101

لقد استيقظتِ الأمة، ولئن غوفِلتْ حينًا من الزمن بالمغالطة والجَرْبَزَة فإن ذلك لن يدوم؛ أما الوهم الذي يُصوَّر على أنه حقيقة فعمره قصير، وستتبدد تلك المغالطات والتضليلات بفضلِ الرأي العام اليقِظ المتحمس، وستظهر الحقيقة إن شاء الله.

لقد كان الوضع في سجنكم الفظيع مُريعًا: زمانٌ عصيب، ومكانٌ موحِش، وسجينٌ مستوحش؛ صحُفٌ مُرْجِفة، وأفكارٌ مشوَّشة، وقلوبٌ حزينة، وضمائرُ متألِّمة يائسة؛ حرسٌ مزعجون، وموظَّفون في أوَّل الأمر شامتون؛ لكنْ بالرغم من ذلك كلِّه كان الأمر بالنسبة إليَّ أشبهَ ما يكون بتسلية، إذْ لم يكن ضميري يؤنِّبني؛ بل لقد كان تنوُّع المصائب بالنسبة لي أشبهَ بتنوُّع نغمات الموسيقى؛ ثم إنني أتممتُ اليومَ في هذه المدرسة الدرسَ الذي حصَّلتُه في مشفى المجانين السنةَ الماضية؛ لقد تلقيتُ دروسًا طويلةً لطولِ زمان المصيبة، وتلقيتُ من حزنِ المظلوم البريء -الذي هو اللذة الروحية في الدنيا- درسَ الرأفةِ بالضعيف والمَقْتِ للظالم.

وإنني على أملٍ عظيمٍ بأن الآهات والأنَّات المتبخِّرةَ بحرارةِ الحزن من قلوبِ أبرياء كُثْر ستشكِّل سَحَابةَ رحمةٍ، ولقد أخذتْ هذه السَّحابةُ تتشكَّل فعلًا بتشكُّل دولٍ إسلاميةٍ شيئًا فشيئًا في العالَم الإسلامي.

ألا إنه إن كانت المدنيَّةُ أرضيةً تمهِّد السبيل لتعدِّياتٍ تدمِّر الكرامة، وافتراءاتٍ تفضي إلى النفاق، وسلوكياتٍ تستخفُّ بالدين، ومغالطاتٍ شيطانيَّة، وأفكارِ انتقامٍ متعسِّفة، فليشهد الجميع أنني أُفضِّل الخيامَ البدويَّة البدائية في أعالي جبال الولايات الشرقية، حيث ميدانُ الحريَّة المطلقة، وأختارها بدلًا من المدنيَّة موطنِ الأحقاد والنوايا السيئة المسمَّاة قصرَ السعادة؛ لأن حريَّةَ الفكر، وحريَّةَ التعبير، وحُسْنَ النية، وسلامةَ القلب، التي لم أرَ شيئًا منها في هذه المدنيَّة الدَّنيَّة، هي النافذُ حكمُها بكلِّ ما تعنيه في جبال شرقيِّ الأناضول.