156

مكانًا أخلو فيه بنفسي على جانب المضيق في منطقةِ «صاري يَرْ»، [منطقةٌ تقع في الشطر الأوروبي من اسطنبول، في جهة الشَّمال الغربيِّ منها؛ هـ ت] وكما صار الغوثُ الأعظم، الشيخ عبد القادر الجيلاني قُدِّس سرُّه، أستاذي وطبيبي ومرشدي بكتابه «فتوح الغيب»، صار الإمام الرباني [هو الإمام أحمد الفاروقي السِّرهِنْدي، ينتهي نسبه إلى سيدنا عمر رضي الله عنه، ولد بالهند سنة 971هـ، إمامٌ مجدِّد، كان له عظيمُ الأثر في إنقاذ الهند من الشرك والبِدَع التي فشَتْ فيها، وإحياء العمل الدعوي في أوساط الحكَّام والعامَّة، ألَّف رسائل عدةً في مسائل اعتقادية، وأشهر مؤلَّفاته «مكتوبات»، وهي رسائل إرشادٍ وتعليم تنوف على خمسمئة، توفي عام 1034 هـ؛ هـ ت] لي معلِّمًا ومشفقًا وأنيسًا بكتابه «مكتوبات»، ورضيتُ أيَّما رضًى عن دخولي الشيخوخة، وعزوفي عن مباهج المدنيّة، وانسلاخي عن الحياة الاجتماعية، وشكرتُ الله على ذلك.

***

الرجاء الحادي عشر

بعد أنْ عُدتُ من الأَسر أقمتُ في أحد المنازل الراقية المُقامة على مرتفعِ «چاملِجه» باسطنبول، وكان يقيم معي ابنُ أخي «عبدُ الرحمن» رحمه الله، ويمكن أن تُعَدَّ حياتي هذه من الناحية الدنيوية أسعدَ حياةٍ لأمثالنا؛ فقد نجوتُ من الأَسر، وتيسَّر لي السبيل في «دار الحكمة» لنشرِ العلم بأفضل أسلوبٍ يناسب مسلكي العلمي، وأقبلتْ عليَّ الشُّهرة والجاه بما يفوق حدِّي كثيرًا، فضلًا عن أن الموقع الذي كنتُ أقيم فيه يُعدُّ أجمل بقعةٍ في اسطنبول، أعني «چاملِجه»، وكلُّ شيءٍ لديَّ على ما يرام، ومعي مَن هو في غايةِ الذكاء والتضحية، أقصِد ابنَ أخي «عبدَ الرحمن» رحمه الله، إذْ كان ليَ التلميذَ، والمساعِدَ، والكاتبَ، والابنَ المعنوي.