بالكبرى، فينتج.. الخ.