15
ولا عجب من أن نرى المنجذبين إلى فَلَكِ هذا القطب يزدادون يومًا بعد يوم، فقد نهلوا من سُموِّ غايته، ورِفعة دعوته، وعَظَمَةِ إيمانه الإلهامَ والمدد، وما يزال هذا الحَدَثُ الربَّانيُّ الجليل المحيِّرُ للعقول يبعث السرور والانشراح ويُديمهما في قلوب المؤمنين، مثلما يَحزُن المنكرين ويَقهَرهم.
وعن هذا الحَدَث الإلٰهيِّ الماثل حيًّا في القلوب المؤمنة كأنه رابطةٌ معنويةٌ يعبِّرُ أحد المجاهدين الكبار تعبيرًا يبعث الوجد في حنايا الأفئدة، فيقول: «حين طغى الابتذال الخُلُقي في تلك الأيام الحالكة، وعَمَّ كلَّ جهةٍ كالطوفان، ومدَّ يدَه ليُغرِق كلَّ فضيلة.. كان فيضُ بديع الزمان يسري من قلبٍ إلى قلبٍ كَسِرٍّ دفَّاقٍ لا يقاوَم، فنجد فيه السُّلوان.. لقد أظلمتْ ليالينا كثيرًا، ومتى اشتدت ظلمةُ الليالي كان بزوغُ فجرِها وشيكًا».
أجل، إن الذين رأوا فيض هذا النور الساري من قلبٍ لآخر كَسِرٍّ لا يمكن مقاومته، والذي أخذ يَشِعُّ ويَنثُر ضياءه في أرجاء البلاد، أخذوا يسألون بِحَيْرةٍ: مَن هذا الرجلُ الذي عمَّتْ شهرتُه البلاد؟! ما سيرتُه؟ ما آثارُه ومؤلَّفاتُه؟ ثم ما مسلكُه ومشربُه؟ وهل منهجه جمعيةٌ أم طريقةٌ صوفية؟! أم هو تنظيم سياسيّ؟!
ولم يقف الأمرُ عند هذا الحدِّ، بل سرعان ما بدأت الملاحقاتُ الإدارية والقضائية المشدَّدة، وتوالَتْ عليه صنوفُ التحقيقاتِ الصارمة والمحاكمات الطويلة المتعاقبة.
وفي نهاية المطاف، وبعد أن تبيَّن أن هذا التجلِّيَ الإلهي ليس سوى صرحِ إيمانٍ وعِرفانٍ شُيِّدَ في عالم القلوب؛ ظهرت النتيجةُ عدالةً مشخَّصةً أو برهانًا إلهيًّا، عنوانها: «براءة بديع الزمان سعيدٍ النُّورْسِيّ ومؤلفاتِه رسائلِ النور».
وأُعلِن هذا القرار رسميًّا، لتسطع حقيقة السُّنَن الإلٰهية التي لا تبديل لها شمسًا مشرقةً على الدوام من الأزل إلى الأبد، متجلِّيةً في غلَبة الروح على المادة، وانتصارِ الحق على الباطل، والنور على الظلام، والإيمان على الكفر.

***