54
وبلغ هذا الكلامُ المُلَّا سعيدًا، وهو الذي ما كان يحتمل بفطرته شيئًا من هذا الكلام، فذهب إلى الشيخ وقبَّل يده، وقال له: امتحنِّي يا سيدي، أريد أن أُثبِت أنني أهلٌ للخطاب.
فأعدَّ الشيخ له ستة عشر سؤالًا استخرجها من أعوصِ المسائل في علومٍ مختلفة، فأجاب عنها جميعًا، ثم ذهب على إثر ذلك إلى جامع قريش وأخذ يعِظ الناس وينصحهم، فانقسم أهالي «بِتْليس» بين مؤيِّدٍ «للمُلَّا سعيد» ومؤيِّدٍ للشيخ «أمين أفندي»، وخشي الوالي من نشوب فتنةٍ في المدينة، فأمر بنفي المُلَّا سعيد منها، فغادرَها إلى «شِيْرْوان».
ولا عجب أن يواجه شخصٌ على هذا القدر من التفرُّد كثيرًا من المناوئين، خصوصًا من بعضِ علماء الظاهر الذين غُلِبوا في مجاراته علميًّا، فراحوا يتجسَّسون على أحواله الخاصة، ويسعَون بكلِّ ما أوتوا من قوَّةٍ للحطِّ من شأنه بين الناس؛ وقدَّر الله أن تفوتَه صلاة الفجر ذات يومٍ لسببٍ ما، فما إن علِم خصومه بالأمر حتى أشاعوا بين الأهالي بأن المُلَّا سعيدًا قد ترك الصلاة!!
فسُئِل: لماذا يتحدث الجميع عن هذا الأمر؟ فقال: أجل، لا ينتشرُ بين الناس أمرٌ بهذه السرعة لو لم يكن له أصل؛ لقد وقع مني خطأٌ، فنزلتْ بي عقوبتان: إحداهما عتابُ الله تعالى، والأخرى كلامُ الناس فيَّ؛ أما السبب الأساسي لهذا فهو تركي الوِرْدَ الشريف الذي اعتدتُ قراءتَه كلَّ ليلة؛ ولقد شعرتْ أرواحُ الناس بهذه الحقيقة، إلا أنها لم تُحِطْ بها تمامَ الإحاطة ولم تعرف اسمها، فسمَّتْها بغير اسمها خطأً.
وأثناء إقامته في «شِيْرْوان» جاءه رجلٌ من نواحي «سِيْرْت» وقال له: لقد قَدِمَ إلى «سِيْرْت» فتًى لا يتجاوز الخامسةَ عشرة، فألزَمَ جميعَ علمائها الحجةَ، وجئتُ أدعوك لتناظره فتُلزِمَه الحجة؛ فأجاب المُلَّا سعيد دعوةَ الرجل وتأهَّب للذهاب معه إلى «سِيْرْت»، ثم انطلقا، وبعد مسيرهما نحوَ ساعتين سأل المُلَّا سعيد الرجلَ عن أوصاف ذلك العالِم الصغير وزِيِّه، فأجابه: لا أعرف اسمه يا سيدي، إلا أنه كان يرتدي أولَ مجيئِه