26
كنتُ أودُّ أن أستهِل الكتاب بعرضٍ للجوانب العلمية والفكرية والصوفية والأدبية للأستاذ، إلا أنه تبيَّن لي يقينًا أن هذه الموضوعات لِشمولها وعمقها لا يمكن أن تُختصَر في بضعِ صفحات، فرأيتُ مناسبًا أن أشير إليها في جُملٍ يسيرةٍ.
وأرجو من الله تعالى ضارعًا أن ييسر لي بلطفه تناوُلَ هذه الموضوعات العميقة بالتحليل والتدقيق في كتابٍ واسعٍ مستقل، مستفيدًا من كليات رسائل النور وطلَبَتها، وأطلب -بهذا الخصوص- الدعوات من أستاذي الجليل وإخواني الأعزاء.

 عِلمُه:

يعبِّر المرحوم «ضياء باشا» في شعرٍ له عن حقيقةٍ كبرى تتناقلها الأجيال دستورًا؛ فيقول:

ليس بالأقوال لكنْ إنما
رتبةُ الإنسانِ دومًا عقلُه عَرَّفَ الإنسانَ مرآةُ العملْ
ليس بالمَظهَر تقديرُ الرَّجُلْ

أجل، إنّ الحديث عن جوانب المقدرة العلمية لرجلٍ استثنائيٍّ فريدٍ، أهدى أُمَّتنا الإسلامية مكتبةَ إيمانٍ وعرفانٍ نفيسةً كـ «كليات رسائل النور»، وبنى في القلوب مؤسسة نورٍ قدسية، لهو عملٌ أشبه بالتعريف بالشمس في رابعة النهار!!
ولكن كما قال شاعرنا المضطرِمُ وَجْدًا: «الحُسْن ما سَلَب الإرادة»، فإنّ ما يُضْفيه البحثُ في علمِ هذا الرجل المبارك وفي عرفانه وأخلاقه وكمالاته من ذوقٍ فريدٍ ونفحاتٍ إلهيةٍ -وهو مَن غدتْ حياتُه بكل لحظاتها مَظهرًا للتجليَّات الإلهية- يجعلني غيرَ متمالكٍ لنفسي في الإطناب والإسهاب في الحديث.
لقد تطرَّق الأستاذ في مجموع رسائل النور لأهم المسائل الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والأدبية، والحقوقية، والفلسفية، والصوفية، ووُفِّـقَ في جميع ذلك أيَّما توفيق.