236

ومصباحُ القلب في ظلمات البرزخ، ومفتاحُ السعادة الأبدية؛ فلا شك أن الذي يؤدي هذه الوظيفة من أهل المعرفة لا يُحقِّر النعمةَ الإلهية والفضيلةَ الإيمانية التي أوتيها، ولا يَزْدريها كفرانًا للنعمة، فيتردى إلى حضيض السفهاء والفسقة، ويلوِّثَ نفسه برذائل وبِدَعِ السَّفلة؛ فالعزلة التي لم تَرُقْ لكم والتي اعتبرتموها من قبيل اللامساواة إنما كانتْ لأجل هذا.

ومع هذه الحقيقة، فإنني سأقول كلامًا أوجهه لا لمن يضطهدونني ويذيقونني صنوفَ العَنَت من أمثالكم المتكبِّرين المُغْرِقين في الأنانية، البالغين درجة الفرعونية في خرقِ قانون المساواة هذا؛ لأنه ما ينبغي التواضع أمام المتكبرين، إذْ يُظَنُّ تذلُّلًا لهم، وإنما أوجه الكلام لأهل الإنصاف والمتواضعين والعادلين من أهل الحُكم، فأقول لهم:

إنني بحمد الله أعرف نقصي وعجزي، فلا أطلب مقامَ احترامٍ لأتكبَّر على المسلمين؛ بل أرى في كل وقتٍ معايبي التي لا تحد، وأرى أنني لا شيء، فأجد السُّلوان في الاستغفار، وأطلب من الناس الدعاءَ لا الاحترام.

وأعتقد أن مسلكي هذا معلومٌ لجميع إخواني، إلا أن ثمةَ أمرًا آخر، وهو أنني عند قيامي بخدمةِ القرآن الحكيم وتدريس حقائق الإيمان، أتقلد مقامًا فيه عزةٌ ورِفعةٌ، حفاظًا على ما يقتضيه هذا الأمر من عزةِ العلم ووقاره، وترفُّعًا عن طأطأةِ رأسي لأهل الضلالة، فأفعلُ ذلك لحساب تلك الحقائق ولشرف القرآن، وأعتقد أنه ليس بمقدور قوانين أهل الدنيا أن تعارض هذه الأمور.

  •    أسلوبُ معاملةٍ يثير الحيرة:

من المعلوم في كل مكان أن أهل العلم يَزِنون الأمور بميزان العلم والمعرفة، فأيُّما امرئٍ وجدوا عنده معرفةً وعلمًا أوْلَوْه الاحترام وعقدوا معه أواصر الصداقة بمقتضى مسلك العلم، بل حتى لو قدِم إلى هذه البلاد عالمٌ -بروفسور- من دولةٍ معادية، لزاره أهل العلم والمعرفة واحترموه تقديرًا لعلمه ومعرفته.