فصل في جواز الاشتغال به

والخلف [1] في جواز [2] الاشتغال  به على ثلاثةٍ أقوال

[1] ما أعظم ضرر الإطلاق في مقام التقييد، والتعميمِ في مقام التخصيص! ومن هذا تتعادى الاجتهادات المتآخية.([1])

[2] سلب الضرورة الاختيارية.([2])

فابن الصلاح والنواوي [1] حرما  وقال قوم [2] ينبغي [3] أن يُعلما [4]

[1] أي لأدائه إلى ترك الواجب، أو لانجراره إلى الفاسد، أو لاختلاطه بالباطل، أو لانحراف المزاج الذي يأخذ من كل شيء سيئه. وإلّا فتعصبٌ بارد.([3])

[2] عرف في الأول، لأنه نكرة أو معرفة. ونكّر في الثاني لأنه معرف أو منكر.([4])

[3] أي ينطلب أي الانبغاء لزوم طبيعي لا عقلي أي فطرته مسخرة للعلم. فكما أن مقتضى الفطرة في أفعال الجامدات يوجه بالضرورة، كذلك مقتضاها في مظان الاختيار يوجه (بالضرورة أيضًا)، لكن مِن عالَمِ الأمر.([5])

[4] لأنه مقدمة الواجب، ولأنه دليل ترك الشر، وإلّا فتعصبُ الصنعة.([6])


[1] (ما أعظم ضرر الإطلاق الخ) يعني أن جواز الاشتغال بالكلام مقيد بقيد الاستعداد، وخاص بذوي القريحة. فلو اعتبر هذا القيد لم يبق الخلاف والشقاق بين ذوي الاجتهادات؛ إذ لا يخفى أن عدم الجواز إنما هو بدون هذا القيد وجوازه معه. فمن عدم اعتبار هذا القيد هنا وقع بين ذوي الاجتهادات بالمخالفة ما وقع من العداوة.

[2] (سلب الضرورة الخ) أي المراد بالجواز هنا عدم اللزوم العرفي المعبَّر عنه بالانبغاء بين الناس حينما يقول بعضهم لبعض: ينبغي أن يكون الأمر هكذا وهكذا، أي يلزم.

ولا يخفى أن الضرورة الاختيارية إذا انسلبت بقي الجواز الاختياري العرفي فلا مانع للاشتغال به عرفًا.

[3] إن الأستاذ يشير إلى أسباب التحريم. (أي لأدائه إلى ترك الواجب) أي إن لم يجعل مقدمة لعلم التوحيد (أو لانجراره إلى الفاسد) كجامع الحطب بالليل. (أو لاختلاطه بالباطل) إذ المركب من الصحيح والباطلِ باطلٌ والاشتغال بالباطل حرام (أو لانحراف المزاج) أي انحراف فكره وذهنه عن صوب الصحة.

[4] (عرف في الأول) أي القول القائل بالتحريم. حيث ذكره بالكنية والنسبة إلى العلم، (لأنه معرفة) بين الناس.. (أو نكرة) عند السامع فعرفه له.. (ونكر في الثاني) وهو القائل بالجواز.. (لأنه معرف) أي بالبيت الآتي.. (أو منكر) أي لأن السامع لا يعرفهم وليس طالبًا لمعرفتهم.

[5] (أي ينطلب) من باب الانفعال أي طلبُ العلم طبيعي لا يُطلب بقصد بل ينطلب بنفسه..
 (إذ فطرته مسخرة للعلم) أي لا تنفك عن العلم. فكما أن مقتضاها في الجامدات يوجّه بالضرورة مثل النار محرقة بالضرورة كذلك في مظان الاختيار يوجه بها مثل الإنسان عالم بالضرورة. أي بحسب الفطرة.. (لكن هذا من عالم الأمر) أي والأول من عالم الخلق إذ الماديات بالخلق وغيرها من عالم الأمر كالروح.

[6] (لأنه مقدمة الواجب) وهو التوحيد وردّ الكفريات.. (ولأنه دليل ترك الشر) أي دليل على معرفة الشر، لأن من لم يشتغل بالكلام لا يفّرق بين الأقوال السالمة والباطلة. فلزم الاشتغال به ليعرف الباطل ليتوقى منه؛ إذ لا يتحفظ ممن ومما لا يعرف. كما قال من قال:

عرفتُ الشر لا للشر لكن لتوقيه      ومن لا يعرف الشر من الخير يقعْ فيه