140
وندرج هنا «إفادة المرام» الواردةَ في مستهلِّ هذا التفسير الفريد، لكونها توضِّح بعض المعلومات بشأنه. [تنبيه: أُلِّف تفسير «إشارات الإعجاز» في السنة الأولى للحرب العالمية الأولى، على جبهة القتال بدون مَرجع ولا مصدر، وقد اقتضتْ ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمانٍ أن يُكتَبَ هذا التفسير في غاية الإيجاز والاختصار لأسبابٍ عدة، وقد بقيت الفاتحة وشطرُه الأول أشدَّ إجمالًا واختصارًا.
أولًا: لأن ذلك الزمان لم يكن يسمح بالتفصيل، وكان «سعيدٌ القديم» يعبِّر عن مُراده بعباراتٍ قصيرةٍ موجزة.
ثانيًا: لأن «سعيدًا القديم» كان يراعي درجةَ فهمِ تلاميذه النوابغ دون سواهم.
ثالثًا: أنه لما كان يبيِّن أدقَّ وأرفعَ ما في نظمِ القرآن من الإيجاز المُعجِز، جاءت عبارته كذلك دقيقةً موجزة.
غير أني طالعتُه اليوم بنظرِ «سعيدٍ الجديد»، فوجدتُه -بما حوى من تدقيقاتٍ علميَّةٍ- يُعدُّ بحقٍّ تحفةً من تُحَف «سعيدٍ القديم» رغم خطاياه.
ونظرًا لأن «سعيدًا القديم» كان وقتَ كتابته دائمَ الاستعداد للشهادة، وكَتَبه بنيَّةٍ خالصةٍ مطبِّقًا قوانين البلاغة ودساتير علوم العربية، فإني لم أستطع أن أقدح في أيِّ موضعٍ منه، فعسى الله أن يجعل هذا المؤلَّف كفارةً لذنوبه، ويقيِّضَ لهذا التفسير رجالًا يستطيعون فهمَه حقَّ الفهم إن شاء الله.
ولولا قيامُ موانع كالحرب العالَمية الأولى، فقد كانت النية معقودةً لأن يُفرَدَ هذا الجزء لبيان الإعجاز النظمي، ويتكفلَ كلُّ جزءٍ من الأجزاء الباقية ببيانِ وجهٍ من وجوه الإعجاز الأخرى، فلو ضَمَّت الأجزاءُ الباقية حقائقَ التفسير المتفرِّقة في رسائلِ النور لأصبح تفسيرًا جامعًا بديعًا للقرآن المعجِز البيان.
فعسى لهيئةٍ موفَّقةٍ أن تجعل من جزء التفسير هذا، مع الرسائل المئة والثلاثين من «الكلمات» و«اللمعات» و«المكتوبات» مصدرًا، فتكتب على ضوئه تفسيرًا للقرآن في المستقبل إن شاء الله؛ سعيد.
وكان «علي رضا أفندي» أمين الفتوى باسطنبول كثير المطالعة لهذا التفسير، وكان يقول لإخوانه الذين يتردَّدون إليه: «إن له من القوَّة والقيمة ما لألفِ تفسير»؛ وقد استحسن هذا التفسيرَ علماءُ الشرق وكبارُ علماء الشام والعراق، وقال بعضهم فيه: «إنه تفسيرٌ بديعٌ لا مثيل له»؛ المُعِدّون]