147
وشجاعةٍ غيرَ مبالٍ بشيء: إن قرار الإعدام من هؤلاء هو بِمثابةِ جوازِ سفرٍ للرحلة إلى العالَم الأبدي.
وفي نهاية الأمر حُكِم عليه بالإعدام، فلما حان وقت تنفيذ الحكم طَلب الإذن للصلاة، وقال لهم: متى أديتُ فريضةَ ديني كشفتُ لكم عن صدري لتطلقوا عليه الرصاص؛ وبينما كان يؤدي الصلاة إذْ تقدَّم القائد الروسي نحوَه وقال له معتذرًا: لقد تبيَّن لي أن تصرفكم ذاك إنما كان نابعًا من تمسُّككم بمقدَّساتكم، فأرجو أن تسامحوني؛ وأسقَط حكم الإعدام الصادرَ بحقه.

***

ظلَّ بديع الزمان رهين الأسر في روسيا قرابة السنتين ونصف السنة؛ إلا أن فدائيَّ الإسلام هذا الذي وقَفَ حياتَه في سبيل الله، دعوةً إلى القرآن والإسلام، وإحياءً لسنةِ خير الأنام (ص)، لم يقف هناك مكتوف اليدين، بل عمل جاهدًا لتنوير مَن حولَه وإرشادهم، فكان يلقي الدروس على من معه من الضباط الأسرى، وبينما كان ذات يومٍ يلقي الدرس على تسعين ضابطًا من رفقائه، إذْ جاءه أحد القادة الروس فمنعه بحجةِ أنه يلقي دروسًا في السياسة، ولكنه لما علِم أن نشاطاته دينيةٌ علميةٌ اجتماعيةٌ تَرَكَه وشأنَه.
وفي نهاية المطاف نجا بديع الزمان من الأسر، إذْ فرَّ حتى نجح بالوصول إلى «بطرسبرغ»، ثم «وارسو»، ليصل سالمًا عبْر «فيينا» إلى اسطنبول سنة 1334رومي. [يوافق ذلك العامَ 1336هـ، 1918م؛ هـ ت]