182
ثم إنكم وإنِ اقتصرتم في الولايات الأخرى على تدريس العلوم الحديثة وحدَها، فلا بدَّ لكم في الشرق -على أيَّةِ حال، وباسمِ مصلحةِ الوطن والأمة- من جعل العلوم الدينية هي الأساس، وإلا فإن المسلمين من غير الأتراك هناك لن يشعروا بالأُخُوة الحقيقية تجاه الأتراك، مع أننا اليوم بأمسِّ الحاجة للتعاون والتساند أمام كل هؤلاء الأعداء، وسأضرب لكم مثالًا واقعيًّا بهذا الخصوص:
فلقد كان عندي فيما مضى طالبٌ غير تركي يتَّقِد نشاطًا وذكاءً، وكان يقول لي مستفيدًا من دروسِ الحَميَّة التي تلقاها من العلوم الدينية في مدرستي القديمة: إن تركيًّا صالحًا أقربُ إليَّ من أخي وأبي الفاسقَين.
ومضت الأيام وأكبَّ ذلك الطالب -لسوء الحظ- على دراسة العلوم الحديثة المادية الصِّرْفة، ثم لقيتُه بعد أربع سنين حينَ عودتي من الأَسر، ودار بيننا حديثٌ عن الحميَّة القومية، فقال لي: إنني اليوم أفضِّل رجلًا كرديًّا رافضيًّا على عالِمٍ تركي صالح!!
فقلت: واأسفاه!! ألهذه الدرجة قد فسدتَ؟! فاجتهدتُ أسبوعًا في تخليصه وإنقاذه حتى عدتُ به إلى حميَّته الحقيقية السالفة.
فيا أيها النواب.. ما أشدَّ حاجةَ الشعب التركي إلى الحال الأولى التي كان عليها ذلك الطالب!! وما أبعدَ حاله الأخرى عن مصلحة الوطن!! أحيل تقدير هذا إلى عقولكم.
بل حتى لو افترضنا مُحالًا أنكم فضَّلتم الدنيا على الدين في أماكن أخرى، ولم تُوْلوا الدين أهميةً لاعتباراتٍ سياسية، فإنه يلزمكم على أيَّةِ حال أن تُولوا تدريسَ الدين في الولايات الشرقية أهميةً عظمى.
وبعد أن تقدَّم بهذا الطلب غادر المعارضون المجلس، ووقَّع مئةٌ وثلاثةٌ وستون نائبًا على هذا القرار.

***