34

مع بديع الزمان، فإنه توجَّه إلى القرآن الحكيم الشمس المعنوية للأكوان والأزمان، وإلى سيدنا محمدٍ (ص) مبلغِ الدين المبين دين الإسلام، فكان وسيلةَ ظهور رسائل النور التي هي مَعْكِس ضيائهما ، فعاش معنًى في عقولِ وقلوبِ وأرواحِ الآلاف بل الملايين ممن اقتبسوا النور من مؤلفاته، ونالوا من دعوته القوة والمدد، وكُتِبَ له القبول الحسن والذكر الطيب مفكِّرًا عظيمًا وإنسانًا قدوة.

نعم، لقد شكَّل نقطة استنادٍ للمؤمنين، إذ أنشأ من أهل الإيمان المُضحِّين المتفانين شخصًا معنويًّا عظيمًا، وأسس بهذا الشخص المعنوي سدًّا قرآنيًّا وإيمانيًّا منيعًا في وجه تيارات الضلالة، وأظهر العزم والثبات في دعوته القدسية التي آمن بها، فحرَّك قلوب المؤمنين، وأيقظ الوجد والحماس الإسلاميَّين في أرواحهم، ومدَّ يده إلى المساكين البائسين الذين استهوتْهم الفانيات، فأعلن لهم عن حقيقةٍ باقيةٍ لا تموت، واجتهد في لفت أنظارهم إليها؛ فمِثلُ هذه المعاني والقيم هي التي خَلَّدتْه معنًى.

وعلى الرغم من عُلوية وظيفته، إلا أنه كبشرٍ عبدٌ عزيز وفقيرٌ مُسْتغن، يرى ويعلم من نفسه -من خلال وظيفة عبوديته- أنه أكثر الناس عيبًا ونقصًا وعجزًا، فيتضرع بالعجز والفقر عند باب الرحمة، ويطلب الرحمة والسعادة للإنسانية؛ أجل، فهو القائل : «إنني إنْ أنقذتُ إيمانَ شخصٍ واحدٍ كانت جهنمُ عندي روضةَ ورد».

لقد أدى وظيفةً عَلِم من خلالها الجميعُ وشهد العدو والصديق بأنه لم يقف عند تحطيم صنم الأنانية والغرور في نفسه فحسب، وإنما حطَّمَ أصنام عُبَّاد الطبيعة فجعلها جذاذًا، وما التبريك والتقدير الذي كتب بحقه إلا لأجل هذا المعنى.

ويتبيَّن من خلال ما يُنشَر في بعض الصحف بين حينٍ وآخر أن أعداء الدين والإسلام لا يواجهونه مواجهةً مباشرة، بل يهاجمونه في غالب الأمر من خلف الستار، فيوجِّهون ضرباتهم نحو من يخدم الدين ويتحمل المشاق في سبيله، فيطعنون في أمثال هؤلاء بُغيةَ تشويه صورتهم في نظر العامة وتنفير الناس منهم، ليعطِّلوهم عن العمل