50

لمحةٌ موجزة عن حياته في تلك المرحلة

أولًا: سلك مسلك الحكماء الإشراقيين، فشرع في الزهد والرياضات أملًا في بلوغ حالتهم، إذْ كانوا يَرَون أن الرياضات تورِث الفكرَ صفاءً وإشراقًا، غير أنهم كانوا يعوِّدون أجسامهم عليها وفق قانون التدريج، أما المُلَّا سعيد فقد جَدَّ فيها بغير مقدِّماتٍ أو مراعاةٍ للتدريج، فكان يقتات بقطعة الخبز الواحدة ثلاثةَ أيام، لكنَّ جسمَه لم يتحمل ذلك، فاعتراه الضَّعف والنُّحول.
ثانيًا: أخذَ بقاعدة «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك» [هذه القاعدة هي نَصُّ حديثٍ أخرجه الترمذي برقم 2518، والنسائي برقم 5711؛ هـ ت] التي عليها مدار التصوُّف كما ذكر الإمام الغزالي في «الإحياء»، فتورَّع عن سائر المطعومات حتى الخبز، وراح يقتات على الحشائش حينًا من الزمن.
ثالثًا: لزِمَ الصمت، فكان لا يتكلم إلا نادرًا، وكان يختلي عند ضريح «المُلَّا أحمد الخاني» أحدِ أدباء الأكراد الألمعيين [أديبٌ وشاعرٌ كرديٌّ شهير، ولد عام 1650م، درس العلوم الدينية ومال إلى التصوف والعرفان، رحل وزار عددًا من البلاد، خلَّفَ مؤلَّفاتٍ عدةً أشهرُها الملحمة الشعرية المعروفة بـ«مَمو زين»، توفي عام 1707م؛هـ ت]، وربما مكث هناك ليلًا، مع أن الدخول إلى ذلك الموضع ولو نهارًا كان مبعثَ رهبةٍ وخوف، فحمَلَ الناسُ أمره على أنه كرامةٌ للشيخ وقالوا: لقد غدا مَظهرَ فيوضاتِ «المُلَّا أحمد الخاني».
كان هذا وهو بين سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة؛ ثم عزم على لقاء كبار العلماء، فاستأذن شيخَه للرحلة إلى بغداد؛ وبينما كان في طريقه إليها مرتديًا زيَّ الدراويش، مجتازًا في الليل طريقًا غير مألوفةٍ بين جبالٍ وعرةٍ، وغاباتٍ كثيفة إذْ بلغ «بِتْليس»، فزار الشيخ «محمد أمين أفندي» وحضر دروسَه مدةَ يومين، فطلب منه الشيخ أن يطرح زيَّ