173

إلا أن هذه الوصية البالغة الأهمية لم تتوافق مع استعداداتي وأحوالي الروحية، ولطالما فكرت في نفسي: أأتَّبِعُ هذا أم ذاك؟! وبقيتُ في حَيرةٍ من أمري، إذْ لكلِّ واحدٍ منهم خاصيته الجذَّابة، ولا يمكنني الاكتفاء بأحدهم.

وبينما أنا في حيرتي تلك إذْ وَرَد إلى قلبي برحمةِ الله تعالى ما يلي: إن مبدأَ هذه الطُّرُق المختلفة، ومنبعَ هذه الجداول، وشمسَ هذه الكواكب، إنما هو القرآن الحكيم، وإنَّ التوحيد الحقيقي للقبلة إنما يكون به، فما دام الأمر كذلك فهو أسمى مرشد وأقدس أستاذ، فتمسكتُ به». [المعِدّون: يقول في آخر هذا المكتوب: «ليس بمقدور استعدادي الناقص المشتَّت أن يرشِف من فيضِ ذلك المرشد الحقيقي الشبيه بماء الحياة رشفًا يليق به، لكننا نستطيعُ بِمددِه أن نعرِض فيضَه بحسب درجاتِ فيوضاتِ أهل القلوب وأصحابِ الأحوال؛ بمعنى أن الأنوار و«الكلمات» الآتيةَ من القرآن ليست مجرَّد مسائل علميةٍ عقلية، بل هي مسائل إيمانيةٌ قلبيةٌ روحيةٌ حاليَّة، وهي بمثابة معارف إلهيةٍ في غايةِ النفاسة والسُّمو»؛ انتهى اقتباس المُعِدّين من «المكتوبات»، المكتوب الثامن والعشرون، المسألة الثالثة، النقطة الثالثة؛ هـ ت]

***

وكان يُسأل: إننا نراكم متأثرين بشدةٍ لهزيمتنا في الحرب العالمية؟ فيجيب: أما آلامي فقد تحمَّلتها، ولكن آلام أهل الإسلام تعتصرني.. إنني أشعر بالضربات التي تنهال على العالم الإسلامي تنهال على قلبي أولًا، فهذا ما يذوب له القلب من كَمَدٍ؛ ثم يقول وابتسامةٌ تعلو محيَّاه: لكنني أرى نورًا سيُنسيني تلك الآلام إن شاء الله.

وحين كان في اسطنبول أسدى واحدةً من أعظم خدماته للوطن والأمة، وأكثرِها أهميةً وأشدِّها تأثيرًا، ألا وهي حفاظُه على عزة الدين وشرف الإسلام، وتمريغُه أنوف الظَّلَمة الطُّغاة، وذلك بنشره رسالة «الخطوات الستِّة»؛ وإن مما يُبيِّن عمليًّا عن مدى جرأتِه وشجاعتِه وكمالاتِه، إجاباتُه السِتُّ المسدَّدةُ اللاذعة التي تُعَدُّ ستَّ صفعاتٍ معنويةً تَرُدُّ على الأسئلة الستّة التي وجهتْها الكنيسة الأنجليكانية الإنكليزية إلى «المشيخة الإسلامية» إبان احتلال اسطنبول.