233

لا يمكن بالظلم والجور محو الحرية

ارفع الإدراك إن استطعتَ من الآدمية

لقد وُجِّه هذا الكلام الرصينُ خطأً إلى رجلٍ رفيع القدر، وما كان يليق أن يُصفَع بهذا الكلام، [الكلام أبياتٌ شعريةٌ للشاعر التركي «نامق كمال» وجهها للسلطان «عبد الحميد» رحمه الله؛ هـ ت] بل كان الجدير أن يُصفَع به وجهُ هذا العصر المتوحِّش الذي يحمل استبدادًا فظيعًا خلف ستار الحرية؛ وأنا أقول بدلًا منه لأصفع وجه هذا العصر:

لا يمكن بالظلم والجور محو الحقيقة

ارفع القلبَ إن استطعتَ من الآدمية

أو أقول:

لا يمكن بالظلم والجور محو الفضيلة

ارفع الوجدان إن استطعتَ من الآدمية

نعم؛ فكما لا يمكن للفضيلة المتحلية بالإيمان أن تكون أداةً للتسلُّط والتحكُّم، لا يمكنها كذلك أن تكون سببًا للاستبداد، بل ما التسلُّط والتحكُّم إلا رذيلةٌ ليست من الفضيلة في شيء، بل إن أهم مشربٍ لدى أهل الفضيلة على وجه الخصوص هو الدخول في الحياة البشرية الاجتماعية على وجه العجز والتواضع والافتقار.

ولقد مضت حياتنا وما زالت تمضي على وفق هذا المشرب ولله الحمد، فلستُ أدعي متفاخرًا أنني صاحب فضيلة، لكنني أقول تحدُّثًا بنعمةِ الله وبنيةِ الشكر: لقد أحسن إليَّ الحقُّ تعالى بفضيلةِ فهمِ العلوم الإيمانية والقرآنية وخدمتِها فضلًا وكرمًا منه سبحانه، فصرفتُ هذا الإحسانَ الإلهي طَوالَ حياتي لمنفعة هذه الأمة الإسلامية وسعادتها، والحمد لله على هذا التوفيق، فكما لم يكن هذا الإحسان الإلهي وسيلةً للتحكُّم والتسلُّط في أي وقت، فإنني كذلك -لسرٍّ مهم- أُبغض ما يطلبه كثيرٌ من أهل الغفلة من إقبال الخلق واستحسانهم وأنفِر منهما، فلقد ضيَّعا عليَّ عشرين سنة من حياتي السابقة، ولهذا أعدُّهما ضارَّين بي، إلا أني أراهما أمارةً على إعجاب الناس برسائل النور فلا أُؤاخذهم على ذلك.

فيا أهل الدنيا.. ما دمتُ لم أتدخل قطُّ في أمور دنياكم؛ ولم أتعرَّض بأيَّةِ جهةٍ لمبادئكم، وليس لي نيةٌ ولا رغبةٌ في مخالطة شؤون الدنيا من جديدٍ بشهادةِ حياتي هذه التي قضيتُها أسيرَ المنفى طَوالَ تسع سنين؛ فبأيِّ قانونٍ تمارسون عليَّ كلَّ هذا الاضطهاد والملاحقة والأذى كأنني طاغيةٌ سابقٌ يُضمِر التسلُّط والاستبداد ويتحيَّن فرصتَه على الدوام؟!