232

نعم، أنا من طبقة العامة نسبًا ومعيشةً، ومن الآخذين بمبدأ المساواة في الحقوق فكرًا ومشرَبًا، ومن العاملين منذ القديم على رفضِ سيطرةِ واستبدادِ طبقة الخواص المسمَّين بالبُرجوازيين، وذلك انطلاقًا من الرحمة والعدالة النابعتين من الإسلام؛ ولهذا أقف بكل قوتي إلى جانب العدالة التامة ضد الظلم والتسلُّط والتحكم والاستبداد؛ إلا أن فطرةَ نوعِ البشر وسرَّ حكمة خلقِه يُضادّان قانون المساواة المطلقة، لأن الفاطر الحكيم سبحانه مثلما يُخرِج من شيءٍ قليلٍ محاصيلَ وفيرة، ويكتب في صحيفةٍ واحدةٍ كتبًا كثيرة، ويُجري بشيءٍ واحدٍ وظائفَ كثيرة، إظهارًا لكمال قدرته وحكمته، فإنه كذلك يحقق بنوع البشر وظائفَ آلافِ الأنواع.

فلأجل ذلك السِّرِّ العظيم خلقَ الله سبحانه نوعَ الإنسان بفطرةٍ يمكنها أن تُزهِرَ آلافَ الأنواع، وتُظهِرَ طبقاتٍ بعددِ آلافِ أنواعِ سائر الأحياء؛ إذ لم يَحُدَّ سبحانه قوى الإنسان ولطائفَه ومشاعرَه كما هي الحال في الحيوانات، بل أطلقها واهبًا إياه استعدادًا يمكِّنه من التنقل بين مقامات لا حدَّ لها؛ فصار بمثابةِ آلافِ الأنواع مع أنه نوعٌ واحد، ومن هنا غدا الإنسانُ خليفةَ الأرض وثمرةَ الكائنات وسلطانَ الأحياء.

وهكذا فإن أهمَّ خميرةٍ لتنوعِ النوع الإنساني، وأهمَّ نابضٍ محرِّكٍ له سوى التسابق والتنافس، هو الفضيلة الحقيقية النابعة من الإيمان، ولا يمكن إزالة الفضيلة إلا بتبديل الماهية البشرية وإخماد العقل وإماتة القلب ومحقِ الروح.