117
ثم ذهب من «وان» إلى «دمشق»، وهناك ألحَّ عليه علماؤها أن يلقي خُطبةً، فألقى في المسجد الأموي خُطبةً في جمعٍ عظيمٍ من الناس بلغ نحو عشرة آلاف رجل، فيهم مئةٌ من أهل العلم، ولَقِيَتْ قبولًا واستحسانًا وتقديرًا فوق العادة، وقد طُبِعتْ فيما بعد باسم «الخُطبة الشاميَّة». [تنويه: طُبِعت الخُطبة الشامية مرتين أو ثلاثًا في مَطلِع القرن الماضي ونفدت نُسخُها، ثم اطلع الأستاذ على نسخةٍ منها في أواخر حياته، ورغِب إليه طلابه بنقلها إلى التركية، فأملى ترجمتَها على بعضهم إملاءً فيه توسُّعٌ اقتضاه الحال، وقدَّم لها بمقدِّمةٍ وافية، والمقطع المُدرَج هنا هو من هذه الترجمة التركية الموسَّعة، أما النص الأصلي العربي فقد طُبِع مؤخرًا محقَّقًا لأول مرةٍ برعاية مؤسسة وقف الخدمة باسطنبول، ولله الحمد؛ هـ ت]
لقد عرَّفَتْ هذه الخُطبةُ بأسبابِ الأمراض المادِّيَّة والمعنويَّة التي أصابت العالَمَ الإسلامي حتى جعلتْه رهين الأسْر والنكبات؛ وعرَضَتْ بالمقابل سُبُلَ الخلاص منها؛ ثم أَثبتَتْ بالدلائل العقلية أن الإسلام سيُقدِّمُ أعلى رقيٍّ ماديٍّ ومعنويٍّ على وجه الأرض؛ وأن مدنيَّتَه قادمةٌ بكمال المهابة لتطهِّر وجه الأرض مما لوَّثَه.
إنها خُطبةٌ فريدةٌ مبشِّرةٌ، ودرسٌ شاملٌ عظيمُ القيمة لا يقتصر على المسلمين فحسْب، بل يَعُمُّ الإنسانية.
يقول في مُستَهلِّها:
لقد تعلَّمتُ في مدرسة الحياة الاجتماعية للبشرية على هذه الأرض وفي هذا الزمان، وعَلِمتُ أنَّ ما أوقفَنا ماديًّا عند القرون الوسطى، في الوقت الذي ترقَّى فيه الأجانب والأوروبيون وطاروا نحوَ المستقبل، إنما هي ستةُ أمراض:
1. حياةُ اليأس وانبعاثُه فينا.
2. موتُ الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية.
3. محبَّةُ العداوة.
4. الجهلُ بالرَّوابط النُّورانية التي تربط أهل الإيمان بعضَهم ببعض.