بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«مقدمة الملا عبدالمجيد النُّورْسِيّ»

أشكر على حمدي لواحد أحد ليس له ثان. كما أثني موحدًا لمن له كل يوم شأن، وأُصلّي كما أُسلّم على مَن لَمَّا كان في ذاته محمودًا كان اسمه محمدًا، وعلى آله وصحبه من بعد.

وبعد: فاعلم أني بعدما نجوت من بين تلاطم أمواج البليات من مخالب سباع المصيبات، ساقني القدر على رأس ألفين إلا خمسين سنة إلى ولاية مولانا جلال الدين الرومي وسكنت في جواره بعيدًا عن الأستاذ؛ لا هو يراني ولا أنا أراه إلّا في غفلات النوم والرقاد، إلى أن قضى الأستاذ نحبه وارتحل إلى دار السعادة شهيدًا، وبقيت أنا في الحسرات غريبًا ووحيدًا.

فأدى بي الوحشة إلى الوحدة وترك التماس بالناس، وترجيحِ التوحش على الاستئناس. ولم أجد لأزيل به كربتي ويكون تسليةً في وحدتي شيئًا إلّا الاشتغال بتحشية «قزل إيجاز» وشرحِ ما فيه من الألغاز، رجاءَ أن يشتغل به البال عما فيه من شدة الحال.

فبعدما أردت أن أكسر صخور ألفاظه بفأس فكري، أبى وامتنع ذلك الفكر الكليل عن أمري؛ فصرت كلما أضربها بذلك الفأس نبا ذلك الفأس من الصخرة إلى الرأس. فبقيت حائرًا ذا يأس في يأس. فأغلظتُ على الفكر شدةَ الأمر، وأجبرته بعد الفر إلى الكر. مشوقًا له قائلًا «هَا بَابَامْ هَا» فاستحيىَ عن غلظة الأمر. فاجتهدَ كل يوم من الصبح إلى العصر، إلى أن صار مظهرًا للتحسين والتقدير، بعدما كان معروضًا للتحقير والتكدير.

فشكرت سعيه وقبلت عذره. لكن لكهولته عَجَزَ عن قلع بعض الصخور، مع أن بعض ما فصّل وحصّل ما كان بريئًا من الخطأ والقصور.

فأحلت فض ما بقي باكرة من مواضع عديدة وإصلاحَ ما وقع من الخطأ والغلط إلى ذوي الأذهان الثاقبة من شبان الاستقبال.

عبدالمجيد

بلدة «قونية»

1385هــ – 1965م