14
إنني في هذه المقدمة لأشعر بهذه الحقيقة العميقة بكل جلالها وعَظَمَتِها؛ ذلك أن هذا الكتاب الذي نقدِّمه لقرّائنا الأعزَّاء الأكارِم بعميقِ الصدق والإخلاص، إنما يتناول حياة الأستاذ العظيم فاتحِ القلوب بديع الزمان سعيدٍ النُّورْسِيّ، الذي تَحفِل كلُّ صفحةٍ من صفحات عمره المبارك المديد الذي ناهز قرنًا من الزمان بآلافِ الروائع؛ كما يتصل اتصالًا وثيقًا بمجموعِ آثاره «رسائلِ النور» البالغةِ مئةً وثلاثين جزءًا؛ وبطلاب رسائل النور الذين ما فَتِئُوا يضربون -لا لمجتمعهم فحسب، بل للإنسانية جمعاء- أروعَ الأمثلة في الخلُق والفضيلة، وفي الصدق والإخلاص، وفي الإيمان والعرفان.
وإذا كانت مقدمةُ الكتاب تُعَدُّ خلاصةً لما فيه، فأنَّى لمقدِّمةٍ أن تَستوعِبَ في وُرَيْقاتٍ ما ينطوي عليه هذا الكتاب الجليل من موضوعاتٍ هي من السَّعةِ والعمقِ جديرةٌ بأن يُفرَد لكلِّ واحدٍ منها كتابٌ مستقل؟!
وعلى الرغم من أنني كتبتُ فيما مضى ما شئتُ أن أكتبَ من نظْمٍ ونَثْرٍ، إلا أني لم أكن يومًا بهذا القدر من الشعور بالحيرة والعجز كما هي حالي الآن!! ومن هنا فإن مَن يقرأ هذا الكتاب متذوِّقًا معانيَه بعمقٍ ونشوةٍ عُلويَّة وحماسٍ متَّقِد؛ يجد بإعجابٍ في بديعِ الزمان شخصيةً فذَّةً وعالِمًا فريدًا، نشأ منذ نعومة أظفاره نشأةً غير عادية، وغدا مَظهرًا للتجليات الإلٰهية على امتداد سنوات حياته.
وإنني بعد أن أمعنتُ النظر مدقِّقًا في شخصية هذا الرجل العظيم، ودراسةِ كتبه، والتعرُّفِ إلى طلابه، وبعدَ أن عشتُ في عالَم النور هذا حِسًّا وفكرًا وروحًا؛ أدركتُ حقيقةً بعيدةَ الغَور عبَّر عنها قديمًا شاعرٌ عربيٌّ بقوله:

ليس على الله بمُسْتَنْكَرٍ            أن يَجمع العالَم في واحدِ
***