92

مئةً؛ وإن الأجانب يسعَون بدأبٍ لأنْ يغلبوكم بهذه القوة، لأن الشجاعة الفطرية وحدها غير كافية.

الحاصل: إنني أبلغكم أمرَ فخر العالمين (ص) بأن الطاعة فرض، فلا تعصوا ضُبَّاطكم.

عاش الجنود، وعاشت المَشْرُوطِيّة المشروعة».

فبما أنني تحمَّلتُ أعباءَ مهامَّ جليلةٍ كهذه بحضرةِ علماء كُثْر، إذًا فقد ارتكبتُ جريمة.

الجريمة الحادية عشرة:

لقد شاهدتُ الحالة المُزرية التي كانت عليها العشائر في الولايات الشرقية، وأدركتُ أن سعادتنا الدنيوية ستَتحقَّق بجهةٍ ما على يد العلوم المدنية الحديثة، وأنه لا بد لأجل ذلك من أن تكون المدارس منبعَ تلك العلوم، ويكونَ العلماء نهرَها الجاري، كي يأنَس علماءُ الدين بتلك العلوم؛ إذ هم مَن بيدهم زمام أمور الناس شِبْه البُداة في تلك الولايات.

فقَدِمتُ إلى اسطنبول المسماة «باب السعادة» تَحدوني هذه الغاية مؤمِّلًا السعادة، ومع أن الاستبداد الذي كان يُنسَب في ذلك الحين إلى المرحوم السلطان المخلوع -وقد حَلَّ محلَّه اليوم استبدادٌ أوسعُ انتشارًا وأشدُّ بأسًا- منحني يومئذٍ معاشًا كعطيَّةٍ سلطانية عن طريق وزير الداخلية، إلا أني لم أقبل ذلك ورَدَدتُه، وكنتُ على خطأ فيما فعلت، لكنَّ خطئي هذا كان خيرًا، إذْ أظهرتُ أخطاء الذين يطلبون متاع الدنيا بعلوم الدين؛ فضحَّيْتُ بعقلي ولم أتخلَّ عن حريتي، ولم أطأطئ رأسي لذلك السلطان الشفيق، وتخلَّيتُ عن منفعتي الشخصية.

فالذين هم اليوم بمنزلة الذباب يمكنهم استمالتي بالمحبة وحدَها لا بالإجبار، فأنا أعمل هنا منذ سنةٍ ونصف لنشر المعارف ببلدي، وهذا أمرٌ يعرفه أكثر مَن في اسطنبول.