46
«نُوْرْس»؛ ولم تكن فيها وقتئذٍ أيَّةُ مدرسة، فانحصرت دروسه في يومٍ واحدٍ من الأسبوع كان أخوه الأكبر يأتي فيه إلى القرية لصلة أهلِه.
وبعد مدةٍ من الزمن ذهب إلى قرية «بيرميس»، ثم إلى مَصِيْف شيخِ «خِيْزان»؛ وكان من أَنَفَتِه أنِ اختلف ذات يومٍ مع أربعةٍ من الطلاب هناك ولم ينسجم معهم، فكان هؤلاء يأتونه مجتمعين ويشاكسونه باستمرار، إلى أن ذهب ذات يومٍ إلى الشيخ «سيد نور محمد» وقال له من غير إظهار عجزٍ أو بثِّ شكوى: سيدي الشيخ.. قل لهؤلاء إذا أرادوا مشاجرتي أن يأتوني مثنى مثنى، لا أربعةً معًا؛ فأُعجب الشيخ من فُتُوَّة سعيدٍ الصغير، وقال له: أنت تلميذي، وليس لأحدٍ بعد اليوم أن يتعرَّض لك أو يَمَسَّك بسوء؛ وصار يُعرَف بعد ذلك بـ«تلميذ الشيخ».
بقي المُلَّا سعيد هناك حينًا من الزمن، ثم ذهب بصحبة أخيه «المُلَّا عبد الله» إلى قرية «نُوْرْشِين»، وكان الفصل صيفًا، فتوجَّها مع الأهالي والطلبة إلى مَصِيْف «شَيخان»، وحصلَ أنْ تجادل مرةً هناك مع أخيه «المُلَّا عبد الله»، فتدخَّل «محمد أمين أفندي» المدرِّسُ في مدرسة «تاغ» قائلًا له: لِمَ تخالف أمر أخيك؟!
وكانت المدرسة للشيخ المشهور «عبد الرحمن»، فأجاب المُلَّا سعيد المدرِّسَ «محمد أمين أفندي»: سيدي، بالنظر إلى وجودنا في هذه المدرسة فأنت أيضًا طالبٌ مثلي، وفي هذه الحال لا حقَّ لك في تقلُّد مقام الأستاذية.
ثم غادر من فوره المدرسةَ إلى «نُوْرْشِين» واجتاز في الليل غابةً كبيرة يصعب على الأشداء اجتيازُها حتى في النهار.
وكان من النظام المعمول به عند إنشاء المدارس في شرقيِّ الأناضول أن يَفتَتِح عالِمٌ مُجازٌ مدرسةً في قريةٍ يختارها هو، فيُدرِّسَ بها مجانًا حِسبةً لوجه الله تعالى، ويَسُدَّ حاجات الطلاب الدراسية إن كان مقتدرًا، وإلا تكفَّل الأهالي بها كما يتكفَّلون بسائر