250
الإشارة الثانية:
العناية الربانية الثانية التي تخص الخدمة القرآنية، وهي أن الحق تبارك وتعالى قد أحسن إليَّ بإخوانٍ أقوياء أوفياء مخلصين، أصحابِ همةٍ وعزيمةٍ وتضحية، لهم أقلامٌ كالسيوف الألماسية، فجعلهم أعوانًا لشخصٍ مثلي شِبهِ أميٍّ لا يُحسِن الكتابة، وحيدٍ في ديارِ الغربة، ممنوعٍ من مخالطةِ الناس؛ وحمَّلَ كواهلَهم القوية ما أثقل كاهلي الضعيفَ العاجزَ من الوظيفة القرآنية، فخفَّف حِملي بكمالِ كرمه.
فهذه الجمـاعة المبـاركة هي بمثابـةِ أجهـزةِ البث اللاسـلكي بحسب تعبير «خُلوصي»، وهي بمثابة مولِّدات الكهرباء لمعمل النور بحسب تعبير «صبري»؛ ومع أن لكلٍّ منهم مزاياه المتنوعة وخصائصه القيِّمة إلا أنهم يتشابهون في الحماس والسعي والهمة والجد تشابهًا يُعدُّ نوعًا من التوافقات الغيبية بحسب تعبير «صبري» أيضًا؛ وإن نشرَهم الأسرارَ القرآنية والأنوارَ الإيمانية وإيصالَهم إياها إلى شتى الجهات، وخدمتَهم التي يؤدونها بمنتهى الحماس والهمة من غير كللٍ ولا فتور -رغم وجود أسبابٍ كثيرةٍ تورِث الفتور وتقتل الحماس في هذا الزمان، حيث استُبدِلت الحروف العربية وأُغلِقتْ مطابعها، وبات كلُّ شخصٍ محتاجًا إلى الأنوار الإيمانية- ليس سوى كرامةٍ قرآنيةٍ مباشرة، وعنايةٍ إلهيةٍ ظاهرة.
أجل، فكما أن للولاية كرامتَها، فإن للنيةِ الخالصةِ كرامتَها، وإن للإخلاص كرامتَه أيضًا؛ وكذلك التسانُد الجادُّ الخالص بين الإخوان في دائرة الأُخوَّة في الله، فإن له على وجه الخصوص كراماتٍ كثيرة؛ حتى إن الشخصَ المعنويَّ لجماعةٍ كهذه قد يكون في حكمِ وليٍّ كاملٍ، ويكون مَظهرًا للعنايات.
فيا إخواني ويا أصحابي في خدمة القرآن.. كما أن من الظُّلم والخطأ أن يُعمَدَ إلى رقيبِ فوجٍ فَتَحَ حصنًا فيُمنَح جميعَ الشرف والغنائم، فكذلك ليس لكم أن تَعْزُوا إلى مسكينٍ مثلي عناياتِ الفتوحات التي تحققتْ بأقلامكم وبقوةِ شخصكِم المعنوي.