18

وسِرُّ إيمانِ هذا المرءِ يَدخُلُه
يَجِيْشُ بركانه لا شيءَ يُقفِلُه
كلَّ الليالي رجا رؤيا النبيِّ له
بدرُ السماء كقنديلٍ نُدَلْدِلُه
وليس تُرهقُه الأحزان والوَلَه
عذبُ الظلالِ بصيفٍ إذْ يُظلِّلُه

ما في الجِنان يرى؛ دنياهُ لو مُحِيتْ
إذا المهاوي أحاطتْ والدُّنى حُلَكٌ
والكربُ قد عمَّ والسبعُ الطِّباقُ هوَتْ
لن تُطفأ الروحُ والإيمانُ يوقِدها
مثل البراكين لا شيءٌ يقومُ لها
يا ساريَ الدرب إن الفجر منبلجٌ
فارْقَ النجومَ، من الجنّاتِ أنتَ يدٌ للخَطْبِ لا ينحني، كالطَّودِ ماثَلَه
والشمسُ قد طُمِسَتْ والبدرُ مأفَلُه
ما حاد عن دربه.. لم يَخْبُ مِشْعلُه
ما أقدس القلب بالإيمان يُكْمله
صوتٌ من القلب للوجدان ينقله
يُبكي الظلامَ دمًا قد جاء مِشْعلُه
دربَ الخلاصِ إلى الإنسان تحملُه

وكأن هذه الأبيات قد كُتِبَتْ بحقِّ بطلِ الإيمان المجاهدِ الكبير بديع الزمان؛ فهذه الصفات السامية صفاتُه.
لنتأمَّل بِمَ يَعد اللهُ تعالى المجاهدين في هذه الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69]؛ إنه سبحانه يَعِد مَنْ جاهدوا بالنفْسِ والنَّفيس في سبيل الإيمان والقرآن بتبيانِ طريق الهداية والحقيقة لهم؛ وما دامت شروطُ تَحَقُّقِ هذا الوعد الإلٰهي قد استُوفيت فحاشا لله أن يخلف وعده.
إن هذه الآية الكريمة لَتغدو مرشدًا نورانيًّا لنا في تحليل شخصية الأستاذ، فنستطيع في ضوء هذا النور الصافي أن نرى أدقَّ الملامح والتفاصيل ونعاينَها؛ ذلك أنَّ مَن كان مَظهَرًا لنعمةِ الله في حفظِه وحمايته، لم يكن لشيءٍ من الخوف أو القلق أو الحزن أو السَّأَم عنده من أهميةٍ تُذكَر.
أجل، إنَّ قلبًا تنوَّر بنور الله.. أيُّ غيومٍ يمكنها أن تُلبِّد آفاقَه؟!
وإنَّ روحَ عبدٍ غَمَرتْها سعادةُ الأنس بالله في كلِّ آنٍ.. أيَّةُ آمالٍ ورغباتٍ فانية، أم أيَّةُ حفاوةٍ وعطايا زائلة، بل أيَّةُ غاياتٍ ومطامعَ دنيَّةٍ يمكن أن تمنحها الطمأنينة أو السكينة أو السُّلوان؟!