171

وعندما كان عضوًا في «دار الحكمة الإسلامية» حصل له تحوُّلٌ روحيٌّ تحدَّثَ عنه لاحقًا في أحد مؤلفاته فقال:

«هَوَتْ على رأسِ سعيدٍ القديم الغافل صفعاتٌ شديدة، وفكَّر في قضيةِ أن الموت حق، فوجد نفسه في مستنقعٍ مَوْحِل؛ فطلب المدد، وبحث عن طريقٍ، وتحرَّى مُنقِذًا، فوجد الطُّرُقَ مختلفة، وحارَ في أمره، فتناولَ -على سبيل الفأل- الكتابَ المسمَّى «فتوح الغيب» للغوث الأعظم الشيخ الجيلاني رضي الله عنه، فظهرتْ له فيه عبارة:

أنت في دار الحكمة، فاطلب طبيبًا يداوي قلبَك.

والعجيب أنني كنت في ذلك الوقت عضوًا في «دار الحكمة الإسلامية»!! فكأنني كنتُ طبيبًا أجتهد في مداواةِ جروحِ أهل الإسلام بينما أنا أشَدُّهم مرضًا؛ وإنما شأنُ المريض أن ينظر في أمرِ نفسه قبل أن ينظر في أمرِ المرضى الآخرين.

إذًا فالشيخ يقول لي: «أنت مريض، فابحث لك عن طبيب»، فقلت: كنْ أنت طبيبي، وأمسكتُ بالكتاب أقرؤه وأنا أعُدُّ نفسي مخاطَبَه، لكنَّ الكتاب كان شديدًا يحطِّم غروري بقوَّة، ويُجري في نفسي عملياتٍ جراحيةً شديدة، فلم أقدر على التحمُّل، فبلغتُ منتصفَه ولم أستطع إتمامَه، فوضعته في المكتبة؛ إلا أنه فيما بعدُ تلاشت الآلامُ الناجمةُ عن تلك العملية الجراحية الشافية، وحلَّتْ محلَّها اللذة، فأتممتُ قراءة كتاب أستاذي الأول، واستفدتُ منه أيَّما فائدة، واستمعتُ إلى أوراده ومناجاته فنلتُ منها مددًا أيَّما مدد.

ثم وقعتُ بعد ذلك على «مكتوبات» الإمام الرباني، فتناولتُه وفتحتُه على سبيلِ الفأل الخالص، ومن العجيب أنه لا يوجد لفظُ «بديع الزمان» في جميع «مكتوباته» سوى في موضعين فحسْب!! وقد انفتح لي موضعُ ذَينِك المكتوبين من غير قصد!! فرأيت مكتوبًا في أوَّلِ كُلٍّ منهما: «رسالةٌ إلى ميرزا بديع الزمان»، فقلت: يا سبحان الله.. إنه يخاطبني!! فقد كان اسم أبي: «ميرزا»، وكان أحد ألقاب «سعيدٍ القديم» في ذلك الحين: «بديع الزمان»، هذا مع أنني لم أكن أعرف أشخاصًا اشتُهِروا بهذا اللقب سوى «بديع الزمان الهمذاني» في القرن الرابع الهجري؛ إذًا فلا بد أنه كان في زمان الإمام شخصٌ يدعى بديع الزمان كذلك حتى كتب إليه هاتين الرسالتَين، ولا بد أن حالَه تُشْبِه حالي إذْ وجدتُ في هاتَين الرسالتَين الدواءَ لدائي، على أن الإمام كان يوصي بإلحاحٍ في رسائل كثيرةٍ كما أوصى في هاتَين الرسالتَين أنْ: «وَحِّد القبلة»، أي اتخِذ لك أستاذًا واحدًا، وامضِ خلفَه، ولا تنشغل بغيره.