29
واستنادًا إلى ما قال هذا العالم الجليل فليس ثمة فرقٌ جوهريٌّ بين طريق النور الذي خَطَّه بديع الزمان وبين التصوُّف الحقيقي الخالي من الشوائب، فكلاهما موصِلٌ إلى رضى الباري سبحانه، وبالنتيجة إلى الجنة العالية ورؤية المولى الكريم.
وبناءً على ما سبق: فيمكن لمن شاء من إخواننا الصوفية القاصدين تلك الغايةَ الأصيلة أن يقرؤوا رسائل النور دون حرجٍ ولا مانع، بل لقد وسَّعت رسائلُ النور بمنهجها القرآني دائرةَ المراقبة في التصوُّف، وأضافتْ إليها وظيفة التفكُّر باعتبارها وِرْدًا بالغَ الأهمية.
نعم.. إن السالك المنشغل بمراقبةِ قلبه فحسب، تنفتح لناظِرَيْهِ وروحه بهذا التفكر آفاقٌ غير مسبوقة، فيطالعُ بقلبه ولطائفه معًا جميعَ الكائناتِ من الذرَّات إلى السيارات بعظَمَتها وفخامتها متأمِّلًا مراقِبًا مشاهِدًا، ويرى بكمال الوجد تجلِّياتٍ لا تُحَدّ لأسماء الله الحسنى وصفاته العلا في تلك العوالِم، فيشعر عندئذٍ شعورًا بدرجةِ علمِ اليقين وعين اليقين وحقِّ اليقين أنه بين جَنَباتِ مَعبدٍ لا حدود له.
ويالَه من معبدٍ عظيمٍ مهيبٍ حافلٍ بمليارات الجماعات!! كلٌّ يذكر خالقَه في عشقٍ وشوقٍ خاشعًا مستغرقًا، وكلٌّ يردِّدُ بِلُغَته وبنغمته وبألسنةٍ عذبةٍ جميلةٍ شجيَّةٍ ألحانًا منسجمةً كصوتٍ واحدٍ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
فمن يسلك سبيل الإيمان والعرفان والقرآن الذي خَطَّتْه رسائل النور، يدخل مثل هذا المعبد المهيب العظيم، ويستفيدُ منه كلُّ امرئٍ على قدْر إيمانه وعرفانه، وعلى قدْر استمداده وإخلاصه.

 أدبـُـه:

انقسم الأدباء والشعراء، والمفكرون والعلماء منذ القديم فريقين فيما يتعلق باللفظ والمعنى، والأسلوب والمحتوى؛ ففريقٌ أَولى الأهميةَ للأسلوب والتعبير، وللوزن والقافية فحسْب، فضحَّى بالمعنى في سبيل المبنى، وذلك أظهرُ ما يكون في الشِّعر؛ أما الفريق الآخر فأَوْلَوا المعنى والمحتوى أهميةً قصوى، ولم يُضحُّوا بالمغزى لأجل اللفظ.