52
فما سأله «المُلَّا فتح الله» عن كتابٍ إلا قال له: لقد أنهيتُه؛ فاعترتْه الحيرة والدهشة من إنهائه كلَّ هذا العدد من الكتب في زمنٍ يسير، ولم يستوعب الأمرَ، فقال له: لقد كنتَ مجنونًا في السنة الماضية، فهل ما زلتَ على جنونك؟!
فأجابه المُلَّا سعيد: قد يكتم المرء حقيقةً عن الآخرين كسرًا للنفس، لكنه لا يملك إلا أن يقول الحقيقة الخالصة بين يدي أستاذه الأرفعِ قدرًا من أبيه، فإن شئتَ امتحنِّي في تلك الكتب.
فما سأله «المُلَّا فتح الله» منها سؤالًا إلا أحسنَ الإجابةَ عنه، حتى إن الشيخ المعروف بـ«المُلَّا علي صوران» الذي كان أستاذَ أحدِ شيوخِ المُلَّا سعيد قبل سنة، شَرَع بقراءة الدروس عليه بعدما شهِد هذه المحاورة.
فقال له «المُلَّا فتح الله»: إن ذكاءَك لَخارق، فكيف حفظُك؟ وناولَه كتاب «مقامات الحريري» قائلًا: هل تستطيع حفظ بضعة أسطرٍ منه بمجرد قراءتها مرتين؟
فأخذ المُلَّا سعيد الكتاب وقرأ منه صفحةً مرةً واحدةً، فحَفِظها ثم سرَدَها بطلاقة؛ فقال «المُلَّا فتح الله» مندهشًا: إنه يَنْدُر أن يجتمع في شخصٍ واحدٍ فرطُ الذكاء وقوةُ الحِفظ معًا بهذه الدرجة!!
وهناك عكف على كتاب «جمع الجوامع» يشتغل به ساعتين كلَّ يوم، فأتمَّ حفظه في أسبوع، فقال فيه «المُلَّا فتح الله» قولتَه: «قد جَمَع في حِفْظِه جَمْعَ الجوامع جميعَه في جُمُعة»، وكتبها على طُرّة الكتاب.
وشاع خبرُه في «سِيْرْت»، وأثنى عليه «المُلَّا فتح الله» ثناءً جمًّا أمام العلماء قائلًا: لقد قدِمَ مدرستَنا فتًى يافعٌ أثار إعجابي بذكائه وعلمه وفضله في هذه السن، ما سألتُه سؤالًا إلا أجاب عنه بغير إبطاء؛ فدعاه العلماء إلى لقاءٍ اجتمعوا فيه جميعًا، وطرحوا عليه أسئلتَهم، فأجاب عنها بلا تردد، وكان أثناء إجابته ينظر إلى وجه «المُلَّا فتح الله» ويسرُد الإجابة كأنما يقرأ في كتاب؛ فأقرَّوا بفضله وأثنوا عليه، ووصفوه بأنه فتًى خارقٌ للعادة.