21
فرصةً ليبني حياةً عائليةً سعيدةً يأوي إلى وارِفِ ظلالها، ويأنَس برغيدِ عيشها؛ ولكن الله تعالى أحسن إليه إحسانًا تعجِز الأقلام الفانية عن وصفه لعظمته وفخامته.
فمَن في الدنيا اليوم ربُّ أسرةٍ سعيدٌ كبديع الزمان الذي هو ربُّ أسرةٍ معنًى؟!
ومَن في عالَم اليوم مثلُه أبًا لملايين الأبناء؟! أنعِمْ بهم من أبناء بَرَرَة.
وأيُّ أستاذٍ مثلُه استطاع أن يربِّيَ هذا الجَمَّ الغفير من الطلبة؟!
إن هذه الرابطة الروحية القدسية ستبقى بإذن الله ما بقيت الدنيا، وستمضي سيلًا من نورٍ إلى أبد الآباد؛ لأن هذه الدعوة الإلٰهية تبلورَتْ وتكوَّنتْ في بحرِ نورِ القرآن الكريم؛ منه انبثقتْ، ومعه وبه ستبقى.

 شفقتُه ورحمتُه:

وَجد الأستاذ الجليل طريق الحق والحقيقة منذ صغره؛ حتى إنه أيامَ كان يأوي إلى المغارات لِيصغيَ إلى نداءات قلبه ومناجاة روحه، كان ذلك «العارفَ بالله» الذي يجني من العبادة والطاعة، ومن التفكر والمراقبة أذواقًا وفيوضات، ويحظى منها بالأنس والحضور.
لكنْ في تلك الأيام الرهيبة التي كان فيها خطرُ الكفر والإلحاد الشبيهُ بأمواج الليل الحالكة يوشك أن يلبِّد بظلماته سماءَ العالم الإسلامي وخاصةً بلادَنا [تركيا]، ألقى الأستاذ بنفسه في ساحاتِ الجهاد كأسدٍ يَنْقَضُّ من عرينه، أو كبُركانٍ يقذف بالحُمَم، وبذل في سبيل هذه الدعوة السامية كلَّ سَكينته وطمأنينته وأُنسِه؛ ومن يومها غدتْ كلُّ كلمةٍ من كلماته جمرةً، وكلُّ فكرةٍ من أفكاره شعلةً توقد القلوب، وتُلهِب الأفكار والأحاسيس.
إن عودة الأستاذ إلى الإرشاد والحياة الاجتماعية بعد انزوائه وعزلته التامَّة، تُشبِه تلك المرحلة التاريخية المهمة من حياة الإمام الغزالي؛ وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى يكلِّف كبار المرشدين بوظيفة التنوير والإرشاد بعد تربيتهم وتزكيتهم وتصفيتهم في