88

الجريمة الثامنة:

سمعتُ أن بعض العسكريين قد أخذوا ينتسبون تِباعًا إلى بعض الجمعيات والتنظيمات السياسية، فخطرت ببالي تلك الحادثة المروِّعة التي حاقت بالإنكشاريين [الإنكشارية أو الإنكشاريون: تنظيمٌ خاصٌّ من الجيش العثماني يُعَدُّ الأفضل تنظيمًا والأكفأ قدرةً والأقوى نفوذًا، كانت مهمته في البداية عسكريةً خالصة، وكان عمادَ الفتوحات العثمانية في أوروبا، إلا أنه بمرور الزمن تحوَّل أفراده عن وظيفتهم الأساسية، وانصرفوا إلى حياة اللهو وجمع الثروة والتدخل في أمور السياسة وإدارة الدولة، حتى بلغوا مبلغ عزل السلطان أو قتله، وفي العام 1826 م أعلنوا تمردهم على السلطان «محمود الثاني» إثر رفضهم لمشروعه الرامي لإصلاح نظام الجيش، وقاموا بأعمال تخريبٍ وفوضى في اسطنبول، فأرسل قوةً من المدفعية حاصرت ثكناتهم وقضتْ عليهم نهائيًّا فيما عُرِف بـ«الواقعة الخيرية»؛ هـ ت]، وانتابني قلقٌ عظيم، فكتبتُ في إحدى الصُّحُف:

«إن أقدس جمعيةٍ في هذا الزمان جمعيةُ عساكرِ أهل الإيمان، وهي جمعيَّةٌ ينضوي فيها جميعُ الداخلين في سلك العساكر المؤمنين المضحِّين، بدءًا من أدنى جنديٍّ وانتهاءً بقائد الجيش، إذْ إنَّ مقصد أقدس جمعيةٍ في العالَم: الاتحاد والأُخوَّة والطاعة والمحبة وإعلاء كلمة الله؛ وإن الجنود المؤمنين هم المَظهَرُ التامُّ لهذا المقصد، فهم المركز، وهم مَن ينبغي أن ينتسب إليهم الشعبُ والجمعيات؛ وعلى الجمعيات الأخرى أن تجعل الشعب كالجنود مَظهرًا للأخوة والمحبة.

أما الاتحاد المحمدي فشاملٌ لجميع المؤمنين وليس جمعيةً ولا فرقة، ومركزه وصفُّه الأول يتألف من المجاهدين والشهداء والعلماء والمرشدين، فليس ثمة عسكريٌّ مؤمنٌ مضحٍّ -جنديًّا كان أو ضابطًا- خارجٌ عن هذا الاتحاد حتى يلزمَه الانتساب إليه؛ غير أنه يمكن لبعض الجمعيات الخيرية أن تطلق على نفسها اسمَ «الاتحاد المحمدي»، ولستُ أتدخَّل في هذا الأمر».

إنني مجرَّد تلميذٍ بسيط غصبتُ العلماءَ الكبارَ وظيفتَهم؛ إذًا فقد ارتكبتُ جريمة.