151
الناس الاجتماعية؛ فما دمت سأدخل القبرَ وحيدًا في نهاية المطاف، فسأختار الوحدة من الآن كي أعتادَها».
ولكن اسطنبول بما فيها من أحبابٍ مخلصين كُثْر، وبما فيها من حياةٍ دنيويَّةٍ برَّاقة، خصوصًا الأمور التي لا طائل من ورائها كالشُّهرة والسُّمعة التي سُلِّطَتْ أضواؤها عليَّ بما يفوق حدِّي، قد أنسَتْني قراري ذاك مؤقتًا لِلأسف، فكأنَّ ليلَ الغربة ذاك كان لِعَيْنِ حياتي سوادَها المنير، وكأن نهارَ اسطنبول البهيجَ كان لِعَيْنِ حياتي بياضَها المظلِم؛ فلم تستطع أن ترى ما هو آجل، فنامتْ من جديدٍ إلى أن أعاد الشيخ الغوثُ عبد القادر الجيلانيُّ فَتْحَها بعد سنتين بكتابه «فتوح الغيب».

***

سُرَّ الناسُ وأهلُ العلم بقدومه إلى اسطنبول وقرَّتْ أعينهم بلقائه، وعُيِّن -دون إخطاره- عضوًا بـ«دار الحكمة الإسلامية» التابعة لـ«دائرة المشيخة الإسلامية»، وكانت «دار الحكمة» آنئذٍ بمثابةِ أكاديميةٍ إسلاميةٍ تضم نخبةً من العلماء الأعلام أمثال «محمد عاكف»، [«محمد عاكف أرْصُوي»: كاتبٌ وشاعرٌ تركيٌّ مرموق، ولد في العام 1873م من أصولٍ ألبانية، حفظ القرآن وتلقى مبادئ العلوم الدينية في صغره، ثم درس علوم البيطرة، أصدر مجلة «الصراط المستقيم» التي سمِّيت لاحقًا «سبيل الرشاد» ونشر فيها الكثير من المقالات والأشعار التي تعزز الانتماء والهوية الإسلامية للشعب التركي، شرع بتأليف تفسيرٍ للقرآن الكريم بالتركية ولم يتمَّه، هاجر إلى مصر وأقام بها إحدى عشرة سنة، ثم عاد إلى اسطنبول وتوفي بها سنة 1936 م، يُعرَف بـ «شاعر الاستقلال» لكتابته النشيد الوطني التركي؛ هـ ت] و«إسماعيل حقي الإزميري»، [عالِـمٌ تركيٌّ مشتغلٌ بالفكر والفلسفة، ولد بـ«إزمير» سنة 1869م، حفظ القرآن وهو صغير، درس علوم الدين والأدب والفلسفة، وترك العديد من الآثار المهمة، منها: «معاني القرآن»، «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، «علم الكلام الجديد»، «المنطق التطبيقي»، «حكمة التشريع»، توفي بأنقرة سنة 1946 م؛ هـ ت] و«حمدي ألماليلي». [ويُعرَف بـ«محمد حمدي يازار»، عالِمٌ فقيهٌ مفسِّرٌ، ولد سنة 1878م بـ«أنطاليا» جنوب غربيِّ تركيا، نشأ في بيت علمٍ وأدب، حفظ القرآن صغيرًا، وتلقى علوم الدين على يد علماء عصره، برع في العربية والفارسية والفرنسية بالإضافة إلى التركية لغته الأم، ترك العديد من المؤلفات، أشهرها تفسيره القرآن الكريم باللغة التركية في تسع مجلدات، توفي باسطنبول سنة 1942م؛ هـ ت]