47
لوازم الطلبة وأمور معيشتهم؛ وكان المُلَّا سعيد الوحيدَ من بين هؤلاء لا يأخذ زكاةً بأيَّةٍ صورةٍ كانت، ولا يقبل الدخول تحت مِنَّةِ أحدٍ على الإطلاق. [ذُكِرَ في «المكتوب الثاني» وغيرِه من رسائل النور سببُ عدمِ أخْذِه شيئًا من الزكاة أو الصدقة أو أيِّ شيءٍ بدون مقابل؛ نعم، فلقد غَرَست الرحمة الإلهية في روح المُلَّا سعيد منذ صغره فهرسًا إجماليًّا للدستور القدسي: «عدمُ طلبِ أيِّ شيءٍ مقابلَ الخدمة الأخرويَّة»، لكي يؤدي الخدمةَ الإيمانيةَ مستقبلًا برسائل النور بكمال الإخلاص، فتتحققَ على وجهها الأتم؛ المُعِدّونْ]
وبعد أن مكث مدةً بـ«نُوْرْشِين» عاد إلى «خِيْزان»، ثم لزِم أباه تاركًا حياة المدرسة، وأقام معه حتى حلَّ فصل الربيع؛ وفي تلك الآونة رأى رؤيا أن القيامة قد قامت، وأن الخلائق قد بُعِثَتْ، وأنه في تلك الأثناء يفكر كيف يمكنه أن يلقى النبيَّ (ص)؟ إلى أن خطر له أن يذهب إلى الصراط فيقف بأوَّله، وقال لنفسه: سَيَمُرُّ الكلُّ من هناك، وهناك سأنتظر، فذهب وتشرَّف برؤية الأنبياء الكرام واحدًا تلو الآخر، إلى أن حظي بلقاء نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ثم أفاق.
لقد أيقظ المددُ الذي ناله من هذه الرؤيا حماسًا عظيمًا في نفسه لتحصيل العلم، [لقد أدركنا فيما بعدُ حقيقةً كان المُلَّا سعيد مَظهَرًا لها في تلك الرؤيا ولم تُدوَّن في سيرته، وهي أنه طلب من النبي (ص) العلمَ، فبشَّره (ص) بأنه سيُعَلَّم علمَ القرآن شريطةَ ألا يسأل أحدًا من أمته سؤالًا؛ وقد تجلَّت هذه الحقيقة بعينها في حياته، إذْ عُرِف منذ أوَّل شبابه بـ«بديع الزمان»، وكان يجيب عن جميع ما يُسأل دون أن يُضطر لسؤال أحدٍ أو الاستعانة به؛ المُعِدّون] فاستأذن أباه وذهب إلى ناحية «أرْواس» طلبًا للعلم، ولكن المدرِّس المشهور هناك المُلَّا «محمد أمين أفندي» ترفَّع عن تدريسه، وكلَّف أحدَ طلابه بالأمر، فعزَّ ذلك على المُلَّا سعيد.
وبينما كان هذا المدرِّس المشهور يلقي درسًا في المسجد ذات يوم، إذْ خاطبه المُلَّا سعيد معترضًا على بعض ما جاء في درسه، فقال: ليس الأمر كما ذكرت يا سيدي؛ ثم ذكَّره بأنه ترفَّعَ عن تدريسه.
وبعد أن أقام هناك مدةً من الزمن ذهب إلى مدرسة «مِيْر حسن ولي»، فوجدها مدرسةً لا تولي أهميَّةً للطلاب المبتدئين الجدد، فقرر أن يَدرس بدءًا من الكتاب الثامن المقرَّر فيها، تاركًا الكتبَ السبعةَ الواجبَ دراستُها قبلَه.