132
لم يطُل مُكْثُه في دمشق، فذهب إلى اسطنبول سعيًا في إنشاء جامعةٍ في شرقيِّ الأناضول باسم «المدرسة الزهراء»، ورافق السلطانَ «رشادًا» في رحلته إلى «الرُّوْمَلي» ممثِّلًا عن الولايات الشرقية، [جَرَت هذه الرحلة بتاريخ الخامس من حزيران/يونيو 1911 م، واستمرت ثلاثة أسابيع؛ هـ ت] وفي أثناء الطريق جرتْ مباحثةٌ في القطار بينه وبين اثنينِ من معلِّمي المدارس الحديثة، وقد كُتِبتْ خلاصتُها بذيلِ «الخُطبة الشامية»، نقتبس هنا بعضَ جُمَلها بنصِّها:
«وفي بداية عهد الحرِّيَّة رافقتُ السلطان «رشادًا» في رحلته إلى «الرُّوْمَلي» بوصفي ممثِّلًا عن الولايات الشرقية؛ وجرَتْ في قطارنا مباحثةٌ مع اثنين من الرُّفقاء المتخرِّجين من المدارس الحديثة، فسألاني: أيُّما أقوى وألزَم، الحَمِيَّة الدينية أم الحميَّة القومية؟
فقلت: إن الدين والقومية عندنا -نحن المسلمين- متَّحدان بالذات، وبينهما اختلافٌ اعتباريٌّ ظاهريٌّ عرَضيٌّ، بل إن الدين روح الأمة وحياتُها؛ فإنْ نُظِر إليهما على أنهما مختلفان متباينان، كانت الحميَّة الدينية تشمل عوامَّ الناس وخواصَّهم، بينما تنحصر الحميَّة القوميَّة في واحدٍ بالمئة من الناس، أي تبقى منحصرةً بمن يضحِّي بمصلحته الشخصية في سبيل قومه.
فما دام الأمر هكذا؛ فينبغي أن تكون الحميَّة الدينيةُ أساسَ الحقوقِ العامة، وأن تكونَ الحميَّةُ القوميَّة خادمةَ هذه الحقوق وقوَّتَها وحِصنَها.
إننا نحن الشرقيين لسنا كالغربيين، فالحاكم على قلوبنا الحِسُّ الديني، ولقد أشار القدَرُ الأزلي بإرساله أكثرَ الأنبياء في الشرق إلى أن الحسَّ الديني هو وحدَه الذي يوقِظ الشرقَ ويقوده نحو الرُّقي؛ وكفى بعصر السعادة وعصر التابعين برهانًا قاطعًا على هذا.
فيا رفاق الدَّرس في هذه المدرسةِ السيَّارةِ المسمَّاةِ قطارًا، السائلين عن أيِّ الحَمِيَّتَين أَولى بالاهتمام: الدينيَّة أم القوميَّة؟ ويا معشر طلاب المدارس الحديثة [المقصود بالمدارس الحديثة هنا المدارسُ التي أُنشئِتْ في أواخر عهد الدولة العثمانية، وكانتْ تُدرِّس العلوم الحديثة، ويقابلها في ذلك الحين الكتاتيب التي كانت تقتصر على تدريس العلوم الدينية وعلوم الآلة؛ هـ ت] الذاهبين معنا