[فصل في عكس النقيض]

الحكم الثالث للقضايا العكس، النقيض..

اعلم أن الآلة كثيرًا ما تتحول عن صورتها الحقيقية، فتظهر لأغراض بلوازم مقدمتيها، أو إحداهما فلهذا كثيرًا ما نحتاج لرد غير المتعارف إلى المتعارف لعكس النقيض.

ثم إن عكس النقيض إما موافق الكيف مع أخذ نقيض الجزئين سلبًا أو عدولًا.. أو معًا مع النظر والدّقة لأخذ نقيض الجزء. فإن نقيض «كاتب بالفعل» ليس بـ«لا كاتب بالفعل» لعدم تمام الخلف هنا.. أو أخذ نقيض المحمول فقط، سلبًا أو عدولًا مع المخالفة في الكيف.

ثم، قد ذكرنا: أن العكس مطلقًا، تحصيل أخصّ القضايا اللازمة، وإثبات اللزوم محتاج إلى البرهان. والبراهين الجارية في سوالب العكس المستوى، جارية في موجبات عكس النقيض مع تفاوت قليل، لأنها نظيرتها. وكذا براهين موجباتها في سوالب ذا، كـ«زلزل».

أما الموجبات الكلية، فعكسه على الأول نفسها، لأنه المحمول فيها، إما مساو أو أعم.. ونقيض المتساويين متساويان. ونقيض الأعم أخصّ من نقيض الأخص فيحمل عليه كليًا ألبتة. مثلًا «كل إنسان حيوان» ينعكس إلى «كل لا حيوان لا إنسان» بالخلف. أي وإلّا لصدق نقيضه.. وهو «ليس كل لا حيوان بلا إنسان» ولا يمكن جعله صغرى للأصل لسلبه. ومن هذا اضطر المتأخرون إلى العدول واستلزام هذا للموجبة عند وجود الموضوع ثابت، إذ لابد أن يكون موجود ومعدوم خارجًا عن الموضوع والمحمول، أو لأن السالبة يستلزم الموجبة السالبة الطرف، فسلبُ السلب إيجاب. فإذا صدق النقيض، استلزم «بعض ما ليس بحيوان إنسان» صغرىً للأصل، وهو «كل إنسان حيوان» فينتج «بعض اللاحيوان بالفعل حيوان دائما». وحمل النقيض على النقيض بهذا الوجه محال. ومستلزم المحال غير ممكن، فنقيض النقيض لازم. تأمل!

اعلم أن الدائمتين تنعكسان إلى دائمة. مثلًا: «كل إنسان حيوان بالضرورة، أو دائمًا».

و«كل لاحيوان لا إنسان».. وإلّا فـ«بعض اللاحيوان ليس بلا إنسان»، «فبعض اللاحيوان إنسان بالفعل» كما مرّ، مع «كل إنسان حيوان»، ينتج «بعض اللاحيوان بالفعل حيوان دائمًا». وهو كما ترى.

والعامتان، إلى عرفيّة عامة.. مثلا: «كل كاتب متحرك مادام كاتبًا». فـ«كل لا متحرك لا كاتب مادام لامتحركًا».. وإلّا فـ«بعض اللامتحرك ليس بلا كاتب حين هو لا متحرك». «فبعض اللامتحرك كاتب في حينه» لما مرّ أيضًا.. وهو مع الأصل ينتج «بعض اللامتحرك متحرك. حين هو لا متحرك» لأن الكبرى وصفيّة، فالنتيجة تابعة للصغرى. فتأمل في طبيعة الأصل لتستخرج النقط الثلاث في العكس.

والخاصّتان إلى عرفية عامة لا دائمة في البعض، لأن الأصل يخبرنا بأن ذاتًا واحدة له وصف الموضوع، فوصف المحمول معه. ولها نقيض المحمول، فنقيض الموضوع معه بحكم القيد ومادام.. إلّا أن قيد العكس جزئى كما في عكس المستوي…

أما الجزئيات، فلا عكس لها بالتخلف، إلّا للخاصّتين بالافتراض. فإن أخصّ البسائط الضرورية، والمركبات غيرهما الوقتية. ولا تنعكسان إلى الإمكان العام. وما لم يستلزم الأعم، لم يستلزم الأخص.. وما لم يلزم الأعم، لم يلزم الأخص. مثلا: «بعض الحيوان لا إنسان بالضرورة».. و«بعض القمر لا منخسف بالضرورة وقت التربيع لا دائمًا»، مع كذب «بعض اللاإنسان لاحيوان» و«بعض المنخسف لاقمر» بالامكان العام.

أما الخاصّتان، فعكسهما عرفية عامة جزئية لا دائمة. إذ لا يصدق في عكس «بعض المتحرك كاتب لا دائمًا» القيد. أي «بعض اللاكاتب ليس بلا متحرك بالفعل». إذ تنص الأرض تليلهُ تحت «لاكاتب».. وتقول: «إني لا أتحرك على رغم المتقدمين، على رغم أنفكم أيها الجديديون!» ومن هذا، يكون قيد عكس الخاصتين الكليّتين جزئيةً.

اعلم أن سوالبهما كموجبات عكس المستوي. فالدائمتان والعامّتان إلى حينيّة مطلقة، جزئية سالبة. مثلا: الأعم من الأربعة: «لاشيء من الكاتب بساكن مادام كاتبًا». فـ«بعض اللاساكن ليس بلا كاتب حين هو لاساكن».. وإلّا فـ«كلّ لاساكن لا كاتب مادام لاساكنًا».. وهو بعكس النقيض. فإنه قد برهن عليه: «كل كاتب ساكن مادام كاتبًا».. وهو ضد الأصل؛ فهو باطل. فملزوم هذا العكس النقيض. أعني نقيض العكس محال أيضًا، غير ممكن.. والعكس لازم.

وأما الخاصتان: فحينية لا دائمة.. أما الحينية؛ فلأنه لازم للأعم منها، ولازم الأعم لازم الأخصّ. وأما اللادوام؛ فبالافتراض.. نفرض في المثال السابق مع اللادوام؛ «كل روميّ لاساكن مادام كاتبًا» بحكم الجزء الأول.. و«كل رومي لاكاتب حين هو ساكن» بحكم القيد مع العناد بينهما. فبضمها، يعني «كل رومي لاساكن مادام كاتبًا» و«كل رومي لاكاتب. مادام ساكنًا». فينتج من الشكل الثالث «بعض اللاساكن لاكاتب حين هو لاساكن» لأن النتيجة في الثالث تابعة لعكس الصغرى. وتستلزم الحينية المطلقةُ، المطلقةَ العامة. فـ«بعض اللاساكن لاكاتب بالفعل»، وهو مآل قيد الحينية اللادائمة في عكس النقيض. ولا يثبت بالخلف ولا بطريق العكس..

وأما الوقتيتان والوجوديتان والمطلقة العامة: فعكس نقيضها المطلقةُ العامة، إذا عمّها وهو المطلقة العامة الجزئية السّالبة. مثلا: «بعض الإنسان ليس بضاحك بالفعل»، تستلزم «بعض اللاضاحك ليس بلا إنسان بالفعل».. وإلّا فـ«كل لاضاحك لا إنسان دائما». وهو يستلزم عكس نقيضها، المبرهن عليه. وهو «كل إنسان ضاحك دائما»، وهو مناقض للأصل دائما الصّادق. فبطل عكس نقيض نقيض عكس النقيض، فيثبت عكسنا، ولا يثبت بالخلف، لأن الأصل سالبة جزئية، لا تصير صغرى ولا كبرى. وإذا لزمت المطلقة المطلقة، لزمت الأخص منها.

ثم إن عند المتأخرين جعل نقيض المحمول موضوعًا، وعين الموضوع محمولًا مع مخالفة الكيف. فالدّائمتان الموجبتان إلى سالبة دائمة.. فـ«كل إنسان حيوان دائما»، إلى «لاشيء من اللاحيوان بإنسان دائما».. وإلّا فـ«بعض اللاحيوان إنسان بالفعل». وهو مع الأصل ينتج: «بعض اللاحيوان حيوان دائمًا، أو بالضرورة». وهو كما ترى..

والعامتان الموجبتان إلى عرفية عامة كلية؛ فـ«كل كاتب متحرك مادام كاتبا»، إلى «لاشيء من اللامتحرك بكاتب مادام لا متحركًا».. وإلّا فـ«بعض اللامتحرك كاتب حين هو لامتحرك». وهو صغرى للأصل الوصفي، ينتج: «بعض اللامتحرك متحرك حين هو لا متحرك»، لأن النتيجة هنا تابعة للصغرى، وهو مِنَ المحال كما يُرى.

وأما الخاصتان إلى عرفية عامة لادائمة في البعض؛ أما العرفية العامة: فلِمَا مرّ.. وأما القيد: أعني: «بعض اللامتحرك كاتب بالفعل».. فبالافتراض لجزئية العكس.. فكل رومي لامتحرك بحكم القيد. و«كل رومي كاتب» بحكم عقد الوضع الموجب. فينتج من الثالث: «بعض اللامتحرك كاتب بالفعل».