124
ويالَه من خطأٍ شنيعٍ ترتكبونه حين تظنون -في يأسٍ وقنوطٍ- أن الدنيا أصبحت دارَ الترقِّي للأجانب وللناس عامةً، بينما أمسَتْ لأهل الإسلام البائسين وحدَهم دارَ الانحطاط والتَدَني، فتحطِّمون بذلك القوةَ المعنوية للعالم الإسلامي!!
فما دام مَيل الاستكمال قد أُدرِجَ في فطرةِ البشر وسائر الكائنات، فإنَّ الحقَّ والحقيقةَ سيُظهِران في المستقبل سعادةً دنيويَّةً في العالَم الإسلامي، تكون كفَّارةً لما سَلَفَ من خطايا النوع البشري إن شاء الله، هذا ما لَم يُعجَّل بقيامةٍ على ما اقترفته البشريَّة من مظالم وخطايا.
أجل، انظروا، إن الزمان لا يتحرَّك على خطٍّ مستقيم بحيث يتباعد المبدأ والمنتهى، بل يدور ضمن دائرةٍ كالكرة الأرضية، فتارةً يُظهِر الربيعَ والصيفَ في حال التَّرقي، وتارةً يُظهِر الشتاءَ والعواصفَ في حال التدنِّي.
فكما يَخْلُفُ الشتاءَ ربيعٌ، وكما يَخْلُفُ الليلَ نهارٌ، سيكون كذلك لنوعِ البشر نهارٌ، وسيكون له ربيعٌ إن شاء الله، ولكم أن تَرقُبوا من الرحمة الإلهية طلوعَ شمسِ حقيقة الإسلام، فتَرَوا المدنيَّة الحقيقية في ظل سلامٍ عالَميٍّ شامل.
…….
الكلمة الثانية: إن مما تمخَّض عنه فكري نتيجةَ تجاربي في الحياة أن اليأس أخطر مرضٍ تسلَّل إلى قلب العالَم الإسلامي.
أجل، إنه اليأس الذي كأنه أماتنا، حتى أمكنَ لدولةٍ غربيَّةٍ صغيرةٍ ذاتِ مليونَي نسَمَةٍ أن تسيطر على دولةٍ شرقيَّةٍ تَعُدُّ عشرين مليون مسلمٍ، فتحتلَّ وطنَهم وتُسخِّرَهم لخدمتها. [يقصد وقوع دولة أندونيسيا المسلمة تحت الاحتلال الهولندي؛ هـ ت]
وإنه اليأس الذي أمات أخلاقَنا العالية، وصرف أنظارنا عن المنفعة العامة وحصَرَها في المنفعة الشخصية.